‫الرئيسية‬ الأعداد السابقة تأثير الصراع على الأطفال في اليمن صرخة الأطفال النازحين في اليمن.. استنزاف الأمل والحاجة الملحة للرعاية والحماية

صرخة الأطفال النازحين في اليمن.. استنزاف الأمل والحاجة الملحة للرعاية والحماية

صوت الأمل – هبة محمد

يعد النزاع المستمر في اليمن منذ سنوات طويلة أحد أكثر الأزمات الإنسانية تدميرًا في العالم، فقد ترك آثاره الوخيمة على الأفراد والمجتمع بأكمله. ومن بين المتأثرين الأكثر ضعفًا وضررًا، يوجد الأطفال النازحون الذين يعيشون في ظروف قاسية ومعاناة لا توصف.

ويشكل الصراع والعنف الدائر في اليمن تهديدًا مباشرًا على حياة الأطفال، مما يؤدي إلى نزوحهم من منازلهم ومجتمعاتهم الأصلية. ويواجهون تحديات شديدة وتأثيرات سلبية على صحتهم الجسدية والنفسية وعلى تعليمهم، مما يعرض حقوقهم الأساسية ومستقبلهم للخطر.

تأثير النزوح على الأطفال في اليمن

إن فهم تأثير النزوح على الأطفال وتوثيق معاناتهم ضروري للتعرف على الأزمة الإنسانية المتفاقمة، ولضمان توجيه الجهود والموارد اللازمة لمساعدتهم وحمايتهم؛ إذ يعد النزوح والعنف من أكثر العوامل التي تؤثر سلبًا على حياة الأطفال، ويترك آثارًا عميقة على صحتهم وتنميتهم الشاملة.

تقول الأخصائية النفسية والباحثة الاجتماعية هدى الزبيري: “تأثير النزوح على الأطفال قد يكون له آثار طويلة الأمد على صحتهم الجسمانية أو النفسية، وهناك ما يقرب من 4.5 مليون نازح، منهم 80% من الأطفال والنساء. وهذا وضع صعب للغاية للأطفال الذين تعرضوا لمثل هذه الأحداث”.

وأوضحت أيضًا أن هناك آثارًا ناتجة عن نزوح الأطفال، ذكرت منها التعرض للخطر الجسدي والنفسي والاستغلال، بما ذلك التعرض للاتجار البشري، أو يكونون أكثر عرضة للإصابة بأمراض نفسية، كالاكتئاب والقلق والانفصام الذي يصاحبهم إلى مرحلة الرشد.

وعن وضع الأطفال النازحين في أماكن الإيواء، تضيف الزبيري: “يواجه الأطفال النازحون تمييزًا عنصريًا، وخاصة في الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليمية. وبسبب النزوح وانشغال الأطفال بالعمل فإنهم يحرمون من التعليم الذي يؤثر على مستقبلهم المهني والاقتصادي وتوفُّر فرص عمل أفضل بسبب عدم حصولهم على شهادة علمية”.

وذكرت أن الإحصائيات حول آثار النزوح على الأطفال تشير إلى أن ما يقارب من 500,000 طفل دون سن الخامسة يعانون من سوء التغذية الحاد مما يعرضهم للموت. ويتعرض الأطفال النازحون للاستغلال الجنسي والنفسي والجسدي بشكل متزايد، ويضطر العديد منهم إلى العمل في وظائف خطرة”.

وتشارك الأخصائية النفسية عبير درهم بقولها: “نحن ندرك تأثير التغيير المستمر للبيئة على حياة الأطفال، سواء كان ذلك من نقلهم من بيئة إلى أخرى في نفس المحافظة أو من محافظة إلى أخرى مع اختلاف كبير في الاقتصاد والبيئة والسكن. ونعترف بالتحديات الكبيرة التي يواجهونها والتأثير السلبي الذي يمكن أن يكون لهذه التغييرات على صحتهم النفسية والاجتماعية”.

وتفيد درهم: “يعاني الأطفال في مثل هذه الحالات من اضطرابات مثل الاكتئاب والقلق وصعوبات التكيف، فيجدون صعوبة في التكيف مع التغييرات المفاجئة التي تطرأ عليهم نتيجة الصراع، ويشعرون بعدم الارتياح في البيئة الجديدة التي يعيشون فيها بسبب التغييرات الاقتصادية والاجتماعية”.

وتؤكد ذلك الأخصائية الاجتماعية بشرى علي بقولها: “فعلاً، الأطفال الذين يتعرضون للنزوح أو اللجوء نتيجة الصراع يعانون من آثار سلبية عميقة تستمر لفترة طويلة، فسلوكياتهم وحالاتهم النفسية والاجتماعية تتأثر بشكل كبير. وتعرض الأطفال للصدمات وفقدان الأمان والاستقرار الأسري والنفسي يمكن أن يسبب اضطرابات ما بعد الصدمة والعديد من المشاكل النفسية والاجتماعية والجسدية. وقد يصبح التشرد والانفصال الأسري هواجس رئيسية للأطفال، وقد يتعرضون للعديد من أنواع الانتهاكات مثل الاختطاف والتسول والتحرشات بأشكالها المختلفة”.

السلوكيات المكتسبة لدى الأطفال النازحين

“للنزوح آثار عميقة على السلوك على المدى القصير والطويل؛ وهذا يؤثر بشكل مباشر في سلوكيات الطفل فيجعله في حالة من القلق والخوف والتوتر، ويكون عدوانيًا وكارهًا للمجتمع. ومن هذه السلوكيات أن الطفل النازح يكون أكثر عنفًا بسبب الترسبات النفسية بداخله والأحداث التي مر بها خلال نزوحه، وهذا ما يجعله يشعر بالخوف والتهديد وعدم الأمان. وينعكس ذلك في سلوكه العدواني حمايةً لنفسه من الأذى”، وفقًا للأخصائية النفسية هدى الزبيري.

وتقول درهم: “يمكن أن تظهر سلوكيات سلبية لدى الأطفال نتيجة هذه الظروف، مثل العدوانية أو الانطوائية أو التمرد، وقد يلجؤون إلى الكذب أو السرقة كوسيلة للتكيف مع الوضع الصعب الذي يعيشونه. هذه السلوكيات المكتسبة تعكس حاجتهم لبيئة آمنة ومحفزة، حيث يمكنهم التعبير عن أنفسهم بشكل صحيح”.

وأضافت: “يعاني الطفل النازح من العزلة والانفراد مع أسرته بعيدًا عن الاختلاط بالمجتمع المحيط به؛ وهذا بسبب نظرة المجتمع الدونية للنازحين، مما يسبب له الخوف والإحراج من التواصل مع الآخرين”.

وختمت الزبيري ودرهم حديثهما بالقول: “وهنا، لا بد أن يتلقى الطفل النازح الدعم النفسي والاجتماعي، والاهتمام من قبل المنظمات الدولية ومؤسسات المجتمع المدني والحكومة من خلال توفير المكان الملائم والغذاء والصحة والتعليم، وإدماجه في المجتمع المستضيف بشكل يضمن له سلوكيات صحية وسليمة”.

على هامش الحياة يعيش الأطفال النازحون في اليمن

هنا، وسط محافظة إب، وتحديدًا في مخيم السلام للنازحين الذي يكتظ بالكثير من الأسر التي لا يقل عدد الأطفال في كل واحدة منها عن خمسة أطفال. حكايات محزنة مليئة بالأحداث المرعبة التي لا يتحملها الكبار، فما بالنا بالأطفال!

 منهم أسامة الذي لا يتجاوز الخامسة عشر من عمره، يخرج كل يوم من المخيم متجهًا نحو الشارع، ليقف أمام المدارس والمستشفيات، ويبيع البيض المسلوق ليوفر له قوت يومه. ومثله إخوته الأصغر منه بأعمار مختلفة، أحدهم يعرض على الناس استخدام الميزان بمقابل أجر، والآخر يجمع العلب البلاستيكية من الشوارع ويبيعها لأحد المصانع. حياتهم قاسية جداً، لم تسمح لهم ظروف المعيشة الصعبة أن يلتحقوا بالمدارس كبقية الأطفال. 

وأما محمد فواز (12 عامًا) فكان يعيش في مدينة تعز قبل أن تندلع النزاعات. وخلال المعارك، دُمر منزله وتشردت عائلته، تعرض محمد للجوع والعطش والبرد، وهو يسعى للعثور على مأوى آمن له ولأسرته. وبعد وقت قصير من النزوح إلى محافظة إب -هو وعائلته- تمكنت منظمة إغاثة محلية من توفير مأوى لهم في مخيم للنازحين. تلقى محمد الدعم النفسي والتعليم الأساسي في المخيم، وبدأ يتعافى تدريجيًا من تجربته المأساوية، وهو يحلم بالعودة إلى مدرسته ومواصلة تعليمه، لكنه يعمل بجد لتحقيق ذلك في ظل الظروف الصعبة.

عُمر الوليد (10 سنوات)، كان يعيش في قريته الجميلة في أحد أرياف محافظة تعز قبل أن تأتي المعارك وتجبره على الفرار مع عائلته. يتذكر عمر كيف كان يلعب في الحقول ويركض بين الأشجار مع أصدقائه فيشعر بالألم. أما الآن فيعيش في مخيم للنازحين على أحد شوارع محافظة إب، ويشعر بالحنين لمنزله وأهله وحياته السابقة، يعيش في خيمة ضيقة، ويشارك الحمَّام والمرافق الصحية مع العديد من الأسر الأخرى، ويفتقر إلى اللعب والترفيه والتعليم، ويشعر بالملل والإحباط في حياته.

أشارت والدة عمر إلى أن طفلها تغير نفسيًا بشكل كبير؛ فقد اكتسب سلوكًا عدوانيًا، وأصبح يؤذي الأطفال الآخرين ممن هم في سنه، ويتلفظ بألفاظ سيئة، ويكره الجميع، وأحياناً يبكي بشكل مستمر دون توقف، وقد فقد شهيته للأكل لأشهر وأصبح طفلًا آخر عما كان عليه في السابق. 

أما نور الشرعبي ففتاة صغيرة تبلغ من العمر 8 سنوات، هربت عائلتها من المعارك والقصف في مدينة تعز، ووجدوا أنفسهم في مخيم السلام للنازحين في محافظة إب. تأثرت نور كثيرًا بالتغيرات المحيطة بها، وقد لاحظت والدتها عليها تغيرات سلوكية؛ إذ أصبحت متجنبة وخجولة، وتفضل العزلة وتخاف من اللعب مع الأطفال الآخرين. ومع قلة الدعم والإمكانيات المتاحة داخل المخيم، يزداد وضع الأطفال النازحين سوءًا.

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

96.2% من المشاركين في الاستطلاع يعتقدون أن الصراع تسبب في حرمان أطفال اليمن من حقوقهم الأساسية

صوت الأمل – يُمنى أحمد خلق الصراع المستمر في اليمن أزمة إنسانية كبرى قد تعد واحدة من أسوأ …