‫الرئيسية‬ الأعداد السابقة تأثير الصراع على الأطفال في اليمن تسرب الأطفال من المدارس.. مشكلة واقعية فرضها الصراع في اليمن

تسرب الأطفال من المدارس.. مشكلة واقعية فرضها الصراع في اليمن

صوت الأمل – علياء محمد

يعد التسرب من المدارس من الظواهر المنتشرة في المجتمع، تتفاوت حدتها من مجتمع لآخر، ومن مرحلة دراسية إلى لأخرى. تُعرَّف هذه الظاهرة بـ”ترك الطالب للمدرسة من أي صف من صفوفها قبل إكماله المراحل الدراسية”. وتنتج هذه الظاهرة عن مجموعة من العوامل، المتراكمة والمتفاعلة مع بعضها بعضا، التي تدفع الطلاب إلى الخروج من المدارس دون إكمال تعليمهم.

أرقام وإحصائيات

في اليمن فرض الصراع القائم تداعيات على قطاع التعليم، وتسبب بتدهور كبير فيه، ودفع بأكثر من 400,000 طفل إلى الخروج من المدارس بشكل مباشر، وتضررت 2,507 مدرسة وفقًا لتقرير صادر عن اليونيسف في فبراير من العام 2021.

وذكر التقرير أن “أكثر من 8 ملايين طفل يمني بحاجة إلى دعم تعليمي طارئ ومجموعة من المشاريع التي تضمن استمرار التعلّم المنظّم في حالات الطوارئ أو الأزمات أو الاستقرار الطويل الأمد”. وقالت المنظمة إن “النزاع الدائر والانقطاع المتكرر في العملية التعليمية في جميع أنحاء البلاد أضر بشكل عميق بالقطاع التعليمي”.

 التدهور الاقتصادي وزيادة نسبة الفقر 

 تؤثر السياسات الاقتصادية والاجتماعية على المستوى المعيشي للأسر، وتصوغُ الظروف التي تعيش فيها الأسرة؛ مما يؤثر على دخل الأسر وإنفاقها. ونتج عن الصراع القائم في اليمن منذ ثماني سنوات تدهورًا في الأوضاع الاقتصادية، وتدنٍ في مستوى دخل الأسر؛ نتيجة انقطاع الرواتب وتسريح آلاف الموظفين من أعمالهم؛ وهذا زاد من تفشي ظاهرة الفقر في المجتمع مما شكل تحديًا كبيرًا أمام الأسر التي أصبح همها الأول الكفاح من أجل البقاء.

أسامة محمد، ابن الثانية عشر عامًا، أُجبر على ترك تعليمه والخروج إلى سوق العمل، واتجه إلى بيع “القات” لإعالة أسرته ومساعدة والدته في تحمل مصاريف الأسرة. لم يكن أسامة الطفل الوحيد الذي تخلى عن تعليمه؛ فهناك آلاف من أطفال اليمن الذين تسربوا من مدارسهم نتيجة الصراع وتدهور الأوضاع الاقتصادية.

 فقد أشار تقرير اليونيسف، الوارد تحت عنوان (عندما يتعرقل التعليم: تأثير النزاع على تعليم الأطفال في اليمن)، إلى أن ما يزيد عن مليوني فتاة وفتى في سن الدراسة في اليمن خارج المدرسة بسبب الفقر والصراع ونقص الفرص التعليمية.

واقع الأطفال في اليمن

“لا تعليم، لا صحة، لا ترفيه، لا بيئة آمنة ولا مستقرة، وفي كل بيت نجد فقيدًا”، بهذه الكلمات وصفت آية خالد -مديرة منصة إكسير للطفولة- حال أطفال اليمن جراء الصراع.

وتتابع: “بسبب الصراع القائم في اليمن، عدَّت الكثير من الأسر أن التعليم ليس من الأولويات، وارتأت أن المبالغ التي تصرف على المدارس يمكن أن يُسدُّ بها جوع الأسرة في ظل الأوضاع الراهنة”.

مضيفة: “اقتنعت الكثير من الأسر أن التحاق أبنائهم بالعمل بأي مهنة أمر مفيد ومجدٍ أكثر من التعليم، وهذه قائمة تضاف إلى قائمة تسرب الأطفال من مدارسهم وزيادة نسبة الأمية في اليمن”. مؤكدة أن النزوح والتنقل من مدينة لأخرى سبب آخر ورئيسي لانعدام فرص التعليم للأطفال، لا سيما من ينزح إلى المخيمات. 

ووفقًا لما تم رصده في “منصة إكسير للطفولة”، فإن أكثر من 10 مخيمات للنازحين في اليمن لا يتلقى فيها الأطفال أي خدمة تعليمية؛ بسبب رفض أهالي المناطق انضمامهم إلى المدارس مع أطفالهم، وبسبب النظرة الدونية نحو هؤلاء الأطفال وعدم تقبلهم في المناطق الجديدة.

منظور اجتماعي

وفي السياق ذاته أوضحت رشا عبد الله -أخصائية اجتماعية- أن هناك علاقة تربط بين التعليم بالفقر؛ فالأطفال الذين ينشؤون في مستوى معيشي متدنٍ هم أكثر الأطفال عرضة للتسرب من المدرسة وانخفاض في مستويات التحصيل العلمي”.

مضيفة: “أثرَّ النزاع في اليمن بشكل خاص على الأُسر ذات الدخل المتوسط والمنخفض، وبات توفير التعليم لأطفالهم من الكماليات؛ وبالتالي اضطر الكثير من الأطفال ترك مقاعدهم الدراسية؛ نتيجة عدم قدرة أسرهم على تحمل تكاليف التعليم، لا سيما أن المدارس فرضت رسومًا شهرية لإكمال العملية الدراسية وتغطية مرتبات المدرسين بسبب انقطاع رواتبهم”.

وحول فرض رسوم للالتحاق بالتعليم في المدارس الحكومية في المناطق الشمالية لليمن، تقول جمعة حسن -أم لأربعة أطفال-: “بسبب انقطاع رواتب المعلمين تم وضع بند يسمى بالمشاركة المجتمعية، وفيها فُرض مبلغ ألف ريال شهريًا طوال السنة الدراسية”.

مضيفة: “لم تكن المشاركة المجتمعية مفروضة على الطلاب من قبل، واقتصرت على الأسر القادرة على ذلك، لكن -منذ ثلاث سنوات تقريبًا- أصبحت رسومًا أساسية لتسجيل أبناءنا في المدارس. وقد قدرت بما يقارب ثمانية آلاف ريال عن كل طالب، فتعجز بعض الأسر عن دفعها، وهذا أجبرهم على إخراج أبنائهم من المدارس”.

النزوح

 مع بداية كل عام دراسي جديد يترك الكثير من الأطفال مقاعدهم الدراسية بسبب النزوح؛ الأمر الذي أحدث تحولًا كبيرًا في الوضع التعليمي، فقد اضطرت العديد من الأسر إلى مغادرة منازلها والبحث عن ملاذ آمن في مناطق أخرى.

وفي إفادةٍ للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين في تقرير لها نشرته في ديسمبر الماضي فإن 3.5 مليون طفل يمني لم يذهبوا إلى المدرسة منذ سنوات؛ نتيجة النزوح والزحام في المدارس وعدم القدرة على التعايش مع المساحات الضيقة داخل المدارس.

من جهة أخرى، أشارت منظمة اليونيسف إلى أن أكثر من 523,000 طفل نازح في سن الدراسة يواجهون صعوبة في الحصول على التعليم؛ بسبب الازدحام وعدم وجود مساحة كافية في الفصول الدراسية الحالية في مناطق النزوح باليمن.

 وأكدت وفاء ياسين -معلمة- على أن تغيير مواقع المدارس أثر على الطلاب سلبيًا؛ فكثير من الأطفال احتاجوا وقتًا أكبر للتأقلم مع مدارسهم الجديدة في مناطق النزوح، وبعضهم رفض الذهاب إلى المدرسة بالمرة. 

 مضيفة: “وجد العديد من الأطفال صعوبة في الوصول إلى التعليم والحصول على فرصة تعليمية جيدة، وواجه الكثير منهم تحديات نفسية نتيجة تغيُّر نمط الحياة الذي كانوا يعيشونه قبل النزوح، وشكلت الظروف الصعبة في المخيمات عائقًا إضافيًا للتعليم”.

سوء الخدمات التعليمية

 تسبب الصراع بدمار بعض المدارس، ومُنعُ الكثير من الطلاب من الالتحاق بالمدرسة. وقد رصد تقرير حقوقي صادر عن المركز الأمريكي للعدالة (ACJ) في العام 2021 نحو 5,938 انتهاكًا طال العملية التعليمية ومؤسساتها في اليمن.

وأشار التقرير إلى أبرز تلك الانتهاكات، ومنها: الانتهاكات المباشرة التي شملت قصف المدارس؛ فقد رصد التقرير ووثق 49 حالة قصف، واستهداف المدارس في أكثر من محافظة في اليمن وتحويل 22 مدرسة إلى ثكنات وسجون عسكرية.

 بالإضافة إلى رصد 1579 مُعلِّمًا قُتلوا منذ بداية الحرب، وإصابة 2624 معلِمًا، واعتقال ما يقارب 621 مُعلِمًا، وإخفاء 36 معلمًا قسريًا، بالإضافة إلى انقطاع مرتبات أكثر من 170,000 معلمٍ.

نسيم الحاج واحدة من المعلمات اللواتي انقطعت رواتبهن، الأمر الذي منعها من مواصلة مهنة التدريس في مدرسة حكومية، واضطرت إلى الالتحاق بمهنة التدريس في مدرسة خاصة. تقول: “تعاني المدارس في عموم البلاد من تحديات وصعوبات أدت إلى التأثير على جودة التعليم؛ نظرًا لافتقار المدارس للمقومات الأساسية التي تضمن تعليم عالي الجودة”.

 مضيفة: “تسبب الصراع بتسرب الكثير من المعلمين من المدارس نتيجة انقطاع الرواتب وتدني أداء المعلمين؛ نتيجةً لتدهور الوضع المعيشي للمعلمين، واضطرار الكثير منهم إلى البحث عن وظائف في المدارس الخاصة أو في أعمال أخرى”. لافتةً إلى أن غياب الكتب الدراسية وعدم توفرها يعرقل سير العملية التعليمية وأثر على نوعية التعليم المقدم.

وفي سياق متصل، أشارت آية خالد إلى التراجع الكبير الذي أحدثه الصراع بقطاع التعليم؛ إذ شهدت العملية التعليمية في المدارس الحكومية تدهورًا في الخدمات التعليمية ونقصًا في الموارد التعليمية؛ الأمر الذي أجبر الأهالي على نقل أطفالهم إلى المدارس الخاصة التي تفرض مبالغ طائلة مما شكلت هي الأخرى عبئًا إضافيًا على الأهالي في وضع اقتصادي مأساوي يعيشونه.

معالجات وحلول 

كانت -وما تزال- مشكلة التسرب من المدارس من أكثر المشاكل التي تتطلب تضافر جهود جميع الجهات المختصة لإيجاد حلول ومعالجات لإعادة الطلاب إلى مقاعدهم الدراسية.؛ إذ لا بد من أن تقوم مؤسسات المجتمع المدني بعمل خطة وطنية تعيد تأهيل الطلاب المتسربين، بالإضافة إلى تطوير إستراتيجيات للوصول إلى الطلاب المتضررين من النزوح وتأمين فرص التعليم الجيدة لهم.

علاوة على ذلك، يجب مساعدة الأسر الفقيرة ماديًا لتغطية النفقات الدراسية، وتوفير الموارد التعليمية، وتحسين البنية التحتية للمؤسسات التعليمية في المناطق المتضررة من النزاع وتوفير برامج تعليمية ملائمة لاحتياجات الأطفال النازحين، بالإضافة إلى توفير دعم نفسي واجتماعي لهم، ونشر الوعي، وتثقيف الأسرة بقيمة التعليم وبمخاطر التسرب.  ختامًا، لا بد من إنهاء الصراع وتحقيق السلام في اليمن؛ لضمان حق التعليم لكل أطفال اليمن، وبناء مستقبل مستدام لهم ولوطنهم. 

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

96.2% من المشاركين في الاستطلاع يعتقدون أن الصراع تسبب في حرمان أطفال اليمن من حقوقهم الأساسية

صوت الأمل – يُمنى أحمد خلق الصراع المستمر في اليمن أزمة إنسانية كبرى قد تعد واحدة من أسوأ …