‫الرئيسية‬ الأعداد السابقة وسائل التواصل الاجتماعي في اليمن حماية التراث الثقافي ونشره في عصر الرقمية

حماية التراث الثقافي ونشره في عصر الرقمية

صوت الأمل – هبة محمد

في عمق تاريخها الغني وثقافتها المتنوعة، تحتضن اليمن تراثًا ثقافيًا فريدًا وجزءًا لا يتجزأ من الهوية الوطنية للشعب اليمني. وفي عصرنا الرقمي ينطلق التحدي الجديد في كيفية الحفاظ على هذا التراث الثقافي وتوثيقه في هذا العالم المليء بالمتغيرات، وفي الوقت نفسه كيفية تعزيزه ونشره في العالم.

وتأتي وسائل التواصل الاجتماعي كأداة قوية تقدم فرصًا جديدة لتناقل التراث الثقافي اليمني وإحياء قصصه وعاداته؛ فهي توفر منصات متنوعة ومفتوحة للتعبير عن الهوية الثقافية والتفاعل مع المجتمع المحلي والعالمي، من خلال مشاركة الصور والفيديوهات والمقالات والمنشورات، يمكن لليمنيين والآخرين مشاركة تجاربهم وقصصهم الثقافية، وبذلك يتمكنون من بناء جسور من الأصالة إلى العالم الرقمي.

أهمية رقمنة التراث اليمني ونشره

رقمنة التراث اليمني تحمل أهمية كبيرة في الحفاظ على الهوية الثقافية والتاريخية لليمن، وتعزيز فهم الأجيال الحالية والمستقبلية لتراثها الغني. تقول د. لينا الخولاني -عضو هيئة التدريس في جامعة إب، ومهتمة بالشأن الثقافي ومنصات التواصل الاجتماعي-: “الحديث عن التراث اليمني ليس بالشيء القليل أو الوجيز، لا سيما أن التراث اليمني ذو جذور تاريخية عميقة؛ إذ يعود إلى حضارة تاريخية قديمة، فاليمن تعد أقدم بقاع الأرض التي عاش عليها الإنسان، وهي أرض العرب الأولى وأصل الجنس العربي وأول من تكلم بلسان العرب”.

وتواصل: “اليمن سحر التاريخ، وقد ذكرها القرءان الكريم في مواضع عدة، منها آرام وعاد وثمود وذو الأحقاف وسبأ وبلقيس، وكلها حقائق وشواهد حضارية تؤكد عمق تراث الحضارة اليمنية. ومن المؤكد أن كل أمة ليس لها تراث ليس لها تاريخ”.

وتؤكد أن قيمة الأمم تكمن فيما تحتفظ به من تراثها القديم الذي تراكم عبر العصور، ومن خبرات السابقين، وأن هذا التراث القديم إنما هو أرض صلبة يقف عليها الحاضر ويولد دفعة إلى مستقبل الأمم.

وأضافت قائلة: “إن زيادة توسع العولمة على مدى العقود الأخيرة أدت إلى تعريض التراث اليمني للخطر، وجعل الحاجة إلى تسجيله وحمايته أكثر إلحاحًا. وقد تم استخدام التقنيات الرقمية على نطاق واسع لرقمنة المواد المتنوعة والتقاطها في شكل ضوئي أو فيديو، جنبًا إلى جنب مع البيانات الوصفية المناسبة والوثائق ذات الصلة”.

وتواصل الحديث عن أهمية رقمنة التراث اليمني بقولها: “عملية استخدام التقنيات الرقمية لنشر التراث على مواقع التواصل الاجتماعي يجعله متاحًا للجمهور ويسمح بتناقله عبر الأجيال، كما يمكن من الوصول إليه بسهولة في أي مكان في العالم، فضلاً عن أهميته في عملية التعليم والتدريب؛ إذ يمكن استخدام الصور والمقاطع الصوتية والفيديو لمساعدة الطلبة على فهم التراث اليمني بشكل أفضل. وأيضًا يستخدم التراث الرقمي في السياحة من خلال إنشاء مواقع ويب وتطبيقات يمكن للزوار استخدامها لتعلم المزيد عن التراث اليمني ومعرفة المزيد عن العادات والتقاليد اليمنية”.

وأشارت في سياق حديثها إلى أن لليمن موروثًا تاريخيًا وتراثيًا عظيمًا؛ فهناك أكثر من 15000 موقع أثري في اليمن يعود تاريخها إلى عصور ما قبل التاريخ وحتى العصر الإسلامي، كما أن هناك أكثر من 100,000 مخطوطة يمنية، يعود تاريخها إلى العصور الوسطى، فضلاً عن العديد من الأعمال الفنية اليمنية المتميزة، مثل العمارة اليمنية التقليدية والنقوش اليمنية القديمة.

وترى الخولاني أنه عند تحليل المواقع الإلكترونية والصفحات والقنوات على مواقع التواصل الاجتماعي يلاحظ أن هناك تنوعًا في التراث اليمني، لكن توفره في المواقع الرسمية الرقمية ضعيف، أما المنشور بجهود ذاتية فهو غير موجه ولا يفي بالغرض، وتوضح أن السبب يعود إلى العديد من التحديات التي تواجه رقمنة التراث اليمني.

ويقول محمد العنابي -مدير مكتب الآثار في محافظة إب-: “تكمن أهمية رقمنة التراث في الحفاظ على التراث، من خلال الوصول السريع إلى مواقع التراث لمعرفة حالتها واحتياجاتها في حال التدخلات البشرية غير القانونية والكوارث الطبيعية والنزاعات”.

ويكمل: “كذلك من الضروري البدء بتوثيق الآثار الموجودة في المتاحف ووضع قاعدة بيانات رقمية لحفظ القطع الأثرية في المتاحف، وتسجيل المواقع الأثرية والسعي إلى إجراء مسح لجميع المواقع الأثرية وإنشاء قاعدت بيانات رقمية لهذه المواقع”.

فيما يشاركنا الرأي د. فيصل راجح -عضو هيئة التدريس في الجامعة الوطنية، إب- بالقول: “التراث يشكل جزءًا لا يتجزأ من هوية الثقافة التي تميز المجتمعات المختلفة وتعطيها هويتها الفريدة. لذلك، ينبغي أن نسعى بجدية لحماية التراث، سواء كان ماديًا أو غير مادي، وأن نحتضنه ونتمسك به بقوة، وذلك باستخدام التكنولوجيا المتقدمة، وخاصة تقنيات الرقمنة، لخدمة هذا التراث والحفاظ عليه بشكل أفضل”.

وينصح راجح المهتمين بالتراث الرقمي وعملية الرقمنة بتحديد عناصر التراث الثقافي اليمني والتعرف عليها بدقة، ثم التحقق من صحة المعلومات المتعلقة بهذه العناصر، ومن ثم رقمنة المحتوى والعمل على الحفاظ عليه بشكل دائم.

الحفاظ على التراث الثقافي في عصر الرقمنة

“ندرك الحاجة الملحة لمواكبة التقدم السريع في مجال التكنولوجيا الرقمية وفوائدها الهائلة في سعينا للحفاظ على التراث الثقافي إلى اعتماد وسائل رقمية تضمن استدامة التراث بدون تعرضه للمخاطر أو التهديدات”، وفقاً للدكتور فيصل راجح.

ويواصل: “تهتم الدول بفكرة دمج التراث مع التقنيات الرقمية؛ إذ يتم تحويل التراث إلى معلومات رقمية مدروسة ومنظمة، ويتم تخزينها بشكل منتظم لسهولة الوصول إليها عبر أجهزة إلكترونية”.

وأفاد أنه بفضل التطور التكنولوجي يمكننا الحفاظ على أصناف التراث المتنوعة، بدءًا من الأعمال الأدبية والفنون التشكيلية والمعمارية، ووصولًا إلى العادات والتقاليد والأغاني والقصص الشعبية، وأضاف أيضاً أن للرقمنة دورًا هامًا في نشر الوعي الثقافي وتعزيز التراث؛ إذ تمكننا التقنيات الرقمية من تعريف العالم بتراثنا على نطاق واسع.

ويشارك نبيل العزي -صاحب مشروع التراث الرقمي- بالقول: “يعد التراث رمزًا لعظمة حضارتنا، ويحمل في طياته الفخر والشموخ. إن بلادنا اليمن نبراس للحضارات وأصل العرب والعروبة، وتعد المصدر الأول للتاريخ والتراث البشري الذي نفتخر به عبر العصور”.

ويواصل: “أسست فكرة مشروع التراث الرقمي الذي يركز بشكل خاص على العناصر الثلاثة: التاريخ، والتراث، والأرض. ويهدف المشروع إلى إلقاء الضوء على الجوانب المغيبة من التراث التي تحتاج إلى اهتمام فوري؛ لقيمتها الجمالية والأثرية. حاولنا جاهدين توثيق تراث اليمن، باستخدام التكنولوجيا الرقمية خاصة بعد الدمار الذي أصاب عددًا من المواقع الأثرية”.

ويوضح: “قمت بتصميم نماذج ثلاثية الأبعاد لعدد من المواقع الأثرية التي اندثرت؛ بهدف إبراز هذه المواقع على حقيقتها الدقيقة والواقعية. نحن ندرك أن هذا يمثل تحديًا كبيراً، ومع ذلك مازلنا في مواصلة تنفيذ هذا المشروع”.

وعن أهم المواقع الأثرية والتراثية التي قام نبيل بتصميمها يقول: “جسدنا أبرز الأماكن الأثرية في تصاميم ثلاثية الأبعاد في إطار مشروعنا الهادف إلى رقمنة حفظ المواقع التاريخية باستخدام التكنولوجيا الرقمية، من هذه المواقع باب اليمن في صنعاء، أحد أبرز المعالم التراثية في اليمن، وأيضا عرش بلقيس في مأرب، وقصر سيئون أو قصر الكثيري، وقصر غمدان في صنعاء، وجسر شهارة في عمران وغيرها من الأماكن التاريخية”.

تحديات وصعوبات

 أشار العنابي إلى أن هناك صعوبات تواجه مجال حفظ التراث الرقمي في اليمن، مثل شحة الموارد المالية المتاحة للهيئة العامة للآثار، ولا يمكن توفير الوقت الكافي لعدد معين من متطلبات البيانات الرقمية اللازمة، أيضاً هناك صعوبة في الحصول على نظام الخريطة الرقمية الموحدة والمحدثة في تسهيل عمليات تحديد المواقع الأثرية وتوثيقها.

وختم حديثه بالقول: “لذا، نحن بحاجة إلى التركيز على التمويل وتوفير الموارد المالية اللازمة للهيئات العامة بحفظ التراث، كما يجب أن نعمل على تحديث النظام الرقمي الشامل للخريطة الرقمية الشاملة وتطويره؛ لتسهُل عمليات رقمنة التراث بشكل فعال”.

فيما يقول العزي: “نواجه العديد من التحديات في تحويل الأماكن التراثية إلى تصاميم ثلاثية الأبعاد، أحد هذه التحديات صعوبة تحويل الصور الواقعية إلى تصاميم ثلاثية الأبعاد بشكل سريع، يتطلب الأمر فتح الصورة على الهاتف أو الكمبيوتر المحمول كل خمس دقائق لتتمكن من تصميم شيء مطابق للمواصفات القياسية والفنية”.

وأضاف: “ولا بد من بذل جهود إضافية لبحث الهندسة المعمارية والتوجهات التقليدية التي تعود لتلك الحقبة، بواسطة برامج التصميم الثلاثي الأبعاد، ويمكن إعادة إنشاء إبداعات واقعية عالية الجودة. أيضًا، هناك صعوبة في الحصول على صور الآثار من الجهات الأربع، فليس من السهل العثور على صور الآثار من الأمام والخلف واليمين واليسار”.

وأشار العزي أن من أكبر التحديات التي تواجهه أثناء العمل هي صعوبة العثور على صور لقصر غمدان، خاصة بعد البحث والاستفسار من خبراء التراث وتأكيدهم بعدم وجود صور له؛ لأنه تهدم منذ زمن، وبعد البحث الطويل وجد له صورة من الأمام ووفق الوصف الدقيق للخبراء تم التصميم.

وأنهى حديثه قائلاً: “نأمل أن تشارك جميع الجهات المعنية في عملية رقمنة التراث اليمني، بما في ذلك الحكومة والجامعات والجمعيات الأهلية. كما يجب أن تركز العملية على جمع التراث الرقمي من جميع أنحاء اليمن، بما في ذلك المناطق النائية والمناطق المتضررة من جراء الصراع”.

وتنصح الخولاني أيضًا بأن تتضمن عملية الرقمنة توثيق التراث بشكل صحيح، بما في ذلك توفير المعلومات الكافية عن التراث، والعمل على تفعيل الموقع الإلكتروني لوزارة الثقافة والقطاعات المتخصصة في مجال التراث اليمني وصفحاتها في مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، وإتاحة الفرصة من قبل الجهات المعنية بالتراث في التبادل الحر للمعلومات ونشرها لتسفيد منها المجتمعات والثقافات الأخرى عبر الفضاء الرقمي.

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

98.1% من المشاركين يرون أن مواقع التواصل الاجتماعي تلعب دورًا كبيرًا في تمكين الشباب اليمني

صوت الأمل – يُمنى الزبيري تشغل مواقع التواصل الاجتماعي اليوم جزءًا كبيرًا من حياتنا اليومي…