‫الرئيسية‬ الأعداد السابقة المعلمون في اليمن رواد التنوير في ظل الصراع عطاء بلا حدود، بلا مقابل، وبدون انقطاع

رواد التنوير في ظل الصراع عطاء بلا حدود، بلا مقابل، وبدون انقطاع

صوت الأمل – هبة محمد

اعتمدت أغلب بلدان العالم المتقدم والصناعي على المؤسسات التعليمية كنقطة للتحول والنهوض الاقتصادي والحضاري، ويعتبر المعلم حجر الزاوية في تلك المؤسسات التعليمية والتربوية، ودعامة من دعامات تقدم المجتمعات ورقيها، وبالتالي فإن الاهتمام بالمعلم يؤدي لخلق بيئة تنموية خلاقة. 

     وفي اليمن يعيش الآلاف من المعلمين والمعلمات وهم النسبة الأكثر في الهرم الوظيفي المدني تحت وطأة أوضاع اقتصادية صعبة وظروف معيشية أحالت أغلبهم إلى الأعمال الشاقة والغير مناسبة، جراء تمدد واستمرار الصراع منذ أكثر من ثماني سنوات، ونحاول هنا تسليط الضوء حول وضع المعلمين في اليمن قبل وبعد ذلك الصراع الذي خلف وراءه ضحايا كثر، كان أكثرهم من المنتمين للسلك التعليمي.

المعلمون قبل الصراع

     مما لا شك فيه أن المعلم اليمني يعاني منذ ما قبل اندلاع الصراع إهمالًا متراكمًا وظروفًا قاسية، منها محدودية التأهيل وارتفاع الأسعار وعدم إدراجهم في أي تأمين صحي، لكن تلك الظروف كانت تضمن له راتبا شهريا وعلاوات موسمية، وكان يحظى بالكثير من الاحترام في الوسط المجتمعي.

    أوضح عميد كلية التعليم المستمر بجامعة إب الدكتور أكرم عطران قائلا: “لا شك أن وضع المعلمين في اليمن لم يكن مثاليا قبل 2015م، لكنه كان أفضل بكثير جدا مما هو عليه اليوم”.

     وأضاف: “المعلم في تلك الفترة كان يتقاضى راتبا شهريًا وكانت هناك حوافز سنوية تقدم للمعلمين، وكان يحظى المعلم بهيبة ومكانة أفضل بكثير من الآن، فالمعلم الموظف الوحيد الأكثر اعتمادًا على راتبه كمصدر وحيد لقوته وقوت أطفاله، لأن طبيعة عمله لا توفر له مصادر أخرى إضافية كبقية المجالات أو المؤسسات الخدمية أو الإيرادية”.

     ويواصل عطران حديثه: ” قبل العام 2015م كان المعلم في اليمن يشعر براحة نفسية في أداء عمله بسبب حصوله على حقوقه المجتمعية، واحترام القانون والجهات المختصة وتقدير الجميع لعمله، لكنه فقد تلك الراحة والمكانة مع بداية الصراع في البلاد”.

     من جهته يؤكد التربوي صلاح مهدي، وهو معلم منذ 28سنة، أن وضع المعلمين قبل العام 2015م كان أفضل ولا يقارن بهذه الفترة، ويعزو ذلك لاستمرار صرف المرتبات حينذاك، بالإضافة لحصوله على دورات تدريبية مستمرة في مجال تأهيل المعلمين، والاهتمام بهم في بعض الجوانب، أما الآن فيعيش معظم معلمو اليمن بلا أجور أو مقابل مادي، وبدلًا من تكريم المعلم لصبره وتحمله أعباء الصراع عبر دفع راتبه، يزداد بؤسا ومعاناة وحرمانا من أبسط الحقوق وهو الراتب.

      ويقول مهدي: ” سنوات ونحن نقوم بالتدريس بدون أي رواتب أو أجور، فقد اضطررت أن أترك التدريس لأبحث عن عمل آخر يساعدني على توفير لقمة العيش لأسرتي بعد أن تراكمت الديون وأنا أنتظر متى ستسلم أجورنا ومرتباتنا”.

      ويتطرق الأستاذ مهدي حول القيمة الفعلية للريال خلال السنوات المنصرمة، حيث يشير أن راتبه قبل العام 2015م كان يساوي تقريبا 250 دولارا، ولم يكن يكفي لتغطية كافة الاحتياجات الضرورية، لكنه كان يحفظ كرامة المعلم وحقوقه نوعًا ما، أما الآن فيعيش معظم المعلمون حالة اقتصادية صعبة للغاية نتيجة انقطاع رواتبهم وغلاء المعيشة.

معلمون ومعلمات بلا أجور

     المعلم يحيى محمد، مدرس منذ 30 سنة في إحدى مدارس محافظة إب، يقول: “لقد أمضيت عمري كله في التدريس، وعندما انقطع الراتب الشهري الذي أعتمد عليه اعتمادا كليا وصلت لمرحلة من اليأس والإحباط في المعيشة، وأدركت حينها أن وضع العامل أفضل بكثير منا، على هو قادر على أي عمل فيما نحن نعتمد على الراتب بشكل أساسي”.

     حسب منظمة اليونيسيف هناك 171,600 من العاملين في قطاع التعليم لم يتسلموا رواتبهم، وما يحصلون عليه من أجر زهيد كمساهمة مجتمعية لا يفي بأجرة المواصلات، وهم مستمرون في أداء رسالتهم الإنسانية كواجب وطني ومسؤولية أخلاقية.

    تشير الأخصائية التربوية نادية مرشد، أن انقطاع راتب المعلم يعد كارثة حقيقية، تتجاوز حرمانه من توفير الطعام والشراب والكساء والدواء له ولأسرته، إذ تتعدى ذلك إلى حرمانه من الحد الأدنى للراحة النفسية والحياة الكريمة اللازمة له ليقوم بواجبه ويكون قادرا على العطاء وأداء رسالته المهنية بالشكل المطلوب.

      مؤكدة أن المعلم في التعليم العام أو التعليم العالي بعد العام 2015م تغير حاله تماما، فقد كان أكثر من تضرر من النزاعات القائمة بشكل مستمر في اليمن، فقد تسببت النزاعات بحرمانه وأسرته من القوت الضروري إلى عجزه عن تأمين أبسط احتياجات مستقبل أولاده، مما أضطر الكثير منهم إلى إخراج أولادهم من المدارس وإلحاقهم بالحرف والمهن المختلفة داخل البلد وخارجها لمساعدتهم على إعالة أسرهم.

     فيما ينوه مدير عام مكتب التربية والتعليم بمحافظة إب الأستاذ محمد درهم الغزالي إلى أن هناك تحديات وظروفًا استثنائية تواجه المنظومة التعليمية في اليمن، أبرزها عزوف المعلمين والمعلمات عن التعليم والبحث عن أعمال أخرى نتيجة الأوضاع الاقتصادية الصعبة، وبقاء نسبة لا بأس بها من المعلمين في مهنة التدريس يغطون الاحتياج بأقصى مراحله رغم عدم وجود أي أجور لهم على مدى سنوات الصراع.

     ويؤكد أن جميع الجهات المختصة تقف مع حقوق المعلم للمطالبة برفع جميع مستحقات المعلمين، لكن نتيجة الصراع الذي أدى إلى نشوء الأوضاع الاقتصادية الصعبة للبلاد لم تستطع الجهات المختصة أن تسلم كافة أجور المعلمين. 

دمار نفسي

     يقول الدكتور عطران: “إن المعلمين في اليمن تدمروا نفسيا وماديا ومعنويا بكل ما تعنية الكلمة، وانعكس ذلك على التعليم عموما، ومن يتتبع مستويات مخرجات التعليم العام والعالي يفهم ويدرك حجم الكارثة التي لحقت بالبلد جراء ذلك”.

     لافتا إلى أن هناك أكثر من نصف العاملين في مهنة التدريس لم يتسلموا رواتبهم بشكل منتظم منذ ثماني سنوات، الأمر الذي أدى إلى انسحاب كثير من المعلمين عن مهنة التدريس وبحثوا عن مهن أخرى، وهذا الأمر تسبب في فجوة كبيرة داخل المنظومة التعليمية، وأدى بدوره إلى نقص في الكادر التعليمي، ناهيك عن توقف عملية التوظيف.

     ويوضح التربوي صلاح مهدي: “أن وضع المعلمين في صنعاء وعدن وإب لا يختلف عن وضعهم في بقية المحافظات، فجميع المتواجدين في تلك المحافظات أوضاعهم وظروفهم المعيشية سيئة للغاية، فقد لجأ معظم العاملين في القطاع التعليمي إلى البحث عن مهن أخرى لتأمين معيشتهم وسط انتظار الكثيرين لنصف الراتب الذي يأتي في فترات متفاوتة ومتباعدة ولا يغطي حتى إيجار بيت أو مستلزمات يوم واحد.

برامج وخطط للتحسين

     يؤكد الأكاديمي في جامعة إب الدكتور أكرم عطران، أن البرامج والخطط التي قدمت لتحسين أوضاع المعلمين متواضعة جدا ولا ترتقي إلى مستوى الحلول الحقيقية التي يمكنها انتشال المعلم والعملية التعليمية من الوضع السيئ الذي وصل إليه كليهما.

     يرى عطران أن إعادة الراتب هو المفتاح الأول للبدء في عملية إصلاح المنظومة التعليمية، ومعالجة الأضرار المادية والنفسية والمعنوية والتأهيلية التي لحقت بهذا القطاع الواسع والحيوي.

     وبدورها ترى الأخصائية التربوية نادية مرشد، أن ما تحتاجه العملية التعليمية والمعلمون لتحسين أوضاعهم هو استقرار أوضاع البلاد من جميع الجوانب، ودفع رواتب المعلمين، وإقامة دورات تدريبية للمعلمين تهدف إلى تحسين المنظومة التعليمية، وتوضح أن هذا الأمر يحتاج إلى قرار وإرادة قوية ونوايا صادقة نابعة من الشعور بالمسؤولية من قبل قيادات البلد العليا.      لا يمكن أن تُقام نهضة حضارية بدون اهتمام حقيقي بالتعليم وإعطاء الأولوية لدعم المنظومة التعليمية والمعلمين وتطوير قدراتهم بما يواكب تطورات العصر، وإذا استمر الوضع بهذا الشكل فالمعاناة الاقتصادية سوف تزداد سوءًا وعجلة التنمية سوف تتوقف.

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

98% يعتقدون أن الظروف السيئة التي يعيشها المعلمون الآن ستؤثر بشكل سلبي على السلوكيات العامة للمجتمع

صوت الأمل – يُمنى أحمد التعليم هو الطريق الأمثل لقيام مجتمع سوي يتمتع أفراده بالحرية والمس…