‫الرئيسية‬ الأعداد السابقة المعلمون في اليمن المؤسسات التعليمية في اليمن ودورها في التنمية والبناء

المؤسسات التعليمية في اليمن ودورها في التنمية والبناء

صوت الأمل – هبة محمد

ترتبط المنظومة التعليمية بشكل مباشر بكثير من المفاهيم والأسس التي تساعد في تعزيز وتطور الواقع التنموي والاقتصادي في أي بلد، إذ يعد التعليم أحد أبرز الركائز الأساسية اللازمة لتحقيق اقتصاد متماسك وتنمية مستدامة، والتي بدورها تؤدي إلى ازدهار الوضع السياسي والاجتماعي العام لاي بلد في العالم.

     وخلال السنوات الماضية، تعرضت المؤسسات التعليمية في اليمن لهزة قوية أفقدتها معايير الجودة في التعليم بسبب الصراع والنزاعات الداخلية، التي أثرت على دورها الأساسي في عملية البناء والتنمية وأثرت تأثيرا مباشرا على المعلمين الذين وجدوا أنفسهم تائهين بين ظروفهم المعيشية الصعبة وبين مسؤوليتهم الوطنية في تأدية رسالتهم التعليمية.

أهمية التعليم في التنمية الاقتصادية

      تعتبر النظم التعليمية إحدى العناصر الرئيسية في تكوين محددات النمو الاقتصادي، ولا يمكن لأي دولة أن تحقق تنمية اقتصادية دون الاستثمار الحقيقي للتعليم الذي يثري رأس المال البشري بالمعرفة والفهم لتطورات الحياة، ويحسن نوعية حياة الأفراد، ويؤدي إلى فوائد اجتماعية واسعة.

      يقول الدكتور أكرم عطران (عميد كلية التعليم المستمر بجامعة إب): “إن مؤشرات الاقتصاد بالمفهوم الحديث لا تعني الاعتماد على الموارد الطبيعية فقط كالنفط والغاز، بل أيضًا النهضة العلمية من الركائز الأساسية للتنمية الاقتصادية، لكن الكثير من المؤسسات التعليمية في اليمن تجهل ذلك وأصبح الاهتمام بالعملية التعليمية شبه معدوم ولا تمتلك نظرة عميقة من أجل البناء والتطوير بسبب انتشار ظاهرة الفساد فيها وعشوائية الاستثمار الحقيقي للتعليم بكل مراحله”.

   ويرى عطران أن استثمار المعلمين في العملية التعليمية يعد أمرًا ضروريًا لتحقيق استدامة حقيقية في النمو الاقتصادي، والاستثمار في القوى العاملة المتعلمة يعتبر جزءا من نمو الناتج المحلي والإجمالي للفرد والمجتمع، أيضًا يسهم التعليم في رفع مستوى دخل الفرد، لكن للأسف الشديد هناك العديد من الكوادر العلمية من المعلمين وغيرهم في اليمن أثرت عليهم ظروف الصراعات في البلد وحصرت أدوارهم الهامة في البناء والتطوير للبحث عن أعمال جديدة لتوفير لقمة العيش بعد انقطاع رواتبهم، واضطر بعضهم للسفر خارج اليمن، وهناك العديد من  النخب العلمية من الشباب والمعلمين الذين لم تتح لهم الأوضاع الصعبة في اليمن أن يستغلوا مهاراتهم وإبداعتهم العلمية في تطوير وبناء الاقتصاد الوطني، بل ولم يلتفت لهم أحدا من الجهات المختصة لتوظيف مهاراتهم وخبراتهم، وبعد كفاح طويل في الخارج وجدوا البيئة الخصبة التي أوجدت لهم الفرص الاستثمارية ومكنتهم من فتح مشاريع تنموية ساهمت في رفع اقتصاد تلك البلدان، بينما نحن مازلنا نعيش في قوقعة من الجهل والغفلة بتلك الكوادر العلمية التي تتمناها أي بلد.

    ويوضح عطران أن الجامعات اليمنية تمتلك أقوى الكوادر العلمية من الدكاترة والحاصلين على درجة البروفيسور في عدة مجالات مختلفة ويمثلون قيمة علمية وثروة قومية وينبغي استغلالهم بالوجه الأمثل وإفساح المجال لها ليسهموا في دفع عجلة التنمية والبناء نحو الآفاق الأكثر اتساعًا ورحابة ونماء.

    فيما يقول الإعلامي أحمد الشريفي: ” الكارثة الحقيقة في اليمن هي أن الجهات المختصة أثناء عمل المشاريع التنموية بدعم من أحد المنظمات الدولية لا تستثمر القوى البشرية من المعلمين أو الدكاترة والمختصين في مزاولة تلك المشاريع أو حتى الإشراف عليها، وتضع أشخاصًا لا تتناسب مؤهلاتهم العلمية في إدارة وتخطيط تلك المشاريع مما يجعل الكثير من المشاريع التنموية عرضة للفشل، ومما لا شك فيه أن ذلك سيخلق فجوة اقتصادية مهولة وبنية تحتية هشة كما هو الحاصل الآن”.

    ويلفت الشريفي النظر إلى أن اليمن تمتلك الثروات والقوى البشرية لكنها تعجز عن تحقيق التنمية والبناء بسبب عدم وجود جهات مانحة محلية أو خارجية تسعى إلى المشاريع الاستثمارية التي تستهدف المعلمين لتطوير خبراتهم وإسقاطها في تنمية اقتصادية حقيقة.

      ويضيف: المعلم اليمني وصلت به الظروف الاقتصادية والمعيشية المتردية إلى أسوأ الحالات التي قد لا نتوقع من خلالها أن يكون له دور حقيقي في التنمية الاقتصادية وكل ذلك يرجع إلى صراعات الأطراف في البلد المستمرة منذ أكثر منذ ثماني سنوات.

التعليم والوضع الاقتصادي في اليمن

      تتحدث الدكتورة أحلام ناصر، أخصائية فكر مجتمعي وقضايا مجتمعية، حول دور التعليم في عجلة الاقتصاد قائلة: “إن التعليم هو الركيزة الأساسية في حياة المجتمعات، وهو اللبنة الأولى للنجاح، بل هو أحد المؤشرات التي يُشار بها بحضارة وتطور ونموّ أي دولة”.

    وتواصل:” لكن المنظومة التعليمية في الوضع الراهن ببلادنا قد أُصيبت بشللٍ كُلّي ومنها جُزئي نتيجة الخلافات والصراعات والنزاعات الداخلية مما أدى إلى تدهور العديد من المؤسسات التعليمية واختلال توازن العمل التعليمي”.

     كل تلك الأسباب أدت إلى تراجع كبير في الوضع الاقتصادي، حيثُ أدى إلى سقوط العملة اليمنية مقابل العملات الأجنبية، وتزعزعت قوة الاقتصاد اليمني داخليًا وخارجيًا، كما أدى إلى نزوح الفئة المستثمرة خارج البلد ليجدوا بيئةً لنماء استثماراتهم بعيدًا عن آثار الصراعات المسلحة وعاهة الجهل فغادر البلد كبار أعلام العلم والمعرفة وأصحاب المهارات إلى الخارج، فساهموا في نماء الاقتصاد في الخارج بدلًا من الداخل نتيجة تدهور التعليم بسبب ما تعاني منه اليمن من صراعات مستمرة”. 

    فيما يقول الخبير الاقتصادي أمين الخياط: “لا يخفى على أحد مدى أهمية التعليم في التنمية الاقتصادية من خلال قدرة الأفراد المتعلمين على استخدام معارفهم العلمية في البحث لاكتشاف فرص جديدة لتجميع الثروة للوصول إلى البناء الحقيقي لأي بلد، خصوصا في الدول المتقدمة”. لكن اليمن كغيرها من الدول النامية لم تستطع تحقيق تنمية شاملة في اقتصادها المتدهور يومًا بعد آخر بسبب البنية التحتية الضعيفة والمتهالكة لمؤسساتها التعليمية، وهذا بدوره يزيد من الوضع الاقتصادي سوءًا أكثر مما هو عليه اليوم”.

     وأشار الخياط أنه لا يمكن أن نحقق تنمية اقتصادية متقدمة في اليمن والمؤسسات التعليمية فيها تسير في طريق مجهول وبشكل عشوائي لعدة أسباب تم ذكرها سابقا، فنحن بحاجة إلى أن نشعر بحجم المسؤولية التي تقع على عاتق الجميع بالنهوض مجددا بالتعليم ومؤسساته المختلفة وبناء قاعدة متينة للانطلاق في البناء والتطوير.

     بعد ذلك نحتاج إلى تكاتف الجهود المجتمعية والمختصة والدولية لمحاربة جميع أشكال الفساد في المنظومة التعليمية، والدعم المادي لإعادة تأهيل ما دمرته سنوات الصراع في المؤسسات التعليمية، وإتاحة الفرص أمام الجميع للتعليم ومن ثم التفكير في كيفية توظيف الكوادر العلمية في مكانها المناسب الذي يعود بالنفع الاقتصادي للبلد.

 التعليم المهني واختفاء البطالة

     ويتطرق الإعلامي أحمد الشريفي إلى زاوية أخرى في الجانب التعليمي التنموي: “في ظل انتشار البطالة في اليمن وتخرج العديد من الكوادر العلمية من الجامعات بدون فرص عمل أو حتى مهن حرفية تخدم البناء الاقتصادي، ومثل هذه الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها اليمن وجب على الجهات المختصة في اليمن إعادة الاهتمام بالتعليم الفني والمهني كخطوة أولى وصحيحة لتقدم الاقتصاد الوطني وخلق فرص عمل مختلفة للشباب.

     ويقول الشريفي: “للأسف الشديد التعليم المهني في اليمن بدأ في السنوات الماضية قبل اندلاع الصراع من خلال المعاهد المهنية التي ما إن بدأت تستقبل الطلبة وتزود الأسواق بالقوى العاملة المؤهلة والمدربة في مختلف المهن، سرعان ما اندلعت النزاعات في اليمن وتم إغلاقها مما أدى إلى انتشار البطالة بين الشباب وندرة فرص العمل، وإذا أردنا أن نحقق نموًا اقتصاديًا مستدامًا في اليمن يجب تحويل الاعتماد التعليمي للجانب المهني بنسبة 70%، يمكن خلال عشر سنوات أن يتقدم الاقتصاد وتختفي البطالة بنسبة كبيرة، ولنا أن نقتدي  في تجربة شرق آسيا كماليزيا، وسنغافورة، وكوريا، حيث تقدم اقتصادهما بشكل مذهل؛ وكان السبب الرئيس تحويل الجهود والطاقات لصالح التعليم المهني.

 خلق فرص جديدة

      ترى الخبيرة التربوية عائشة المجاهد، أن التعليم بحد ذاته ليس مصدرًا كافيًا لإيجاد فرصة عمل جيدة، فليس كل من أخذ شهادة علمية وارتقى في سلم العلم والمعرفة وأنجز هذه المرحلة سيجد مباشرة فرصة عمل جيدة، المناط الحقيقي والواقعي لايجاد فرصة عمل جيدة تنطلق أولًا من الذات، بتأهيلها ثم تدريبها على صقل المهارات التي ستساعد في إيجاد الفرصة الجيدة ومن ثم بعد معرفة تحديد الذات والمهارة الشخصية وصقلها والاتجاه نحو التخصص العلمي الذي سيقدم معرفة وخدمة كافية حول هذه المهارة وصقلها في سوق العمل، حينها سنجد بالفعل فرصة عمل جيدة بفعل المهارة والخبرة والعلم والمعرفة لا بفعل العلم فقط. نحن بحاجة إلى أيادي ماهرةٍ وخبيرة في الاقتصاد لا متعلمة وحافظة فقط.

 هموم مثقلة

      وعن أوضاع الفئة المتعلمة في اليمن وعلى رأسهم المعلمون، يقول الدكتور خالد  الرعوي (عضو هيئة التدريس بجامعة إب): ” الملاحظ أن المعلمين والشريحة الأهم بالمجتمع تدهورت أحوالهم وساءت معيشتهم نتيجة لانقطاع الرواتب لأكثر من ثماني سنوات مما أثر على العملية التعليمية وعلى مستويات الطلبة، ومن المعول على الدولة ومن يهمهم نهضة البلد وتقدمه مراجعة هذه المشكلة وإيجاد الحلول المناسبة للتخلص منها، والتي أثرت على مختلف المجالات ومنها المجال الاقتصادي؛ فلا نمو ولا تطور ولا نهضة ولا حلول للمشاكل دون الاهتمام بالتعليم وحل مشاكله، وذلك حتى تنتهي كل المشاكل الحاصلة في المنظومة التعليمية ونلحق بموكب التقدم وسفينة النمو المحيطة بنا محليًا وعربيًا وعالميًا، وحتى ينعم المواطن اليمني بحياة كريمة كبقية شعوب العالم”.

    تثبت التجارب العلمية والعالمية أن لا تنمية مستدامة بلا مؤسسات تعليم حقيقية خلاقة، فهي حجر الزاوية في البناء والتقدم الحضاري، وكلما كانت المؤسسات التعليمية رائدة كلما ارتفع المؤشر الاقتصادي للنمو في أي بلد، وكلما كان لهذا البلد حضورًا إقليميًا ودوليًا.

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

98% يعتقدون أن الظروف السيئة التي يعيشها المعلمون الآن ستؤثر بشكل سلبي على السلوكيات العامة للمجتمع

صوت الأمل – يُمنى أحمد التعليم هو الطريق الأمثل لقيام مجتمع سوي يتمتع أفراده بالحرية والمس…