الصراع في اليمن يضاعف حدة المشكلات البيئية

صوت الأمل – ياسمين عبد الحفيظ

تعد اليمن من البلدان التي تعاني الكثير من المشكلات البيئية التي تضاعفت حدتها بفعل الصراع الدائر في البلاد منذ سنوات كثيرة. وتبدأ أبرز تلك المشكلات -حسب ما أفاد مختصون في مجال البيئة- من تلوث مياه الشرب؛ لعدم توفر إمكانيات لصيانتها والمحافظة عليها. إلى جانب انتشار الأمراض والأوبئة في الثروة الحيوانية، وتلوث الهواء جراء تصاعد الأدخنة والغازات السامة من المنشآت التي تعرضت للتدمير من جهة، ومن الصناعية من جهة أخرى، وتعطيل الكثير من الأراضي الزراعية وتلوث تربتها، وتلوث البحار جراء إلقاء المخلفات وتسرب المشتقات النفطية فيها.

هذه المشكلات وغيرها من التلوثات البيئية التي تشهدها الكثير من المناطق اليمنية باتت تهدد الإنسان، خاصة مع توسع رقعة الصراع واستمراره وانشغال الجهات المختصة في مواجهة المخاطر الناتجة عنها بأمور أخرى.

وهو ما أكده صالح الجفري -أستاذ مشارك في علم العقاقير، كلية الصيدلة جامعة عدن- أن الصراع أدى إلى حدوث دمار بيئي كبير في كثير من الجوانب المختلفة، في التربة والزراعة والهواء والمياه وفي مصادر مهمة، ممّا سيؤثّر على حياة الإنسان وصحته ونمط معيشته، مستشهدا: “عندما تنعدم وسائل الطاقة يلجأ الناس إلى قطع الأشجار للحصول على الطاقة وهو ما يعني التأثير سلبًا على البيئة”.

ويرى الجفري أيضًا أن الصراع أدى إلى غياب الدولة والأمن مما أسفر عن حدوث اختلالات، مثل انتشار الحفر التي تتجمع فيها مياه الصرف الصحي والمخلفات البشرية والحيوانية في الشوارع والأحياء والمناطق السكنية مما أثر على  صحة الناس جراء انتشار الأمراض.

في السياق ذاته، يقول عبدالقادر الخراز (أستاذ تقييم الأثر البيئي المشارك بجامعة الحديدة) إن اليمن تعاني الكثير من المشكلات البيئة، سواء الموجودة قبل الصراع أو بعده، وجميعها مرتبطة بالفعل البشري أو التغيرات المناخية  الطبيعية. ويضيف: “لدينا مشكلات بيئية كثيرة، منها التلوث البري أو الساحلي، والاستهلاك الضار بالتربة والأراضي الزراعية، وجفاف المياه الجوفية في كثير من المناطق في البلاد، إلى جانب الفيضانات والسيول التي –للأسف- دمرت الممتلكات الخاصة والعامة مثل الطرقات وغيرها”.

ويرى الخراز أن تأثير هذه المشكلات البيئية قد زاد مع الصراع؛ بسبب عدم اهتمام الجهات المعنية بمواجهة الأضرار الناتجة عنها والمؤثرة على حياة المدنيين وتدهور ممتلكاتهم من أراضٍ زراعية وعلى احتياجاتهم الأساسية للمياه وغيرها. مؤكدا: “ولأن دور الجهات المعنية مغيبٌ تجاه حماية المواطنين من مخاطر هذه المشكلات، فإننا نقول إن الصراع أثر بشكل كبير في تفاقمها”.

وتابع الخراز حديثه: “من المشكلات البيئية الأخرى، التي زادت حدتها مع سنوات الصراع، إهمال كثير من المحميات البرية، ومنها جزيرة سقطرى رغم أنها على قائمة التراث العالمي، التي ضربتها حوالي خمسة أعاصير خلال سنوات الصراع”.

ويؤكد الخراز على أن غابات شجرة دم الأخوين في جزيرة سقطرى خلال فترة الصراع تأثرت كثير من الأعاصير، إلى جانب الكثير من التنوع الحيوي في الجزيرة؛ حيث إن الجهات الرسمية أو حتى المنظمات والجهات الدولية لم تقم بتأهيل هذه الغابات أو حمايتها؛ لانشغالها في ميادين النزاعات، إلى جانب ما تعرضت له محافظة المهرة وحضرموت ومأرب وغيرها من المدن اليمنية من الأعاصير والفيضانات، والتدمير الناتج عن المواجهات العسكرية المسلحة.

ويتابع: “يتأثر النازحون في مناطق عديدة من البلاد، لا سيما القابعين في أماكن جريان السيول، وبالتالي تتضرر ممتلكاتهم الخاصة والعامة، وهذه مشكلة خلَّفها الصراع على حياة هؤلاء السكان الذي أجبروا بفعل الاقتتال على الانتقال من مناطق إلى أخرى بحثا عن الأمان”. وأشار الخراز في حديثه أن هناك بلدانًا تأثرت بالتغيرات المناخية التي زادت حدتها مع زيادة النشاط الصناعي في العالم وانعكس على بلدان أخرى، واليمن إحداها.

نقص التمويل

ويبين الخراز أن الكثير من التمويلات الدولية الخاصة بالتغيرات المناخية والحفاظ على البيئة  وأي تمويلات تنموية توقفت مع بداية الصراع، مؤكدا: “كنت في فترة 2017 إلى2019 رئيسًا للهيئة العامة للحماية البيئية في اليمن، وحرصت على العمل في عودة هذه التمويلات من خلال إقناع المانحين والصناديق الدولية بأننا في فترة صراع ومن الضروري أن يتم النظر للدول التي تعاني من الصراعات؛ لأن التدهور يزداد فيها، والمشكلات البيئية تتضاعف، وتأثير التغيرات المناخية -سواء على الأرض أو على البشر- تتفاقم، وبالتالي يتطلب ذلك أن يكون هناك استعدادات لمواجهة مثل هذه الظروف، وألا نسمح للصراع أن يحدث أضرارًا بيئية”.

وعن الحلول الممكنة لمواجهة هذه المشكلات البيئة يقول الخراز إن من الضروري أن تقوم الجهات المختصة بدورها في مواجهة خطر المشكلات البيئية، وأن يكون هناك كوادر مؤهلة وطنية تعمل على كثير من الخطط التي من شأنها أن تخفف من الأضرار الناتجة عن التغيرات المناخية وأثرها على البيئة إلى جانب وقف الصراع ووجود استقرار اجتماعي واقتصادي.

أبرز المشكلات البيئية

يقول عبد الرقيب العكيشي -باحث وخبير بيئي- إن السكان في اليمن يعتمدون على القطاع الزراعي الذي يتأثر بدوره بالتغيرات المناخية؛ فزيادة نسبة الفيضانات والأعاصير تؤدي إلى جرف الأراضي وتدمير بعض البنى الزراعية كالقنوات والسدود. ويرى أن قلة الأمطار وزيارة نسبة الجفاف تؤديان إلى قلة الإنتاج الزراعي وتدمير المحاصيل أو تحول المزارعين إلى أعمال أخرى وهجر الأراضي الزراعية. وكذلك تغير المواسم الزراعية يؤدي في كثير من الأحيان إلى فشل الموسم الزراعي نتيجة عدم انتظام سقوط الأمطار، وكل هذه التغيرات ناتجة عن تغير المناخ.

التغير المناخي وأسبابه

وحول التغير المناخي يقول العكيشي: “يقاس تغير المناخ بارتفاع درجة حرارة الأرض التي يتفق قادة العالم على أن لا تزيد عن 1.5 درجة مئوية. وترتفع درجة حرارة الأرض نتيجة انبعاث غازات الاحتباس الحراري وعلى رأسها الكربون، والمصدر الرئيسي للكربون هو حرق الوقود الأحفوري (النفط) وتعتبر اليمن من أقل الدول عالميا في انبعاثات الكربون نتيجة عدم وجود تنمية صناعية كبيرة، لكنها من الدول المتأثرة بالتغيرات المناخية بشكل كبير”.

 ويرى العكيشي أنه يمكن للدول التخفيف من غازات الانبعاثات عن طريق التنمية منخفضة الكربون أو الطاقة البديلة، ويمكن للدول أيضا التكيَّف مع التغيرات المناخية عن طريق وضع خطط تعزز التكيف، سواء عن طريق المشاريع التي تساعد السكان على تجاوز آثار التغيرات المناخية أو من خلالا الأصناف النباتية المقاومة لذلك أو غيرها.

ويوضح العكيشي في حديثه أن تأثير الصراعات على التغيرات المناخية قد تكون تأثيرات  مباشرة بزيادة نسبة غازات الاحتباس الحراري، وهي مسألة بحثية وتحتاج وقتًا ومراقبةً وبيانات؛ حيث تقاس التغيرات المناخية على مدى طويل يصل إلى أكثر من 30 سنة ويعتمد على حسابات دقيقة.

ويتابع: “الوجه الآخر هو تأثير الصراعات على القدرة على التكيف مع التغيرات المناخية، وهنا تكون الإجابة واضحة؛ فالدول الأكثر تقدمًا والمستقرة سياسيًا واقتصاديا لها قدرة أكبر على التكيف وكذلك التخفيف من التغيرات المناخية”. باتت الكثير من المشكلات البيئية في البلاد، سواء الناتجة عن التغيرات المناخية أو بفعل الإنسان، في توسع مستمر خاصة في السنوات الأخيرة؛ لما تشهده البلاد من عدم استقرار. وهي تشكل خطرًا يهدد حياة الإنسان، ويبقى الحل الوحيد لتداركها هو وقف الصراع والعمل على إصلاح ما دمره، وتنشيط دور الجهات في مواجهة التدهور البيئي في كثير من مناطق البلاد.

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

84.2% يعتقدون أن التغيرات المناخية ستؤثر سلبًا على الحياة في اليمن

صوت الأمل – يمنى أحمد التغير المناخي هو التغير طويل الأمد في درجات الحرارة وأنماط الطقس في…