‫الرئيسية‬ الأعداد السابقة تأثير الصراع على الأطفال في اليمن تجنيد الأطفال في اليمن.. فاتورة النزاع المسلح تدفعها أجسام بريئة

تجنيد الأطفال في اليمن.. فاتورة النزاع المسلح تدفعها أجسام بريئة

صوت الأمل – أحمد باجعيم

يعد تجنيد الأطفال أحد أكبر الجرائم التي ترتكب بحق الطفولة في اليمن في الوقت الحالي؛ فمنذ اندلاع النزاع المسلح في العام 2015م تم استخدام العديد من الأطفال وتجنيدهم من قبل الجماعات المسلحة والزج بهم في المعارك دون مراعاة حقوقهم وواجبات المجتمع تجاههم من تربية سليمة داخل كنف الأسرة بعيدًا عن الانتهاكات.

 وفي الآونة الأخيرة ركزت المنظمات الدولية الحقوقية والإنسانية المهتمة بالطفل مناشداتها ومطالباتها بعدم ارتكاب الانتهاكات بحق أطفال اليمن وإجبارهم على القتال× إذ يعد ذلك انتهاكًا صارخًا للقوانين والمواثيق الدولية.    

أصبحت قضية تجنيد الأطفال في اليمن أحد الموضوعات الحساسة والمؤثرة على الحياة والمستقبل. وقد تفشت الظاهرة بشكل مزعج ومقلق يتعارض مع المواثيق والمعاهدات التي اتخذتها الأمم المتحدة بشأن حقوق الطفل، ووقعت وصادقت عليها اليمن في العام 1998م، وبدأت بالتنفيذ عام 1999م طبقًا للمركز الوطني للمعلومات.

 يتعرض الآلاف من الأطفال في البلاد للإجبار على القتال والتورط في العمليات القتالية كدروع بشرية، وتقتاد الأطراف المتصارعة الكثير منهم قسريًا على الرغم من رفض ذويهم، وبعضهم بإغراءات مادية؛ نظرًا لظروف أهاليهم الاقتصادية الصعبة.    

التحاقهم بالجبهات

مدير أمن ساحل حضرموت، العميد مطيع المنهالي، ذكر أن التحاق الأطفال بالجبهات منذ اندلاع النزاع المسلح يعد ظاهرة خطيرة تهدد مستقبل اليمن ويقودها إلى المزيد من الدمار والخراب. كما أن عزوف الأطفال عن التعليم والتحاقهم للجبهات القتالية أمر مقلق للمجتمع المحلي والدولي. وتتحمل الأطراف المتصارعة المتورطة مسؤولية ارتكاب هذه الحماقات بحق الطفولة، وعدم مراعاة القوانين والمواثيق الإنسانية، سواء اليمنية أو الدولية بشأن الحقوق المشروعة للأطفال.

 مبينًا أن هذه الكارثة إذا استمرت لن تتعافى اليمن منها على المدى القريب، وتتطلب توحيد الجهود لإنقاذ أطفالها من ويلات الصراع وانتهاكاته الصارخة.   

وفي هذا الصدد علقت إذاعة (DW) عبر تقرير يحمل عنوان “اليمن.. أطفال في الخطوط الأمامية لجبهاتالقتال” أن النزاع المسلح في اليمن وفر بيئة خصبة للأطراف المتصارعة لاستقطاب الأطفال وتجنيدهم، ومن ثم الزج بهم في جبهات القتال. مشيرةً إلى أن تفشي هذه الظاهرة وتفاقها يهدد مستقبل الطفولة.

 وأكدت الإذاعة الألمانية على لسان متحدث اليونيسف أن الوضع الحالي للأزمة ضاعف حجم ظاهرة تجنيد الأطفال إلى نسبة تزيد عن 47% عما كانت عليه قبل الصراع. كما أن الفصائل المتناحرة تمتلك معسكرات يتم فيها تدريب الأطفال في أغلب المحافظات اليمنية؛ إذ يعمل كل فصيل على استقطاب الأطفال إلى صفوفه.

وأوضح التقرير الصادر في أغسطس عام 2015م أنه يتم إغراء الأطفال بالمال بهدف زيادة مقاتليها. علاوة على التدريب، يعطى للأطفال دروس تحريضية وتعصب فكري ومناطقي، وكذا يتم تدريبهم على استخدام أنواع الأسلحة المختلفة قبيل انخراطهم إلى الجبهات القتالية. لقد لقي أكثر من 300 طفل مُجند مصرعهم خلال السبعة الأشهر الأولى من عام 2015م.

ويلخص التقرير أسباب تجنيد الأطفال في اليمن إلى عدة عوامل أبرزها ارتفاع معدلات الفقر والبطالة، والثقافة الدينية والفهم الخاطئ لها، والثقافة القبَلية، وضعف الجانب التعليمي والوعي المجتمعي، وغياب تطبيق القانون، وكذا توسع خطوط نار القتال إلى العديد من المحافظات.         

وفي تقرير “للعربي الجديد” أفاد أن الأطراف المتنازعة في اليمن، جميعها، انتهكت حقوق الأطفال الذين لم يبلغوا الثامنة عشرة من أعمارهم، من خلال تجنيدهم تحت عناوين خادعة والزج بهم في المعارك الطاحنة.

 وأشار التقرير الصادر في أكتوبر من العام 2020م بعنوان “أطفال مقاتلون.. طرفا حرب اليمن يستغلّان الصغار على الجبهات” إلى أن شهر أغسطس من ذات العام كان أكثر شهرٍ حصادًا لأرواح المجندين من الأطفال الذي تتراوح أعمارهم بين (12 – 17) عامًا؛ إذ بلغ عدد الضحايا 111 طفلًا لقوا حتفهم في الجبهات المشتعلة.

وكشف التقرير، طبقًا للمنظمات الدولية، أن عدد الأطفال المجندين في اليمن خلال عام 2019م نحو 259 حالة تجنيد، وأوضح أن هذا الرقم يعد ضعيفًا أمام الأرقام على أرض الواقع.

ثقافة السلاح

احتلت اليمن المرتبة الأولى عربيًا لحيازة مواطنيها للسلاح وفقًا لموقع “سبوتنيك عربي” في تقرير صادر عام 2020م، بواقع حيازة 52.8 قطعة سلاح لكل 100 شخص، وجاءت في المرتبة الثالثة عالميًا بعد الولايات المتحدة الأمريكية وجزر فوكلاند.

وبحسب التقرير، هذا الرقم القياسي الذي وصلت إليه اليمن يعد أمرًا خطيرًا وثقافة متفشية في أوساط المجتمع، ومن السهل جدًا أن يوِّرثها المجتمع للأطفال. وهي ثقافة سيئة تخلف انهيار المنظومة الأمنية وعدم الاستقرار وانتشارًا للجريمة؛ وذلك بسبب اندلاع الصراع بين الفصائل المحلية التي قادت آلاف الأطفال إلى التجنيد والتدريب على استخدام السلاح، بالإضافة إلى العادات القَبَلَية منذ زمن ليس بقريب.

وتناولت صحيفة “اليوم السابع” المصرية في تقريرٍ لها عام 2018م أن “منظمة سلام بلا حدود” الدولية أطلقت حملة ضد تجنيد الأطفال وحمل السلاح في اليمن؛ إذ أشار التقرير، على لسان مسؤولة في المنظمة التي تتخذ من فرنسا مقرًا لها، إلى أن 23 طفلًا أجبرتهم الأطراف المتناحرة على حمل السلاح، بعضهم تقل أعمارهم عن سبع سنوات.

 لذا، وبعد اشتداد المعارك الضارية في ذلك العام، عمدت المنظمة إلى إطلاق الحملة التوعوية بمخاطر انخراط الأطفال في عمليات القتال، وكذا إقامة ندوات لأهالي الأطفال لشرح سلبيات حمل السلاح وآثاره العكسية والإجرامية على حياة الطفل.

 وحول الأسباب التي تعمل على حمل الأطفال للسلاح، يقول مدير شرطة مديرية الخوخة بمحافظة الحديدة العقيد إسماعيل قادورة: “من مسببات انتشار ثقافة حمل السلاح في اليمن بشكل عام هي الصراعات الدائرة في أنحاء الوطن وفقدان التوعية المجتمعية؛ نظرا للوضع المعيشي الذي تعانيه معظم الأسر اليمنية بسبب انقطاع الرواتب وعدم توفر فرص العمل”.

ويتابع: “وهذا ما اضطر الكثير منهم للانخراط في المجال العسكري والانصياع للثقافة التي تنتهجها الفصائل المتناحرة القائمة على الحشد العسكري. وهذا يعد منافيًا للإنسانية وحقوق الأطفال التي كفلتها التشريعات السماوية والقوانين البشرية”.

الأطفال المجندون

لا توجد إحصائيات دقيقة لعملية تجنيد الأطفال في اليمن من قبل الجهات الرسمية أو المنظمات الدولية؛ فكل الإحصائيات والأرقام التي تحصل عليها المنظمات التابعة للأمم المتحدة تظل قليلة أمام الأرقام الصادمة على أرض الواقع، ومع ذلك وجدت بعض الإحصائيات الصادرة عن الجهات الدولية.

 أشارت قناة “الجزيرة”، نقلًا عن منظمة اليونيسف في تقرير أصدرته في ديسمبر 2022م بعنوان “وقود الحرب وضحاياها.. تقرير أممي يكشف عن تزايد أعداد الأطفال القتلى والمجندين في اليمن”، إلى أنه بلغ عدد الأطفال المجندين من قبل الأطراف المتصارعة 3995 طفلاً، منهم 91 طفلة.

وأوضح التقرير أن الأمم المتحدة تمتلك لائحة تفيد أن ألفًا وأربعمائة وستة أطفال، ممن تم تجنيدهم من قبل الفصائل المسلحة، وتتراوح أعمارهم بين 10 إلى 17 عامًا، لقوا مصرعهم عام 2020م في المعارك الطاحنة، بينما تم اعتقال نحو 445 طفلًا في الجبهات المشتعلة، وتعرض 152 طفلًا لعمليات اختطاف.

 وأكد التقرير أن 47 طفلًا تعرضوا لعنف جنسي، منهم 18 طفلة. لكنَّ الأرقام على الواقع تفوق تلك الإحصائيات بأضعاف مضاعفة؛ نتيجة استمرار الصراع الدائر في البلاد منذ قرابة تسع سنوات.

آثار التجنيد

وفي الحديث عن الآثار المترتبة على تجنيد الأطفال، يؤكد العميد المنهالي أن آثار تجنيد الأطفال وحملهم للسلاح تعد ظاهرة دخيلة على الوطن، ولا بد أن تنتهي بأي شكل من الأشكال؛ نظرًا للآثار السلبية التي تلحق بهم وبسلوكهم، بالإضافة إلى انقطاعهم عن السلك التعليمي الذي اليمن في أمسِّ الحاجة إليه في الوقت الحاضر.

 ويتابع: “نحن في مدن ساحل حضرموت ومديرياته نعمل على التوعية الدورية والتحذيرية من انخراط الأطفال في التجنيد، وحمل السلاح وآثاره الناجمة مستقبلاً بحق الطفل نفسه أو المجتمع بصورة عامة”. ونفى المنهالي أي عمليات لتجنيد الأطفال في محافظة حضرموت.

إلى ذلك، عدد العقيد قادورة أبرز الآثار والسلبيات التي يخلفها تجنيد الأطفال ومنها، القضاء على الطفولة القابلة لصناعة المستقبل اليمني، وكذا حرمان الأسرة من فلذات أكبادها بجرهم إلى المحارق التي لا يستوعبونها عقليًا ولا جسمانيًا.

 مشيرًا إلى اختلال توازن المجتمع بسبب القضاء على شريحة من شرائح تكوينات المجتمع (الطفولة)، بالإضافة إلى توليد العنف المجتمعي لدى الأطفال المجندين بسبب احتكاكهم مع شريحة تفوق شريحتهم سنًا وجسدًا، وتعريضهم للعنف الجسدي واللفظي.

المعالجات

حول المعالجات الممكنة لإيقاف هذه الظاهرة يرى العميد مطيع العوبثاني أن أبرز المعالجات التي تحد أو تقضي على ظاهرة تجنيد الأطفال وتسليحهم هي التوعية التي تلعب دورًا كبيرًا في سبيل القضاء على هذه الظاهرة. وكذلك لا بد أن تقترن التوعية بإيمان المجتمع وبأن إقحام الأطفال في التجنيد يعد ظاهرة سلبية؛ لذا فإنها تولد ويلات للبلاد بشكل كامل.

مؤكدًا على أن الآثار قد تمتد إلى ما بعد انتهاء الأزمة الحالية، ومنها قد يتجه الأطفال المجندون في المستقبل إلى تشكيل عصابات مسلحة تخريبية تلحق الضرر بالقانون وبتطبيقه وبالمجتمع؛ لذلك يتطلب معالجة هذه الأضرار التوعية المجتمعية والإعلام وتكاتف المنظمات الدولية أو المحلية والجهات المختصة إلى توجيه الأطفال نحو التعليم والتحصيل الدراسي.

وختتم قادورة حديثه قائلا: “من أهم حلول مجابهة ظاهرة تجنيد الأطفال هي توجيههم إلى المدارس ومساعدتهم على التحصيل العملي، وتوفير الدعم النفسي والاجتماعي في كل مدرسة لمعالجة الآثار السلبية الناتجة عن التجنيد وإعادة تأهيلهم. بالإضافة إلى تكثيف التوعية المجتمعية والنزول الميداني إلى ذوي الأطفال لتقديم الإرشادات النفسية والصحية، وتحذيرهم من العواقب السلوكية التي يكتسبونها من الزج بهم في المعارك، وتعرضهم للإيذاء النفسي والجسدي.    تعد ظاهرة تجنيد الأطفال وتسلحيهم ظاهرة دخيلة على المجتمع اليمني بدأت منذ اندلاع النزاع بين الأطراف المحلية، كما أن عواقبها وخيمة على مستقبل اليمن وأمنها واستقرارها إذا لم تُواجه بالمكافحة والتوعية الشاملة.

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

96.2% من المشاركين في الاستطلاع يعتقدون أن الصراع تسبب في حرمان أطفال اليمن من حقوقهم الأساسية

صوت الأمل – يُمنى أحمد خلق الصراع المستمر في اليمن أزمة إنسانية كبرى قد تعد واحدة من أسوأ …