الصراع في اليمن وعلاقته بعمالة الأطفال

صوت الأمل – أفراح بورجي

يُعدُّ الصراع أحد القواميس المؤلمة في حياة الإنسان اليمني، وقد ترك آثارًا مدمرة على جميع فئات المجتمع اليمني وشرائحه؛ ولا سيما شريحة الأطفال بمستوياتهم كافة؛ الاجتماعية والمعيشية، وفي جميع أنحاء البلاد.

فقد أدّى العنف والنزوح وانعدام الأمن إلى حرمان ملايين الأطفال من حقوقهم الأساسية، بما في ذلك الحق في الحياة والتعليم والرعاية الصحية، كما أنّ الصراع جعل كثيرًا من الأطفال يضطرون للعمل حتى يستطيعوا مساعدة عائلاتهم، وبعضهم اتجه نحو التسول وامتهان الأعمال الشاقة، ما أدى إلى فقدان الأطفال طفولتهم وانجرارهم نحو مستقبل مجهول.

بهذا الخصوص آية خالد، رئيسة مؤسسة إكسير للطفولة، تقول: “ظاهرة عمالة الأطفال موجودة في اليمن من قبل الصراع، لكن النزاع فاقم هذه الظاهرة لأسباب عدة، منها: الوضع الاقتصادي السيّئ للبلد، وفقدان الناس لأعمالهم الرئيسية بفعل الصراع القائم في البلد، وانقطاع رواتب الموظفين، والنزوح، وتسريح الموظفين بفعل الأوضاع. فيجد بعض الأهالي الخيار الوحيد أمامهم أن يساعدهم أطفالهم في بعض الأعمال، وهذه كارثة تجر الأطفال لمجرٍّ سيّئ، يفقدهم حقهم في الحياة وحقهم في التعليم، ويسبب لهم إرباكًا نفسيًّا، وأزمات كثيرة”.

الأطفال وامتهان الأعمال الشاقة

تقول آية خالد: “نجد شريحة كبيرة من الأطفال العاملين أُجبروا على العمل بفعل عوامل الصراع؛ كفقدان آبائهم، والأشخاص الذين كانوا يعولونهم، فيجدون أنفسهم أمام مسؤولية كبيرة، وهي تحمل أسرة، فيضطرون للعمل بأعمال مختلفة، بعض منها محرمة دوليًّا على الأطفال؛ كونها شاقة ولا تتناسب معهم لا جسمانيًّا ولا نفسيًّا، الأمر الذي يؤثر عليهم صحيًّا وعلميًّا، وهذا يدخلنا بمدخل آخر ودهليز كبير، وهو التسرب من المدارس، فلدينا أكثر من مليوني طفل خارج المدارس، والأسباب كثيرة، ولكن سبب العمل واحد من أخطر الأسباب؛ الصراع لم يدمر المنازل فقط، الصراع -أيضًا- دمّر شريحة كاملة، ألغت الطفولة اليمنية، وأطفالنا شابوا قبل أوانهم”.

الطفل علي محمد (اسم مستعار) يبلغ من العمر 14 عامًا يترك التعليم للعمل في الحدادة، يضطر كثير من الأطفال في اليمن إلى ترك التعليم، للعمل في مهن شاقة، بسبب الفقر والأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد منذ تسع سنوات، ولعلَّ قصة الطفل عليٍّ مثال على ذلك، فقد ترك عليٌّ تعليمه، للعمل في أحد محلات الحدادة في محافظة الحديدة، لمساعدة عائلته التي تعاني من الفقر الشديد.

يقول عليٌّ: “لم أستطع تحمل المشقة ورؤية أصدقائي يذهبون إلى المدرسة، في حين أنا حامل همي وذاهب إلى محل الحدادة، فلولا الصراع لما كنت الآن أعمل في الحدادة، فهذا عمل شاق وخطر على حياتي كطفل صغير، كما أنّ والدي يعاني من ظروف اقتصادية صعبة؛ إذ لم يستلم راتبه الشهري كمعلم في إحدى المدارس الحكومية منذ سنين طويلة”.

ذرفت الدموع من عينيه وهو يتحدث عن الوضع المأساوي الذي طرأ عليه، يقول والد عليٍّ معبرًا: “بعد أن رمى الصراع بويلاته علينا، ومن جانب آخر عندما أرى ابني وهو فاقد لطفولته، يحاول مساعدتي في الحصول على المال؛ كي نعيش مستوري الحال، تذرف من عيني دموع قهر وغلب على حالي وحال ابني الذي شاب قبل المشيب؛ بسبب العمل الذي يقوم به”.

وأكمل قائلًا: “هناك كثير من الأطفال أمثال عليٍّ يمتهنون الأعمال الشاقة، أو يتجهون للتسول أو يقومون بالعمالة، وهذا يتسبب في ترك التعليم والانجرار نحو وضع غير وضعهم، وأيضًا إلى ثقافة أكبر من أعمارهم، ويعود كل هذا إلى الصراع وتأثيره على الوضع الاقتصادي للأفراد ليعود بويلاته على الأطفال”.

التسول وعمالة الأطفال

يعدّ التسول أحد الظواهر الموجودة من قبل الصراع، وما أن جاء الصراع إلَّا وزادة حِدّه؛ لانتشار كثير من الأطفال في الشوارع يقومون بالتسول.

  إنّ الصراع في اليمن يشكل بيئة خصبة لتنامي ظاهرة عمالة الأطفال والتسول بمختلف أشكاله، خاصة مع مرور تسع سنوات من الصراع، في ظل انقطاع للمرتبات، وقلة الفرص والأعمال. هكذا بدأ الصحفي صلاح الجندي حديثه حول الصراع وعلاقته بالتسول وعمالة الأطفال.

وأكمل الجندي قائلًا: “هذا الصراع ولّد حالة تشظي بين الأُسر، وزاد من رقعة الفقر وتنامي التسول لدى الأطفال، الذين اكتظت بهم شوارع المدن الرئيسية بحثًا عن لقمة عيش، أو ما دون ذلك من عمليات المتاجرة بالأطفال لصالح عصابات وجماعات”.

وأكد صلاح مبينًا: “لم يكن التسول وحده مَن تنامى خلال الصراع، بل دخول مئات الأطفال مربع العمل بالأعمال الشاقة وبأسعار زهيدة، نظرًا لحاجتهم وأسرهم للقوت اليومي، الأمر الذي جعلهم عرضة للتعب والعناء بحثًا عن لقمة العيش”.

نماذج من قصص الأطفال المؤلمة

قصة هدى، البائعة الصغيرة الشجاعة، التي تعيش معاناة الصراع والتسول لضمان حياة كريمة في أحد شوارع مدينة صنعاء. تتجول الطفلة هدى -وهذا هو اسمها المستعار الذي تفضل استخدامه للحفاظ على هويتها- وهي تبيع المناديل الورقية وتتسول في بعض الأحيان، من أجل جلب المال الذي يضمن لها ولعائلتها البقاء وسط هذه الظروف القاسية التي تعيشها.

هدى، البالغة من العمر 12 عامًا، تشترك مع والدتها في العمل؛ إذ يعاني والدها من مرض مزمن جعله غير قادر على العمل، وإخوتها الثلاثة قد رحلوا لأحد (مناطق) النزاع، لتبقى هدى وحيدة تفعل ما بوسعها لمساعدة أسرتها.

تتحدث هدى بحزن عن تفاصيل حياتها المؤلمة؛ إذ كان والدها يعمل في أحد المصانع قبل اندلاع الصراع، لكنه فقد عمله وانكشفت أمامه العديد من الصعوبات؛ تعرض والدها لمرض السرطان وانقطعت هموم الصراع عنده وحده، ففقد عمله وعاش حياة منكوبة، إذ لم يبقَ له سوى اتخاذ القرار الصعب لجعل طفلته تترك المدرسة والخروج للعمل (بيع المناديل الورقية).

بملابس رثة ووجه شاحب وعينينِ تغرقان بالدموع، تروي هدى قصتها بكل ألم وصراحة، تحكي عن حالة يأسها وعن شجاعتها في مواجهة العواصف التي تقابلها يوميًّا: “اضطررت لترك حياتي الطبيعية والتوجه نحو الشوارع، أجوب فيها لبيع المناديل الورقية، التي أصبحت لا تكفي لتأمين الاحتياجات الأساسية لأسرتي”.

تاركة وراءها مدرستها وأحلام طفولتها، تعمل هدى بجد واجتهاد لسد الثغرات المالية التي تتعرض لها أسرتها، لكن بيع المناديل الورقية لم يعد كافيًا، لذا فضلت أحيانًا اللجوء للتسول لزيادة دخلها وضمان حياة كريمة لوالدها ووالدتها ونفسها.

أتى الصراع بأمور غير عادلة، وهذا ما حدث في حكاية هدى، الطفلة البريئة التي غابت عنها الطفولة بفعل الصراع، تأمَلُ هدى يومًا ما أن يعود والدها إلى صحته، وأن تغادرها آثار النزاع، وتستعيد هي وعائلتها حياة الاستقرار والأمان التي يستحقونها.

حلول

يقول الأستاذ إسماعيل القاضي: “إنّ الأطفال هم الضحايا الحقيقيون للصراع في اليمن، مشيرًا إلى أنّ كثيرًا منهم يضطرون إلى العمل أو التسول، ممّا يؤثر سلبًا على مستقبلهم”.

وأضاف القاضي في تصريح صحفي: “أنّ عمالة الأطفال والتسول، يساهمان في حرمان الأطفال من حقهم في التعليم والطفولة، ويعرضانهم للخطر الجسدي والنفسي”.

وطالب إسماعيل الجهات الحكومية والمجتمعية، باتخاذ إجراءات عاجلة للحد من هذه الظاهرة، وتوفير الحماية اللازمة للأطفال، بما في ذلك توفير التعليم المجاني والضروريات الأساسية.

وأكد أن تشجيع الأطفال على التعليم، وتوفير فرص عمل للشباب، من أهم الوسائل التي يمكن من خلالها الحد من عمالة الأطفال والتسول.

شريحة الأطفال هم أكثر الشرائح التي تأثرت من الصراع، وأصبحت فاقدة للحقوق التي تنص عليها القوانين واللوائح الدولية، لهذا لا بُدّ من الإشارة إلى وجود حدّ لعمالة الأطفال؛ لنساعدهم على تحقيق أحلامهم ورفع مستوى تعليمهم؛ لنخلقَ جيلًا متعلمًا وواعيًا ومستقرًّا نفسيًّا واجتماعيًّا.

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

96.2% من المشاركين في الاستطلاع يعتقدون أن الصراع تسبب في حرمان أطفال اليمن من حقوقهم الأساسية

صوت الأمل – يُمنى أحمد خلق الصراع المستمر في اليمن أزمة إنسانية كبرى قد تعد واحدة من أسوأ …