‫الرئيسية‬ الأعداد السابقة تراث الطهي ودوره في التماسك الإجتماعي في اليمن تراث الطهي في عدن تاريخ ثري ممزوج بثقافات مختلفة

تراث الطهي في عدن تاريخ ثري ممزوج بثقافات مختلفة

صوت الأمل – حنين الوحش

يعدُّ تراث الطهي هوية ثقافية للبلدان مثلها مثل باقي الرموز الأخرى التي تؤرخ لثقافات الشعوب المختلفة، ويعدُّ اليمن تحديدًا من أغني الشعوب التي تمتلك تراثًا متميزًا في فن الطهي الشعبي، ويزخر بتراث متنوع من محافظة إلى أخرى وفي مختلف المناطق داخل إطار المحافظة نفسها. 

ومع مرور الزمن لا يزال اليمنيون حريصين على المحافظة على تراث الطهي اليمني الشعبي القديم وتتوارثه الأجيال من جيل إلى آخر، سواء بشكلها الأصلي أو مزجها بالوسائل الحديثة لتواكب رغبات ومتطلبات الجيل الحديث.

تميزت عدن بأنها حاضنة للأكلات والثقافات التراثية في فن الطهي ومن مطابخ مختلفة تنتمي لعدة بلدان تمَّ عدّها فيما بعد وجبات عدنية أصيلة بطابع مختلف ممزوج بحضارات أخرى.

بين الماضي والحاضر

تعرف كل منطقة في اليمن بتراث طهي متميز تشتهر به، ويعدُّ موروثًا ثقافيًّا عريقًا يميز كل منطقة عن باقي المناطق مع وجود قواسم مشتركة للأكلات، إضافة إلى تأثيرات المطابخ الأخرى مثل المطبخ الصومالي والحبشي والهندي الذي اختلطت بالهوية اليمنية وتلاحمت مع المجتمع اليمني.

يقول الطباخ ماهر محمد طباخ يعمل في مطعم الحمادي للأكلات الشعبية- عدن: “إنّ تراث الطهي اليمني يتميز عن الأكل العربي بنكهته الخاصة وببهارات مميزة لا يستطيع أي أحد أن يقلّده بسهولة؛ لأنّ فيه نكهة البلد والأجداد”.

مضيفًا: “أنّ المجتمع ككل لديه إقبال للأكلات الشعبية بعدّها تراثًا حضاريًّا متوارثًا كبروا عليها ويشعرون دائمًا بالحنين إليها أينما توجهوا”.

ويؤكد ماهر: أنّ الأكلات الشعبية من المهم أن تطبخ بطريقتها الصحيحة؛ لأنّ التغيير فيها يعني التعدي على نكهة الأجداد وعلى موروث الطهي نفسه، لهذا من المهم أن يتناقل الجيل الجديد الوصفات كما كانت.

 ومن جانبه يقول أحمد علي أحد سكان مديرية كريتر في محافظة عدن: “منذ القدم وإلى الآن كان أبناء مدينة عدن يتفاخرون بذهابهم إلى المطاعم، التي تقدّم أشهى المأكولات المتميزة والعريقة، التي تعبر عن تاريخ المدينة وتعايشها، خاصة تلك المطاعم، التي تقدم أكلات ذات أصول هندية وإفريقية وباكستانية بنكهتها اليمنية وغيرها من المأكولات، التي تميزت بها المدينة”.

وتضمنت الآراء رأي أنور هُبدار الذي ينتمي إلى عائلة من أصول هندية أنّ من أشهر المطاعم التي عرفها الناس في أرجاء المدينة هو مطعم ريمي الذي كان يقدم مأكولات حارة هندية الأصل اختلطت بتراث الطهي اليمني المتميز مثل: (بطاط أبو حمر، وعتر، وكُشن بروكُشاري، وعُشّارـ وهو عبارة عن ليمون حامض، مع البسباس الأحمر ـ ودال هندي، وغيرها من الوجبات الحارة). وبالنسبة للحلويات فتعدّ متميزة وذات نكهة مختلفة، تميز أبناء عدن من ذوي الأصول الهندية، أكثر من غيرهم.

وفي نفس السياق يقول الإعلامي فضل علي: “إنّ مطعم ريمي تمَّ افتتاحه في ثمانينيات القرن الماضي في منطقة تسمى الزعفران بمدينة عدن، استمدَّ المطعم في أكلاته وشهرته على الطابع الهندي الذي أثّر على المجتمع العدني خاصة، واليمني بشكل عام، وقد أغلق أمام رواده منذ أكثر من عام، الأمر الذي سبب شيئًا من الإحباط لعشاق المذاق الهندي المتميز”.

تراث الطهي.. تلاحم وثقافة

حول الحديث عن المطاعم التاريخية وتراث الطهي ثمة مطاعم تاريخية عرفها الناس في عدن منذ القدم، أسهمت في نشر ثقافة التسامح والتلاحم المجتمعي بين مختلف الطوائف المتفاوتة في المجتمع اليمني، كما عملت على ترسيخ أنماط مختلفة في تناول الوجبات المتميزة في المناسبات، حتى أصبح الناس يتناولون وجبات معينة خلال أيام مخصصة لها من الأسبوع ضمن عادات وتقاليد أصبحت راسخة في عقولهم منذ القدم كتراث متوارث أبًا عن جد، ويُستدل على ذلك بوجبة الدال الهندية، التي يتميز بها سكان عدن، خاصة في أيام الجمعة أثناء التجمع العائلي، والزربيان مع العشار والهلوى.

ولمطاعم عدن تاريخ طويل من تراث الطهي اليمني القديم، وأيضًا الممتزج بتراث الطهي من مختلف البلدان التي ربطتها باليمن علاقات تاريخية عبر مختلف العصور.

 فقد لعبت المطابخ والمطاعم العدنية دورًا مهمًّا في الحفاظ على تراث الطهي بل تكاد تصبح جزءًا لا يتجزأ من التاريخ، وبعض هذه المطاعم الشعبية يمتد عمرها إلى 100 مئة سنة، هذا ما ذكره محمد البيضاني -الكاتب العدني والمؤرخ السياسي في كوبنهاجن- في مقال له بعنوان (مطاعم عدن الشعبية)؛ حيث أشار إلى أن هذه المطاعم لم تغيّر مواقعها، أو حتى مستوى الأثاث فيها، وذلك حتى تحافظ على كيانها القديم وسمعتها التاريخية الذي عرفت وتميزت به، وهذ الأمر جعل هذه المطاعم الشهيرة تصبح جزءًا من التراث الوطني في مجال الطهي، وليس مجرد مكان للأكل.

ومن ضمن المطاعم الشعبية التاريخية المشهورة في محافظة عدن ذات الصيت الواسع، التي لها ارتباط بالأقليات الموجودة في المحافظة هو مطعم (بالو)، الذي يختص في بيع الكباب، ويعود تاريخه إلى عام (1926م) وتمَّ افتتاحه في منطقة (الميدان بمديرية كريتر) بواسطة (محمد بالو) ذي الأصول الهندية.

يقول مالك المطعم نجيب بالو الذي يعدُّ من الجيل الرابع لمؤسس المطعم: “المطعم يحرص دومًا على تقديم وجبة الكباب للزبائن بنكهته الخاصة الممزوجة بين أصوله الهندية مع ثقافة الطهي اليمني، التي أسهمت في استمراره إلى يومنا هذا.”

وذكر بالو “أن المطعم أصبح عمره أكثر من 94 عامًا، ورغم ارتباطه بثقافة مختلفة فإنه ما زال يجذب ويستقطب الكثير من الزبائن داخل عدن وخارجها، ويستقبل الكثير من الحجوزات في العديد من المناسبات”.

وكاستشهاد على دور هذه المطاعم التاريخية في الحفاظ على تراث الطهي اليمني وارتباطه بالمطابخ الأخرى والمحافظة على هذا التراث من الاندثار، يقول سعيد قاسم أحد زبائن المطعم: “إنّ للمطعم سمعته الكبيرة على مستوى عدن والمحافظات اليمنية خاصة في تقديم وجبة الكباب ذات المذاق المتميز والمختلف، التي جعلت له طابعًا يختلف عن بقية المطاعم، وجعلته متميزًا على مدى الأعوام الماضية، وحتى الآن لا أحد يعرف سرّ نكهة الكباب، التي تتميز بها عائلة بالو”.

 عدن أصل الامتزاج الثقافي

  وفي إطار الحديث عن دخول ثقافات أخرى امتزجت وتعايشت مع الثقافات اليمنية عبر عدن الغنية والمثقفة، هناك في مجال تراث الطهي مطاعم قديمة ومشهورة ذات انتماء عرقي (مطعم صالحو) الذي كان يملكه رجل من أصل صومالي، وقد تم افتتاح المطعم حسب قول العديد من سكان منطقة الميدان – بمديرية كريتر- منذ سبعينيات القرن الماضي، وقد تخصص في تقديم وجبة الغداء والعشاء فقط متمثلة بلحم الغنم الصومالي، مع المرق والروتي والكراعين، وذلك بشكل مختلف ومتميز في تلك الفترة.

  تحكي الحاجّة سعيدة الكاف “كنّا في الثمانينيات نشتري من (مطعم صالحو) وجبة الغداء وأحيانًا العشاء؛ لأنّ ما يقدمه في تلك الفترة كان مميزًا ونظيفًا خصوصًا أنّه في تلك المرحلة لم يكن هناك وجود للمطاعم مثل الوقت الحالي، ومع مرور الزمن أُغلق المطعم، وما زال يحتفظ بسمعته الطبية وذكراه التي دامت في عقولنا وعقول الكثير من الناس، وجعلته يعدُّ من أهم المطاعم التاريخية، التي تركت بصمة ومذاقًا”.

هكذا كانت –وستبقى- عدن حاضنة لكل الثقافات اليمنية والإقليمية بكل أطيافها ومجالاتها، ومن مميزات تراث الطهي الشعبي في عدن أنّه تمازجت فيه العديد من ثقافات الطهي من مختلف المناطق والبلدان، التي ربطتها باليمن علاقات تاريخية عبر العصور والأجيال، بل وأسهمت عدن أيضًا في ترسيخ ثقافة الشراكة مع الآخر وتعزيز التماسك المجتمعي سواء داخل المجتمع اليمني أو بين المجتمع اليمني والمجتمعات الأخرى.

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

43% يعتقدون أن تنوع المطبخ اليمني أسهم بشكل مباشر في تعزيز التماسك المجتمعي اليمني

صوت الأمل – يُمنى أحمد تلعب الأطعمة الشعبية دورًا هامًا في تعزيز الهوية الثقافية للشعوب؛ ف…