‫الرئيسية‬ الأعداد السابقة تراث الطهي ودوره في التماسك الإجتماعي في اليمن مشاريع الطهي المنزلية تُسهم في تعزيز التماسك الاجتماعي

مشاريع الطهي المنزلية تُسهم في تعزيز التماسك الاجتماعي

صوت الأمل – حنان حسين

بحسب تقرير صندوق الأمم المتحدة للسكان في اليمن نشر في شهر فبراير من العام 2023م يقول فيه: إنّ 80% من إجمالي 4.5 مليون نازحٍ في البلاد هم من النساء والأطفال. كما أنّ عدد الأسر النازحة التي تقودها نساء في اليمن قد زاد من 9% قبل بدء الصراع في 2015م إلى 26% في الوقت الحالي.

بالرغم أنّ التمييز المجتمعي تجاه المشاركة الاقتصادية للمرأة لم يتغير بعد، حسب المصدر نفسه، وهذا ما يؤكد أنّ النساء هنّ أكثر الفئات تضرُّرًا من الصراعات الجارية في اليمن، فالمرأة اليمنية مجتهدة وتسعى بكل قوتها كي تثبت أنّها قوية وقادرة على تجاوز الصعاب والتأقلُم مع المتغيرات كي تضمن لنفسها وعائلتها حياة كريمة.

وقد اتجهت النساء اليمنيات نتيجة للظروف الحالية إلى الاعتماد على المشاريع الصغيرة لمواجهة أعباء الحياة اليومية، وتحسين مستواهن الاقتصادي، ومن المشاريع الصغيرة مجال الطهي، وخاصة تراث الطهي الشعبي اليمني الذي وجدته المرأة اليمنية مناسبًا لطبيعتها وميولها.

منى السخيمي -أم لثلاثة أطفال- لم تدع المرض ليوقف نشاطها في الحياة بعد أن تركتْ بسببه مهنة التدريس، فاتجهت لشراء آلة طباعة الصور على الكيك (منها ذات الطابع الشعبي) والشكولاتة؛ للعمل مع الكثير من المشاريع المنزلية حاليًا، تتحدث منى عن مشروعها وبداياته بشغف قائلة: “الكثير من النساء مالكات مشاريع عمل الكيك والجاتوهات كُنَّ يواجهنَ مشكلة عند الطابعة لدى محلات حلوى؛ لأنّ الصور المطلوبة عائلية وعاداتنا وتقاليدنا ترفض أن يطّلع رجل غريب على الصور، فامتلاكي آلة الطباعة على الكيك أسهم في تحقيق رغبة الكثيرات ممن يملكن مشاريع عمل الكيك من الاستعانة بي خاصة عند وجود صور خاصة بالعائلة، فيتحقق حماية خصوصية الأسر”.

وأردفت: “ساهم مشروعي الشخصي في مساعدتي بشكل مباشر من ناحية مادية، فحققتُ من خلاله أرباحًا ساعدتني على دفع تكاليف علاجي الباهظة، خاصة بعد إصابتي بمرض مناعي نادر، كما أنّ مشروعي الخاص كان إثباتًا لوجودي كي لا أكون عالة على زوجي يتحمل مصاريف ثقيلة على كاهله، بالإضافة أنّه مشروع منزلي لا يحتاج للتنقل، وكذلك كان تسلية لي فشغلت به وقت فراغي، وأصبح لي شهرة واسعة والحمد لله، وحاليًا أقوم بتعليم فتيات أخريات، وأصبح لديهنّ الآلات المخصصة، ويعملنَ الآن بدعمي ومساندتي عند الحاجة”.

وتتحدث منى السخيمي -مالكة مشروع آلة الطباعة على الكيك– عن الصعوبات التي قد تكون وجهتها قائلة : “كون الآلة التي أعمل عليها حديثة واجهتني الكثير من الصعاب ومنها لا استطيع إيجاد  قطع غيارها في اليمن مطلقًا، فأضطر لشرائها من الخارج، وبالتالي أجد صعوبة في إيجاد مسافر كي ينقلها لي من هناك، وإن وُجد المسافر أواجه بعض الخسارة في تحمل نفقة النقل. وكذلك الحبر المستخدم والأوراق المستخدمة في عملية الطباعة، لا أجد هنا سوى نوعية رديئة، بالتالي أحرص على شراء نوعية عالية الجودة مهما غلا ثمنها، فالثقة الكبيرة التي منحني إياها عملائي جعلتني أحرص كل الحرص على توفير مواد بجودة عالية ونوعية ممتازة مهما واجهت من خسائر”. واختمت مؤكدة أنّ مشروعها رابح، لكن يشترط أن تبقى على عمل يومي ودائم حتى لا تتلف المواد؛ لأنّها استهلاكٌ يوميّ.

تمازج الطهي اليمني بالمطابخ الاخرى

مشروع (ماريتا كيك) المتخصص بعمل قوالب الكيك بشكل مصغر (ميني كيك)، بدأ قبل سنتين تحديدًا عام 2020م. ترى مالكته أنّ الموهبة والشغف كانا الدافع الأول لبدء المشروع، خاصة أنّ فكرة القوالب كانت جديدة وهي (المينى كيك)، وكونها صغيرة أي رخيصة الثمن ومتاحة لذوي الدخل المحدود؛ بسبب ارتفاع أسعار الكيك ذي المقاسات الكبيرة، وفي حديثها عن سرّ نجاح مشروعها وانتشاره قالت: “حرصتُ أن يكون عملي متقنًا والكيك المصنّع في مطبخي صحيًّا وخاليًا من أيّ مواد حافظة ومُستمدًا من تراثنا الشعبي ومطوَّرًا باستخدام الأساليب الحديثة. والحمد لله حالفني الحظ وتوسع عملي وأصبح لديَّ فريق من الفتيات عملتُ على تعليمهنّ ونعمل الآن معًا”.

عن الصعوبات التي واجهتها تتحدث قائلة: “كنت أواجه صعوبة في توصيل الطلبات، وحاليًا بفضل الله حُلَّت، لكن ما زلنا نعاني من ارتفاع تكاليف أسعار المواد المستخدمة وانعدامها، ولكننا نحاول أن نستمر بنفس الجودة رغم كل الظروف، فرضى العملاء هو مفتاح لاستمرارنا”.

وهذا ما تحدثت عنه ذكرى السماوي (خريجة بكالوريوس هندسة- نظم معلومات) مالكة مشروع ديستا قائلة: “أبرز الصعوبات هي ارتفاع أسعار المواد الغذائية وأسعار الغاز التي أحيانًا لا نجده إلَّا في السوق السوداء، وكذلك واجهتنا صعوبة في ارتفاع أسعار البترول كون مشروعي يعتمد اعتمادًا كليًّا على التوصيل للعملاء، الذين بعضهم من أماكن بعيدة”.

وفي حديثها عن مشروعها توضح ذكرى أنّ مشروع ديستا (للزِّجني والأكلات الأثيوبية) انطلق مطلع عام 2020م، ويعني اسم (ديستا) الفرح بالأثيوبي، وأطلقت الاسم على مشروعها كي تخرج من حالة الحزن التي مرت بها بعد وفاة والدها، فكان الفرح هو عنوان المرحلة التالية، تتحدث ذكرى قائلة: “بعد أن درست وتخرجت ظللْت مدة سنتين أبحث عن وظيفة في مجال دراستي لكن لم يحالفني الحظ، فعملت على استغلال وقتي وجهدي بمشروع خاص يحقق لي الاكتفاء الذاتي”.

كانت أسرتها الدافع لها إلى جانب الشغف والإصرار والرغبة بالتفرد، مما جعلها تخطو بخطى حثيثة وتتأنق في جعل نكهاتها لطبق الزِّجني والطَّبس والأكلات الأثيوبية الأخرى متميزة عن غيرها.

حاجة وضرورة قصوى

القيام بعمل المشاريع المنزلية ارتبط بالحاجة إلى مصادر دخل خاصة في ظل الظروف الاستثنائية في البلاد مع انقطاع الرواتب، فأصبحت بعض العوائل بحاجة إلى مصدر دخل، وهذا ما تحقق بفعل المشاريع المنزلية، ومنها مشاريع الطهي التي أسهمت هنا في تعزيز التماسك الاجتماعي عبر تحسين الحالة الاقتصادية لشرائح المجتمع اليمني الفقيرة.

أروى أحمد سنان مالكة مشروع “أروكيا” تتحدث أنّه عام 2020م وبسبب ظروف قاهرة جعلتها تبدأ في البحث عن مصدر دخل لتحسين مصدر دخلها وتحسن من معيشتها وأسرتها فلم تجد إلا مجال الكيك والحلويات، وترى أروى أن الكثير من النساء اليمنيات اتجهْنَ إلى عمل مشاريع منزلية في مجال الطهي للكثير من الأسباب؛ منها أسباب شخصية: كتحقيق النجاح وأثبات الذات ووضع بصمة في المجتمع، وبعضها كانت اضطرارية وحلول لبعض الظروف القاهرة، والحاجة إلى المادة لتحسين عيشها وأسرتها. فقادها شغفها للاستمرار حتى يومنا هذا.

وتتحدث لمى الأسودي مالكة مشروع (جونان) أنّ الغلاء وارتفاع أسعار المواد بشكل مفاجئ يشكل عقبة أمام الكثير من المشاريع، وتقول: “أبرز التحديات التي واجهتني كمشروع منزلي هي ارتفاع أسعار المواد بشكل غير ثابت وغير مبرر، فهنا نشعر بالعجز أمام الزبائن، ونضطر القيام بالبيع بنفس السعر القديم ونتحمل الخسارة اضطرارًا، أما التحدي الثاني الذي واجهني، وكان عقبة كبيرة، هو أزمة انعدم المشتقات النفطية؛ فالأزمات هذه قد تستمر عادة لمدة طولية؛ أي أكثر من أسبوعين، وهنا يحدث شلل لحركة البيع لدينا”.  وأضافت لمى أنّ أبرز التحديات التي قد تواجه بعض المشاريع النسائية هي ثقافة المجتمع على أن عمل المرأة عيب وفيه نوعٌ من الإحراج في أنّ المرأة تعمل في الطبخ.

تتحدث تسنيم القواس مالكة مشروع (بنت الصحن) قائلة: “فكرة البدء في مشروعنا كانت مفتاح شغف للانطلاق ضمن فئة أصحاب المشاريع الصغيرة التي ممكن أن تتطور إلى مشاريع كبيرة ومتطورة على أرض الواقع، إضافة إلى انعدام فرص التوظيف لفئة الشباب، وما تمر به البلاد من أوضاع صعبة عليهم الحصول على وظائف تعادل شهادتهم الجامعية”.

وتضيف تسنيم عن سبب اختيارها لاسم “بنت الصحن” لمشروعها (وهي أكلة يمنية شعبية ومنتشرة على نطاق واسع) قائلة: “اختيار اسم المشروع ناتج عن حب لهذه الوجبة الشعبية اليمنية، وكما يقال الأهداف أو الطموحات الناتجة عن حب، تستطيع من خلالها أن تصل للهدف المنشود، وهذا ما التمسناه في بداية انطلاقة المشروع وانتشار صداه بين الناس خلال وقت قصير، فشعبية هذي الوجبة لدى الجميع وحبهم لها واهتمامهم بوجودها وفي الحصول عليها، جعلنا نعمل على تصنيف خاص لهذا الوجبة كمشروع إنقاذ للعديد من الأكلات اليمنية التراثية التي بدأت تتعرض للانقراض”.

وترى أسماء خالد نعمان- بكالوريوس جرافيك وملتيميديا بجامعة العلوم والتكنولوجيا- مالكة مشروع أسماء رولز أنّها جمعت بين الحصول على مصدر دخل مربح وبين ممارستها للطبخ كموهبة قائلة : “بعد أن خُذلتُ في مجال عملي وحصلتْ لي مواقف سطو على أعمالي وطمس اسمي داخليًّا وخارجيًّا، وعدم إنصافي في أسعار أعمالي في التصاميم، هربت إلى مشروعي الخاص في مجال الطبخ، ودخلته بحكم الحاجة إلى مصدر دخل ثابت، وكذلك تحقيقًا لشغفي وموهبتي التي اشتهرت بها، فكنت مشهورة لدى صديقاتي وأهلي بعمل معجنات السينابون (المالح والحلو) بشكل متقن ولذيذ كذلك إلى جانبه تعلمت من مواقع التواصل الاجتماعي كيفية عمل البيتزا وعملت على اتقان هذين الطبقين بحِرَفية، أمّا فكرة المشروع فقد أتت قبل سنة من الآن  لكنها تأخرت بسبب انشغالي مع بناتي وعملي في التصاميم، لكنها أخيرًا خرجت هذه السنة إلى الوجود”.

وتضيف أسماء: “مجال دراستي جعلني أصمم لمشروعي الطبخي الشعر الخاص بي والملصقات والمطبوعات المستخدمة والكثير من الأشياء، فأنا أرى أنني وفرت على نفسي تكاليف التصاميم والتسويق بشكل كبير، وأتمنى أن أصِل إلى مستوى أكبر في مشروعي وأصبح رائدة أعمال، وأفتتح عدة فروع لمشروعي في عدة محافظات”. وهكذا تستمر النساء في رفد الجانب الاقتصادي والعمل على تحريك الركود بمشاريع صغيرة، تعتمد على تراث الطهي اليمني الأصيل، وتسهم في التماسك الاجتماعي في الفئات اليمنية الأكثر تعرضًا للفقر، ولكنها مع الوقت تحترفها وتصبح محط إعجاب وإلهام لأخريات، فيعملن على البدء بمشاريع أخرى يومًا بعد يوم والساحة اليمنية تشهد بذلك.

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

43% يعتقدون أن تنوع المطبخ اليمني أسهم بشكل مباشر في تعزيز التماسك المجتمعي اليمني

صوت الأمل – يُمنى أحمد تلعب الأطعمة الشعبية دورًا هامًا في تعزيز الهوية الثقافية للشعوب؛ ف…