الزراعة والتغيير المناخي

صوت الأمل – حنان حسين

الزراعة من أهم القطاعات في اليمن، ولها أهمية كبيرة في الاقتصاد الوطني وحياة الناس، فالزراعة في اليمن مهمة وضرورية لتعزيز الاقتصاد والرفاهية الاجتماعية، إضافة إلى أنها المصدر الرئيس لتوفير الغذاء للسكان اليمنيين، ويتمثل دخل الكثير من الأسر اليمنية في الزراعة وتسويق المنتجات الزراعية. وهي كذلك توفر فرص عمل للعديد من الشباب اليمني، مما يساهم في تخفيف نسبة البطالة وتزيد من مستوى الدخل الوطني. فاذا كان التأثير مباشرًا بفعل التغيرات المناخية، فبالتأكيد ستكون التأثيرات الاقتصادية كبيرة ومباشرة أيضًا.

تقارير وإحصائيات

أظهرت تقارير المناخ الخاصة بمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة أن اليمن قد شهدت، في الفترة ما بين يناير ويونيو 2022م، حالات جفاف متوسطة إلى شديدة. ارتبطت هذه الظروف بعلو غير مسبوق في درجات الحرارة، وهذا تسبب في إلحاق الضرر بكل المساحات الزراعية في اليمن. وتوسعت ظروف الجفاف وأصبحت أكثر قوة في الفترة ما بين أبريل ومايو من العام نفسه. وكانت الفترة من يناير إلى يونيو هي الفترة الثالثة التي تم تسجيلها الأشد جفافًا في حوالي 40 عامًا بعد عامي 2014 م و2000م.

وأوضح تقرير الأمم المتحدة (الأوتشا) أنه في حلول نهاية أغسطس، تضررت نحو 51,000 أسرة، أي أكثر من 300,000 شخص، من النازحين في حوالي 146 مديرية في 18 محافظة في اليمن. ووفقًا للتقارير الميدانية الواردة من السلطات وشركاء العمل الإنساني، تسببت السيول بتدمير الممتلكات والمزارع وسبل العيش، كما أشارت التقارير الميدانية إلى أن السيول نقلت أسلحة لم تنفجر بعد إلى المناطق السكنية والزراعية، مما يشكل خطرًا كبيرًا يهدد سلامة الأطفال والمدنيين.

ووفقًا للتصاريح الواردة من منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة -على موقع الأوتشا- فإن حالات الجفاف (المتوسطة أو الشديدة) قد أدت إلى خسارة المحاصيل الزراعية والإجهاد الحراري ومحدودية الأعلاف المتاحة للمواشي، بينما لم يتم استكمال عملية تقييم الجفاف الشديد الذي حدث في الجزء الأول من موسم الأمطار. غير أن هذه الظروف بشكل عام تهدد سبل العيش، وتؤثر سلبًا على وضع الأمن الغذائي في اليمن، بل وتزيد من مخاطر الأمراض وسوء التغذية، وفي أسوأ الحالات للوفيات. وتشمل الأضرار الأخرى تدهور المساحات والمناظر الطبيعية، وزيادة أسعار المياه والغذاء التي من المحتمل أن تؤدي إلى الهجرة الجماعية والنزوح.

الزراعة والاقتصاد

وجود التغيرات الكبيرة في أنماط الطقس نتيجة للتغيرات المناخية قد يسبب في وجود أضرار اقتصادية كبيرة على الفرد والمجتمع، فبحسب التقرير الذي نشرته “مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي” أشارت فيه إلى “أن اليمنيين الذي يعملون في قطاع الزراعة يمثلون السواد الأعظم من القوى التي تعمل في البلاد، حيث يعتمد 73.5 في المائة من السكان -على نحو مباشر أو غير مباشر- على الدخل من مردود الأنشطة الزراعية التي تتعلق بالنشاط التجاري والتصنيع”. هذا وتسهم الزراعة أيضًا بحوالي 80% من الدخل القومي للبلد، كما تعمل على توفير فرص عمل لنسبة 54% تقريبًا من الأشخاص في كل أنحاء اليمن.

وبحسب الدكتور أ.د. أحمد محمد محرن (أستاذ العلوم الزراعية- تخصص بستنة، جامعة لحج)، فإن القطاع الزراعي يعتبر أحد أهم القطاعات وأكثرها حساسية لتغير المناخ. هذا القطاع يتأثر على نحو مباشر بدرجات الحرارة وهطول الأمطار اللذين يعدان عاملين مهمين في الإنتاج الزراعي؛ حيث تؤثر زيادة هطول الأمطار على الناتج المحلي الإجمالي الزراعي بشكل إيجابي، في حين أن الزيادة في درجة الحرارة لها تأثير سلبي. 

وتابع د. محرن أن الإنتاج الزراعي يعتمد على الظروف المناخية والطقس، لكن الزيادات في درجات الحرارة، في الوقت الحاضر، وهطول الأمطار وتركيز ثاني أكسيد الكربون، جميعها تؤثر بشكل مباشر على إنتاج المحاصيل (يرتفع تركيز ثاني أكسيد الكربون بمعدل 1.5 إلى 1.8 جزء في المليون في السنة). وأضاف أن زيادة درجة الحرارة بمقدار 10 درجات مئوية قد تؤدي إلى تقليل إنتاج بعض المحاصيل بنسبة 4-5%.

وبحسب مقالة كتبها د. محرن تحدث فيها عن العديد من الدراسات التي تناولت الآثار الاقتصادية المتوقعة المترتبة عن التغيرات المناخية على أهم منتجات الحبوب (القمح، الذرة، الأرز) التي من المتوقع أن تشهد انخفاضا في الإنتاجية؛ الموضوع الذي يترتب عليه نقص كمية الإنتاج الإجمالي لتشكيلة الحبوب بشكل كامل.

سلبيات وإيجابيات

من ناحيته أوضح الدكتور أحمد محمران أن تغير المناخ يمكن أن يؤثر أيضًا على النظام البيئي بشكل مباشر أو غير مباشر؛ فبعد حصاد المحصول، تُحرق بقايا المحاصيل في الحقل مما يساعد أيضًا في زيادة مستوى ثاني أكسيد الكربون وقتل الكائنات الحية الدقيقة فيه.

وتوسع قائلا: “ستؤثر التغيرات في المناخ على تغذية المياه الجوفية، ودورة المياه، ورطوبة التربة، والثروة الحيوانية، والأنواع المائية. ويؤدي تغير المناخ إلى زيادة انتشار الآفات والأمراض مما يتسبب في خسارة كبيرة في إنتاج المحاصيل؛ نتيجة لتغير المناخ في تدهور خصوبة التربة”.

ونجد أن التغيرات المناخية تسببت بالكثير من الخسائر المادية والمعنوية بحسب تصريح مدير قطاع الري المزرعي في وزارة الزراعة إسكندر ثابت قائلا: “التغيرات المناخية حاليا هي حديث العصر، خاصة مع وجود آراء عديدة؛ فهناك من يرى أن الدورات المناخية تحدث بين كل 20-40 سنة أو فترات أكثر، وبالتالي تحدث التغيرات المناخية. وهناك من يرى رأيًا آخرَ -وهو الأرجح- أن هناك تغيرات مناخية دورية تحدث بشكل مستمر أكثر من قبل، وهي تحدث بفعل التطور الحديث لبعض الصناعات المرتبطة، وكذلك الغازات الدفينة التي تنتج بفعل احتراق الوقود الأحفوري، خاصة بعد ظهور المكائن في الآلات الحديثة والسيارات والشاحنات، فكل هذا ساعد على تشكيل غطاء يمنع الإشعاعات الضارة من الخروج من الغلاف الجوية بشكل سليم.

وأردف: “قد تسبب ما نسبته 27% تقريبا من الانبعاثات الحرارية من قطاع  الزراعة -مثل القيام بحرائق الغابات والنباتات واقتلاع وقطع الأشجار والاحتطاب الجائر- تغيرات مناخية مما يشكل مانعًا للقيام بالعملية التنفسية الطبيعية للبيئة التي تعمل على تنقية وتصفية الأجواء بسبب قلة الأشجار وانتشار التصحر، فينتج عنه انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون بشكل مكثف الذي يصعد إلى الغلاف الجوي ويسبب مشاكل كبيرة على جميع الأصعدة. وكذلك عدم التعامل السليم مع مخلفات الحيوانات كالروث الذي يبقى على الأرض مما يسبب انبعاث غاز الميثان الذي يعد ثاني عنصر من العناصر المسببة للاحتباس الحراري”.

وأضاف: “حسب الخبراء ومنظمة الفاو، فإن درجة الحرارة قد ازدادت مؤخرا بمقدار درجة واحدة حول العالم، وهذا يعنى أن تبخر المياه في سطح البحار يزداد كذلك ويتسبب بأمطار غزيرة فتحدث الفيضانات، وتحدث في مناطق أخرى مشكلة الجفاف. ففي اليمن العام الماضي 2022م خلال فبراير حتى شهر مايو ويونيو لم نكن نسمع بنزول أمطار، ثم نزلت الأمطار حينها في شهر يوليو وأغسطس وسبتمبر، بينما فنزول الأمطار في هذا العام 2023 فاستمر من شهر مارس حتى مايو، وهذا تغير كبير لم يحدث سابقا؛ إذ كانت تنزل الأمطار في شهري مارس ويوليو فقط، مما تسبب في أضرار كبيرة على القطاع وجودة المحاصيل وموعد قطافها”.

وأردف: “سابقا كانت تنزل الأمطار بشكل كثيف على مناطق ومحافظات معينة، كمحافظة إب، ولكن بفعل التغيرات المناخية أصبحت ذمار وصنعاء هي الأشد غزارة في نزول الأمطار”.

وأكد: “تسببت أمطار العام الماضي الغزيرة بالفيضان الذي يقدر بـ130 مليمتر، التي نزلت خلال ثلاث ساعات فقط وتسببت في حوادث غرق في مدينة عدن؛ فالأمطار الغزيرة غير المتوقعة تسبب خسائر كبيرة، منها انجراف التربة والأراضي المزروعة. وبفعل التغيرات المناخية قد يحدث جفاف شديد مما يسبب دمارًا للتربة وزيادة الملوحة فيها فتحتاج إلى كميات كبيرة وهائلة لإعادة استصلاحها. ولا ننسى الحرائق والغازات التي تحدث بفعل التجارب البشرية على المواد الكيمائية والمتفجرة”.

حلول ومقترحات

يجد الناس صعوبةً في مواجهة التغيرات المناخية وإيقافها، خاصة مع انعدام الوعي لدى البعض وعدم معرفتهم بالطرق الصحيحة لمواجهتها، والحد من خطر حدوثها، فبحسب رأي إسكندر ثابت هناك العديد من الحلول التي من أهمها: توعية المجتمع بالتكيُّف مع التغيرات المناخية وعدم الاستسلام وهجر القرى والانتقال إلى المدن هربا من بعض التغيرات المناخية، وكذلك نشر التوعية بكيفية مواجهة المشاكل المناخية بأكثر من وسيلة كي تصل إلى جميع أفراد المجتمع كبارا وصغارا مع التحذير من التساهل بالمشاكل المتوقع حدوثها”.

كما أوصى د. ثابت بإنشاء خزانات أرضية وجوفية وسدود وحواجز وفقًا لمعايير هندسية، وتهذيب الوديان وإزالة الموانع التي تحجز السيول بشكل غير مدروس مما قد يسبب كارثة أخرى، وكذلك منع بناء المساكن في أماكن جريان السيول والأمطار لمواجهة مشكلة الأمطار الغزيرة، والحفاظ على بناء المدرجات الزراعية وصيانتها، والقيام “بالزراعة المناخية الذكية”، فمن الضروري مواكبة العالم في مجال مواجهة أخطار التغيرات المناخية ومنع تدهور هذا القطاع والحرص على تنميته وزيادة إنتاجيته، والحفاظ على الموارد الطبيعية للأجيال القادمة خاصة مع ظهور إحصائية احتمال وصول سكان العالم إلى 12 مليار بحول عام 2050. وأضاف: “حاليا، في قطاع الرأي وزارة الزراعة نعمل على التوعية بأهمية الزراعة وبناء مدرجات زراعية وإعادة تأهيلها، ومنح المزارعين بيوتًا محمية تعطي إنتاجية عالية بأقل كمية معينة من المياه وأقل مساحة، وأن نقوم بعمل “مدارس حقلية” لتعليم أفراد المجتمع (نساءً ورجلاً) كل ما يتعلق بالزراعة ابتداءً من زراعة النبتة وصولاً إلى حصاد المحصول، وكذلك عمل لهم ورش ودورات تدريبية عن أهمية البيت المحمي وطرق ألزراعة فيه واختلافه عن الزراعة المكشوفة وتعليمهم كيف التعامل مع الآفات والحشرات، وكيفية التعامل مع الامطار، والكثير من التفاصيل وتستمر مدة المدارس الحقلية  من 3 – 6 اشهر، ونستهدف الأرياف بشكل مباشر. أما المدن فعلينا العمل على فكرة الزراعة المستدامة (الزارعة المنزلية)، وتقديم المشورة والنصح لعدد من منظمات المتجمع المدني والمحلي وتزويدهم بخطط عمل ودعمهم بخبرات ومهندسين ومدربين، وفي المقابل تنفذ هي هذه الدورات وتنشر ثقافة الزراعة في الأسطح وفي شرفات المنازل”.

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

84.2% يعتقدون أن التغيرات المناخية ستؤثر سلبًا على الحياة في اليمن

صوت الأمل – يمنى أحمد التغير المناخي هو التغير طويل الأمد في درجات الحرارة وأنماط الطقس في…