التغير المناخي ومستقبل الاستثمار في اليمن

صوت الأمل – أحمد باجعيم

 تعد تداعيات تغير المناخ في اليمن أمرا خطيرا، إذ أرغم هذا التحول البيئي الاستثمارات على مواجهة تحديات جديدة، من بينها المخاطر البيئية والتأثيرات الاقتصادية والاجتماعية وتعرُّض قطاع الزراعة، الركيزة الأساسية للاقتصاد اليمني، لأضرار جسيمة جراء التغيرات المناخية، مما أدى إلى ارتفاع حاد في أسعار الغذاء وزيادة الفقر والتشرد.

وتحتاج اليمن إلى مزيد من الاستثمارات المستدامة في القطاعات ذات الصلة بالبيئة، بهدف التقليل من الآثار السلبية لتغير المناخ وتحسين الإنتاجية والفاعلية في الاستثمار بشكل يحافظ على البيئة والثروات الطبيعية. وتواجه البلاد تحديات هائلة لكنها بحاجة إلى العمل الجماعي، والتكيف مع التحولات المناخية، واتباع استراتيجيات التنمية المستدامة في مجال الاستثمار. من خلال هذا التحقيق سنعرض أهم آثار الظروف المناخية على الاستثمار في اليمن.

التأثيرات المناخية على قطاع الاستثمار 

الاستثمار واحد من أبرز القطاعات الحيوية والمهمة التي تتأثر بالتغيرات المناخية؛ إذ يتعرض لتحديات كبيرة جراء تغير المناخ. وتتطلع اليمن إلى الاستمرار في تطوير الاقتصاد وتعزيز قدرته التنافسية، لكن ذلك يتطلب تحقيق التوازن بين الحفاظ على البيئة وتحقيق النمو الاقتصادي، وهي مهمة شاقة تتطلب جهودا مشتركة من جميع الأطراف المعنية في ظل الظروف التي تعصف بالبلاد في الوقت الحالي.

في تقرير حديث لموقع “صدى” العربي في 23 فبراير 2023م عرض فيه خسائر النحالين اليمنيين جراء التقلبات المناخية؛ حيث يعد العسل أحد الاستثمارات المهمة والناجحة في اليمن، ويصدر إلى البلدان المجاورة بكميات كبيرة. وتطرق التقرير المعنون بـ”النحالون اليمنيون يواجهون تهديدات المناخ” إلى معاناة تربية النحل خلال السنوات الحالية بسبب تقلبات المناخ المفاجئة التي أحدثت هطول أمطار غير موسمية، وفيضانات وغيرها من الظروف التي زادت من التحديات التي تواجه النحالين.

وأشار “صدى” إلى أن النحالين في اليمن يتبعون طرقا تقليدية مخالفة عن الطرق المتبعة في بلدان العالم الأخرى، وهي التنقل المستمر طيلة العام بحثا عن مراع. يعمل في هذه المهنة أكثر من تسعين ألف نحال ينتشرون في 21 محافظة، ووصل إنتاج العسل في البلاد خلال عام 2020م نحو 2.823 طنا، وفقا للتقرير. إلا أن هذا الإنتاج تراجع في العامين الماضيين نتيجة التقلبات المناخية التي أضرت بهذا الاستثمار الرافد للاقتصاد اليمني.

 وبيَّن عبد الله باهادي، صاحب مشروع “تسويق”، لـ”صوت الأمل” أن التغيرات المناخية تؤثر على الاستثمارات المحلية والخارجية بطريقة كبيرة، وقد تتسبب في خسائر كبيرة للمستثمرين خلال الأعوام القادمة. وأوضح أن أهم أنواع الاستثمارات المتأثرة بهذه التغيرات هي: الزراعة، الصناعة، السياحة، البناء، وغيرها، وطالب المستثمرين أن يأخذوا بعين الاعتبار هذه التغيرات المناخية في عمليات الاستثمار والتخطيط للمستقبل.

أهم آثار التغير المناخي على قطاع الاستثمار

 يعد الاستثمار الزراعي أكثر الاستثمارات في البلاد تأثرا بالتغيرات المناخية حيث يشير تقرير للبنك الدولي بعنوان “الدور الحيوي للمزارعات في مواجهة تغير المناخ في اليمن”، بتاريخ 30 مارس 2022م، أن نسبة مساحة الأراضي الزراعية انخفضت بمعدل يصل إلى 38% بسبب الصراع المحتدم منذ مطلع 2015م، وتقلبات المناخ المفاجئة. كما يعتمد ما يقارب من ثلثي سكان اليمن على الزراعة؛ لتلبية احتياجاتهم المعيشية التي تأثرت بشكل كبير نتيجة التغير المناخي الذي يساهم قطاع الزراعة بـ16.5% من الدخل القومي للجمهورية، وفقا للمركز الوطني للمعلومات.

 وأكد الدكتور خالد الجابري -أستاذ الإدارة المالية المشارك بجامعة حضرموت- لـ”صوت الأمل” على أن الاستثمارات المحلية واجهت تحديات كبيرة أثرت على الاستثمارات في القطاع الزراعي بسبب نقص الموارد المائية، وما تتعرض له المساحة الزراعية من جرف السيول مع ارتفاع حالات الأعاصير والفيضانات المتكررة في الفترة الأخيرة. وكذا الآثار السلبية التي تخلفها التقلبات المناخية على الاستثمارات في قطاع الصناعة الغذائية، الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاع كلفة الإنتاج بسبب متطلبات معالجة هذه الآثار من ارتفاع درجات الحرارة والرطوبة لأثرها المباشر على المواد الأولية والمنتجات.

واستطرد الدكتور الجابري قائلا: “إن ارتفاع تكلفة الاستثمارات في قطاع الزراعة والصناعة بسبب التغيرات المناخية المفاجئة التي ساهمت في انخفاض حجم الاستثمارات المحلية؛ نظرا لمحدودية الأموال المتاحة أمام المستثمرين المحليين وارتفاع كلفة الاستثمار، كما أن لدى مستثمري الخارج تخوفًا من دخول اليمن في هذا التوقيت للاستثمار؛ نتيجة النزاع بين الفصائل المحلية، ولضعف الدولة في مواجهة الكوارث الطبيعية”.

تحليل آثار التغير المناخي على الاستثمار

 توقع تقريرٌ لمدونات البنك الدولي أن اليمن معرضة بشدة خلال السنوات القادمة إلى موجات تغير مناخي وصفها بالخطيرة وقد تخلف نتائج سلبية، أبرزها: زيادة في شحة المياه، ارتفاع درجات الحرارة إلى القصوى خصوصا في المناطق الحضرية، كثرة الفيضانات والسيول الجارفة والعواصف الترابية والانهيارات الأرضية، ارتفاع منسوب مياه البحار، وهو ما يقوض الحركة الاستثمارية تدريجيا في البلاد.

وأوضح التقرير الذي نشرته المدونة الأممية بتاريخ 21 يوليو 2022م تحت عنوان “زيادة قدرة المراكز الحضرية في اليمن على تحمل تغير المناخ” أن أغلبية المناطق اليمنية ستعيش محرومة من نقص الخدمات بسبب التقلبات المناخية الشديدة مما سيزيد الوضع سوءًا؛ إذ إن  ذلك سيضعف من قدرة الدولة اليمنية على مواجهة التغير المناخي.

وأشار باهادي إلى أن التغير المناخي يخلف آثارا سلبية على الاستثمار في اليمن، مثل تطبيق القيود البيئية والتأثيرات السلبية على الإنتاجية التي قد تؤدي إلى تقليل الأرباح. لكن بعض التغييرات المناخية قد تؤدي إلى توفير فرصة للاستثمار في قطاع الطاقة المتجددة، مما يعزز النمو الاقتصادي ويزيد من الإنتاجية الربحية.

انعكاسات التغير المناخي على الاقتصاد

 حذرت دراسة أعدتها الحكومة اليمنية والأمم المتحدة أن التغيرات المناخية وسوء استخدام المياه الجوفية وتدهور الموارد الطبيعية نتيجة التقلبات المناخية، جمعيها ستؤدي بطبيعة الحال إلى رفع نسبة التصحر في الأراضي إلى نحو 86% من إجمالي مساحة اليمن. وتنذر الدراسة بتقلص المساحات الزراعية الذي سينعكس سلبا على الاستثمار في هذا القطاع الحيوي والاقتصاد الوطني بشكل عام.

وتطرقت الدراسة التي نشرتها صحيفة “الشرق الأوسط” في 1 ديسمبر 2022م تحت عنوان “اليمن: التغيرات المناخية تهدد برفع نسبة التصحر إلى 86%” إلى أن التغير المناخي في اليمن سيؤثر سلبًا على إنتاج قطاع الزراعة وتربية الماشية، وهو ما يسبب انعكاسات خطيرة ومقلقة على مصدر رزق نحو ثلثي سكان البلاد.

وعلى صعيد متصل، قال الدكتور خالد الجابري إن آثار التغير المناخي واضحة على العديد من القطاعات الاقتصادية في البلاد، الأمر الذي ينعكس بدوره على الاقتصاد. كما أن انخفاض حجم الاستثمارات المحلية والاعتماد على الخارج في الحصول على احتياجاته ينتج اختلالات بميزان المدفوعات وانهيار العملة. منوهًا أن تقلبات الجوية والمناخية تنعكس تؤثر بطبيعة الحال على الاستثمارات المحلية والاقتصاد الوطني بصورة مباشرة.

أرقام وإحصائيات 

 استعرض موقع “عربي جديد” بعض الإحصائيات الذي تسبب بها التغير المناخي خلال الأعوام الماضية في تقرير بعنوان “المناخ كارثة أخرى تهدد اقتصاد اليمن” بتاريخ 8 يونيو 2018؛ حيث ذكر على لسان الأمم المتحدة أن قطاع الفيضانات أخطر الكوارث الطبيعية وتضررا على قطاع الاقتصاد في اليمن منذ 1990.

وأشار التقرير إلى أن فيضانات عام 2008م تسببت بدمار وخسائر قدرت بنحو 1.6 مليار دولار، أي ما يعادل 6% من الناتج المحلي. وقد أثرت هذه الخسائر على الاقتصاد، وبالتحديد على قطاعات الزراعة والصناعة والتجارة والسياحة والثروة الحيوانية وصيد الأسماك والبنية التحتية. منوهًا إلى أن تغير المناخ سيؤدي إلى خسائر اقتصادية جسيمة وارتفاع في أسعار السلع الغذائية.

ووفقا للتقرير فإن الخسائر الاقتصادية الناتجة عن إعصار “ميكونو” الذي ضرب محافظة سقطرى -جنوب البلاد- في مايو 2018م قد خلفت غرق سفينتين و113 قاربًا، وتلف أو فقدان ما يقارب 52 محركًا بحريًا، وتضرر نحو 400 منزل لصيادين، وتعرض رصيف ميناء سقطرى لأضرار بالغة، كما أن مياه الفيضانات جرفت طبقة الأسفلت في أغلب طرقات الجزيرة.

توصيات ومقترحات

 قدم الدكتور خالد الجابري أهم الإصلاحات الاقتصادية التي تسهم في توفير بيئة استثمارية والتغلب على الظروف المناخية، ولعل أبرزها العمل على تفعيل القوانين التي تحمي البيئة من استنزاف الموارد المائية، وبشكل خاص الزراعة في المجالات غير المفيدة مثل زراعة شجرة “القات”، وهي أكثر زراعة تستهلك كميات كبيرة من المياه، وكذا سعي الدولة في تقديم حلول تحقق الانتعاش الاستثماري.

وطالب الجهات المعنية بتشجيع الاستثمارات الصديقة للبيئة التي تسهم في تقليل الأضرار عليها، كالمشاريع التي تستخدم الطاقة المتجددة، وتقديم المزيد من التسهيلات في القطاعات الأخرى الأقل عرضة للتأثر بالتغيرات المناخية، مثل الاستثمارات السياحية لما تتمتع به اليمن من تاريخ ثقافي مثير للاهتمام، إضافة إلى ما تتميز به من عجائب طبيعية فريدة، وهذا كفيل بتقدم عجلة الاستثمار نحو الأفضل.

يؤثر التغير المناخي بشكل كبير على المصادر الأساسية للاقتصاد اليمني، كالزراعة والثروة السمكية والحيوانية وغيرها، ومن ثم فإن التغير المناخي يزيد من تكاليف الإنتاج ويخفض الإنتاجية، مما يضر بأوضاع الاستثمار والاقتصاد بصفة عامة.

وبناء على ذلك، يتطلب من المستثمرين الاهتمام بتحليل تأثير التغير المناخي على الأسواق، والعمل على نشر الوعي حول هذه المشكلة في المجتمع المحلي وتشجيع استخدام التكنولوجيا الحديثة والمكتسبات العلمية لتعزيز قدرة اليمن على التكيف مع التغير المناخي وتعزيز النمو الاقتصادي في البلاد.

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

84.2% يعتقدون أن التغيرات المناخية ستؤثر سلبًا على الحياة في اليمن

صوت الأمل – يمنى أحمد التغير المناخي هو التغير طويل الأمد في درجات الحرارة وأنماط الطقس في…