‫الرئيسية‬ الأعداد السابقة التغيرات المناخية وآثارها على الاقتصاد في اليمن تغير المناخ.. خطر يهدد مصادر المياه والطاقة في اليمن

تغير المناخ.. خطر يهدد مصادر المياه والطاقة في اليمن

صوت الأمل – أفراح بورجي

يمثل تغير المناخ أحد أكثر المخاطر التي تهدد مصادر المياه والطاقة في اليمن؛ حيث شهدت البلاد تغيرات في أنماط المناخ في العقود الثلاثة الأخيرة، التي بدأت آثارها تظهر بشكل واضح ومتسارع، مسببة الكثير من الكوارث، أبرزها الجفاف وشحة المياه والاحتباس الحراري، وغيرها من الظواهر المناخية التي تنعكس آثارها المباشرة على الكثير من جوانب الحياة، مثل الزراعة والغذاء والأمن الغذائي والاقتصاد والصحة.

وتعاني اليمن أزمة كبيرة تتعلق بالموارد المائية وقطاع الطاقة؛ حيث تعد من الدول التي تعاني من الإجهاد المائي (أي: الفارق السلبي بين كمية المياه الواردة من مصادرها المختلفة وبين كمية المياه المستهلكة) الذي يتسبب في مشاكل اقتصادية واجتماعية كبيرة للسكان، بالإضافة إلى أن تغير المناخ يؤثر في أنظمة الطاقة؛ نظرا لزيادة تكاليف المواصلات أو لصعوبة تلبية حاجة الناس من الطاقة، لا سيما التقنيات التي تعتمد على المصادر الطبيعية لإنتاج الطاقة الكهربائية، مثل الألواح الشمسية أو توربينات الهواء، وبالتالي فقد تمنع  التغيرات المناخية توفير الطاقة الكافية لتشغيل هذه التقنيات بشكل جيد.

كيف تتأثر المياه بالتغيرات المناخية؟

أستاذ علم المياه الجوفية المشارك في كلية علوم البحار والبيئة بجامعة الحديدة، الدكتور غنيم ناشر، يقول: “تؤثر التغيرات المناخية بشكل أو بآخر في مصادر المياه؛ فمثلا ارتفاع درجة الحرارة يزيد من تبخر المياه الموجودة في الهواء، وهذا يؤدي إلى زيادة قدرة الهواء الجوي على حمل المياه، مما يسبب حدوث مواسم ممطرة مبكرة وقصيرة، مقابل مواسم جفاف طويلة. وزيادة تبخر المياه تقلل من معدلات رطوبة التربة، مما يزيد احتمالية تكرار الجفاف في المنطقة لفترة طويلة، وبالتالي احتمالية حدوث تصحر فيها. كما أن انخفاض معدل رطوبة التربة جراء ارتفاع درجة الحرارة وتبخر المياه يؤدي إلى انخفاض نسبة الترشيح في التربة، وبالتالي انخفاض معدل التغذية في المياه الجوفية بشكل كبير”.

وأضاف الدكتور ناشر: “في المناطق الساحلية يؤثر التغير المناخي على مستويات وارتفاع منسوب المياه على سطح البحر؛ حيث يؤدي هذا الارتفاع إلى انخفاض في طبيعة ووفرة المياه في تلك المناطق، ويؤثر سلبا في نوعية المياه المالحة من خلال تسرب المياه المالحة إليها، ويؤثر أيضا على دورة المياه تحت سطح المناطق الساحلية، الأمر الذي يؤدي إلى انخفاض تدفق المياه العذبة والتقليل من مساحاتها في المنطقة، كما أن ارتفاع مستوى سطح البحر يزيد من مستوى المياه في خزانات المياه الجوفية، مما يزيد من نسبة الجريان السطحي للمياه على حساب تغذية الخزانات الجوفية”.

وأردف: “هذا من الناحية السلبية، أما التأثيرات الإيجابية للتغيرات المناخية من ناحية زيادة معدل الأمطار وغزارتها؛ حيث يترافق مع ازديادها زيادةٌ في تغذية خزانات المياه الجوفية. ومن المعروف أن المياه الجوفية تعاني من الضخ الجائر في العقود الأخيرة، ومن ثم فإن ارتفاع معدل الأمطار يؤدي إلى زيادة الجريان السطحي المتمثل في السيول والأودية، وهو ما يقلل من معدل استهلاك المياه الجوفية”.

من جهته، قال القائم بأعمال رئيس الهيئة العامة لحماية البيئة، المهندس فيصل الثعلبي: “إن الحديث عن موضوع التغير المناخي وتأثيراتها معقد جدا، بل هو موضوع عالمي التأثير، لا سيما أن هذا التغير المناخي حاصل في معظم الدول والقارات إن لم يكن جميعها، خصوصا فيما يتعلق بالاحتباس الحراري؛ فارتفاع درجة الحرارة العالمية يؤدي إلى زيادة الرطوبة التي يمكن أن يحتفظ بها الغلاف الجوي، مما يزيد من العواصف والأمطار الغزيرة. وعلى النقيض، يزيد من نوبات جفاف شديدة جدا مع تبخر المزيد من المياه الموجودة في الأرض”.

وأضاف الثعلبي: “كما أن زيادة الاحترار العالمي يؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة البحار والمحيطات، ومع ارتفاع درجة حرارة المحيطات فإنها تواجه ازديادًا طرديًا في حجمها جراء تمدد المياه بسبب ارتفاع درجة حرارتها، فضلا عن أن زيادة الاحترار تسبب ذوبان الصفائح الجليدية، ومن ثم ارتفاعَ مستويات سطح البحار؛ مما يهدد المجتمعات الساحلية والمناطق المجاورة لها، ويجعلها أكثر عرضة للكوارث الطبيعية مثل الفيضانات والأعاصير. وهذا أمر ينعكس سلبًا على جودة المياه؛ حيث يؤدي إلى تفاقم العديد من أشكال تلوث المياه من الرواسب والمُمْرضات ومبيدات الآفات، فضلا عن المخاطر الأخرى التي تهدد المساحات الزراعية وقطاع الثروة السمكية والمخاطر السكانية والصحة”.

هذه التغيرات المناخية وآثارها على مصادر المياه يمكن تؤدي إلى مخاطر كارثية على الكثير من القطاعات الحيوية في اليمن، ومنها القطاع الزراعي والسكاني، وتدمر البنى التحتية، وهكذا تقع عواقب اجتماعية واقتصادية مكلفة، لا سيما أن توازن احتياجات البشر قائمة في الأساس على المياه واستخدامها في الزراعة، والتصنيع الغذائي وإنتاج الطاقة، وغيرها من الاحتياجات الأخرى للمياه.

وأوضح الثعلبي أنه سينتج عن ارتفاع درجة حرارة المياه ونقص الأكسجين المذاب تراجعٌ في قدرة مسطحات المياه العذبة على التنقية الذاتية للمياه، وهو ما سيزيد من فرص تلوثها واحتوائها على العوامل الممرضة بسبب التركيز المرتفع للملوثات خلال فترات الجفاف، مما يزيد من احتمال حدوث تأثيرات سلبية  في الصحة البدنية والعقلية، نتيجة الأمراض والإصابات والخسائر المالية. مشيرًا إلى أن الكثير من النظم البيئية والإيكولوجية في الغابات والأراضي الرطبة ستكون معرضة لخطر انخفاض التنوع البيولوجي فيها، في حال تفاقُمِ التطرفات المناخية.

التغير المناخي وقطاع الطاقة

يرتبط قطاع الطاقة والتغير المناخي بعلاقة مزدوجة ومتداخلة بشكل كبير، من حيث تأثير كل منهما في الآخر، فمع زيادة الطلب على الوقود الأحفوري في العقود الأخيرة ارتفع معدل الانبعاثات الكربونية التي نجم عنها ظاهرة الاحتباس الحراري وتغير المناخ. وفي المقابل، من المتوقع أن تتأثر نظم إنتاج الطاقة سلبا بالتغير المناخي؛ حيث ستتعطل مرافق إنتاج ونقل الطاقة، خصوصا مصادر الطاقة النظيفة؛ نظرا لظروف الطقس القاسية.

وفي اليمن، يشوب منظومة البحث العلمي في أغلب المجالات، لا سيما علوم البيئة، الكثير من الضعف وقلة الإمكانيات، مثلها مثل الكثير من الدول النامية. مع ذلك، يمكن الاستدلال على مؤشرات تغير المناخ وتأثيراتها من خلال الواقع المعاش، بالإضافة إلى الدراسات العالمية التي تتناول أزمة المناخ في دول الشرق الأوسط والمناطق شبه المدارية. ففي تقرير منشور على موقع “ناسا بالعربي” تتناول ورقة بحثية أجريت في مناطق متفرقة من قارة أستراليا، من خلالها تتحقق الباحثون مما إذا كانت الطاقة المولدة من مزارع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح ستتأثر بتغير المناخ أم لا؛ حيث حلّل الباحثون متغيرات الطقس الرئيسة، مثل درجة الحرارة والإشعاع الشمسي السطحي وسرعة الرياح، في فترات زمنية مدتها 30 دقيقة من عام 1980 إلى 2006، وأبان التقرير أن التغيرات الزمنية العامة في توليد الطاقة الشمسية وطاقة الرياح السنوية -بسبب تغير المناخ- صغيرة؛ إذ تبلغ 0.1% من متوسط إنتاجها كل عقدٍ. ولاحظ الباحثون أنه خلال الأيام الخمسة الأكثر سخونةً من كل عام، كان تأثير تغير المناخ على إنتاج الطاقة المتجددة أكثر حدةً؛ فخلال الأيام التي تشهد درجات الحرارة القصوى، التي تزامنت مع ذروة الطلب على الطاقة، انخفض إنتاج الطاقة الشمسية فيها بنسبة تتراوح بين 0.5% و1.1%، وانخفض إنتاج مزارع الرياح بين 1.6% و3% لكل عقد.

وقال تقرير للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO) في أكتوبر 2022م: “يجب مضاعفة إمدادات الكهرباء من مصادر الطاقة النظيفة خلال الثمان السنوات المقبلة؛ للحد من ارتفاع درجة الحرارة العالمية، وإلا فسيكون هناك خطر يتمثل في أن يؤدي تغير المناخ والطقس الأكثر تطرفاً والإجهاد المائي إلى تقويض أمن طاقتنا، بل وتعريض إمدادات الطاقة المتجددة للخطر”.

الجدير بالذكر أن الكثير من اليمنيين لجأوا مؤخرا إلى استخدام منظومات وألواح الطاقة الشمسية بعد انقطاع الكهرباء عنهم خلال سنوات الحرب الدائرة في البلاد، وهو ما يستدعي طرح تساؤلات حول تأثير تغير المناخ على حجم الطاقة المستفادة من تلك الألواح وتفاوتاتها بين المناطق الحارة والمناطق المعتدلة وخلال فصول السنة.

في هذا الصدد، قال أحد المستثمرين في مجال الطاقة الشمسية في اليمن، الأستاذ عمار عبدالسلام: “ينخفض إنتاج الألواح الضوئية للطاقة الشمسية خلال فصل الصيف بنسبة تصل من 5-10% مقارنة بالفصول الأخرى؛ فكلما ارتفعت درجة الحرارة انخفض إنتاج الطاقة لهذه الألواح، كما أن إنتاجها للطاقة في المناطق الباردة والمعتدلة يكون أكثر منه في المناطق الحارة”.

وأضاف عبد السلام: “وهناك مؤثرات مناخية أخرى تؤدي إلى تقليل نسبة إنتاج ألواح الطاقة الشمسية؛ ففي حال حدوث عواصف رملية، فإن إنتاجية الطاقة من الألواح الشمسية قد تنخفض إلى 30%؛ بسبب تراكم الغبار الذي يحول دون الوصول الكامل لأشعة الشمس عليها. وكذلك في حالة الأجواء الغائمة والأيام الممطرة ، تنخفض إنتاجية هذه الألواح من 60% إلى 80%”.

ولأن اليمن من الدول النامية الأشد ضعفا في مجال الطاقة، فإنها لا تزال تعتمد بشكل رئيس على الوقود الأحفوري لتوليد الكهرباء، بعكس بلدان العالم المتقدم التي اتجهت إلى العديد من الوسائل والطرق لإنتاج الطاقة الكهربائية، ومن ثمَّ فإن تأثيرات المناخ في مجال الطاقة في اليمن قد يكون حادا أكثر مما هو عليه الحال في الدول الأخرى.

وفي هذا الصدد يقول المهندس الكهروميكانيكي، عبدالرحمن حجر: “إن موجات الحر في البلاد، تؤدي إلى تزايد الحاجة إلى الطاقة الكهربائية للتبريد، وهو ما يعني زيادة استخدام الوقود. لكن تأثيرات المناخ قد تؤثر على صناعة النفط والغاز بسبب ظروف المناخ المتطرفة والحادة، مثل الأعاصير المدارية، التي قد يكون لها آثار وخيمة على المنصات البحرية والبنية التحتية البرية، ومن بينها البنى المتعلقة بإنتاج الوقود. علاوة على ذلك، فإن التقلبات المناخية والكوارث الناجمة عنها قد تعرض بنية نقل الوقود التحتية -مثل أنابيب النفط والغاز- لمخاطر كبيرة، ويمكن أن تؤدي الفيضانات والسيول إلى إحداث أضرار مادية جسيمة في مرافق نقل وتخزين الوقود وإنتاج الطاقة”.

وواصل حجر قائلا: “أما بالنسبة لارتفاع درجة الحرارة، فإنه مع الارتفاع الحاد في درجات الحرارة يضطر مشغلو محطات الكهرباء الحرارية إلى تشغيلها بقدرة منخفضة وربما إيقافها تماما؛ ذلك أن بعض التوربينات الغازية أو البخارية لا تتحمل تشغيلها لوقت أطول عند درجات حرارة الجو العالية”.

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

تراث الطهي اليمني يغزو العالم بمذاقه الفريد

صوت الأمل – هبة محمد  يُعدُّ المطبخ اليمني واحدًا من المطابخ العربية الرائعة والشهيرة…