‫الرئيسية‬ الاقتصادية الصناعات التراثية اليدوية ماضٍ يتجدد لإنعاش الاقتصاد الوطني

الصناعات التراثية اليدوية ماضٍ يتجدد لإنعاش الاقتصاد الوطني

صوت الأمل – أحمد عمُر

تعد  الصناعات المحلية بأشكالها المختلفة رافدًا حقيقيًا لخزينة الدولة، ومؤسساتها الحكومية، خاصة في البلدان المصنعة والمهتمة بالصناعات الحرفية والتقليدية. 

اليمن واحدة من الدول التي تمتلك مخزونًا من هذه الصناعات، وتشتهر كل منطقة عن غيرها بحرف ومشغولات يدوية فريدة، طوافاً من صنعاء إلى عدن وحضرموت وتعز وسقطرى وغيرها من المحافظات اليمنية، ونتيجة لذلك؛ أصبحت الصناعات الحرفية، والمشغولات اليدوية اليوم مشروع استدامة اقتصادي وتنموي، ومصدر دخل لكثير من الأسر التي أنهكتها ظروف البلاد المعيشية، وأوضاع الحرب المأساوية.

السلع والخدمات التي تقدمها للسوق

 تعد الأسواق الشعبية اليمنية من أكثر الأماكن جذباً للسياح،   ويقصدونها لشراء واقتناء عدد من المشغولات والصناعات التقليدية التي تتميز بها تلك الأسواق، وفقاً لتقرير صادر عن المركز الوطني للمعلومات.

وذكر التقرير عدداً من الأسواق الشعبية اليمنية، أبرزها أسواق  مدينة صنعاء القديمة والتي تنفرد ببيع المصنوعات الفضية والذهبية والنحاسية والخشبية.

وتتميز أسواق محافظة الحديدة بعرضها تشكيلات رائعة من المشغولات الحرفية اليدوية البديعة، المصنوعة من الفخار والخزف والصوف المستخدم في حياكة الألحفة والمعاوز.

كما تشتهر محافظة شبوة جنوب البلاد بالعديد من الصناعات الحرفية مثل الحدادة وصناعة الفؤوس، والسكاكين والجنابي، وصناعة المعاوز (وهي صناعة نسيجية قديمة).

من جانبها أشارت رائدة صالح (مدربة في مجال الصناعة الحرفية)  في حديثها لـ”صوت الأمل” إلى اكتظاظ الأسواق الشعبية في محافظة حضرموت بالمصنوعات الحرفية والتقليدية والمشغولات اليدوية المحلية، وتغطي هذه الصناعات احتياجات المواطنين ومتطلباتهم. وتضيف: “تشتهر أسواق محافظة حضرموت بمصنوعات متعددة ومتنوعة، أبرزها المقيش (المكنسة)، والمسارف (التي يوضع عليها الطعام)، والقفف (الحافظة التي يوضع بداخلها الطعام لحفظه) والنورة (التي تستخدم لطلاء البيوت الطينية من الخارج؛ مما تعطيها قوة تقاوم عوامل التعرية)، بالإضافة إلى انتشار المصنوعات الفضية والفخار بأنواعه المختلفة”.

المشاريع الحرفية مكسبًا اقتصاديًا للعاملين

تسهم الصناعات الحرفية والتقليدية في نمو الناتج المحلي الإجمالي في كثير من البلدان، بل هي عائد قومي كبير ومستدام  إن استُغلت بشكل صحيح كونها قطاعًا مهمًا للدولة, وما دون ذلك فهي مصدر دخل أيضًا لكثير من رؤوس الأموال والأسر للاستثمار في الصناعات الحرفية والتقليدية.

وتجد هذه الصناعات إقبالًا كبيرًا من مختلف شرائح المجتمع المحلي والعربي، خاصة أنَّ هناك كثيراً من الأشخاص والمؤسسات بالداخل والخارج تعتمد على المصنوعات اليدوية في أغراضها المنزلية وديكورات محالها، وكذا الأجانب الوافدين إلى البلاد؛  وهو ما يزيد نسبة الشراء لهذه المصنوعات والمشغولات اليدوية.

مشروع “نقشة” أحد أهم المشاريع التي تهتم بكيفية حفظ التراث اللامادي عن طريق إنتاج المنتجات التي تعاصر الواقع، والتي تحمل الطابع التراثي الحضرمي. موُّل المشروع من الاتحاد الأوروبي اليونسكو، وبتنفيذ “وكالة سميت” لتنمية المنشأة الصغيرة والأصغر، ومبادرة “مميز” بمدينة المكلا.

 فتح المشروع الباب أمام الحرفيين والمهتمين بالجانب الحرفي من خلال تشجيعهم على إنتاج صناعاتهم، وبيعها في الأسواق المحلية والعالمية, ولكن بطابع حضرمي تراثي.

وفي تصريح خاص لـ”صوت الأمل” أكد حسين الحبشي (مدير مشروع نقشة) أنَّ المشروع استهدف ثلاثة مجالات حرفية وصناعية يدوية، منها النحت على خشب “الأثب”، ومجال الصناعات بالخوص “سعاف النخيل”، والتطريز على الأقمشة القديمة.

مشيراً إلى أنَّ المشروع مر بثلاث مراحل، منها التدريب العملي والنظري، وكيفية الإدارة والتسويق للمنتجات الحرفية والمصنعة يدوياً. وأضاف قائلاً: “يهدف المشروع  إلى حفظ التراث الحضرمي واليمني من الاندثار، وفتح آفاق عمل واسعة لكثير من الأسر المنتجة أو المهتمة بجانب الصناعات الحرفية والمشغولات اليدوية, وفتح المجال لتشجيع الحرفيين لإقامة مشاريعهم الخاصة أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بل وربطهم بتجار الداخل والخارج لعرض منتجاتهم بحرفية”.

وفي سياق متصل نشر موقع “مجلس الوحدة الاقتصادية العربية”، عبر حسابه الرسمي للاتحاد العربي للأسرة المنتجة والصناعات الحرفية والتقليدية،  تقريراً عن الاتحاد العربي، يوضح فيه أنَّ حرفة صناعة وإنتاج المعاوز اليدوية تعني للعاملين مكسباً اقتصادياً هاماً، وتساهم في توفير فرص عمل لعدد كبير من العاملين؛ ليؤمِّنوا بذلك حياتهم.

 وتساهم هذه الصناعات اليدوية والحرفية بدور كبير في التنمية الاقتصادية والمستدامة، وتعزيز دور الحرف اليدوية وما تحققه من نجاحات، كالاكتفاء الذاتي والعوائد للدولة والأسر المنتجة والمجتمع كله.

ونشرت منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة الإيسيسكو  مقالاً، عبر حسابها الرسمي، عن أهمية الصناعات في توفير فرص العمل، حيث جاء في المقال أنَّ الصناعات الإبداعية قطاع استراتيجي مستقبلي، ومصدر رئيس ومهم في التنمية الاقتصادية والمستدامة، كونها تعد من أسرع القطاعات نمواً على المستوى العالمي، وخياراً إنمائياً مستداماً، يحظى باهتمامٍ واسع ومتزايدٍ في السياسات العمومية والبرامج القطاعية، في عدد من الدول، بوصفها واحدة من أهم القطاعات الإنتاجية.

وأكد التقرير أيضًا على الأدوار التنموية التي يقوم بها القطاع، من خلال إتاحة فرص العمل، خاصة في أوساط النساء والشباب وذوي الاحتياجات الخاصة، ودوره في القضاء على الفقر، والحفاظ على التراث الوطني.

واستناداً للبيانات والمؤشرات الرقمية في التقرير، فإنَّ قطاع الصناعات الحرفية يساهم بنسبة 10% من ناتج الدخل العام لعدد من الدول العربية،  ومن ضمنها اليمن.

مساهمتها في الناتج المحلي:

  أوضحت “مجلة التنمية والسياسات الاقتصادية”، بالمعهد العربي للتخطيط، في العدد الأول الصادر في العام  2020م، أنَّ الصناعات والحرف اليدوية من الصناعات المحلية الإبداعية الموجودة في كل بلاد، وهي أساس الجانب الإبداعي لتفاعل المواطنين مع بيئاتهم المحلية، وإحدى أهم القواعد المهمة؛ كونها مجالاً خصباً للإبداع والاستيحاء والتعبير عن الإرث الثقافي والشعبي والمحلي للدولة, بحيث يمكن الاعتماد عليه بعده مورداً أساسياً”.

 وفي محاولة لتحقيق التنمية الاقتصادية للبلاد ساهمت هذه الصناعات في زيادة التبادل التجاري والسياحي بين الدول، وعلى مر تلك السنوات الأخيرة لاحت في الأفق مكانة الصناعات والحرف اليدوية في زيادة التنمية الاقتصادية في البلاد، حيث بلغ حجم التجارة العالمية للحرف اليدوية والتقليدية عام 2018م ما يزيد عن 100 مليار دولار أمريكي، بحسب ما ذكرت الدراسة.

وفي ذات السياق نشرت كلية الآداب بجامعة دمياط، في الأول من يناير 2018م، دراسة للدكتورة عبير محمد عباس بعنوان “الصناعات الثقافية وبناء الاقتصاد الإبداعي” تؤكد فيه أنَّ تزايد الأدوار الصناعية للاقتصاد يمكِّن الاقتصاد الإبداعي المساهم من تحقيق تنمية مستدامة في أي دولة تهتم بهذا المجال، حيث ارتفع حجم التجارة العالمية للمنتجات الإبداعية بين عامي 2002م-2011م بما يفوق الضعف، بحسب إحصائية أظهرتها الأمم المتحدة للتجارة والتنمية عام 2013م، وفقاً للدراسة.

كما يزيد خلالها معدل النمو السنوي بنسبة قدرها 8.8%، وشهدت الدول النامية زيادة صادرتها من السلع الإبداعية بنسبة 1.12% سنوياً، عن الفترة ذاتها، كما أوضح تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أنَّ دولة الصين الشعبية حصلت على المرتبة الأولى عالمياً في تصدير الصناعات الإبداعية بنسبة 8.20%، بحسب ما بينت الدراسة.

الصناعات الحرفية ضعف في التسويق والترويج

أشار التقرير الصادر عن مجلة الاقتصاد والإحصاء التطبيقي في العام 2019م إلى أبرز الأدوار الأساسية، والتي يمكن أن يحققها التسويق الإلكتروني في التعريف والترويج للمنتجات الحرفية الفنية؛ كونه منفذاً تسويقياً يعتمد على تكنولوجيا المعلومات والاتصال بدرجة كبيرة.

 وأكد عمر الرب (الحرفي) أنَّ الصناعات الحرفية المتواجدة في بلادنا  تعاني من ضعف في عملية التسويق والترويج  في الأسواق المحلية والعالمية. بالإضافة إلى عدم اهتمام وسائل الإعلام بأبرز هذه المنتجات بالشكل الذي يتمناه الحرفي.

ووفقًا لما نُشر في بيان رسمي خاص بالمركز الوطني للمعلومات  فإنَّ الدولة تسعى إلى إقناع دول الجوار بإقامة صندوق دولي خاص لليمن، تكمن مهمته في دعم وتمويل المشاريع ذات الأولوية بالنسبة للتنمية القطاعية على مستوى المحافظات بالجمهورية، ورعاية الحرفة والحرفيين؛ كونها مصدراً مهماً في رفع الاقتصاد الوطني؛ نتيجة تصدير تلك الحرف، وكذا دعم القطاعات الاقتصادية والصناعية الواعدة، ورعايتها بما يمكنها من تحقيق عائد أكبر للدولة والمساهمة في تمويل خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الجمهورية.

 الحلول:

في دراسة للبنك الدولي القطري حول النمو الاقتصادي في الجمهورية اليمنية، بما فيها الصناعات الحرفية، عُدِّدت مقترحات لحلول كثير من المعوقات التي تواجه الصناعة الحرفية من خلال وجوب إنشاء مركز لتوثيق الصناعات التقليدية والحرفية في البلاد, ودعم المؤسسات المعنية بتطوير الصناعات التقليدية,  ونشر الوعي بأهمية الصناعات الحرفية من خلال الوسائل المختلفة, وإقامة الدورات التدريبية التي تهدف إلى رفع كفاءة الحرفيين.

وكذا العمل على التجديد والتطوير والابتكار في الأفكار؛ نظرًا للمنافسات الداخلية والخارجية التي تطرأ على السلع الموجودة بالأسواق المحلية, وكذا تشجيع النشاط السياحي؛ لأهمية دوره في تفعيل قطاع الصناعة التقليدية, إضافة إلى تخصيص مبالغ مالية وإقامة برامج لتطوير وتمويل مشاريع الإنتاجات الحرفية لأصحاب المهن والورش والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة الخاصة بالحرف والصناعات التقليدية، بحسب ما أشارت إليه الدراسة.

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

تنوع تراث الطهي.. عامل اقتصادي مهمّ وتراث حضاري ينبغي الحفاظ عليه

صوت الأمل – (حنان حسين – أحمد باجعيم)  يتميز التراث الحضاري العريق للمطبخ اليمن…