‫الرئيسية‬ الأعداد السابقة الإنتحار في اليمن دوافع وأسباب الانتحار في اليمن

دوافع وأسباب الانتحار في اليمن

صوت الأمل – ياسمين عبد الحفيظ

وراء إقدام الكثير من اليمنيين على الانتحار العديد من الأسباب، لا سيما الآثار التي أفرزها الصراع. وتختلف تلك الأسباب من منطقة إلى أخرى حسب ظروف وطبيعة المكان، ومن ثم فإن من اتخذ قرار الانتحار قد وجده الحل الوحيد والأمثل للنجاة من المتاعب والمعاناة التي تلاحقه.

ويرجع مختصون وخبراء في علم الاجتماع إقدام أشخاص في مراحل عمرية مختلفة على الانتحار في اليمن إلى العديد من العوامل، منها: الفقر، الابتزاز، العادات والتقاليد الجائرة، المشاكل الأسرية، الأمراض النفسية والصدمات التي يتعرض لها الأفراد، إلى جانب فقدان رواتبهم أو منازلهم أو أحبائهم.

 الفقر

عرف الأكاديمي أحمد عبد ربه صالح -أستاذ مساعد بكلية التربية، جامعة عدن، قسم علم الاجتماع- الفقر بأنه “عدم القدرة على توفير الحد الأدنى من المستوى المعيشي والخدمات الأساسية وليست الثانوية”.

وقال صالح إن الفقر يتصدر قائمة الأسباب التي ساعدت على توسع ظاهرة الانتحار في اليمن؛ لأنه مشكلة يعاني منها المجتمع بأكمله، ويصدر عنه عدم توفر دخل أساسي للفرد أو  تغطية نفقات المعيشة، إلى جانب ما ينتج عنه من مشكلات اجتماعية، كالتفكك الأسري، ومشكلات نفسية أهمها الاكتئاب.

وأشار صالح في حديثه إلى أن حالات الانتحار تكون في المدن أكثر منها في الريف؛ لما تحتاجه الحياة في المدينة من متطلبات لا يقدر عليها الآباء أو الأبناء داخل الأسرة, ويرى أن الفقر من الأسباب التي ساهمت في حصر تفكير الفرد بكيفية الحصول على احتياج يومه وقوت أسرته، إلى جانب تدني المستوى التعليمي والأخلاقي والديني والثقافي.

الفقر من الأسباب الرئيسة للانتحار في اليمن؛ إذ يعد من المشكلات المتأصلة في المجتمع. ومما ساهم في توسعه الصراعُ المستعر منذ سنوات ليست بالقليلة، إلى الحد الذي أن تصدرت فيه اليمن قائمة البلدان الأشد فقرا في العالم بحسب تقارير أممية. وما يثبت ذلك تقرير مؤشرات الاقتصاد في اليمن، الصادرة عن العديد من مراكز البحث والمنظمات المهتمة، التي كشفت أن نسبة الفقر في اليمن تجاوزت 85% من عدد سكان البلاد، وأن تسعة ملايين وثمانمائة ألف يمني مهددون بالموت جوعًا.

في السياق ذاته، تكشف التقارير الأممية أن الصراع الذي طال أمده سيجعل اليمن أفقر بلد في العالم، وأن ما يزيد عن 80٪ من سكان اليمن بحاجة إلى مساعدات عاجلة. وأكد التقرير أن استمرار الصراع في البلاد سوف يساهم في ارتفاع معدل الفقر إلى درجة لا يقدر عليها الأفراد في بلاد تشهد أسوء أزمة إنسانية في التاريخ الحديث.

الوضع المعيشي السيء

يرى صالح أن للوضع المعيشي أبلغ الأثر في تفشي تلك الظاهرة من جانبين، يتمثل الأول في التأثير المباشر على نفسية الشاب الذي يفكر في الانتحار بحيث يعتقد على سبيل الخطأ أن الانتحار هو الحل ونهاية الشعور بالألم. والجانب الثاني أن الوضع المعيشي المتدهور أثر بصورة سلبية على المجتمع ككل بسبب غياب الدعم الاجتماعي، وضعف الروابط الاجتماعية عما كانت عليه قبل النزاع.

البطالة والفشل

يتجرع ملايين اليمنيين مرارة البحث عن فرص حياة، وقد زادت رقعة البطالة بعدما فقد الكثير من الأفراد فرص عملهم، فيما حُرم آخرون من رواتبهم منذ بداية الصراع، الأمر الذي جعل غالبية المواطنين في البلاد يلهثون وراء فرصة تسد رمق أطفالهم المعرضين للجوع والبؤس والمرض.

يقول الأكاديمي ماجد سلطان سعيد -أستاذ مساعد في كلية الإعلام، جامعة عدن-: “إن المشكلات الاقتصادية، كالبطالة وعدم الحصول على المهن اللازمة رغم امتلاك الشهادات والمؤهلات وفقدان المهنة، هي من الأمور التي تدفع الأشخاص إلى التفكير في الانتحار، إلى جانب أمور أخرى كتعرضهم للفشل، مثل العجز عن سداد الالتزامات المالية، أو التعرض للخسائر، أو الفشل العاطفي والدراسي والاجتماعي والمهني كتأمين وظيفة كريمة والمحافظة عليها”.

المشاكل الأسرية

 ويرى سعيد أن الصراعات الأسرية المتكررة أو الشديدة بين أفراد الأسرة قد تؤدي إلى الانتحار، وبالذات المشاكل بين الأبوين، أو عيش الطفل أو المراهق مع زوجة أب قاسية أو زوج أم قاس، أو تعرض الطفل للضرب والإيذاء أو الحرمان العاطفي بشكل متكرر أو الإهمال، أو تعرض المراهق للنقد المستمر أو الاستهزاء وعدم احترام ذاته ومشاعره بسبب تدني المستوى التعليمي لدى الوالدين. كذلك، تؤدي حالات اغتصاب النساء إلى إصابتهن بالاكتئاب الشديد ومن ثم يفكرن في التخلص من الحياة”.

العادات والتقاليد

تقول عائشة محمد (اسم مستعار): “فكرت أكثر مرتين في الانتحار، وكان السبب في المرة الأولى أن والدي رفض أن أكمل دراستي الجامعية؛ لأن عادات وتقاليد الأسرة ضد تعليم الفتاة. لكن بمساعدة أخي استطعت أن أذهب إلى الجامعة بعد اكتشفاه أني أبحث عن طريقة للانتحار. والمرة الثانية التي فكرت فيها بالانتحار كانت حين أرغموني على الزواج من ابن خالي بحجة أن أبي وأفراد الأسرة قد اتفقوا ألا تتزوج فتيات الأسرة لغير شبابها”.

هكذا تبين قصة العشرينية عائشة أن العادات والتقاليد الظالمة تدفع الفتاة إلى البحث عن طريقة تتحرر فيها من الاضطهاد والظلم، وإن لم تجد فإن الانتحار الحل سيبدو هو الحل الأنسب.

أكدت ذلك الأخصائية الاجتماعية مريم بقرف [H.S.1] قائلةً: “إن العادات القبلية، مثل إلزامية الزواج من نفس العائلة أو منع الفتاة من تحقيق أُمنياتها -لا سيما عندما تكون ذكية ولديها طموح- قد تسبب الكثير من الضغوطات النفسية والحزن للفتيات، وهذا قد يؤدي إلى التفكير في الانتحار. ومن ثم تكون العادات والتقاليد أحد أهم أسباب الانتحار؛ لأن لغة التفاهم والحوار معدومة ومواجهة المشكلة معقدة”.

الابتزاز

 وترى بقرف أن تعرض الأشخاص للابتزاز يجعلهم بحاجة للمساعدة من المحيطين والدفاع عنهم ومطاردة الجاني ومحاسبته بدلًا عن إلقاء اللوم على الضحايا. في المقابل، ينتاب ضحية الابتزاز مخاوف من الفضيحة ولوم الناس وكثرة التفكير في طرق الخلاص، وهذا كله قد يؤدي إلى الإقدام على الانتحار.

في العام 2022، تناولت وسائل الإعلام قضيتين لفتاتين تعرضن للابتزاز من قبل أشخاص، الأولى لفتاة حاولت الانتحار والثانية انتحرت شنقًا لنفس السبب، كانت إحداهن في تعز المدينة والأخرى في مديرية الصلو (إحدى مديريات المحافظة). لاقت القضيتان تنديدًا شعبيًا حتى تحولتا إلى قضيتي رأي العام، وطالب ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي بضرورة ضبط الجناة وتقديمهم للعدالة، وما زالوا هم وأسر الضحايا ينتظرون الإنصاف من القانون.

تظل حالات الانتحار التي يتناولها الإعلام قليلة مقابل ما يحدث في الواقع؛ فالعديد منها لا يصل إلى عدسات الصحفيين وأقلامهم، ولم تتصدر عناوين الأخبار ووسائل التواصل المختلفة، لا سيما أن طرق الانتحار كثيرة، ومنها ما يكون داخل المنزل أو في الأرياف بعيدًا عن الناس والأضواء.

وبحسب مراقبين، يعد الوضع المزرى الذي خلفه الصراع العامل الأهم الذي دفع الكثير من الأفراد الذين يتعرضون لشتى الضغوط النفسية والمشاكل المختلفة إلى تفضيل الموت على الحياة؛ كونه في نظرهم الطريقة الأمثل للخلاص. ويبقى الدور الأكبر في محاربة هذه الظاهرة على الجهات المختصة من خلال تفعيل التوعية وإنفاذ القانون، وإيجاد حلول حقيقية وفعالة لكثير من المشكلات المتجذرة في البلاد، وتوفير حياة كريمة للمواطنين. كما تقع المسؤولية على عاتق المجتمع والأسرة والإعلام وكل المؤسسات والوسائل المؤثرة في الأفراد والمعنيين وأصحاب القرار.

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

تنوع تراث الطهي.. عامل اقتصادي مهمّ وتراث حضاري ينبغي الحفاظ عليه

صوت الأمل – (حنان حسين – أحمد باجعيم)  يتميز التراث الحضاري العريق للمطبخ اليمن…