الصحة العامة والتغيرات المناخية

صوت الأمل – حنان حسين

تعد التغيرات المناخية من أكبر مسببات تدهور الوضع الصحي في اليمن، فتقلبات المناخ تظهر الكثير من الأمراض، ومن ثم تتفشى وتتوسع رقعة انتشارها، ومن هذه الأمراض: الكوليرا، كوفيد-19، الإنفلونزا، حمى الضنك، الدفتيريا، وكذلك أمراض الجهاز التنفسي المزمنة، وكذلك بعض الأمراض التي تنتقل بالعدوى.

أرقام وإحصائيات

قام صندوق الأمم المتحدة بنشر تقرير عن الوضع في اليمن أواخر العام 2022 بعنوان ”من الجدب الشديد إلى السيول الشديدة، اليمن تتأرجح على حافة الهاوية“ ذكر فيه أنه، خلال موسم الأمطار في 2022، “شهدت اليمن حالتين من التقلبات الجوية الحادة، المتأرجحة من الجفاف الشديد إلى السيول الشديدة؛ حيث تتحمل البلاد العبء الأكبر من أزمة المناخ. إنها بالفعل واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية على مستوى العالم” (الأوتشا).

وفي بيان صحفي للهلال الأحمر عام 2022م، تسببت الفيضانات في تضرر ما يقارب 31,000 أسرة يمنية تعرضت لخسائر في الأرواح أو الممتلكات؛ حيث قد بلغ انعدام الأمن الغذائي في اليمن أعلى مستوياته. وقد خصص الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، في 30 يوليو/ تموز من العام نفسه، أكثر من 452,000 فرنك سويسري من صندوق الطوارئ للاستجابة لحالات الكوارث (DERF) لدعم استجابة الهلال الأحمر اليمني التي تشمل تزويد العائلات المتضررة من الفيضانات بالغذاء ومستلزمات النظافة والأدوات المنزلية ومستلزمات المأوى وخدمات المياه والصرف الصحي.

وتشدِّد على أن هذه الظروف بشكل عام تهدد سبل العيش، وتؤثر سلبًا على وضع الأمن الغذائي، وتزيد من مخاطر الأمراض وسوء التغذية، وفي أسوأ الحالات إلى الوفيات. وتشمل الأضرار الأخرى تدهور الموائل والمناظر الطبيعية، وزيادة أسعار المياه والغذاء التي من المحتمل أن تؤدي إلى الهجرة الجماعية والنزوح؛ فقد ذكرت التقارير أن ظروف الجفاف المتوسطة إلى الشديدة تسببت بخسارة المحاصيل الزراعية والإجهاد الحراري ومحدودية الأعلاف المتاحة للمواشي، وألحقت الأضرار بالبنى التحتية الحيوية مثل الطرقات والمساكن الخاصة بإيواء النازحين، وأدت –أحيانا- إلى وفاة بعض الناس. إن خطر السيول يشابه تماما خطر الجفاف الحاد في النصف الأول من الموسم؛ فقد تفاقم وضع انعدام الأمن الغذائي في البلاد، وعانى ما يصل إلى 19 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي.

انحراف مناخي

الدكتور هاشم ناجي (رئيس قسم العلوم البيئية – كلية البترول والموارد الطبيعية) في حديثة مع “صوت الأمل” يقول: “في الفترات الماضية أصبحنا نعاني من حدوث شذوذ مناخي وتغيرات مناخية كبيرة في الطقس، وهناك العديد من المناطق التي حدثت فيها بعض التغيرات المناخية، كالسيول الغزيرة في وقت كانت بعض المناطق فيها تعاني جفافًا حادًا. وكذلك تغيرت الفترات التي كانت تسقط فيها الأمطار من موسم معين، مع عدم حدوث استعداد للتصدي لها”.

وأضاف د. هاشم قائلا: “من وجهة نظر عامة، الكثير من الأشخاص باختلاف تنوعهم -شبابًا وأطفالًا وكهولًا- معتادون على ظروف بيئية وطقسية معينة؛ فمثلا أهل المناطق الحارة، كالحديدة وعدن، يجدون مشكلة عند تغير العناصر المناخية وتبدلها إلى ظروف طقسية أخرى؛ فعند وقوع البرد في وقت غير متوقع فإنهم يعانون من مشاكل صحية وتنفسية. وفي المقابل حين يتعرض أهل المناطق الجبلية الباردة كصنعاء وذمار لانخفاض في الطقس فإنه تظهر عليهم بعض الظواهر الصحية والأمراض والطفرات الجلدية والأمراض التنفسية كضيق التنفس والكتمة المفاجئة وغيرها. وقد تظهر أعراض ومضاعفات لدى الأشخاص الذين لا يملكون مناعة مسبقة؛ لأنهم يوجهون أمراضًا جديدة عليهم، كالملاريا وحمى الضنك وغيرها من الأمراض التي تهاجم المناعة وتضعفها”.

حلول ومقترحات

وتصرح د. أميرة زين فاضل (ماجستير صحة عامة وأمراض مدارية) قائلة: “الاهتمام العالمي حاليًا يتجه نحو التغيرات المناخية، لما لها من تأثير كبير على كل جوانب الحياة وأهمها جانب الصحة العامة. فوكالة ناسا من عام 1988م تقريبا رصدت ارتفاعًا في درجة الحرارة بشكل ملحوظ بما يقارب 1,1 درجة مئوية سنويا، هذا الارتفاع الملحوظ في درجات الحرارة أدى إلى احتباس حراري، وبالتالي تسبب في ذوبان الجليد وأدى إلى ارتفاع منسوب المياه، وكثرت حرائق الغابات لوجود مشكلة حرارية في التغيرات المناخية، ومن ثم كان لها أثر كبير على الصحة العامة”.

وأردفت مفصلةً: “وقع في محافظتي حضرموت والمهرة عام 2008 إعصار، لكن الجهات المسؤولة ربما لم تكن على دراية كافية بكيفية الاستعداد لمواجهة هذه الأزمة حينها، وأُعلنت حضرموت محافظة منكوبة بسبب تضرر المساكن وتهدم البيوت وتشرد السكان، وقلَّ منسوب الماء وظهرت مشكلة تلوثه وتراكمه في بعض المناطق مما أدى إلى ازدياد الحميات والأمراض. كل هذا ارتبط وقتها بالإعصار والتغيرات المناخية الفجائية، ثم ظهرت أعاصير مختلفة بشكل مفاجئ أورثت دمارًا كبيرًا على كل شيء في المحافظة، وتضرر القطاع الصحي والمرافق الصحية”.

وأضافت: “منظمة الصحة العالمية حاليًا مهتمة اهتمامًا كبيرًا بتسليط الضوء على التغيرات المناخية في البلدان المدارية (الواقعة في الخطين المداريين)، وتركز على جلب كل الدعم والاهتمام، ورصد وعلاج الأمراض المدارية التي تسببها التغيرات المناخية وتقلب الطقس في هذه البلدان. وفي إحدى المرات، أعلنت منظمة الصحة أن أكثر 21,000 شخص يعيشون تحت خطر الإصابة بالملاريا وحمى الضنك،  خاصة في المناطق المدارية كالحديدة وحضرموت، وأكثر من مليون حالة متوقعة للإصابة سنويا؛ فالبعوض يعيش ويتكاثر في الأجواء الرطبة جدا (33-67) درجة مئوية، ومن هنا تظهر الحميات. وكذلك تسبب مخلفات الأعاصير تجمعًا للمياه  فتجد الحشرات الناقلة للأمراض بيئة مناسبة لتكاثرها، وهذا ما نلاحظه بعد انتهاء الأعاصير إذ تنتشر الكثير من الأمراض”.

وواصلت حديثها شارحة: “لا يوجد لدينا خطة للتغيرات المناخية، فمثلاً ترتفع درجات الحرارة بشكل كبير في حضرموت من شهر أبريل إلى نهاية يونيو، وخلال هذه الفترة نجد حالات مصابة بالإغماءات المتكررة بسبب الحرارة، وتزداد حينها الأمراض كالحميات، خاصة حمى الضنك والملاريا والإسهال، وكذلك انتشار الكوليرا والسعال والتهاب الجيوب الأنفية والصدرية، وظهور التسمم الغذائي والمائي”. وخلال حديثها عن النصائح ذكرت أنه “يجب توعية المجتمع بأضرار التغيرات المناخية على الصحة ونشرها في جميع وسائل الإعلام، وبكيفية تخزين المياه بالشكل الصحيح ونقلها بشكل أفضل، فتخزين المياه في أسطوانات مكشوفة يؤدي إلى انتشار البعوض وتوالده، وبالتالي توسع بؤر انتشار الأمراض. ولا بد من توعية المواطن بعدم استخدام المياه غير الصالحة للشرب؛ فبسبب شحة المياه في بعض المناطق يضطر بعض المواطنين إلى استخدام مياه العيون أو تجمعات المياه التي تنتشر فيها الفطريات والبكتيريا. كذلك يجب على الدولة تجهيز الوحدات الصحية بشكل كامل لمكافحة النتائج السلبية التي تؤثر على القطاع الصحي والاستعداد التام لها، وعلى الوحدات الصحية وضع خطة عمل متكاملة للمكافحة تتضمن كيفية مواجهة ازدياد طلب الخدمة من الحالات المرضية القادمة لا سيما عند انتشار الغبار أو تلوث الهواء”. 

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

84.2% يعتقدون أن التغيرات المناخية ستؤثر سلبًا على الحياة في اليمن

صوت الأمل – يمنى أحمد التغير المناخي هو التغير طويل الأمد في درجات الحرارة وأنماط الطقس في…