‫الرئيسية‬ الأعداد السابقة تراث الطهي ودوره في التماسك الإجتماعي في اليمن الأطباق الشعبية تُسهم في التماسك المجتمعي في اليمن

الأطباق الشعبية تُسهم في التماسك المجتمعي في اليمن

صوت الأمل – ياسمين عبدالحفيظ

تحرص عبير خالد، ذات الثلاثين عامًا، أن تعدّ وجبة الزربيان في كل مرة يزورها أقاربها؛ كونهم يفضلون هذه الأكلة العدنية التي أدمن على تناولها الكثير من الأسر في محافظة الحديدة، كما تقوم بتجهيزها في المناسبات المختلفة مثل الأعياد، وفي شهر رمضان، إلى جانب اعتمادها وجبة حاضرة في موائد عائلتها اليومية مثل الغداء والعشاء.

تقول عبير -التي تسكن في مديرية الحالي التابعة إداريًّا لمحافظة الحديدة- إنّها تعلمت طريقة تحضير هذه الوجبة من والدتها التي سكنت لمدة طويلة في مدينة عدن قبل أن تنتقل إلى محافظة الحديدة، المدينة التي أصبح سكانها يفضلون وجبة الزربيان، وهي لا تغادر موائدهم، إلى جانب عدّها وجبة شعبية مهمة تضاف إلى قائمة أكلاتهم الشعبية.

توجد في اليمن العديد من المأكولات الشعبية، حيث إنّ لكل منطقة أكلاتها الخاصة بها؛ فهناك الوجبات الخاصة بمدينة صنعاء، وأخرى تتميز بها محافظة عدن، ووجبات تشتهر بها تعز، وهناك الوجبات التهامية والحضرمية والمهرية. وتبقى ثقافة المأكولات الشعبية زاخرة بها كثير من المناطق اليمنية بعدّها موروثًا حضاريًّا عريقًا يتداوله الأجيال، ويعزز ثقة الإنسان بهويته وتراثه.

لقد أثّر هذا التنوع في المطابخ اليمنية على النسيج الاجتماعي، والدليل أنّ هناك الكثير من الأكلات التي أصبحت المطابخُ اليمنية تشترك في تجهيزها، مثل: السلتة والملوح والعصيدة والفتة واللحوح وبنت الصحن والشفوت والمعصوبة وغيرها من الوجبات الشعبية، التي خرجت من منطقتها الأصل وانتشرت في كثير من المدن والمناطق في اليمن.

في مدينة صنعاء ظهرت أسماء العديد من المحال التي تقدم وجبة المخلوطة، وهي وجبة تشتهر بها محافظة الحديدة وبعض المدن الساحلية، حيث أصبح سكان العاصمة صنعاء يفضلون تناولها، ومنهم أُم ملاك أحمد، التي تسكن في شارع التحرير؛ إذ تقول: “منذ سنوات بدأنا نعرف وجبة المخلوطة، التي يعمل على تجهيزها وبيعها مواطنون من محافظة الحديدة، ولهم مشاريع خاصة بهم، حيث يتفنَّنون في تجهيزها، وهو ما أدّى إلى إقبال الكثير من المواطنين على شرائها”.

وتُضيف: “تعلمت تجهيز وجبة المخلوطة من جارتي النازحة من محافظة الحديدة، بعدما لفتت انتباهي محلات بيعها في شوارع المدينة. المخلوطة وجبة سهلة التحضير، ولها مذاق رائع، يتفنن في تجهيزها سكان الحديدة وعدن. كما بدأت مدن كثيرة تعرفها بفعل النزوح الذي تسبب في تنقُّل المواطنين من مناطقهم التي تشتهر بها إلى مناطق أخرى”.

كما توجد في العاصمة صنعاء العديد من المطاعم التي تقدّم وجبة المندي، وهي وجبة حضرمية، لها شهرة واسعة، وباتت متوفرة في عدة مدن يمنية. يقول مواطنون في صنعاء إنّ وجبة المندي من الوجبات الشعبية الحاضرة في موائدهم المختلفة، بالإضافة إلى وجبات حضرمية أخرى تشتهر في بيعها العديد من المطاعم الخاصة بالمأكولات الشعبية الحضرمية مثل وجبة المضبي.

ويؤكد آخرون أنّ الكثير من السكان، سواء أكانوا من المدينة أو من أبناء حضرموت أو من مدن يمنية أخرى، يترددون على هذه المطاعم باستمرار، وأنّ هناك إقبالًا كبيرًا على شراء مختلف الوجبات الحضرمية التي تقدمها. وكذلك يوجد إقبال كبير على الوجبات الصنعانية؛ فهناك مطاعم كثيرة تقدّم المأكولات الشعبية الصنعانية في محافظة حضرموت جنوب اليمن، مثل وجبة السلتة التي يفضلها كثير من المواطنين هناك.

تعد وجبة السلتة الصنعانية من الوجبات الشعبية الحاضرة في موائد اليمنيين في مختلف المدن اليمنية، ويُرجع مهتمّون انتشار هذه الوجبة إلى شهرتها الكبيرة، وسهولة تحضيرها. وقد تناقَلَها الوافدون إلى صنعاء فانتشرت إلى مختلف المناطق.

تقول أُم أيمن -مواطنة من تعز- إنّ وجبة السلتة من الأكلات التي تبدع نساء تعز في تجهيزها، ويفضّل السكان تناولها. وتضيف: “يحب زوجي تناولها على الغداء، وكذلك أطفالي، والكثير من الأسر التي تغادر المدينة تصطحب هذه الوجبة أينما ذهبت”.

وتتابع: “تحتضن مدينة تعز العديد من الأكلات الشعبية التي يعود أصلها إلى مدن يمنية أخرى، ومنها الصّيَّاديَّة والفحسة والزربيان والمندي وبنت الصحن والمعصوبة والمطفاية وأنواع الكبسات وخبز الملوج. وتعدّ وجبة الخبز الملوّح من الأكلات الشعبية التعزية الحاضرة في موائد اليمنيين في مختلف مناطقهم”.

ويؤكد أحمد مهدي، أحد ساكني صنعاء، أنّه منذ زيارته لمدينة الحديدة قبل ثلاث سنوات وتذوقه لوجبة المُقْلى في منزل زميله عدة مرات قد أدمن تناولها. وهي أكلة تشتهر بها محافظة الحديدة. ويضيف: “أصبح أفراد أسرتي يفضلون تناولها، حتى إنّ زوجتي أصبحت تتقن تجهيزها، فقد تعلمَت الطريقة من نساء في الحديدة أثناء زياراتنا المتكررة إلى هناك، إلى جانب العديد من الأكلات التي يتميز بها المطبخ التهامي”.

أكلات شعبية غير معروفة

إلى جانب الأكلات الشعبية المشهورة في اليمن هناك العديد منها غير متداول، تجدها مفضلة داخل المجتمع نفسه، على عكس تلك التي تجاوزت حدود المناطق التي اشتهرت بها، فهناك وجبات لم يَذُعْ صيتها مثل وجبة العبيك، الأكلة شعبية التي تشتهر بها محافظة ريمة عن سائر المدن.

ويقول راشد البكالي -مواطن من أبناء ريمة-: “تعدُّ وجبة العبيك من الذرة الشامية الجاهزة للأكل والشواء على النار، حيث نحصد هذه الذرة قبل أن تنضج تمامًا، أي ما تزال رطبة، ثم نقوم بطحنها، وبعد ذلك توقد في إناء على النار في الليل حتى تصبح على شكل عجينة. وفي صباح اليوم التالي يتم خبزها في التنور على شكل أرغفة، ثم بعد ذلك يتم تقطيعها إلى أجزاء صغيرة، ويتم تحويلها إلى فتة ورشها بالحليب البقري والسمن البلدي. تُجهَّز هذه الأكلة في موسم حصاد الذرة، وتحضيرها متعب”.

يتابع البكالي حديثه قائلًا: “إلى جانب وجبة العبيك، يعرف في ريمة ما يسمى بوجبة الفحيطة، وتعمل من صنف من البقوليات يسمى الكشت، ويتم تجهيزها على هيئة حبوب وغسلها، ثم وضعها في قِدر، مع إضافة كمية من الماء إليها، وبعد أن تنضج يتم إضافة الحليب البقري، وبعد ذلك يتم شرب مرقها وأكل حبوبها وهي ناضجة”. ويختم حديثه قائلًا: “هناك الكثير من الوجبات الشعبية في محافظة ريمة؛ مثل الفقشة والهريش ووجبة الفتة والدُّجرة والدُّبا، ووجبة اسمها بَنَاوِنْ”.

سامية طاهر -مواطنة من محافظة تعز، طباخة ومهتمة بمجال الطهي- تقول إنّها سافرت إلى مديرية الجراحي التابعة إداريًّا لمحافظة الحديدة لزيارة أختها، وهناك تعرفت على وجبة الكدر والكُبان، وأصبحت تكرر الزيارة إلى هناك لتتناول هذه الوجبة التي تشتهر بها العديد من المديريات في المحافظة.

تقول سامية: “تعد وجبة الكدر والكُبان من الوجبات الشعبية في محافظة الحديدة، وتتكون من الكدر ومكوناتها الذرة الشامية وحبوب الذرة البيضاء وكمية من الخبز المجفف (الروتي)، وأمّا الكُبان فهي بمثابة مقبلات، ومكوناتها الدّجرة والثوم والحقين والكمون”. وكذلك تمتلك محافظة تعز العديد من الوجبات التي لم تعرفها المجتمعات الأخرى داخل اليمن؛ ومنها الشُّؤَافة والشَّجور وعُشَار مُمَلَّحة. تشترك المطابخ اليمنية في تحضير الكثير من الوجبات الشعبية، وهناك تبادل ثقافي واضح في مجال الطهي؛ فالمطبخ التهامي أصبح يحضّر الوجبات العدنية، والمطبخ التعزي يحضّر الوجبات الصنعانية، وهكذا توحّدت موائد اليمنين بأطباقهم المختلفة من مدن متعددة، مع العلم أنّ كثيرًا من أكلاتنا الشعبية تعود أصولها إلى دول أُخرى؛ منها تركيا والهند ودول أفريقية، تناقَلَها الوافدون من تلك الدول سواء أكانوا يمنيين أو أجانب.

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

43% يعتقدون أن تنوع المطبخ اليمني أسهم بشكل مباشر في تعزيز التماسك المجتمعي اليمني

صوت الأمل – يُمنى أحمد تلعب الأطعمة الشعبية دورًا هامًا في تعزيز الهوية الثقافية للشعوب؛ ف…