‫الرئيسية‬ الأعداد السابقة الطاقة النظيفة في اليمن إسهامات مجتمعية في مجال الطاقة المتجددة

إسهامات مجتمعية في مجال الطاقة المتجددة

صوت الأمل – ياسمين عبدالحفيظ

 في ظل الاحتياجات المتزايدة للكهرباء، اتجهت الكثير من دول العالم لتنفيذ مشاريع مهمة في مجال الطاقة المتجددة، إلا أنّ الوضع يختلف في بلادنا، فهناك محاولات ضئيلة في هذا المجال، لا سيّما مع التحديات الكثيرة التي تواجهها اليمن جراء الصراع المستمر منذ سنوات.

في كثير من مناطق البلاد، نُفذت الكثير من الإسهامات المجتمعية في هذا المجال، وذلك من خلال تشكيل مبادرات مجتمعية، وجمع التبرعات لتنفيذ العديد من الأنشطة في هذا الجانب، لا سيّما في الأرياف التي تعاني من صعوبة الحصول على الكهرباء منذ سنوات كثيرة.

 قرية (الحسل) إحدى قرى عزلة بكال، بمديرية مزهر، محافظة ريمة، التي يتسم أبناؤها بروح الفريق الواحد، ويسود فيما بينهم روح الأخوة والتعاون، وهو مجتمع مبادر في كل المشاريع الخدمية في شتى المجالات، ومنها مشاريع مياه الشرب، التي تعمل بواسطة منظومة الطاقة الشمسية.

قصة مشروع مياه الحسل

 ظلت القرية طيلة السنوات الماضية تعاني من حرمان شديد ومعاناة؛ نتيجة لعدم توفر مشروع مياه؛ إذ كانت النساء تذهبُ لجلب المياه من العيون، التي كانت تبعد كثيرًا عن القرية، وكما يُقال: (من رحم المعاناة يولد النور).

 فقبل عامين تقريبًا حدث قحط وشدة وجفت العيون، وشعر الناس بأزمة خانقة، الأمر الذي جعلهم يفكرون ويخرجون للبحث عن مصادر مياه تغطي الاحتياجات الأساسية، حينها تمَّ العثور على مصادر مياه كبيرة جدًّا كانت موجودة منذ الأزل، لكن لم يكن أحدٌ يفكر بها، وتوجد على بُعد 2 كيلو متر عن القرية.

وظل المشروع حلمًا يراود كل الأجيال طيلة عقود من الزمان، ولم يكن أحدٌ يفكر بأن يأتي يومٌ ويُنجز؛ كونه من المشاريع المستحيل تنفيذها، ونظرًا للحاجة الماسة للماء، وبإصرار الأهالي، قرر الجميع ضرورة تنفيذ المشروع، وتمَّ عمل دراسة أولية له، وجمع البيانات والمعلومات الكافية عن مشاريع مماثلة تمَّ إنجازها، ومِن ثَمّ عمل تصور كامل للمشروع، ثم البدء بالخطوات العملية على أرض الواقع خلال مُدّة زمنية محددة.

مراحل إنشاء المشروع

في هذه المرحلة تمَّ إنشاء خزان حجري تجميعي للمياه في القرية بمساحة 5×6، بعمق 5 متر، بتكلفة نحو 4 مليون ريال، بعدها تمَّ إنشاء خزان حجري تجميعي قريب من مكان منبع المياه بمساحة 5×3، بعمق 3 متر، بتكلفة نحو 3 مليون ريال، والغرض من الخزان وضع الغطاس في الخزان، الذي بواسطته يتم رفع المياه إلى خزان القرية عبر منظومة الطاقة الشمسية.

وتضمنت المرحلة إنشاء خزان صغير في منبع عيون الماء بتكلفة حوالي 500 ألف ريال، يتم شفط المياه منه لمسافة نحو كيلو متر إلى الخزان القريب من منبع المياه، إضافة إلى شراء مواسير (أنابيب مياه) ولفات لربط المسافة منه إلى خزان القرية، بتكلفة نحو مليون وخمسمائة ألف ريال.

إلى جانب شراء غطاس، وألواح طاقة شمسية يبلغ عددها 14 لوحًا؛ ما يساوي 550 وات، إلى جانب أدوات أخرى، منها جهاز محول (ينظم الكهرباء الموصلة من ألواح الطاقة الشمسية إلى الغطاسة والتشغيل أيضًا)، وكابلات (أسلاك)، وأعمدة خشبية؛ لرفع الأسلاك، وكل المستلزمات الخاصة بالمنظومة، بتكلفة قدرها 4 مليون ريال، إضافة إلى أجرة المهندس، الذي أشرف على تركيب المنظومة والألواح والأعمدة والتركيب والتشغيل، إلى جانب مصروفات بتكلفة نحو مليوني ريال. وبذلك تبلغ التكلفة الإجمالية نحو 15 مليون ريال.

 وحسب مواطنين من أبناء المنطقة ومشاركين في بناء هذا المشروع، فإنّ هذه التكلفة يفترض أن تتجاوز العشرين مليونًا؛ لأنّه لم يحتسب المبادرات الذاتية للشباب الذي عملوا في مراحل بناء المشروع بشكل طوعي ليل ونهار لنحو سبعة أشهر بدون أي مقابل.

آليات توزيع المياه

يتم شفط المياه من المنبع بواسطة جهاز غطاس (وظيفته دفع المياه من مصدرها إلى داخل الخزان)، يعمل بواسطة الطاقة الشمسية، وبمجرد التشغيل من جهاز المحول – الذي خصصت له غرفة في القرية، كانت عبارة عن محل صغير ملك لأحد المواطنين، تمَّ إعفاء صاحبه من رسوم الخدمة مقابل ذلك – يرفع المياه مباشرة من عمق نحو 700 متر.

وعن كيفية توزيع المياه للمنازل، هناك شخصان من أبناء القرية هما من يقومان بالإشراف على عملية تزويد السكان بالمياه من الخزان الواقع في القرية، مقابل راتب ثلاثين ألفًا شهريًّا، يتمُّ جمعها من المستفيدين، ويتم تزويد المنازل بالمياه كل 4 أيام، وإذا كان الجو مشمسًا دون وجود غيوم، تزود المنازل كل 3 أيام، وكل بيت حصته محددة من المياه، حسب آلية محددة تمَّ التوافق عليها.

يبلغ عدد المستفيدين من هذا المشروع نحو خمسين منزلًا، لأكثر من مائة أسرة، عدد أفرادها 2000 نسمة، وقد تمَّ تقسيم القرية إلى خمس مجموعات، ولكل أسرة حصة، وبعض المستفيدين معهم حصتان حسب تعداد أسرته؛ هناك أُسر يخصص لها حصة 1000 لتر، وأُسر أُخرى 2000 لتر.

الفتيات والنساء في القرية أكثر المستفيدات من هذا المشروع؛ إذ وفرنَ الوقت والجهد، وتغلبنَ على المعاناة التي كانت تواجههنّ في البحث عن المياه، خاصة في السنوات التي تقل فيها الأمطار وتجف الآبار ومصادر المياه الأخرى.

 تقول إحدى فتيات القرية (فضلت عدم ذكر اسمها): “كُنّا نعاني من صعوبة كبيرة في الحصول على المياه، وكان هناك معاناة شديدة؛ إذ كُنّا نذهب لمسافة 2 كيلو متر تقريبًا لجلب الماء فوق رؤوسنا، نستيقظ في الصباح الباكر وأيضًا في أوقات النهار المتقطعة، وكان لذلك عواقب وخيمة ضاعف من حجم المعاناة والتعب”.

وتتابع: “والآن بفضل الله ثم بفضل إنجاز المشروع، أصبح الماء متوفرًا إلى كل منزل عبر شبكة مياه الشرب، وهذا قد رفع عن كاهلنا المشقة، ونحمد الله، لقد تغيرت حياتنا إلى الأفضل، الاستفادة من مشروع الماء كبيرة جدًا؛ إذ يلبي كافة احتياجاتنا الأساسية والضرورية، مثل الشرب والنظافة وسقي الحيوانات، وأيضًا في ري بعض الخضروات الزراعية الأساسية، وكل ما له علاقة بحياتنا”.

تحديات المشروع

يقول مستفيدون من المشروع: إنّه في حال كان الجو مغيمًا يتوقف رفع المياه؛ لذلك يحرصون على شفط المياه للخزانات باستمرار، ويتم ربط الخزان للمنازل، عبر لفات بلاستيكية، وأنّ هناك نية لتوفير أنابيب مياه للمشروع مستقبلًا.

يقول راشد البكالي (ناشط مجتمعي من أبناء المنطقة): “إنّ المياه المستثمرة نحو 5% فقط، وأنّ هناك شلالات من المياه، لكن تحتاج إمكانيات ومواسير وزيادة ألواح وغطاس أقوى، إذا ما أردنا الاستثمار الحقيقي”.

ويضيف: “يعدُّ هذا مشرعًا إسعافيًّا للاحتياجات الأساسية، كالشرب والنظافة العامة والغسيل والحيوانات وكل الاحتياجات أيضًا. تزويد الخزانات بالمياه يعتمد على وجود الشمس، لو يعمل هذا المشروع بواسطة طاقة الرياح سيكون الأمر أفضل، خاصة أنّ ميزة طاقة الرياح تعمل في كل وقت ليلًا ونهارًا”.

مؤكدًا: “أنّ المشروع سعة مواسيره هنش واحد، وهو قابل أن يكون 2 هنش، لكن يحتاج إمكانيات ضخمة، وأنّ المشروع إذا تمَّ توسعيه سيكون هناك مشروع مشترك لكل القرى من الوديان بحفر آبار ارتوازية، ومِن ثَم رفعها وتوزيع الماء إلى القرى كافة، إلى جانب أنه سوف يساعد الأهالي في الأعمال الزراعية”.

وعن الاقتراحات التي من شأنها أن تساعد على توسع اعتماد الطاقة المتجددة، يقول البكالي: “تخفيض الجمارك التي تفرض على أجهزة الطاقة الشمسية بمختلف أدواتها، إلى جانب توسيع مجالات استخدامها لتشمل كل الجوانب الخدمية التي تلامس احتياجات الفرد والمجتمع، وتوفير كافة الأجهزة التي تعمل بنظام الطاقة الشمسية”.

ويتابع: “توفير أدوات المنظومة بشكل متكامل يمكّنُ كلَّ أسرة من الاعتماد على الطاقة في كلِّ المجالات، وتشغيل كافة المشاريع، منها مشاريع المياه بواسطة منظومة الطاقة الشمسية، وتعدُّ الطاقة الشمسية هي أفضل طاقة بديلة من حيث التكلفة وأكثر أمنًا وسلامة”.

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

91.9% من المشاركين في الاستطلاع يرون أن من المهم بدء الاعتماد على الطاقة النظيفة لتحقيق تنمية مستدامة في اليمن

صوت الأمل – يُمنى أحمد الطاقة النظيفة شكل من أشكال الطاقة المستدامة التي تُولّد من مصادر ط…