‫الرئيسية‬ الأعداد السابقة النقل في اليمن تأثير الوضع العام لخدمات النقل على الاقتصاد الوطني

تأثير الوضع العام لخدمات النقل على الاقتصاد الوطني

صوت الأمل – هبة محمد

يساهم النقل بأنواعه المختلفة في تقديم الخدمات إلى كل المناطق الحضرية وغيرها، مما يساعد على تسهيل الخدمات فيها، ووجود مشاريع النقل المختلفة تستهدف خدمة المراكز الحضرية المتنوعة بنشاطاتها الاقتصادية، فالنقل يعمل على زيادة الإنتاج ووسيلة لانتقال السلع والخدمات واليد العاملة إلى الأماكن التي يكون تواجدها فيها ضروريًا، ووفق هذا المفهوم يعد النقل شريانًا رئيسيًا لجميع النشاطات الاقتصادية التي تؤثر بشكل مباشر على الاقتصاد الوطني لأي بلد واليمن ليست استثناء من هذه القاعدة.

      وهناك ارتباط تنموي بين المستوى الاقتصادي وعجلة التنمية لأي دولة مع ما يتوفر في البلد من خدمات نقل متطورة وحديثة، وفي هذا التقرير نبحث كيف أثرت خدمات النقل في اليمن على وضع الاقتصاد الوطني.

النقل البري والنمو الاقتصادي

       يمتلك اليمن منذ القدم مميزات كثيرة بحكم موقعه الجغرافي الذي ساعد على تطور وسائل النقل المختلفة بشكل ملفت، وأصبحت رائدًا رئيسيًا للنمو الاقتصادي بأنماطها المختلفة سواءً البرية، أو الجوية، أو البحرية، وساهمت على مدى سنوات متتالية في رفع المستوى الاقتصادي للبلد، وانعكس ذلك على جميع المؤسسات الاقتصادية، والاجتماعية، والتعليمية نتيجة توسِعة خدمات النقل في جميع أرجاء اليمن.

      لكن ذلك لم يدم طويلًا، فقد اندلعت الصراعات والنزاعات الداخلية فأصيب قطاع النقل في اليمن بالشلل والعجز نتيجة التدمير الهائل الذي أصابها، سواء في وسائل النقل البري وتدمير الطرق أو إغلاق الموانئ البحرية والمطارات، مما سبب تراجعًا كبيرًا في الاقتصاد الوطني نتيجة التراجع الكبير لعائدات النقل وتوقف المشاريع وصعوبة نقل البضائع.

     يقول الدكتور أحمد مياس مدير الهيئة العامة للنقل البري في إب: “إن توفر وسائل نقل متكاملة وحديثة ووفق أسس ومعايير عالمية، سواء أكانت وسائل النقل ( البري، الجوي، البحري)  يمثل عاملًا رئيسيا  لجميع المجالات الاقتصادية المختلفة”.

    ويؤكد أن اليمن خلال فترة ما قبل اندلاع الصراع المسلح قد حقق إنجازات كثيرة في قطاع النقل، حيث تم تحديث وتوسيع شبكات النقل البري وربطها بالمدن الرئيسية والمناطق الريفية،  ولكن نتيجة اندلاع الصراع والخلافات السياسية القائمة في اليمن تدمرت الطرق الإسفلتية والخطوط الطويلة، وأصبح الناس يعانون من وعورة الطريق، وأدى توقف  أعمال صيانة الطرق لسنوات إلى تهالك شبكة الطرق وأصبحت غاية في السوء.

    ويوضح مياس أن وزارة النقل في اليمن تهدف إلى تحقيق خطط استراتيجية وتنموية لأنشطة النقل المختلفة، لتوسعة حركة التجارة ونقل البضائع والركاب وتطوير وتحديث وسائل النقل البحري والجوي، لمواكبة التطور السريع فيها، وكل هذا سيساهم بصورة فعالة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، حيث يبلغ عدد موظفي وزارة النقل في اليمن والمرافق التابعة٩٢١٨ موظفًا، وأوضح أن قطاع النقل يساهم بنسبة 10, 8 ٪ تقريبًا من إجمالي الناتج المحلي.

النقل البحري باب واسع لتحقيق النمو الاقتصادي

     الاقتصاد البحري أحد أهم موارد الدول الرئيسية، يحتاج إلى الاهتمام واستراتيجية حديثة للنهوض به من جديد، وفي هذا الإطار يؤكد مدير عام  سياسات واقتصاديات الموانئ  والنقل البحري،  قبطان  عبد السلام العريفي أن ” قطاع النقل البحري يعتبر عنصرًا مهمًا من العناصر  الأساسية للاقتصاد الوطني إن لم يكن الأهم، وركيزة أساسية للتنمية والنمو الاقتصادي في أي بلد خصوصا في اليمن، لتأثر الاقتصاد وبصورة مباشرة بكفاءة قطاع النقل البحري ومرونته وتطور البنية التحتية في الموانئ و تشجيع الاستثمار في مجال النقل البحري، و يعزز ذلك من الفرص الكبيرة والواعدة في البلد نظرًا لتميز موقع اليمن بيئيا وجغرافيا”.

     ويضيف العريفي “يجب العمل على استقطاب شركات وخطوط الملاحة العالمية وذلك يسهم إسهاما مباشرًا في صناعة النقل البحري بكافة صوره وأشكاله، ويعزز ذلك امتلاك اليمن ساحلًا ممتدًا أكثر من 2500 كيلو متر، و سبعة موانئ رئيسة هي: (عدن، المكلا، نشطون، الحديدة، المخا، رأس عيسى، والصليف) إضافة إلى الجزر و مضيق باب المندب الممر الرئيسي للسفن العملاقة الناقلة للنفط، حيث تمر قرابة 21 ألف سفينة سنويًا في المياه الإقليمية اليمنية؛ لذا فإن النقل البحري بشكل عام في اليمن من أهم ركائز النمو الاقتصادي اليمني”.

تأهيل وإنعاش الموانئ البحرية

    ومن أجل إحداث نقلة نوعية في نمو الميزان التجاري والاقتصادي اليمني، يعدد العريفي مجموعة من الوسائل اللازمة لذلك، منها إعادة تأهيل الموانئ والمنشآت البحرية الاقتصادية، التي تم تدميرها في فترات الصراع، وإعادتها للجاهزية الفنية والتشغيلية لاستقبال سفن الشحن بجميع أنواعها، ورسم سياسات عامة ذات جدوى للموانئ من خلال تفعيل الاستثمار وكسر الاحتكار وتشغيل الأيادي العاملة و العمل على إيجاد آلية تواصل بين المؤسسات الرسمية والمجتمع التجاري وكذلك حلقة وصل مع كبرى الشركات العالمية.

     ويؤكد العريفي أيضا على أهمية تشارك كافة الجهات ذات العلاقة في تطوير أسس وأنظمة النقل البحري وفق الاتفاقيات والمعاهدات الدولية ذات الصلة المنظمة للعمل البحري.

التحديات الاقتصادية التي تواجه قطاع النقل البري

   “تعاني الشركات العامة للنقل من خسائر مالية كبيرة بسبب انقسام المؤسسات التابعة لها، وأيضا النزاعات الداخلية، وانتشار نقاط التفتيش والإجراءات المعقدة التي تسري على وسائل النقل البري، لذلك فقد أغلقت العديد من شركات النقل البري أبوابها، إلى جانب أسباب أخرى منها عدم قدرتها على دفع حوافز أو مكافآت لموظفيها وتعرضها لخسائر مالية كبيرة، بسبب الجبايات المرتفعة لجهات رسمية وغير رسمية” (حسب كلام مدير شركة نقل بري رفض ذكر اسمه).

     وقد أدى الصراع في اليمن إلى مواجهة سكان البلد المتراجع اقتصاديا صعوبات وتحديات كثيرة في وسائل النقل البري، أشار إليها دكتور أحمد مياس مدير الهيئة العامة للنقل البري في إب قائلًا: “إن إغلاق العديد من مداخل المدن والقرى؛ بهدف إحكام السيطرة العسكرية عليها من قبل الأطراف المتصارعة أدى إلى التضييق على السكان، مما دفع المواطنين إلى أن يسلكوا طرقًا طويلة جدا وعشوائية للوصول إلى منفذ الوديعة، وهو المنفذ البري التجاري الوحيد الذي يربط اليمن بالسعودية في الوقت الحالي، وتمر عبره كل عمليات التبادل التجاري”.

     ولفت أنه بسبب الحفريات والبنية التحتية الهشة في الطرقات تتكرر حوادث السير، التي قد تؤدي إلى الوفاة أحيانا، وأيضًا الزحام الكبير، الذي يعيق الحركة التجارية والمسافرين خاصة أثناء مواسم الحج والعمرة، والتي تعيق المنفذ الوحيد الذي يعاني هو أيضًا من بنية تحتية هشة.

     وأضاف: “بعض العاملين في المنافذ البرية ونقاط التفتيش الأمنية يمارسون الاستغلال المادي على المسافرين والناقلات التجارية بأخذ مبالغ كبيرة لصالح جهات أو أشخاص معينة بصفة غير قانونية، ويواجه المسافرون أيضًا مشكلة قطاع الطرق في بعض الخطوط الطويلة، منها مثلا في صحراء الجوف حيث يقومون بأخذ300 ريال سعودي على كل باص نقل، وإذا رفض أحدهم الدفع يطلقون عليه الرصاص، مؤكدا “كل هذا يؤثر تأثيرًا مباشرًا على التنمية الاقتصادية والاجتماعية والأمنية”.

شريان بري وحيد وخدمات متردية

     تلعب المنافذ البرية دورًا هامًا في النمو الاقتصادي والدخل القومي وتفوق أهميتها المنافذ الجوية والبحرية لأسباب مادية وزمنية، إلا أنها تفتقر للكثير من الخدمات  الأساسية، هنا أحد الركاب الواصلين عبر منفذ الوديعة، يدعى محمد حسين، يحكي معاناته عبر هذا المنفذ:  “لقد رأينا الموت أمام أعيننا عندما  نمر بطرق طويلة جدا ووعرة ويستمر السفر خمسة أيام متواصلة ونحن نمشي في صحاري مقطوعة بدون أي خدمات، وعندما وصلنا عبر منطقة العبر إلى منفذ الوديعة استمرت المعاناة، لأني أول مرة في حياتي أسافر وأرى مالا تمنيت أن أراه وأتوجع عندما رأيت منفذ الوديعة، وهو المنفذ البري الوحيد الذي يربط اليمن بالسعودية بلا خدمات أو تجهيزات حديثة، والمرافق التابعة له ليست بالمستوى المطلوب، ويعاني من شحة الإمكانات المادية والبشرية، كل ذلك يعيق المسافرين والحركة التجارية و يؤدي إلى تأخر المسافرين فترات طويلة أمام المنفذ، الذي يجري العمل فيه داخل مبنى بسيط جدًا، لا تتوفر فيه أبسط الخدمات، في حين ترى ازدحامًا شديدًا من المسافرين والبضائع”.

    ويرى حسين أن نتيجة لكل تلك التحديات والصعوبات التي تواجه المسافرين عبر منافذ النقل البري يتراجع الكثير من المواطنين عن السفر إلى الخارج عبرها إلا للضرورة القصوى، وهذا بدوره يؤدي إلى ضعف إيرادات النقل البري وينعكس سلبا على الاقتصاد الوطني. 

النقل البحري تحديات اقتصادية وحلول مقترحة

      يرى مدير عام سياسات واقتصاديات الموانئ قبطان عبد السلام العريفي، أن هناك تأثيرا مباشرا لمؤسسات النقل في اليمن على القطاعات الاقتصادية الأخرى، مثل: قطاع الصناعة والتجارة، وقطاع السياحة وغيرها من القطاعات، ويعد قطاع النقل البحري والخدمات اللوجستية البحرية أحد أعرق القطاعات التي تسهم في نمو وازدهار قطاع التجارة والصناعة من خلال الاستثمار في مشاريع البنية التحتية للنقل البحري التجاري، وكذلك تسهيل استيراد المواد الخام والمواد التي تدخل في الصناعات المحلية وبالتالي زيادة الإنتاج المحلي.

     ولفت قبطان العريفي إلى بعض التحديات التي تواجه قطاع النقل البحري في اليمن، أبرزها الاستيراد عبر موانئ الدول المجاورة، وهو ما يؤدي إلى زيادة أعباء تكاليف النقل، والحل لذلك هو التصدير و الاستيراد عبر موانئ اليمن وتفعيل الترانزيت للبضائع عبر موانئها، وأيضًا القيود الاقتصادية المفروضة على بعض موانئ اليمن ومنع وصول سفن البضائع وبضائع الحاويات، ولمواجهة ذلك يرى العريفي أنه من الضروري رفع تلك القيود والتعاون مع كافة القطاعات للضغط على المجتمع الدولي وأطراف الصراع برفع الحصار وإعادة تأهيل الموانئ إداريا وفنيا وتشغيليا.  

      ووفقا للقبطان العريفي، فإن قطاع النقل البحري يعاني أيضًا من قدم المعدات والآلات التشغيلية الرئيسية لسلاسل الإمداد داخل الموانئ، ومن العاجل والضروري العمل على صيانتها وتوفير معدات وآلات حديثة مواكبة للتطورات في سرعة وزيادة معدلات الشحن والتفريغ، والاستفادة من المنح والدعم الأممي وفق رؤية اقتصادية واضحة وهادفة.

    ويشير مدير عام سياسات واقتصاديات الموانئ إلى صعوبة أخرى تواجه قطاع النقل، وهي عدم ربط الموانئ البحرية بسكك الحديد والموانئ البرية بشكل حديث يضمن سهولة النقل عبر شبكات طرق منظمة وحديثة، ويرى أنه لابد من العمل على إنشاء سكة حديدية وتوفير صيانة وإنشاء شبكات طرق بالتعاون مع وزارة الأشغال والجهات المعنية، وأيضًا يؤكد على تفعيل التنافسية الاستثمارية وخصخصة خدمات النقل البحري؛ من أجل مواجهة تراجع الحركة الملاحية وانخفاض معدل الاستثمار، وبالتالي كسر الاحتكار وارتفاع الإنتاج وخفض التكاليف”. . 

     وتحدث العريفي في سياق كلامه عن التحديات التي تواجه النقل البحري في اليمن عن مشكلة ارتفاع الكلفة التأمينية للبضائع الواصلة للموانئ اليمنية وزيادة أسعار الشحن البحري، والتي تؤثر بشكل سلبي إلى حد كبير، على تدفق البضائع وتسبب خسائر مالية كبيرة على مؤسسات الموانئ والشركات الملاحية والمواطن.      ويؤكد أنه لمعالجة تلك الإشكالية لابد من توقف النزاعات القائمة في البلد أولًا، ومن ثم إعداد الخطط والإستراتيجيات المناسبة لمواجهة الآثار التي خلفتها سنوات الصراع، وأيضًا إنشاء موانئ متخصصة وتشجيع وتسهيل الاستثمار وفق أطر وخطط مدروسة تضمن حق الدولة والمستثمر لتحقيق الأهداف المرجوة من ذلك”.

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

63.6% من المشاركين في الاستطلاع قيَّموا خدمات قطاع النقل في اليمن بالضعيفة

صوت الأمل – يُمنى أحمد يعد النقل أحد العوامل الحيوية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في أي …