‫الرئيسية‬ الأعداد السابقة تراث الطهي ودوره في التماسك الإجتماعي في اليمن من مهندس مساحات في اليمن إلى أشهر شيف في كربلاء العراق

من مهندس مساحات في اليمن إلى أشهر شيف في كربلاء العراق

صوت الأمل – هبة محمد

لكل شخص حكاية وتفاصيل متنوعة تتشكل عبر الزمن؛ لتمثل تاريخًا شخصيًا بالنسبة له، وربما تبدو عاديةً للآخرين، لكن حكايات الشاب اليمني وقصصه لم تكن عادية؛ لأنه تجرّع مرارة العيش في بلده، ويمرّ بمحطات من التعب والحرمان، وأوضاع فُرضت عليه، وبلد يعاني من الصراع المستمر؛ ليفكر بمحطة الهجرة خارج الوطن، ويبني مستقبله بعيدًا عن حالة عدم الاستقرار في بلده. واحد من هؤلاء الشباب بدأت قصته من مدينة الحديدة؛ ليصبح أشهر طباخ في مدينة كربلاء في العراق، وهو يروي لـ(صوت الأمل) تفاصيل حياته منذ بداية مشواره التعليمي والمهني.

بداية المشوار

صدَّام عبده إبراهيم مكيبر من مواليد مدينة الحديدة، وُلد في عام 1993م في مديرية حيس حيث تربى وعاش تفاصيل طفولته فيها. كان والده يعمل مقاولَ بناء، وقد توفي منذ سنوات، يقول صدَّام: “كنت أعمل مع والدي في البناء خلال الإجازات والعطل الرسمية في المدرسة، هوايتي المفضلة كرة القدم، فكنت ألعب درجة ثالثة مع نادي التضامن في حيس. أكملت دراسة الثانوية عام 2009م، بعد ذلك اتجهت إلى صنعاء؛ لأكمل الدراسة، فسجلت في معهد ذهبان ولم يتم قبولي فيه، فاضطررت للعمل في محل للمواد الغذائية؛ لاستغلال وقت الفراغ كي لا أبقى بدون دراسة أو عمل”.

ويتابع صدَّام: “وفي العام 2012م، سجلت في المعهد تخصص هندسة مساحة وطرقات، لكني توقفت عن الدراسة لمدة عامين بسبب الازدحام الشديد على المعاهد المهنية والفنية بما فيها معهد ذهبان، والسبب في ذلك أنّ الحكومة اضطرت أن تقبل الطلاب الملتحقين بالمعهد للدراسة ضمن فترتين (صباحية ومسائية)، فتراكمت رواتب معلمي الفترة المسائية، ولم تستطع الحكومة سد ذلك العجز، فتوقفنا عن الدراسة لسنتين كاملتين، فعانيت كثيرًا في تلك الفترة حتى عام 2015م، وأكملت الدراسة في المعهد، وتخرجت وبدأت بالبحث عن عمل، ومن هنا بدأ مشوار المعاناة كأي شاب يمني يطمح  أن يبني مستقبله”.

البحث عن عمل

لم يتوقف صدَّام عن الكفاح ومواصلة المسير للبحث عن عمل أيًّا كان؛ فبدأ بالعمل في قسم السفري لأحد المطاعم اليمينية في صنعاء التي تختص بالمأكولات البحرية، وأحب الطبخ فكان يطبخ للعاملين وجبتي الفطور والعشاء.

يقول عن هذه التجربة: “بعد تشجيع صاحب المطعم لي ومنحي فرصة أن أتعلم طهي عدد من المأكولات اليمنية ذات التراث الشعبي القديم، وكان يقول لي: “أنت لديك طموح وعزيمة، وبإذن الله ستكون الطباخ الأول في المطعم”؛ فتعلّمت الطهي، وبدأت أبحث عن طرق الطهي الصحي لمأكولات التراث الشعبي اليمني الشهيرة، وطوّرت من نفسي في طهي المأكولات البحرية وغيرها. وبالفعل، أصبحتُ الطباخ الأول للمطعم، بعد ذلك حصلت على فرصة عمل في السعودية في مطعم مأكولات بحرية”.

تعلُّم خبرات جديدة

صدَّام الشاب اليمني العشريني يواصل كفاحه اليومي لأجل لقمة العيش، ويستمر في العمل تحت الضغط والاضطهاد من الكفيل وغيره، فيستغل وقت فراغه في تعلُّم طهي المأكولات اليمنية الشعبية غير الأسماك، وفعلًا تعلمها وأتقنها بمهارة، وبعدها انتقل إلى الباحة في السعودية وعمل في مطعم يمني خاص بالمندي والكبسة والمضغوط، حسب قوله.

بداية الانطلاق وشعور النجاح

بعد أربع سنين في السعودية، وجد صدَّام فرصة عمل في العراق ليكون طباخًا في مطعم يمني، وعن ذلك يقول: “بعد 15 يومًا من وصولي العراق افتتحنا المطعم -بفضل من الله ثُمّ صديقي الشيف اليمني عبد ربه-، كنّا يدًا واحدة، نعمل بكل حماس وإخلاص كي نظهر أنفسنا كشباب يمني ناجح، نمنح المتذوقين الطعم الحقيقي للمندي والمأكولات الشعبية اليمنية. وخلال مدّة قصيرة، حظيت بشعبية وشهرة كبيرة في العراق، ولاقيت الترحيب والاحترام من الأخوة العراقيين لأخلاقي الحميدة، وللبصمة القوية التي وضعتها في الطعم المميز الذي نقدّم من خلاله تشكيلة متنوعة من الأطباق اليمنية الشهيرة”.

ويتابع صدَّام حديثه: “اليوم، أصبح مطعم (طبق اليمن) هو الأول في العراق، ومن أفضل المطاعم اليمنية وأجودها؛ فقد تميزنا بنكهتنا الخاصة، وجودة جميع مأكولاتنا وخاصة المندي اليمني المطهو على أصوله، ويأتي إليه الناس من كل المحافظات العراقية”.

لُقِّب الشيف صدَّام بـ(أبو عدي)، ويضع بصمة نجاحه في الطهي في أي مكان يعمل فيه؛ فيحظى بإعجاب وحب كبيرين من العراقيين، ومن جنسيات مختلفة، وممّن يتذوقون أطباقه المتنوعة. وهو يرى أنّ هذه المهنة أضافت له أشياء كثيرة، كالثقة بالنفس، والاعتزاز بالموروثات الثقافية اليمنية من خلال أكلاته الشعبية التي يصنعها لزبائنه بكل حب واحترافية ومهارة عالية، وكذا تقبل جميع الجنسيات والثقافات الأخرى.

يؤكد صدَّام أنّ سرَّ نجاحه يتمثل في أنّه يطبخ بكل حب وسعادة وبنية صادقة وجهد مضاعف، وكأنه يطبخ لعائلته في وطنه، مشيرًا إلى أنّ شعور أي شيف بذلك يجعله متحفزًا لكي يقدم أفضل ما عنده للناس، والطاهي الناجح يتعلم شيئًا جديدًا كل يوم.  أما عن طموحاته المستقبلية والأطباق التي يحب الشيف صدَّام إعدادها فيقول: “أستمتع جدًّا وأنا أطبخ طبق صيادية سمك؛ لأنها أحب الأطباق إلى قلبي، وأطمح مستقبلًا أن أمثل اليمن في برنامج الطهي العربي (Top cheif). وبفضل من الله، استطعنا -نحن شباب اليمن المغتربين في  أنحاء العالم- أن نوصل ثقافة المطبخ اليمني وأكلاته الشعبية إلى العالمية، ولا أظن أن أحدًا في العراق لا يعرف المأكولات اليمنية، وخاصة المندي الذي عرفه العراقيون منذ خمس سنوات، وهو الآن أكثر مبيعًا وشهرة عندهم.

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

43% يعتقدون أن تنوع المطبخ اليمني أسهم بشكل مباشر في تعزيز التماسك المجتمعي اليمني

صوت الأمل – يُمنى أحمد تلعب الأطعمة الشعبية دورًا هامًا في تعزيز الهوية الثقافية للشعوب؛ ف…