‫الرئيسية‬ الأعداد السابقة تراث الطهي ودوره في التماسك الإجتماعي في اليمن الطباخ اليمني يتخطّى حاجز النظرة المجتمعية ليصطدم بالوضع المعيشي

الطباخ اليمني يتخطّى حاجز النظرة المجتمعية ليصطدم بالوضع المعيشي

صوت الأمل – أحمد باجعيم 

تعد النظرة المجتمعية في اليمن لمهنة الطباخ من الناحية التقليدية بمثابة مهنة ذات حظ منخفض نوعًا ما في التقدير والاحترام، ففي المجتمع التقليدي والريفي يعدُّ إعداد وطهي الطعام مسؤولية النساء، وبالتالي فمهنة الطباخ هي مهنة نسائية تمارس في إطار المنزل، ومع ذلك فالتطور الاجتماعي والاقتصادي الذي شهدته البلاد في العقود الأخيرة أحدث تغييرًا إيجابيًّا في نظرة المجتمع لمهنة الطباخ، وأدّى إلى التغير في تقديرها واحترامها.

في المرحلة الراهنة لوحظ الاهتمام المتزايد والمستمر بتعلُّم فنون الطهي والمأكولات المتنوعة في اليمن، وهو ما يعكس تغيير في الاهتمام العام بالمهنة، كما بدأ العديد من الشباب اليمنيين في الاهتمام بالمطبخ والطهي وتطوير مهاراتهم في هذا المجال، فقد ازدادت شعبية المشاهير اليمنيين الذين يشتهرون بمواهبهم في الطهي ويقدمون وصفاتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا أثّر إيجابيًّا في تغيير النظرة المجتمعية للطباخين.

وعلى الرغم من التغير الإيجابي، لا يزال هناك بعض التحديات التي تواجه مهنة الطباخ في اليمن، مثل تقليص عدد فرص العمل في هذا المجال وتضييق الفرص فقط على الفئة المحدودة من أصحاب المطاعم الكبيرة والفنادق الفخمة، ومع ذلك، يأمل أن يستمر التطور الاجتماعي والاقتصادي في اليمن في تعزيز النظرة المجتمعية لمهنة الطباخ، وتوفير المزيد من الفرص والتقدير لأولئك الذين يختارون هذا المجال المهني الذي يعكس الإرث الثقافي للخارج.

نظرة المجتمع إلى الطباخ

 قالت الناشطة المجتمعية تهاني الشاطري: إنّ نظرة المجتمع للطاهي في الماضي قبل ظهور وسائل التكنولوجيا نظرة متدنية؛ لقلة الوعي بأهمية المهنة، كما أنّها كانت محصورة على النساء دون غيرهم، أمّا الوقت الحاضر فتطورت وتغيرت النظرة وخصوصًا بعد ظهور المطاعم الفارهة وذات المواصفات العالية، وتوسُّع أصناف الطعام الشرقية والغربية، وارتفاع معدل أجور العاملين ”الطهاة”، وكثرة التنافس في هذا المجال.

وتابعت تهاني الشاطري في تصريحها، أنّ اليمن لديها الكثير من الطهاة ذي الكفاءة والجودة العالية يعملون في المطاعم الكبيرة ومنها المطاعم السياحية، وأيضًا تزايُد المطاعم اليمنية في الدول العربية والأجنبية ذات الكادر المحلي، كل هذه المؤشرات توحي أنّ النظرة المجتمعية إلى مهنة الطباخة نظرة إيجابية ومحفزة ساعدت على تطور “الشيف اليمني” وكذا انتشار الأطباق المحليّة خارجيًّا.

وأضافت الناشطة الشاطري، أنّ مواقع التواصل الاجتماعي لعبت دورًا مهمًّا وكبيرًا في تسويق الطهاة المحلّيين والأكلات الشعبية اليمنية، كما أنّ صفحات الطهاة اليمنيين على مواقع التواصل الاجتماعي تضجُّ بآلاف المتابعين وبعضها أكثر من ذلك، سواء محليًّا أو خارجيًّا، وهذه تعدُّ عوامل أخرى وأفضل في تحسين صورة العاملين بمجال الطبخ والطهي أمام النظرة المجتمعية.

ومن جانبه، استبعد الصحفي محروس باحسين أن تكون هناك نظرة سلبية للمجتمع اتجاه العاملين في مهنة الطباخة، وأردف قائلً:ا العمل في مجال الطهي وتحضير الوجبات مهنة مثلها مثل أي مهنة أخرى في البلاد، لا يمكن أن تكون نظرة المجتمع حولها قاصرة أو دونية، على العكس تمامًا يحظى الطباخون باحترام وتقدير الجميع؛ وذلك لما يقومون به من المحافظة على استمرار بعض الوجبات الشعبية القديمة من الاندثار.

واستطرد في حديثه، يتطلب من الجهات المعنية ومنظمات المجتمع المدني دعم وتشجيع العاملين في هذا المجال، من خلال تنظيم دورات تدريبية في فنون الإعداد وطهي الطعام لا سيما الأكلات الشعبية التي تعكس التراث الثقافي لليمن، وكذا كيفية الترويج وتقديم محتويات مقنعة على مواقع التواصل الاجتماعي لتجربة الأكلات اليمنية في المطاعم الخارجية واستقطاب عاملين محلّيّين، وهذا سيساهم في تحسين ظروف الكثير من رواد مهنة الطهاة من الناحية الاقتصادية.

وفي ذات السياق أوضحت الناشطة الحقوقية جهاد باحيان أنّ مهنة الطباخة تعدُّ مهنة أساسية في المجتمع ولها شأن مهم، ولا تختلف النظرة المجتمعية كثيرًا حولها؛ لإدراك الجميع أنّ الطهاة خصوصًا الرجل يقوم بأدوار كبيرة في الإعداد وتجهيز الولائم بالمناسبات والأعراس، التي تكون المرأة غير قادرة على القيام بها، وأشارت أنّ الوضع الاقتصادي الصعب الذي يمر به اليمن زاد من إقبال الكثير على هذه المهنة، سواء طهاة أو في مهام الطبخ الأخرى من تنظيف وتقديم الخدمات للزبائن، ولهذا أصبحت النظرة المجتمعية عادية على حد قولها.

وشددت باحيان أنّ مهنة الطباخة في اليمن تحتاج إلى تطوير مستمر بما يتواكب مع الوقت الحالي من إعداد وطهي الطعام، وكذا تقديمه بشكل أفضل، والاهتمام بالمظهر الخارجي سواء للعمال أو للمكان؛ كالنظافة بأدوات حديثة، الذي سيُسهم بتحسين جودة المطاعم، أهمُّها المطاعم الشعبية أمام النظرة المجتمعية، منوهة أن الكم الهائل من صفحات الطهاة ومنهم يمنيون على مواقع التواصل الاجتماعي ساعد على تعزيز النظرة المجتمعية تجاه هذه المهنة وتقبلها.

إلى ذلك عدَّ سامح باقطيان -أستاذ “تنمية بشرية”- النظرة المجتمعي اتجاه أي مهنة شريفة، بعد الأوضاع والأزمات المتلاحقة التي تشهدها بلادنا خلال الأعوام الماضية، من الطبيعي ستكون نظرة إيجابية، وذات تقدير واحترام، وكمية الوظائف فيها محدودة جدًّا، ومنها العمل في المطاعم كطهاة أو نحوها أمام الكم الهائل من البطالة الذي تفتك في أوساط الشباب.

داعيًا الشباب إلى عدم الالتفات للأصوات المثبطة التي تقلل من العمل في بعض المهن، كفتح مشاريع صغيرة خاصة بهم للترويج لتراث الطهي اليمني ونشره في الأسواق أفضل بكثير من القبول بالبطالة، التي تقود البعض إلى الانحراف، مستشهدًا بالعديد من قصص النجاح التي سطّرها الكثير من شباب اليمن، الذين كانت بداياتهم بمحلات صغيرة لبيع بعض الأطعمة أو الحلويات، وتعرضوا للتنمر والسخرية، وأصبحوا اليوم مثالًا للشباب يُحتذى به.

وأشار باقطيان في تصريحه إلى أنّه مهما كانت النظرة المجتمعية إيجابية أو سلبية اتجاه مهنة الطهاة فهي أرحم بكثير من الفقر الذي يفتك بمعظم الأسر اليمنية، وسط وضع معيشي معقّد، وانهيار متواصل للعملة المحلية.

يتمتع الطهاة بنظرة مجتمعية يسودها الاحترام والتقدير في المجتمع المحلي، وتعدُّ مهنة طبخ الأطعمة، ومنها الشعبية في اليمن، وسيلةً للتعبير عن الهوية الثقافية وتوثيق الروابط الاجتماعية، وتحفز على الاحتفاء بالتراث الغني الذي تشتهر به اليمن دون غيرها.

وعلى الرغم من التحديات التي تواجه مهمة الحفاظ على تراث الطهي اليمني وحمايته من الانقراض، مثل قلة فرص العمل والتحديات الاقتصادية الراهنة، إلا أن الشغف والاهتمام بهذا التراث لا يزال قويًّا بفضل زيادة الوعي.

يتطلب تشجيع الشباب المهتمين بمجال تراث الطهي اليمني، وتوفير فرص التدريب والتطوير المهني، وكذا تغيير المفاهيم السلبية حول هذه المهنة التي تعدُّ فنًّا وعلمًا يستحق تقديرًا واحترامًا كبيرين، ورافدًا أساسيًّا للتراث والثقافة والمجتمع ككل.

ويمكن القول إنّ النظرة المجتمعية الإيجابية لمهنة الطبخ تعدُّ أمرًا مشجعًا ومبشرًا لمستقبل أكثر حيوية لهذه المهنة، وعلى الرغم من عدم الاهتمام الكافي والحاجة إلى تصحيح بعض المفاهيم الخاطئة، إلا أنّ الأطباق التقليدية تحظى بإقبال شديد من جميع فئات المجتمع اليمني المختلفة سواء في المواسم كشهر رمضان أو غيرها من أيام السنة العادية.

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

43% يعتقدون أن تنوع المطبخ اليمني أسهم بشكل مباشر في تعزيز التماسك المجتمعي اليمني

صوت الأمل – يُمنى أحمد تلعب الأطعمة الشعبية دورًا هامًا في تعزيز الهوية الثقافية للشعوب؛ ف…