واقع صناعة الأفلام في اليمن

صوت الأمل – نشوان صادق (مستشار عدد صناعة الأفلام في اليمن)

صوت الأمل – نشوان صادق

” لا يوجد عمل فني يؤثر في وعينا، ومشاعرنا ويصل إلى أعماق أرواحنا، كما يفعل الفيلم”، هكذا يلخص المخرج السويدي الشهير إنغمار بيرجمان أهمية صناعة الأفلام ودورها وأثرها علينا.

تعد اليوم صناعة الأفلام من أكبر الصناعات التي يستثمر فيها العالم أمواله، ومليارات الدولارات تذهب في صناعة الأعمال الفيلمية، وأضعافها تعود كأرباح منها. غير أننا لسنا بصدد الحديث عن هذا الموضوع من جانب استثماري رغم أهميته، وإنما سنتحدث عن الأفلام كمحتوى يؤثر في وعينا ومشاعرنا، وذلك ضمن استعراض واقع الفيلم في اليمن ابتداء بنشأة السينما في اليمن وتحدياتها، وانتقالًا إلى أهمية صناعة الأفلام، ودورها، ثم استعراض بعض التحديات.

يمر تاريخ السينما اليمنية بمحطات وتحديات وَأَدَت نموَّها في مراحلها الأولى، ولولا ذلك لأصبحت الصنعة مواكبة لما هي عليه الآن في دول تشهد إنتاجات ضخمة في عالم الأفلام.

تاريخ النشأة

مع تتبع تاريخ السينما العالمية نكتشف أنها دخلت إلى عدن في وقت مبكر كصنعة مستوردة وأداة عرض لأفلام أجنبية أو بريطانية، ومع خروج الاحتلال البريطاني من عدن ارتفع عدد صالات السينما لتصل إلى 14 صالة عرض في العام 1972، عدا أن الإنتاج المحلي للسينما ظل غائبًا رغم ازدهار الفنون الأخرى كالموسيقى، فقد اقتصرت على كونها أداة عرض لأفلام عالمية وعربية.

بدأت دور السينما برعاية فكرة إنشاء المؤسسة العامة للسينما ودفع الضرائب تمهيدًا لتأسيسها، وهي خطوة أدركت السينما أهميتها من متابعتها لتاريخ نشأة السينما العالمية والعربية وتطورهما، والمصرية تحديدًا؛ إذ لعبت المؤسسة العامة للسينما دورًا حيويًا في النهوض بالسينما في مصر والجزائر وأقطار أخرى، غير أنها في عدن انصدمت بمشروع التأميم (تأميم القطاع الخاص)، ومنه دور السينما؛ فلم تكن رغم استمراريتها في منأى عن الانهيار الذي ضرب سوق المال. وأنهى الأمر لاحقًا ظهور فكر متطرف رأى السينما ثقافةً مستوردة ونوعًا من الغزو الفكري الذي يمارسه الغرب على المسلمين، ثم الصراعات السياسية في البلد، وتدريجيًا أُغلقت دور السينما بلا إشعار آخر.

غير أن إغلاق دور السينما لم يمنع بروز صانعي أفلام خلال هذه الفترة، أبرزهم خديجة السلامي، التي أصبحت فيما بعد واحدة من أشهر المخرجين في اليمن. عرفت خديجة بأفلامها التي تسلط الضوء على حياة المرأة في اليمن، وتشمل أعمالها “أنا نجوم، عمري 10 سنوات ومطلقة” (2014)، وهو فيلم روائي طويل مستوحى من قصة حقيقية. وقد فاز بجائزة مهرجان دبي السينمائي الدولي.

ليس لدينا الكثير من الأفلام التي تحكي عنا، لنحكي عنها، وإذا ما أضفنا التحديات الكبيرة التي يواجهها صناع الأفلام في اليمن، فإننا سننظر إلى الأفلام التي تم إنتاجها خلال الفترة السابقة كمعالم عند الحديث حول صناعة الأفلام في اليمن. من هذه الأفلام: “يوم جديد في صنعاء القديمة” (2005) من تأليف وإخراج المخرج اليمني البريطاني بدر بن حرسي، وهو أول فيلم روائي طويل يعرض في مهرجان كان الدولي، وقد حظي بإشادة واسعة كما فاز كأفضل فيلم عربي في مهرجان القاهرة.

لم تلقَ صناعة الأفلام في اليمن، حتى الآن، الاهتمامَ الكافي لِأَنْ تجد بدايةً حقيقيةً، بعكس الكثير من قوالب صناعة المحتوى التي وجدت طريقا لها هنا أو هناك، رغم احتياجها للكثير من الجهد والتحسين. ويرجع ذلك لأسباب كثيرة ومتداخلة نعرضها في الآتي:

  • محدودية الموارد وعدم وجود السوق

يربح منتجو الأفلام من تذاكر دور السينما ومن بيع أعمالهم إلى القنوات والمنصات، وأحيانًا من الإعلانات. وفي اليمن لا نملك دورًا للسينما ولا قنوات تدفع مقابلاً جيدًا للأفلام، ولا منصات. وفي عالم التسويق لن تجد العرض ما لم يكن هناك طلبًا. وحتى التجارب الناجحة في صناعة الأفلام نجحت؛ بسبب حصولها على مصادر تمويل خارجي لا لكونها استثمارًا محليًا.

وبنظرة سريعة لما مرت به هذه التجارب الناجحة، سنرى حجم الجهد المضاعف والمهام الإضافية للكادر الذي يعمل في ظروف وموارد تصعِّب من عملية الإنتاج.

ومن التجارب التي تستحق الدراسة في هذا الشأن، فيلمي “10 أيام قبل الزفة” (2018) للمخرج عمرو جمال. يصور الفيلم قصة زوجان شابان من مدينة عدن، يواجهان في الأيام العشرة قبل زفافهما الكثير من العقبات التي سببتها آثار الحرب في اليمن، ما يجعل الصراع اختبارًا صعبًا للحب.

  • الحدود التقنية والموارد البشرية المؤهلة

لو قررت أن تبدأ بصناعة فيلمك، فإن محيطك لا بد أن يعاني عجزًا تقنيًا أو بشريًا. وهذا نتاجٌ طبيعيٌ لوضع الصناعة ككل. ومع غياب الاهتمامات الرسمية بصناعة الأفلام فإنه يندر وجود أكاديمية في اليمن لتدريب الممثل أو لكاتب السيناريو أو للمخرج بوصفه أول المعنيين بصناعة الأفلام. وكثير من الجهات التي تفتح أبوابها لتدريب الهواة في مجالات فنية كالتصوير، تقوم بتدريبهم عبر هواة آخرين يتميزون بالخبرة فقط. غير أن هذا التحدي ينحسر يومًا فآخر. ونجد أن الكثير من شباب اليوم، المهتمين بهذه الصنعة، يؤهلون أنفسهم عبر الموارد المتاحة على شبكة الإنترنت، إضافة إلى التعلم بالتجربة. كما ظهرت منظمات تقوم بتأهيل المهتمين من الشباب عبر كادر محترف في الصناعة وذلك بتقديم منح تدريبية، وإرشادية وأحيانًا عبر مدربين أجانب وأكاديميات أجنبية مختصة في هذا المجال. من هذه المنظمات الرائدة في تشجيع صناعة الأفلام في اليمن منظمة “شباب العالم معًا” (YWT) التي قدمت منحًا تدريبية وإرشادية في مجالات الإنتاج المختلفة في صناعة الأفلام، إلا أن هذه التدخلات توصم بأنها نادرة ومحدودة.

وما إن تتعلم حول صناعة الأفلام، حتى ترى كم أنها تحتاج جهدًا مختلفًا عما نقوم به، كأن ينقص العاملين في هذا المجال الكثير من الجهود في مرحلة ما قبل الإنتاج، المرحلة التي ينبغي أن يتم فيها بناء هذا المحتوى ليصل إلى أعماق أرواحنا، وليفعل تأثيره، ويحقق ماهيته في نيل اندهاشنا أو تغييرنا. وهو ما يفسر أن كثيرًا من صناعة المحتوى بالقوالب المختلفة لدينا لا تأخذ وقتها الكافي في البحث والإعداد. ودائما ما نريد أن نقفز إلى الإنتاج.

إن كنت صانعًا لمحتوى، لن يكف أحدهم عن سؤالك متى تبدأ؟ وكأنك لم تبدأ بعد. وما زالت الكثير من الجهات تقوم بالتعاقدات بعد تقديم المحتوى الذي تنوي القيام بإنتاجه، وكأن إعداد المحتوى ليس عملًا. وهذا ينعكس بدوره سلبًا حتى على مستوى توزيع الأجور؛ فالعاملون في مرحلة ما قبل إنتاج أي محتوى هم الأقل أجرًا، وهو ما يؤثر سلبًا على الاهتمام بهذا المجال والخوض فيه، وأخيرًا على صناعة المحتوى بكل أشكاله.

  • تأثير الصراع وعدم الاستقرار السياسي

يضاعف الصراع القائم من التحديات العارضة؛ إذ يزيد المواضيع الحساسة للتناول، ويزيد صعوبة إدخال معدات خاصة بالإنتاج، ويثقل عدم وجود البنية التحية شركات الإنتاج، كما يقلص من الأماكن التي يمكن الوصول إليها والناس الذين من الممكن الالتقاء بهم والتصوير معهم.

إضافة إلى أن الصراع وآثاره يتلقف كل فكرة وعمل، فلا يكون في المتسع أولوية لصناعة محتوى أنثروبولوجي مختلف عن الصراع وآثاره، محتوى يهتم بتوثيق حياة الإنسان اليمني، تأريخه، عاداته وتقاليده، أفكاره وطريقة عيشه وتعاملاته وعلاقاته. توثيق كل هذه التفاصيل وحكيها مهم لنا ولأجيالنا، غير أننا لا نجد الوقت والجهد والطلب إلا لصناعة محتوى إنساني يظهر فقرنا وجوعنا، وفقدنا وبكاءنا. نحن لا نحكي غالبًا إلا تعاستنا؛ لأنه الطلب الوحيد الذي تستقبله الجهات الممولة الوحيدة لصناع الأفلام المتمثلة في المنظمات الإغاثية. دائما ما نقول إن اليمن ما تزال محتوى خامًا، والكثير من القصص بحاجة لأن تُروى.

ستبذل جهدا بسيطا لتخرج بمحتوى تكون أول شخص تقوم بإخراجه. قبل أيام قرأت مقالًا لطالبة في الهندسة المعمارية تتحدث فيه عن العمارة اليمنية، وعلى أي أساس تم بناء حواري المدينة التي عاشت فيها. تعجبت كم أن لي زمنًا لم أواجه موضوعًا عن اليمن مختلفًا كهذا! ثمة تضاريس رحبة في اليمن صالحة لأن تكون مسرحًا جغرافيًا متميزًا لإنتاج أعمال بالغة الروعة إذا توفرت الإمكانيات التقنية والبشرية على السواء.

  • قيود ثقافية واجتماعية

تقف الكثير من الموروثات والعادات والتقاليد حاجزًا أمام الكثير من الأعمال، ويقف الخوف الذي لم يُفسر بعد من كل ما هو جديد حاجزًا أكبر. يكفي أن يشعل أحدهم شرارةَ أن العمل يحوي سُمًّا ثقافيًا، أو غزوًا فكريًا، ليهاجمه كل عالم وجاهل، أو صاحب أخلاق أو سيء السمعة، شاهد العمل أو سمع عنه فقط. قد تحدث ضجة تشعر معها أنه لم يتبقَ في المجتمع أحد لم يشارك فيها ليستنكر “باسم الدين” خروجًا بسيطًا لفرد عن العادات والتقاليد، ولا يلتفت أحد إذا كان هذا الاستنكار أساسًا يتم بأسلوب خارج عن الدين وعن الثقافة وعن الإنسانية، ويؤدي إلى مآل لا يحمد عقباه عاقل.

تعمل هذه القيود على ترتيب أجندات التناول، وتحدد حجم القضايا، وهذا يخلق مجتمعًا مريضًا يتصرف وفقًا لهذه القيود. ويكفي أن ننظر كيف أن محتوى مضلل لفتاة صغيرة مصابة بالسرطان تغني في أحد الكافيهات (المقاهي الحديثة) ادعى ناشروه الغيرة على الدين، يثير ضجة لا تستطيع إثارتها ألف قضية فساد للمسؤولين في هذه البلاد!

لصناعة الأفلام التحديات ذاتها التي تواجهها صناعة أي محتوى، يزيد إلى ذلك تحدياتها الخاصة بالتعقيد المتعلق بصناعة الفيلم، والأدوات اللازمة لإنتاجه، والعدد الكبير للمشاركين فيه، والمراحل المختلفة لإتمامه. غير أن هناك حراكًا جيدًا في تحسين كل ذلك، وإن كان فرديًا، كالحراك الذي يقوده عمرو جمال وشباب آخرون في عدن وأمثالهم في تعز. والجميل دخول جهات لا بأس بها لمساعدة صناع الأفلام في الوصول ورؤية أعمالهم تعرض ولو لم تكن في بلادهم؛ فيكفي لصانع الفيلم نجاحًا أن يحكي قصته بنفسه، وبأقرب لغة يفهمها العالم وتؤثر فيه.

التوصيات:

تحاول تجارب شابة عديدة -سبق ذكرها- أن تجد لها موطئ قدم في الإنتاج الدرامي (الأفلام)، وإن كانت محدودة وفردية كما ذكرنا، عدا أنها ستصبح أساسًا صلبًا يمكن البناء عليه إذا ما وجدت العناية التي تستحقها، ومن ذلك:

  1.  دفع القطاع الخاص إلى الاستثمار في صناعة الأفلام.
  2. تفعيل دور السينما في اليمن بعرض بعض التجارب المحلية.
  3. فتح باب المنافسة للإنتاجات المحلية وتقديم الجوائز التشجيعية.
  4. إقامة معاهد تعليمية متخصصة في فنون الإنتاج السينمائي والتمثيل والمسرح، واعتماد ذاك كتخصصات في الجامعات اليمنية ضمن الكليات ذات العلاقة.
الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

72.2% من المستطلَعين يرون أنَّ السينما اليمنية ستكون وسيلة فعالة للتعبير عن القضايا الاجتماعية والسياسية في اليمن

صوت الأمل – يُمنى أحمد عالمياً، ما تزال السينما -منذ بدايتها في نهاية تسعينيات القرن التاس…