‫الرئيسية‬ الأعداد السابقة فن العمارة في اليمن التراث المعماري اليمني.. ثروة عالمية ومتحف مفتوح

التراث المعماري اليمني.. ثروة عالمية ومتحف مفتوح

صوت الأمل – مجاهد أمين الحيدري (مدير عام المشاريع بهيئة المدن التاريخية)

من الواجب أن يصل هذا الصوت لكل مواطن يمني؛ كي يعي بأنّ هناك قانونًا ومخططًا يحمي ويحافظ على كل المدن والمواقع التاريخية والمعالم الأثرية.

وفي هذا المنبر وهذه الفرصة نعرض رؤيتنا، وهي بمثابة إيصال المعلومة الكافية بأنّا -نحن اليمنيين- نعيش في أغنى دول العالم ثراءً وتراثًا وثقافةً، ولا تكاد تضاهينا أي دولة أخرى، وذلك لما لدينا من المدن والمناطق والمعالم التاريخية التي تعود إلى ما قبل الميلاد والقرون الوسطى؛ إذ تتفرد كل مدينة بحلتها وزينتها وأسرارها المعمارية والعمرانية المختلفة في الدولة نفسها وفي النطاق الجغرافي نفسه.

مخطط الحفاظ على المدن التاريخية، وقانون الحفاظ رقم (16)

هناك مجموعة من اللوائح والقوانين التي يجب على الجميع أن يعلم بها، ويعمل على تطبيقها على أرض الواقع، ومن هذه النصوص:

  • القانون رقم (16) لسنة 2013م بشأن المحافظة على المدن والمناطق والمعالم التاريخية وتراثها الثقافي والعمراني، الذي يعدُّ المرجعية الرئيسية الشاملة في وقتنا الراهن، ويحتوي على لائحة ومواد قانونية وعقوبات لمن يحاول المساس أو العبث بهذه المدينة، وغيرها من المدن اليمنية.
  • مخطط الحفاظ هو بمثابة مشروع للحفاظ على الهوية الوطنية للمدن والمعالم الأثرية؛ إذ يحافظ على طابعها المعماري التراثي، وهو مخطط عمراني تفصيلي طبقًا لما ورد في قانون التخطيط الحضري والنافذ، يتسم بخصوصية التعامل مع الموقع المسجل، ويشمل مجموعة المخططات والخرائط والوثائق المتعلقة بالمعايير والإرشادات والمواصفات لأعمال الحفاظ والتطوير في هذا الموقع؛ بِعدِّه الأداة الإدارية والفنية لضبط النشاط العمراني فيه، وضمان المحافظة عليه. ويرتبط كل مخطط حفاظ بخطة إدارية توضح الآليات المنفذة له والتزامات الجهات المعنية في المحافظة على الموقع المسجل، والموازنات المالية واللازمة لذلك.

يقع مخطط الحفاظ في منطقة متقطعة جغرافيًا، وغالبًا ما تكون قابلة للتوسيع، وهذا المخطط يحافظ على النسيج والنمط المعماري للمدينة الأثرية من الانقراض والاندثار والتشوه؛ إذ يقوم المعماريون الخبراء بالتسجيل والرصد لكل تفاصيل مكونات المدينة؛ من منازل ومساجد وشوارع وأسواق وسبُلًا (مفردها سبيل، وهو وقف لسقي الماء لعابري السبيل والمارة بلا مقابل)  وسماسر… إلخ.

يقوم الفنيون بالرصد والتسجيل والتصوير لكل تفاصيل المدينة؛ كل مبنى على حِدةٍ، وهذا يأخذ وقتًا طويلًا، ويتطلب فِرقًا عديدة للعمل في المخطط؛ إذ يكون من يقوم بهذا العمل متدربًا تدريبًا متقنًا، ويكون على دراية تامة بهذا العمل.

مدن تاريخية عالمية

هناك خمس مدن تاريخية يمنية مسجلة في قائمة التراث العالمي لليونسكو؛ وهذه المدن تشمل:

1.     صنعاء القديمة: مدينة صنعاء القديمة هي العاصمة التاريخية لليمن، وتعرف بتاريخها الغني ومعمارها التقليدي المميز عن باقي المدن. وقد كان لها النصيب الثاني، بعد شبام، بضمها في قائمة التراث العالمي عام 1986م ضمن الفئة الثقافية.

2.     زبيد: تقع في محافظة الحديدة. وتعدُّ مدينة زبيد من المدن التاريخية المهمة التي تعود للقرون الوسطى، وتشتهر بمعمارها العربي التقليدي. وقد تلت صنعاء القديمة عام 1993م في ضمها ضمن الفئة الثقافية.

3.     شبام: تقع في محافظة حضرموت، وتعدُّ مدينة شبام حضرموت مدينة أثرية مهمّة تعود للعصور القديمة الإسلامية، وتتميز بأبراجها الطينية الشاهقة والشامخة إلى حد اللحظة. وهي من حلَّ على أول موقع ضمن قائمة التراث العالمي في اليمن عام 1982م. ضمن الفئة الثقافية.

4.     أرخبيل سقطرى: إذ تمَّ إدراجه في قائمة التراث العالمي في الفئة الطبيعية عام 2008م.

5.     معالم مملكة سبأ القديمة بمحافظة مأرب: وهذه تمَّ إدراجها في عامنا هذا 2023م.

بالإضافة إلى ذلك تضم القائمة الإرشادية المؤقتة لمواقع التراث العالمي تسعة مواقع، وتشمل:

1.     صعدة: وتقع في شمال اليمن، وفيها مدينة صعدة القديمة التي تتميز بأسواقها التقليدية، وأبنيتها العريقة، ومعالمها الإسلامية؛ ضمن الفئة الثقافية.

2.     مدينة ثلا: وتقع في محافظة عمران ضمن الفئة الثقافية، (وكذلك مدنية عمران القديمة وشهارة).

3.     المدرسة العامرية: في مدينة رداع محافظة البيضاء، ضمن الفئة الثقافية.

4.     مدينة جبلة وضواحيها: وتقع في محافظة إب، ضمن الفئة الثقافية.

5.     جبل حراز: ويقع غرب محافظة صنعاء، ضمن الفئة المختلط.

6.     جبل بُرَع: ويقع في محافظة الحديدة، ضمن فئة المختلط.

7.     منطقة بلحاف – بروم الساحلية: وتقع في محافظة شبوة؛ ضمن فئة المختلط.

8.     محمية حوف: تقع في محافظة المهرة، ضمن الفئة الطبيعية.

9.     محمية شرمة – جثمون: وتقع شرق مدينة المكلا، على بعد 54 كم شرقًا، ضمن الفئة الطبيعية.

وما يزال هناك الكثير من المواقع الأثرية والمدن والمعالم التاريخية داخل بلادنا تحتاج إلى من يكتشفها، ويهتم بها، ويعيد إليها الحياة.

نبذة عن عاصمة المدن التاريخية اليمنية – صنعاء القديمة:

صنعاء القديمة تعدُّ أكبر مدينة تاريخية في العالم؛ إذ تبلغ مساحتها حوالي 10 كم2، وأعظم ما يميز المدينة أنها حيّة، وعمرها من القرن الخامس قبل الميلاد، وقد أسسها أحد ملوك حِمْيَر القدماء، وكانت محاطة بسور من كل الجهات يحتوي على أبراج حماية، ولها سبعة أبواب، وهي: باب اليمن، باب شعوب، باب القاع، باب السباح، باب عامر، باب السلام، باب البلقة؛ ولم يبقَ منها غير باب اليمن، الذي بدوره يمثل الهوية اليمنية عبر الأزمان. والمدينة كما تبدو مخططة تخطيطًا فريدًا، كما لو خططها مهندس معماري متمكن.

 وتتكون المدينة من 40 حيًّا، وفي كل حي يوجد متنفس (صرحة)، بالإضافة إلى مسجد وبستان (مقشامة)، وكل حيّ يعدُّ من الناحية المعمارية مدينة بحد ذاته.

معلومات وأرقام عن صنعاء القديمة:

  • عدد الحارات: 56 حارة.
  • عدد المباني: 11500 مبنى.
  • عدد المنازل: 9440 منزلًا.
  • عدد المحال التجارية: 2377 محلًا.
  • عدد الأسواق: 48 سوقًا.
  • عدد السماسر: 43 سمسرةً.
  • عدد المساجد: 46 مسجدًا.
  • عدد المقاشم (البساتين): 43 بستانًا.
  • عدد الحمامات البخارية: 10 حمامَّات.
  • عدد السبل: 6 أسبِلة.
  • عدد الآبار: 51 بئرًا.
  • عدد المعاصر: 6 معاصر للزيوت.

الوضع الراهن، ومخاوف قد تضر المدينة التاريخية:

يكشف الوضع الراهن للمدينة إهمال الحكومات اليمنية المتعاقبة، التي لم تخصص ميزانية تشغيلية كافية لـ(الهيئة العامة للحفاظ على المدن التاريخية)؛ من أجل الاهتمام بمدينة صنعاء القديمة وباقي مدن التراث العالمي في مختلف المحافظات اليمنية. ونعترف نحن -هيئة المدن التاريخية- بأن الكثير من منازل صنعاء القديمة أصبحت آيلة للسقوط، وتحتاج إلى تدعيم وترميم عاجل.

وبحسب دارسة علمية حديثة أعدها الباحث المختص في إدارة الاستشعار عن بعد، الزميل المهندس سامي محب الدين (مدير عام مركز الدراسات بالهيئة)، بأنّ هناك نحو ما يقارب 250-300 منزلًا في صنعاء القديمة يحتاج إلى تدعيم عاجل، و150 – 200 منزلًا يحتاج إلى تسقيف، و10- 20 منزلًا يحتاج إلى إعادة بناء وتأهيل، و450 – 500 منزلًا يحتاج إلى ترميم، و1032 منزلًا يحتاج إلى صيانة؛ وجميعها تحتاج إلى ميزانية لا تقل عن 2.5 مليار ريال يمني.

العمارة اليمنية فنٌّ عريق وخبرة يتوارثها اليمنيون:

العمارة اليمنية عريقة ضاربة في أعماق التاريخ، وهي متنوعة من محافظة إلى أخرى، وتتنوع العمارة في اليمن حسب الطقس، كما هو معروف، اليمن لها تضاريس جبلية وسهلية وصحراوية؛ لذلك تكيّف اليمنيون حسب طبيعة المنطقة، وتتجلى المناطق الجبلية البناء بالحجارة في معظم مكوناتها والياجور (الطوب الأحمر) وقليل من الطين، والحجارة متنوعة وكثيرة في شكلها وصلابتها، وهي تكاد تكون متشابهة، كلوحة خيالية لرسام محترف.

ونظرًا لتشابه المناخ للمدينة الواحدة ينعكس هذا التوحد في المواد التقليدية؛ أمّا المناطق الحارة فيغلب عليها العمارة بالطين والياجور حتى تتكيف مع طبيعة المناخ، وفي المناطق الباردة الإعمار بالحجارة من الجبال المحيطة، وتتنوع هذه الحجارة؛ إذ نرى غالبًا ما يكون الدور الأول والثاني بالحجارة، وهي أنواع كثيرة، وقد يصل علو الأدوار إلى 9 أدوار، ومكوناتها تتلاءم مع وظائف المجتمع؛ إذ كل طابق منفصل من الآخر.

ومكونات البيت في المناطق الجبلية يطول شرحها نظرًا لتعدد وظائفها، وتلائم المجتمع المحلي حيث الطقس البارد في الشتاء والمعتدل في الصيف؛ إذ يستطيع المواطن اليمني في المناطق الجبلية أن يتكيّف في منزله من مأكل ومشرب وغيره، إذ يوجد في بيته أو بالقرب منه مساحة لزراعة الخضروات والفواكه (بستان – مقشامة)، كما توجد بئر الماء، حتى أماكن تخزين الحبوب لعدة شهور في الأدوار الأولى وتسمى (أحقاب).

وتتجلى عبقرية الحرفي اليمني في أنه استطاع أن يكيّف حياته حسب احتياجاته والمنازل في المناطق الجبلية؛ فعندما نرى مكوناتها فهي فريدة؛ دافئة شتاء وباردة صيفًا، هنا تمكن الإنسان اليمني التفنن في تفاصيل مكونات المنزل، فإنّها تلائم المقاومة للمناخ والزلازل. كما استطاع المعماري اليمني أن يشيّد ناطحات السحاب وعمارات متعددة الطوابق، معتمدًا بذلك على المواد التقليدية (المحلية) البسيطة المتوفرة في البيئة بدون الحاجة إلى المواد المصنعة لهذه الأغراض حديثًا من إسمنت وحديد وغيرها؛ وهي شاهدة إلى يومنا هذا بصلابة شديدة وقائمة لمئات السنين، ولا نعني بذلك المباني السكنية فقط؛ فهناك ما هو أعظم، مثل: المساجد -وأبرزها الجامع الكبير- والسماسر والسبل.

مقترحات وتوصيات

للحفاظ على المدن التاريخية اليمنية؛ أودُّ أن أقدم بعض التوصيات والمقترحات:

1.  حماية التراث: القيام بتنفيذ الإجراءات اللازمة لحماية المعالم التاريخية، وضمان الترميم الدوري والسليم للمباني والمواقع الأثرية.

2. تثقيف الجمهور: القيام بتعزيز الوعي بأهمية المدن التاريخية وتراثها بين السكان المحليين والزوار؛ كعمل تنظيم جولات تثقيفية ونشاطات تعليمية للتعريف بتاريخ المدن والثقافة المحلية.

3. الحفاظ على البيئة: الاهتمام بالمحافظة على البيئة المحيطة بالمدن التاريخية، مثل البساتين والمساحات الخضراء، وعمل حملات تنظيف المناطق العامة وتجميلها، وتشجيع المجتمع المحلي على المشاركة.

4. التنظيم الحضري: القيام بتخطيط المدن التاريخية والحمى الخاصة بها بشكل منهجي ومنظم، مع الاهتمام بتحسين البنية التحتية، وتوفير وسائل النقل المريحة والمستدامة والحد من التوسع التجاري إلى الأماكن السكنية.

5. التعاون والشراكات: السعي إلى تشجيع التعاون بين الحكومة والمنظمات غير الحكومية والمجتمع المحلي؛ لضمان الحفاظ على المدن التاريخية من خلال تنفيذ مشاريع صيانة وترميم دورية واستهداف جميع أركان المدينة؛ من منازل ومساجد وساحات وأسوار، وكل ما يمكن أن يحمي المدينة من التشوه والاندثار.

6. السياحة المستدامة: تشجيع على السياحة المستدامة التي تحترم الثقافة والتراث المحليين، وتسهم في تنمية المجتمع المحلي، وحماية الموارد الطبيعية والثقافية.

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

82% يرون أن انتشار طابع العمارة الحديث من أكبر المشكلات التي تواجه الحفاظ على الطابع التقليدي للعمارة اليمنية

صوت الأمل – يُمنى احمد عرفت اليمن منذ زمن بعيد بجمال عمارتها وتفرد مبانيها بطابع خاص ومميز…