‫الرئيسية‬ الأعداد السابقة المخدرات في اليمن قصة تعافٍ من الإدمان… ماضٍ موجع ومستقبلٍ مُبشّر

قصة تعافٍ من الإدمان… ماضٍ موجع ومستقبلٍ مُبشّر

صوت الأمل – أفراح بورجي

عندما يشتد صراع الأهل، وتهب رياح مشاكلهم على أبنائهم، ينشأُ جيلٌ مستسلمٌ لكل ما يقابله، بداية من سوء اختيار الطريق، وكذلك سوء الرفقة، ووصولًا إلى الإدمان على المخدرات، وهي أكثر ما يقابل الفرد المستسلم لملذاته في الحياة، كما أنّ الفقر وسوء المعيشة يُذهب بكثير من الشباب إلى هاوية الإدمان.

البداية:

شاب في مقتبل العمر كان يفكر بمستقبله كيف سيكون، كما أنّه يحب الحياة كثيرًا، ولكن قدره جعله ينشأ مع عائلة متفككة، ” في إحدى ليالي الصيف في أحد محافظات اليمن، تركَنا والدي نحمل مشقة الطريق بمفردنا بجانب والدتي” (هرب من البيت لأسباب خاصة)، ومن هنا بدأت مشاكل الفتى الذي لم يتعدَّ سن المراهقة بعد، رحلته المأساوية مع الإدمان بدأت عندما قابل أحد الأشخاص المدمنين في العمل الذي يشتغل فيه.

يقول (ن. و): “خرجت من المنزل للبحث عن عمل لمساعدة والدتي، التي جفت دموعها، وشحب وجهها، من الوجع علينا وعلى ما أصابنا من وضع سيّئ عندما تركَنا والدي، انطلقت إلى أماكن قريبة من منزلنا للبحث عن عمل، أتخبط من شارع إلى شارع شارد الذهن، أريد أنسى ما بي من تفكير عميق، من فرط ما أشعر من الألم، وعلى الرغم من صغر سنّي حينها، إلَّا أنّ قهر والدتي علينا جعلني أكبر فوق عمري أعوامًا كثيرة، ومع الأيام حصلتُ على عمل، وبدأتُ من حينها”.

بدأ (ن. و) مصادقة بعض الشباب في نفس الحي الذي كان يعمل فيه (كعامل في أحد المحالّ التجارية) فبدأ بتعاطي القات، ولكن ليست هنا المشكلة، فالمشكلة تكمن في تعاطيه لحبوب (الترامادول) مع القات، التي أعطاه إيّاها زميله، واصفًا إيَّاها بأنّ هذه الحبة ستجعله ينسى جميع الهموم.

يصف (ن. و) شعوره لأول مرة يتعاطى الترامادول مع القات: “شعرت بهدوء تام، وشيء يسري في جسدي أشعر بلذته لأول مرة”.

يتحدث (ن. و) والحسرة في نبرة صوته: “كانت حياتي قبل الإدمان جميلة، لم أشعر يومًا باليأس، عكس هذا الوقت، كون الإدمان بالنسبة لي في هذا الوقت أصبح كل شيء، ولكنني لستُ سعيدًا في حياتي، وما اتّجهت للإدمان إلَّا لكي أنسى ما أعيش في الواقع (هروب أبي)، وفضلتُ الوحدة؛ لكي أستطيع أتعاطى المخدرات بشكل مستمر، وأصبحتُ متغير المزاج، وسيئ التصرف، وكثير التهجم”.

الاستمرارية على الإدمان:

“بعد أن تورطت بالإدمان على هذه الحبوب (الترامادول)، أصبح اليأس حليفي، وكلَّما حاولتُ الإقلاع عن التعاطي لا أستطع تركها، ومرت الأيام وأنا ما زِلتُ حبيسَ التعاطي، زادت لهفتي، وأصبحت أتعاطى القات مع الحبة يوميًّا، فكنتُ إذا لم يتوفر لديَّ نقود لشراء (القات) و (الحبة الترامادول) أذهب إلى المنزل، وآخذ كل ما أراه أمامي من نقود أو أشياء أستطيع بيعها لأسرقها، كي أحصل على نشوتي، وأعيش حياة جميلة في مخيلتي” يقول (ن. و).

أوجاع متزايدة:

يواصل سرد قصته: “هنا تحملتْ والدتي المشقة، عندما أصبح الإدمان الشيء المهم في حياتي، بدأتْ والدتي بالعمل، وأصبحت هي من تقوم بكافة مسؤوليات إخواني، وتحملت كذلك مسؤولياتي، فكانتْ لا تستطيع أن ترفض لي طلبًا، وبسبب عدم الوعي بما أقوم به، كنتُ عندما لا تلبي طلباتي أقوم بضرب إخواني، وهنا تعطيني لأجل أذهب لأشتري الكيف (اللذة والشعور الجميل)، وهنا دارت الأيام، وأصبح الإدمان أهمَّ صديق لديَّ، واستمريتُ فيه ثلاث سنوات، كانت من أسوأ الأيام التي عشتها على الإطلاق”.

بداية التعافي:

“في أحد الأيام رجعت إلى المنزل، وكانت حرارتي مرتفعة جدًّا، وقد شربتُ بذلك اليوم حبتين ترامادول في وقت واحد. والداتي بوقتها لم تتمالك نفسها من شدة الخوف، فأخذتني إلى أحد العيادات، التي توجد في الحي الذي نقطن فيه، وتمت الفحوصات الطبية كاملة، وذهبت بها والدتي لأحد الأطباء في الحي، فكان ردُّهُ أنني أحتاج إلى رعاية في أحد مراكز الإدمان؛ لأنّني مدمنٌ، هنا كانت الصدمة لوالدتي، وفي صباح اليوم التالي بدأتْ رحلة العلاج.

بدأتُ بالعلاج في أحد مراكز علاج الإدمان، وهنا لم أستطع أن أواجه الحياة بأنّني مدمن، وأنّني سأبتعد عن تلك الحبة (الترامادول)، التي في يوم من الأيام كانت أهمَّ مِن حياتي كلها، أكملتُ العلاج النفسي، وكنتُ أستسلم بعض الأحيان للنوم كثيرًا، وهذا ساعدني، حسب إفادة الطبيب الذي كان مشرفًا على حالتي، استمرَّ العلاج والتنمية النفسية والعقلية والاجتماعية والثقافية لمدة عامين، تعلمتُ فيه أشياء كثيرة، جعلتني أدرك أنّ الحياة جميلة دون إدمان”.

العودة إلى الحياة

يقول (ن. و): “نعم عدتُ للحياة دون إدمان، ولكني مريضٌ جسديًّا، لا أستطيع القيام بأيّ عمل، هذه الحبة (الترامادول) نالت مني، وجعلتني هزيل الجسد، بوجه شاحب، وأعضاء ضعيفة الأداء، أصابني فيروس الكبد، وكذلك قرحة المعدة، وحاليًا أقوم بالعلاج لكل هذه الأمراض”.  ويختتم بالتأكيد: “لن أعود للإدمان أبدًا بأي شكل من الأشكال”.

التعريف بالترامادول وخطورته

صنفت الطبية الصيدلانية تسنيم الطّيب: “الترامادول كمخدر من فصيلة الأفيونات، وهو يؤثر على نظام الألم في الجهاز العصبي المركزي، ويعدُّ الترامادول أقلَّ قوة من المخدرات الأفيونية الأخرى، مثل المورفين والهيروين، ولكنّه ما يزال يمتلك خطورة أثناء استخدامه غير الصحيح أو بجرعات كبيرة، وهو يستخدم في حالة الآلام المتوسطة والشديدة، مثل الآلام بعد العمليات خاصة عمليات العظام، ومن الآثار الجانبية التي ممكن حدوثها بسبب استخدامه: إمساك، وغثيان، وقيء، وصداع”.

خطورة تعاطي الترامادول

أضافت الصيدلانية تسنيم قائلة: “ممكن أن يؤدي استخدام الترامادول بشكل متكرر وطويل الأمد إلى الإدمان النفسي والجسدي، ويعني ذلك أنّ الشخص المدمن قد يشعر برغبة ملحّة في تناول الترامادول، وقد يواجه صعوبة في التوقف عنه، عندما يصبح الشخص مدمنًا على الترامادول، فإنّ الإقلاع عنه يكون صعبًا. قد تظهر أعراض الانسحاب عند محاولة التوقف عن استخدامه، مثل القلق، التعرق الزائد، الأرق، الغثيان، القيء، وألم في المفاصل والظهر، خاصة في أول يوم، إضافة إلى أعراض عصبية وتشنجات. يجب عند الإقلاع الإكثار من شرب السوائل، التي تساعد على سحب السموم من الجسم، وممارسة الرياضة، كذلك لا بُدَّ من التأهيل النفسي والروحي؛ لتعطي المريض طاقة إيجابية، وتقلل فرصة الانتكاسة”.

علاج حالات إدمان الترامادول…

أكملت الطيب قائلة: “معظم حالات الإدمان يمكن معالجتها في المنزل، ولكن بعض الحالات تستلزم دخول المستشفى للسيطرة على الأعراض الانسحابية؛ وللوقاية من إدمان الترامادول ينبغي أخذ الدواء فقط عندما تستدعي الحالة، وبإشراف الطبيب”.

وأشارت إلى أنّ الترامادول لا يعدُّ قويًّا مثل بقية المخدرات، بمعنى أنّ المدمن يحاول احتمال الأعراض الانسحابية، وهي كافية أنّها تعالجه من الإدمان، وأيضًا أثناء العلاج ممكن يستخدم مهدِّئ مثل (الإيبوبروفين)؛ لأجل أن يخفف عليه الأعراض عند العلاج.

وأنهت الصيدلانية تسنيم الطيب حديثها: “يعمل الترامادول على تحفيز المستقبل (ميو)، وهو من المستقبلات الأفيونية الموجودة في الجسم، ممّا يؤدي إلى تأثيرات مختلفة، بما في ذلك تخفيف الألم والشعور بالراحة، ويعدُّ الترامادول مثبطًا لإعادة امتصاص السيروتونين ونورادرينالين في الجهاز العصبي المركزي، ممّا يؤدي إلى زيادة تأثير هذين المركبين الكيميائيين في الجسم. هذا يساعد في التحكم في الألم ورفع المزاج”.

دائمًا ما نسمع عن قصص الإدمان، منها من تنتهي بالفشل من التعافي، ومنهم من ينهي حياته، وبعضهم لا يستسلم للإدمان، فيتم التعافي، ويعود لحياته، وهذه القصة تعدُّ أحد القصص الكثيرة في بلادنا، شباب نال منهم الإدمان، وأصبحوا عاجزين عن عودة حياتهم، ومنهم من نالوا من الإدمان؛ لنضع قصصهم للاستفادة من عزيمتهم وإلهام الآخرين.

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

71.3% يرون أن ظاهرة تعاطي المخدرات سببٌ رئيس في ارتفاع معدل الجريمة، لا سيما في البلدان التي تعاني من الصراعات

صوت الأمل – يُمنى احمد تعد المخدرات ظاهرة اجتماعية خطيرة وغير صحية، وصارت تنتشر في المجتمع…