‫الرئيسية‬ الأعداد السابقة السياحة والمعالم الأثرية متطلبات حماية المواقع الأثرية .. الاحتراز والاستراتيجية

متطلبات حماية المواقع الأثرية .. الاحتراز والاستراتيجية

صوت الأمل – ياسمين عبدالحفيظ

منذُ سبع سنوات، يستمرّ الصراع في اليمن؛ ليحرق الحاضر والمستقبل والتاريخ لبلد يمتلك ثروة ضخمة من الآثار من مناطق تاريخية و مبانٍ ( قلاع وقصور ومساجد ومتاحف ومنازل قديمة وأسوار وحصون أثرية …إلخ)، وأدوات وقطع أثرية تعود لقرون بعيدة، حيث يتعرض الكثير منها  للتدمير والنهب والسطو والسرقة في وقت تعد الجهات المسؤولة عن هذا الجانب منشغلة في ميادين الصراع.

 إلى جانب ما تمر به البلاد من انقسام وتجزؤ، هُناك إهمال للآثار وعدم حمايتها؛ الأمر الذي استدعى في الأعوام الأخيرة ظهور العديد من المناشدات والدعوات؛ لإنقاذ المواقع الأثرية ومكوناتها من التدمير والعبث الذي قد يطمس حضارة بلد وإرثها الثقافي.

من هذه الدعوات، البحث الذي نُشر مؤخرًا في مجلة كلية آداب الحديدة في 97 صفحة، بعنوان (دعوة لإنقاذ آثار ونقوش معبد أوام (محرم بلقيس) من النهبِ والتدميرِ والضياعِ وللأهمية الحضارية والوطنية وللحفاظ عليها وصونها)، كونها دراسة ميدانية لواقعٍ أحد أهم المعالم الأثرية اليمنية القديمة، (للباحث والأكاديمي اليمني الدكتور محمد علي الحاج)، والذي دعا إلى اتخاذ إجراءات احترازية لإنقاذ معبد أوام وهو أحد المواقع الأثرية التي تتعرض لجملة من النهب والتدمير، ومن هذه الاحترازات:

 تعيين حراسة رسمية دائمة للمعبد، وإسناد مهمة الحراسة للشرطة والأمن أو أي جهاز أمني قادر على حمايته، ومنع سرقة آثاره ونقوشه وإنشاء نقاط مراقبة دائمة بالقرب منه مزودة بالكاميرات، إغلاق معبد أوام أمام الزائرين من عامة الناس وخاصتهم، ومنع الدخول إليه بأي شكل من الأشكال، وإعادة تسويره كاملًا بالسياجات الحديدية والشائكة، شريطة أن تكون تلك السياجات ذات متانة عالية لا يقل ارتفاعها عن 3م.

 وتضيف الدراسة على الاحترازات، إيجاد إدارة للآثار في مدينة مأرب قادرة على القيام بدورها في حماية المعالم الأثرية وصونها، على أن يكون من أهدافها تبني رؤية واستراتيجية سليمة؛ لتطوير وحماية القطاع الأثري في محافظة مأرب بما يليق بتاريخها وآثارها، وبذل الجهود المالية والإدارية والأمنية في سبيل تحقيق ذلك.

أيضًا تبني الحكومة اليمنية ممثلة في وزارة الثقافة والهيئة العامة للآثار والمتاحف جهودًا حقيقية مشتركة  بالتعاون مع المنظمات والمؤسسات والمراكز العلمية والدولية المعنية بحفظ التراث الأثري -خصوصًا- اليونسكو؛ للتدخل العاجل من أجل إنقاذ آثار ونقوش معبد أوام، والحفاظ على ما تبقى منها، ومخاطبة المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم(الأليسكو) للقيام بدورها الحقيقي في حماية آثار ونقوش معبد أوام  بوصفه من الممتلكات الثقافية المهمة التي يستوجب حمايتها والحفاظ عليها -تحديدًا- في حالة النزاع والصراع المسلح.

الدكتور محمد علي الحاج يؤكد في دراسته، على سرعة النزول الميداني؛ لحصر وتوثيق أعمال النهب والدمار والتشويه الذي تعرضت له آثار ونقوش معبد أوام، والأضرار التي لحقت  بها أخيرًا، والشروع -فورًا- في تدعيم المعالم الأثرية المتضررة، والآيلة للسقوط بداخل المعبد قبل ضياعها للأبد، القيام بمشروع علمي يُعنى بجرد وتسجيل وتوثيق كافة آثار ونقوش معبد أوام الثابتة والمنقولة بالطرق العلمية الحديثة -خصوصًا- النقوش المدونة على المسلات والبلاطات الحجرية، وتلك التي خرجت عن التنقيبات الأثرية وتم وضعها في قاعدة بيانات إلكترونية، فضلًا عن الاحتفاظ بأرشيف ورقي منها؛ الأمر الذي سيسهم في الوصول إليها ومراقبتها وتتبعها في المستقبل.

وكانت اليمن قد أعلنت انضمامها لمنظمة التربية والعلوم والثقافة “يونسكو” التابعة للأمم المتحدة، في العام 2019م لحماية آثار البلاد وموروثه الثقافي.

أهمية عمل استراتيجية لحماية الآثار

يرى ناشطون أنَّ أهمية إنشاء استراتيجية وطنية لحماية الآثار اليمنية، تكمن في حماية الموارد الأثرية وتعزيز الوعي والدعم لأهمية المواقع الأثرية والثقافية، وخلق بيئة قانونية مُمكّنة لإدارة الإرث التاريخي، وإيجاد حلول قطعية للمشاكل التي تواجهها الآثار، سواء ما تتعرض له بفعل البشر أو الكوارث الطبيعية -لاسيما- ما تعرضت له المناطق الأثرية جراء السيول في السنوات الأخيرة.

في هذا الشأن يقول علي مغربي الأهدل (نائب مدير الهيئة العامة للآثار والمتاحف بمحافظة الحديدة): “إنَّ  الكثير من المعالم الأثرية تعرضت للتدمير، كما تعرضت الكثير منها للضرر إلى جانب العبث بالكثير من المواقع الأثرية في اليمن” مشيرًا إلى أن إنشاء استراتيجية وطنية مسؤولية في غاية الأهمية في ظل الظروف التي تمر بها اليمن؛ وذلك للحفاظ على ما تبقى من آثار في اليمن وحمايتها من العابثين وعصابات النهب والتخريب الذين يستغلون ظروف الصراع للعبث بالآثار.

يواصل الأهدل حديثه لـ «لصوت الأمل»: «إن أهمية وجود استراتيجية تتمثل في خطط وبرامج مسؤولية يقع كاهلها على الجميع، ويأتي دور الدولة والمنظمات والجهات ذات العلاقة في مقدمة الدور الذي يجب أن ينهض به الجميع؛ من أجل الحفاظ على الإرث الحضاري».

ويؤكد علي الأهدل: «ما يتم ملاحظته -للأسف- هو إهمال جانب الآثار من قبل الجميع، وغياب هذا الدور الذي ينبغي أن يعد من أولويات اهتمام الدولة، ومنظمات المجتمع وكل الجهات المعنية داخليًا وخارجيًا ينعكس سلبًا على واقع الآثار، ويشجع على الاستمرار في هتك وتدمير هذا الجانب الهام من الإرث الإنساني العريق -لاسيما- أنَّ اليمن من المناطق الغنية بالمعالم الأثرية، وعلى أرضها قامت العديد من الحضارات المتعاقبة التي مثلت مختلف العصور والأزمنة».

 فيما يبين حسين العيدروس (المدير العام للهيئة العامة للآثار والمتاحف بوادي حضرموت والصحراء) بخصوص الاستراتيجية أنَّه سبق وأن حصلت مناقشة بخصوص الاستراتيجية، لكنَّها لم تلق الاستجابة من الجهات المعنية بالشكل المطلوب، وأنَّ غياب الوعي بأهمية الآثار هو السبب الأساسي لعدم وجود استراتيجية واضحة، فالأثار لا يمكن القول أنَّها أصبحت مطلبًا ثانويًا -فحسب- بل أكثر من ذلك، وهي في أدنى سلم توجهات الدولة، وللأسف لم تجد من يدافع عنها رغم أنَّها تعد مصدرًا مهمًا للدخل القومي في حال تم استغلالها بالشكل المطلوب كما هو في كثير من دول العالم، إلا أنَّ هناك عراقيلاً كبيرة تزرع في طريق تطوير مجال الآثار والحد من دورها في التنمية.

أحمد كرامة صالح باحماله(رئيس مؤسسة الرناد للتنمية الثقافية) يقول في معرض رده عن سؤال حول أهمية إنشاء استراتيجية وطنية لحماية الأثار: “آثارنا هي هويتنا، والهوية تعني الوجود ومن لا ماضي له لا حاضر ولا مستقبل له، هناك ضرورة إلى إنشاء استراتيجية وطنية لحماية الآثار اليمنية، لكن لا بد أن تكون تلك الاستراتيجية مبنية على دراسات واقعية وجدية، وتخضع إلى دراسة الواقع مع اهتمام من الجانب الحكومي، حيث إنِّ المسؤولية كبيرة وبحاجة إلى وضعها في الحسبان، وتوفير كل الاحتجاجات اللّازمه لوضع تلك الاستراتيجية في ظل الصراع”.

يؤكد باحماله أنه يجب أن يعرف المسؤولون خطر الضياع والعبث بالمواقع الأثرية والإرث الحضاري، كما يجب أن تتبنى الهيئة العامة للآثار ووزارة الثقافة والحكومة بمعية المنظمات المحلية والدولية دراسة شاملة للمواقع الأثرية والمسح الأثري وحمايتها وإنشاء الشرطة السياحية وإدراج المعالم والمواقع ضمن قائمة التراث العالمي.

كما يرى أحمد باحماله أنَّ تلك الأهمية تكمن في الحفاظ على الموروث الحضاري من العبث والنهب من خلال الوعي والحماية ووضع الدراسات؛ لتحويل المواقع الأثرية إلى أماكن سياحية والاهتمام بالسياحة،  مشيًرا إلى أنَّ السياحة تُعد من أهم الموارد المادية للبلاد وتحويل المباني إلى مراكز ومتاحف ومعالم سياحية وأثرية، وتنشيط السياحة الداخلية والخارجية، ووضع دراسة استراتيجية لتلك المعالم وتحويلها إلى مواقع تخدم اليمن وتصبح سياحية ذات تنمية مستدامة، وتكثيف الوعي بأهميتها، كل هذه الجهود يجب أن تتظافر من أجل إعادة تلك المواقع وإدراجها ضمن قائمة التراث العالمي.

مؤكدًا أنَّ الدولة هي الركيزة الأساسية في إنشاء هذه الاستراتيجية، فيجب على ممتلكي القرارات وضع وإنشاء خطط شاملة تحتفظ وتهتم بالمورث الثقافي، أيضًا يجب الحفاظ على الممتلكات والإرث الحضاري، ورفع مستوى الوعي لدى المواطن.

وينوه رئيس مؤسسة الرناد للتنمية الثقافية أحمد كرامة إلى ضرورة تعريف الأجيال بالمواقع الأثرية وأن ترتفع دعوات ترتقي إلى نسبة العالمية في الاهتمام بتاريخ وحضارة اليمن من العبث والتهديم والتلف، وتنظم تلك الدعوات عبر منظمات المجتمع المدني؛ لمناشدة كل المنظمات الدولية وتوضع ميزانية لتلك الاستراتيجية مع الإحساس الكامل بالمسؤولية؛ حتى لا يكتب التاريخ عن اليمنيين أنَّهم هدموا حضارتهم بأيديهم.

وعن أسباب إنشاء استراتيجية لحماية الآثار اليمنية، يرى باحماله أنَّ ذلك لأجل حتمية الخلود، وبقاء إرث الإنسان في ذاكرة الأجيال، مع تنشيط دور السياحة من خلال الاهتمام بتلك المواقع والمباني، وإعادة توظيفها والتعرف على تاريخ وثقافة ذلك الإرث. مؤكدًا أنه لأجل بقاء ذلك الإرث الثقافي والحضاري خالدًا أمام الجميع وزرع الحب لآثار الأجداد وما خلفوه، ورفع الدراسات للمواقع والمباني، وعدم المتاجرة بتلك الممتلكات والعيش في يمن الحضارة والتاريخ والماضي الجميل.

ويردف أحمد صالح لـ “لصوت الأمل”، عن النتائج التي سوف تحققها هذا الاستراتيجية بأنَّها ضمان لبقاء ذكرى ماضي اليمن حية، والاستفادة منها في الحياة ومستقبل الأجيال حيث إنَّ زرع روح الحب للماضي يعرِّف الأجيال بعراقة الحضارة ويدفعهم للافتخار بها، والاستفادة من الإرث الثقافي وانتعاش السياحة الداخلية والخارجية، وتعريف الناس والعالم بعراقة الحضارة اليمنية وإرثها، ودور الحضارات والناس وكيفية العيش قديماً، والاستفادة من الخبرات التي خلفها الأجداد في اليمن السعيد، ومن المواقع والمعالم الأثرية ما يمكن إعادة توظيفها في شتى المجالات العلمية والعملية، ويحدث حينها تبادل للخبرات والعلوم التي خلفتها الحضارة.

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

استطلاع لـ YIC: 75  % من الآثار اليمنية لا تتمتع بالحماية الكافية

صوت الأمل كشفت نتائج استطلاع إلكتروني أجراه يمن انفورميشن سنتر بداية شهر مايو 2022م حول (ا…