زواج القاصرات في اليمن.. قصص وأرقام تؤكد تأثير الصراع على الأطفال
صوت الأمل – أحمد باجعيم
تعدُّ ظاهرة زواج القاصرات من المشاكل الاجتماعية الشائكة في اليمن قبل النزاع، إلا أنّها تفاقمت لدرجات مقلقة في سنوات ما بعد نشوب الصراع المسلح بين الأطراف المحلية 2015م، إذ يُعدُّ الزواج المبكر للفتيات من أهم الأسباب التي تؤدي إلى ارتفاع معدلات التسرب عن التعليم، ممّا يعوق تحقيق التنمية المستدامة وتحقيق العدالة الاجتماعية، ومع ذلك فقانون الأحوال الشخصية اليمني يسمح بالزواج في سن أل (15) سنة، وفق المادة (15)، على الرغم من التزام اليمن بالعديد من المعاهدات والمواثيق الدولية التي تكفل حماية حقوق الطفل.
وفي الآونة الأخيرة ومع تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية جراء النزاع، ازدادت حالات زواج القاصرات بشكل ملحوظ، ممّا يجعل الفتيات القاصرات هنّ ضحايا إضافية لهذا الصراع، الذي يعد الفقر والبطالة أحد الدواعي التي تلجأ إليها كثير من الأسر اليمنية لزواج فتياتها.
ومن خلال هذه التقرير سنستعرض التأثيرات المباشرة للصراع على زواج القاصرات، مع التركيز على القصص الحية، كما سنعرض بعض الحلول المقترحة للتصدي لهذه القضية، والحد من انتشار ظاهرة زواج القاصرات في ظل الظروف الصعبة التي يمرُّ بها اليمن بالوقت الحالي.
قصص
يحكي (خال) الضحية راضية، البالغة من العمر (13) عامًا، أنّ والدها يعمل مدرسًا براتب محدود، بنحو (67) ألف يمني، بما يعادل (45) دولارًا، وفق أسعار الصرف أثناء إعداد المادة الصحفية في حضرموت، وبسبب الغلاء المعيشي وانهيار العملة المحلية نتيجة الصراع الدائر في البلاد؛ إذ إنّ العائلة تتكون من (6) أبناء قاطنين بمديرية الضليعة، غرب مدينة المكلا، كما أنّ الراتب الذي يتقاضاه والد راضية لا يغطي مصروفاتهم الأساسية. تقدّم شاب لخطبة راضية وهو من أسرة ميسورة، فوافق والدها على زواجها تحت ذريعة تخفيف ضغوطات الأسرة المادية، وأيضًا لتأمين مستقبل طفلته التي لم تبلغ السن القانوني للزواج.
وأشار خال الضحية راضية، أنها تخلصت من الفقر والحياة الصعبة التي رفقتها مع أسرتها، إلَّا أنّ مسؤولية الزواج والحمل كان في انتظارها. لم تكمل عامها الأول في حياتها الجديدة حتى حملت بمولودها البكر في عمر لم يصل إلى (14) عامًا، مخلفًا آثارًا صحية خطيرة، كادت أن تُفقدها حياتها أثناء الإنجاب وتعسر خروج الطفل؛ إذ ظلت ساعات طويلة داخل المستشفى، فضلًا على المسؤوليات الاجتماعية الذي لا تقوى على حملها. مؤكدًا أنّ في أواخر 2022م أنجبت طفلها الثاني وهي بعمر (16) عامًا.
سهى (اسم مستعار) هي الأخرى ضحية الزواج المبكر بسبب التأثيرات المباشرة التي خلفتها النزاعات المسلحة، يروي موظف يعمل في مؤسسة تهتم بمساعدة المرأة وتنميتها- فضل عدم ذكر اسمه- قائلًا: إنّ سهى قدِمَت مع عائلتها من محافظة البيضاء إلى المكلا، بعدما عانت في البيضاء من ظروف اقتصادية صعبة، يقول والد سهى، إنّه اضطر لتزويج سهى وهي في سن (12) من رجل يبلغ من السن (47) عامًا؛ ليسكنَ والدها معها في بيت زوجها، بعد تدمير بيت والدها نتيجة القصف المتبادل بين أطراف الصراع، لكن بعد سنتين من الزواج والمعاملة القاسية للطفلة (سهى) طلب منه والدها أن يطلقها، فوافق الزوج مقابل خروجهما من المنطقة، ممّا اضطرت سهى ووالدها للهجرة إلى حضرموت.
آراء مختصين
ترى الدكتورة إيمان الأحمدي، وهي أستاذة اجتماعية ونفسية بجامعة حضرموت، أنّ زواج القاصرات من المنظور الاجتماعي يعدُّ غير مقبول وباطلًا؛ لما يترتب عليه من سلب لكثير من حقوق الفتاة، مثل حقها في التمتع بالطفولة واللعب، وحرمانها من التعليم، والدخول في نفق الجهل، والتأثيرات الصحية، والمسؤوليات الاجتماعية؛ إذ إنّ الصراع تسبب بتفشي الظاهرة. قد تكون الأسباب غير مباشرة في الكثير من الأحيان؛ كإجبار الآباء على تزويج فتياتهم لضعف المقدرة المعيشية والتهرب من المسؤوليات اتجاههنّ، إلا أنّ هذا يفاقم المشكلة فيما بعد على حياة الفتاة النفسية والصحية، وأيضًا يؤثر على العلاقة الزوجية، التي قد تصل إلى الانفصال بين الزوجين، وتعود إلى المربع الذي تهرّب منه الآباء.
واسترسلت الأحمدي، أنّ آثار النزاع في اليمن على زواج القاصرات المباشرة أو غير مباشرة ولدت مستنقعًا لا يمكن مكافحته في المستقبل القريب؛ إذ تسبب بدمار كثيرٍ من المدارس، ممّا أنتج عنه توقف الآلاف من الفتيات عن التعليم، وهذا أعطى مساحة لذويهنّ بالتفكير بالزواج؛ لأنه لا شيء يقف أمام تزويجها بعد أن فقدت مقاعد الدراسة، بالإضافة إلى جانب النزوح الذي هو المستنقع الأهم في ارتفاع مستوى زواج القاصرات في الآونة الأخيرة، وهو ما يعدُّ أمرًا مجحفًا للفتيات في مخيمات النزوح، والمسؤوليات العظيمة التي تقع على عاتقهنّ بعد الزواج.
وفي ذات السياق، تردف المختصة الاجتماعية رغد الجابري، أنّ زواج القاصرات أساسًا جزءٌ من عادات العديد من المناطق اليمنية الريفية وتقاليدها، فهي موروث ثقافي، لكنّ الصراع خلال السنوات السابقة كان له أثر أكبر؛ بسبب تدهور الوضع الاجتماعي، وانحصار فرص التعليم، وغيره من المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي دفعت كثيرًا من الآباء بأن يقنعوا أو يغصبوا فتياتهم اللواتي لم يبلغنَ السن القانوني على الزواج؛ لصعوبة الأوضاع المادية، وعدم مقدرتهم على تحمل النفقات المعيشية، ممّا رفعت من حدة زواج القاصرات بشكل مقلق وكثيف، كل ذلك أسهم في معاناة الفتيات القاصرات؛ الصحية والاجتماعية والمسؤوليات التي لا تنتهي.
وتتابع الجابري، أنّ أبرز المشاكل والمعوقات التي تؤدي إلى زواج القاصرات في اليمن هو العرف والعادات الاجتماعية؛ لأنّ النظام القبلي والعرفي يحكم اليمن منذ الأزل؛ فهو أصعب كسرًا حتى من القانون.
كما أنّ المعوقات التي تسببت بها النزاعات المسلحة، ومنها الاقتصادية، التي أثرت بشكل بالغ على حياة السكان والتي دفعت بكثير من الآباء بأن يسرعوا في زواج بناتهم خوفًا عليهنّ؛ لصعوبة حياتهم، أو تهربًا من المسؤولية اتجاههنّ. كما أثّر الصراع نفسيًّا في انعدام أمل الكثير لتحقيق أي طموح مستقبلي في الحياة.
من جانبها قالت المختصة الاجتماعية أروى العمودي: “إنّ قلة الوعي بأمور الزواج وحس المسؤولية بشكل عام يسهل للكثير من الفتيات اللواتي لم يبلغنَ السنَّ القانوني الموافقة على الزواج، نتيجة عدم حصولهنّ على التعليم، خصوصًا في الأرياف التي يجبرهنّ ذووهنّ مغادرة المدارس لصعوبة الحياة المعيشية فيها؛ بسبب الصراع والعمل بالزراعة أو تربية الماشية، كما أن بعضًا من الفتيات تنفصل عن زوجها (مطلقة) لعدم الوعي الكافي، وأيضًا ضعف قدرتها لمواجهة المسؤوليات التي تقع على عاتقها؛ سواء الزوجية أو الحياتية الأخرى؛ من التدبير المنزلي وما شابهه، بالإضافة إلى أنها تصطدم بواقع مرير في بيت زوجها؛ ممّا تصبح منفصلة، وتعدُّ نظرة المجتمع لمثل هذه الحالة دونية ويصعب زواجها مرة أخرى.
وفي هذا الصدد قالت هيئة الإذاعة اليابانية (NHK) في تغريدة لها على منصة (إكس) في 26 مايو 2021م: إنّ ظاهرة تزويج الفتيات ما دون (10) سنوات تفشت في اليمن خلال سنوات ما بعد الصراع؛ إذ وصلت حالات الزواج في عام 2020م إلى أربعة ملايين طفل، كما أنّ هذا ارتبط ارتباطًا وثيقًا بارتفاع معدلات العنف ضد الفتيات في اليمن منذ اندلاع النزاع المسلح عام 2015م، إذ إنّ الأمر شائع وقابل للتزايد خلال السنوات القادمة إذا استمرت الصراعات الدامية. (العدد الذي ذكرته المنصة مبالغ فيه، وغير معقول)
معالجات
الدكتورة إيمان الأحمدي تنظر إلى أنّ معالجات ظاهرة زواج القاصرات في ظل استمرار الصراع تكمن في الآتي: الرفع من التوعية والتثقيف لمنع زواج القاصرات، من خلال استهداف الأسرة، وتعريفهم بالأضرار النفسية والصحية، وغيرها من الأمور المترتبة على ذلك، والخطورة على حياة الفتاة القاصر، وكذا توجيه رجال الدين الذين بدورهم يوصلون هذه التوعية بالنحو الديني؛ إذ تكون الرسالة شاملة. وسن قوانين تمنع زوج القاصرات، وتطبيقه، وردع المخالفين، مع التشديد بأهمية التعليم لدى الفتاة.
وأضافت رغد الجابري، على أجهزة الدولة اليمنية التشديد على تنفيذ قانون منع الزواج قبل 15 سنة كأدنى حد، وتحسين الأوضاع الاقتصادية للنساء عمومًا، وأسرهنّ خصوصًا؛ لمنح الفرصة للفتيات بالتعلم، كما أنّ المهمشين هم من الفئات الأكثر عرضة للزواج المبكر؛ لذا لا بُدَّ من توفير فرص معيشة أفضل لهم. وتوعية الشباب والأهالي حول حقيقة المشكلة وأضرارها، وتوفير حماية للفتيات المعرضات للزواج المبكر، وإيواؤهنّ عند الحاجة.
وفي نهاية التقرير، على الجانب الرسمي والخاص في اليمن، بالإضافة إلى المنظمات الدولية المعنية، التعاون في تطبيق تشريعات حماية الفتيات، وتعزيز التوعية والتعليم لهنّ، وكذا تعزيز دور التعليم والتمكين الاقتصادي للفتيات لضمان حقوقهنّ، كما أنّنا من خلال الجهود المشتركة نستطيع أن نحقق تغييرًا إيجابيًّا في المجتمع، ونؤمّن مستقبلًا أفضل للجميع، بما فيهم النساء والأطفال. وفي الختام يمكن القول: إنّ الجهود التي تهدف إلى إنهاء هذا الصراع في اليمن هي الحل الأول لتخليص البلاد من جميع المشاكل التي تسبب بها، بما فيها الحدّ من زواج القاصرات.
96.2% من المشاركين في الاستطلاع يعتقدون أن الصراع تسبب في حرمان أطفال اليمن من حقوقهم الأساسية
صوت الأمل – يُمنى أحمد خلق الصراع المستمر في اليمن أزمة إنسانية كبرى قد تعد واحدة من أسوأ …