‫الرئيسية‬ الأعداد السابقة المعلمون في اليمن معلمو اليمن بين النزوح وانقطاع الرواتب وفقدان الوظيفة

معلمو اليمن بين النزوح وانقطاع الرواتب وفقدان الوظيفة

صوت الأمل – أحمد باجعيم

    يعد نزوح المعلمين وفرارهم من المناطق التي تشهد نزاعات مسلحة أحد العوامل التي أدت إلى ضعف القطاع التعليمي في البلاد، حيث تقل نسبة المعلمين في تلك المناطق غير الآمنة، والتي هي في أشد حاجة إلى الكادر التعليمي كما ترتفع نسبة تواجدهم في المناطق التي تمتاز بالأمن والاستقرار وابتعادها عن مناطق الصراع.

    لم تتوقف الظروف الصعبة التي يعشيها المعلم عند النزوح فحسب، بل لجأ بعض المعلمين النازحين من مناطقهم والاستقرار في مناطق أخرى إلى ترك الوظائف والعمل في مهن وأعمال أخرى بعيدا عن قطاع التعليم لتأمين متطلبات العيش التي أصبحت غاية في الصعوبة، ومن خلال هذا التحقيق سنسلط الضوء على معاناة المعلمين النازحين في المناطق اليمنية.

نزوح المعلمين: إحصائيات وأرقام

   قالت نقابة المعلمين اليمنيين على لسان الأمين العام للنقابة حسين الخولاني: “إن أكثر من (25) ألف معلم ومعلمة نزحوا من مساكنهم بسبب الصراع المحتدم في مناطقهم ويعيشون حياة قاتمة، كما أن أغلبية النازحين بلا مرتبات، وأعرب الخولاني في منشور على صفحته بموقع فيسبوك بمناسبة اليوم العالمي للمعلم 5 أكتوبر 2021م أن المعلم في اليمن يعيش ظروفا قاسية نتيجة النزوح وانقطاع المرتبات لعدد من السنوات.

   وناشد الحكومة اليمنية بالتدخل العاجل لإنقاذ المعلمين وسرعة صرف مستحقاتهم المالية خصوصا المعلمين النازحين الذين يمرون بظروف اقتصادية صعبة، مطالبا الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بإلزام السلطات الرسمية في عدن وصنعاء بصرف مرتبات المعلمين والمعلمات.

    وأكد موقع “عربي جديد” في تقرير صادر بتاريخ 7 أبريل 2018م يحمل عنوان “معلمو اليمن نازحون” أنّ نحو 15 ألف معلم وتربوي نزحوا من المحافظات الشمالية إلى المحافظات الجنوبية نتيجة توقف رواتبهم منذ أكثر من عام ونصف العام، أرغمتهم الظروف إلى ترك مهنة التدريس والاشتغال بمهن أخرى “كالبناء والبيع والزراعة” وأشار التقرير على لسان مصدر مسؤول في وزارة التربية والتعليم بصنعاء أن برنامج الأغذية العالمي ينوي تقديم سلال غذائية لفئة المعلمين ضمن الفئات المستهدفة من البرنامج، كما أن بعض المنظمات الدولية تقدم حوافز ودورات تدريبية مقابل النقد للتخفيف من معاناتهم الاقتصادية.

    قالت وكالة الأنباء اليمنية سبأ (صنعاء) في تقرير بعنوان “التعليم في اليمن أوجاع لا تنتهي” بتاريخ 22 أكتوبر 2020م: “إن الكادر التعليمي تضرر بشكل كبير بسبب بعض الإجراءات المتعلقة بمقر البنك المركزي اليمني، أدى إلى قطع مرتبات ما بين (194417) إلى (196000) من موظفي قطاع التربية والتعليم وبنسبة بلغت نحو (64 %) من إجمالي الكوادر العاملة بالقطاع في الجمهورية، وهو ما يمثل كارثة حقيقية تواجه التعليم في اليمن، إذ أدى انقطاع رواتب المعلمين إلى مغادرة الكثير منهم وظائفهم والبحث عن أعمال أخرى.

نزوح المعلمين

   فيما قال رئيس شعبة التعليم العام بمكتب وزارة التربية والتعليم بساحل حضرموت أنور عبد الدائم: “إن مديريات ساحل حضرموت استقبلت العديد من المعلمين خلال سنوات الصراع المسلح من بعض محافظات الجمهورية أجبرتهم على ذلك الظروف المأساوية التي يعيشونها في مناطقهم جراء النزاع المسلح، مشددا أن المعلمين الذين أتوا إلى مكتب التربية بالساحل جاؤوا بشكل نظامي بعد التنسيق مع الوزارة في عدن ولم تتم معاملتهم كنازحين.

   وأوضح أن مكتب التربية بساحل حضرموت وزع المعلمين الوافدين من خارج المحافظة على المدارس كبقية المعلمين من أبناء مديريات الساحل دون تمييز، منوها أن المعلمين الوافدين لم يأتوا على أنهم نازحين أو مشردين وإنما جاؤوا بأوراق نظامية معتمدة من وزارة التربية كمنقولين بسبب المواجهات المسلحة في مناطقهم.

    وفي ذات السياق حصلت صحيفة “صوت الأمل” على إحصائية لعدد المعلمين النازحين في مديريات وادي وصحراء محافظة حضرموت “جنوبي البلاد” الذين قدموا من المناطق التي تشهد نزاعات مسلحة، حيث بلغ عددهم ما بين عامي 2018 إلى 2019م نحو (30) معلمًا نازحًا وفقا لمكتب التربية والتعليم بوادي حضرموت.

   وأوضح مدير شؤون الموظفين بمكتب وزارة التربية في مديريات الوادي صالح خباه: “أن مكتب التربية عمل على دمج المعلمين النازحين مع المعلمين المحليين وترتيبهم في المدارس القريبة من مناطق سكنهم حتى يسهل تنقله من وإلى المدرسة، كما أعطى المكتب التأكيدات للوزارة في محافظة عدن بمزاولتهم للعمل في قطاع التعليم حتى يضمن حصول النازحين على مستحقاتهم المالية بالتساوي مع المعلمين المستقرين”.

معاناة المعلمين في الأرياف

    عدد “علي بافرج” وهو معلم متعاقد (غير موظف) في مدرسة أساسية بالضليعة، أحد المديريات الريفية بمحافظة حضرموت الصعوبات والتحديات التي يمر بها المعلمون في المناطق الريفية خصوصا في الوقت الراهن، أبرزها بعد المسافة بين سكن المعلم والمدرسة، قائلا: إنني أقطع صباح كل يوم نحو ثلاثة كيلومترات من بيتي إلى المدرسة ومثلها عودة لعدم مقدرتي على توفير وقود لدراجتي النارية بسبب ضعف الراتب الشهري، وهو عبارة عن (55) ألف ريال يمني أي ما يعادل (50) دولارًا أمريكيًا، كما أن الكثير من المعلمين ترك مهنة التدريس واللجوء إلى الاغتراب حتى يعيش حياة كريمة.

    واستطرد في حديثه عن معاناتهم: “إن المعلم في الريف يحتاج إلى تدريب وتأهيل متواصل من قبل وزارة التربية حتى يستطيع مواكبة التعليم الحديث بعكس المدن والتي تبرز فيها البرامج التأهيلية للمعلمين سواء من قبل مكاتب التربية أو المنظمات الدولية أو الخاصة”. منوها أن بعض المعلمين في الأرياف غير قادر على صياغة الامتحانات وفقا للمعايير التربوية نتيجة ضعف التأهيل.

    يحيى عمر أستاذ مادة أحياء متعاقد في ثانوية بأرياف مديرية مدينة المكلا يتقاضى راتبًا زهيدًا، ويدفع نصفه على وقود “دراجته النارية” كمواصلات من وإلى الثانوية لعدم توفر مواصلات عامة تقل المعلمين للمدارس أو صرف حوافر بدل مواصلات، يسرد معاناته المتفاقمة وتراكم الديون عليه بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها وأغلبية أقرانه من المعلمين، قائلا: “بعد أربع سنوات من العمل كمدرس جبرت على ترك التعليم والسفر إلى السعودية للعمل كسائق “معدات ثقيلة” حتى أؤمن حياتي كوني مقبلًا على الزواج وعلي مساعدة أسرتي وكذا لتسديد الديون المتراكمة”.

    وأشار أن ظروف المعلم سواء في الريف أو المدينة لا تفرق كثيرا، فكلا الطرفين يعيشان حياة اقتصادية مأساوية بعد تدهور العملة المحلية وارتفاع أسعار السلعة، هناك فرق بسيط قد يلجأ الموظف في المدينة إلى عمل بعد فترة الدوام، بينما الموظف في الريف غالبا لا يجد أعمالًا إضافية، وإن وجدت فيها فهي نادرة وكذا بعد المدارس والاعتماد في الذهاب إليها بالمواصلات الخاصة والتي تعتبر مكلفة ماديا وليس في مقدور المعلم تحملها.

نسبة المعلمين العاملين خارج مناطقهم

    ذكر رئيس شعبة التعليم العام بمكتب وزارة التربية والتعليم بساحل حضرموت أنور عبد الدائم أن نسبة المعلمين الذين يعملون في مهنة التدريس من خارج حضرموت وانتقلوا للتدريس بمديرية مدينة المكلا في العام الدراسي المنصرم 2022 -2023م نحو (20) معلمًا فقط، وأكد أن المعلمين المنقولين من خارج المحافظة إلى مديريات الساحل ليسوا بالرقم الكبير خلال الأعوام الماضية.

المعلمون.. تعاقد بدل التوظيف

    أكد عبد الدائم أن معاناة المعلمين سواء في حضرموت وغيرها من محافظات البلاد تعد معاناة واحدة، أبرزها ضعف الرواتب وانقطاعها وقلة توفر البرامج التأهيلية التي تساعد المعلمين على مواكبة التعليم الحديث الذي يسهم في نقل قطاع التعليم وجودته، وأشار أن بعد انقطاع عملية التوظيف في اليمن منذ عام 2011م تكفلت السلطة المحلية في محافظة حضرموت على التعاقد من الخريجين لتغطية النقص في الكادر فقد بلغ عدد المتعاقدين في حضرموت أكثر من (18) ألف متعاقد ومع تزايد الأعداد عاما بعد آخر أصبحت السلطة غير قادرة على دفع مرتباتهم وتأخيرها بعض الأوقات بسبب ضعف إيرادات المحافظة ودخلها المادي نتيجة الصراع المسلح.

   أضحى المعلم في اليمن بين عمليات نزوح وانقطاع الرواتب التي أصبحت ضئيلة مع استمرار تدهور العملة المحلية جراء النزاع المسلح وسط غياب تام من الجهات المعنية بمعالجة أوضاعهم التي باتت غاية في الصعوبة والتعقيد.

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

98% يعتقدون أن الظروف السيئة التي يعيشها المعلمون الآن ستؤثر بشكل سلبي على السلوكيات العامة للمجتمع

صوت الأمل – يُمنى أحمد التعليم هو الطريق الأمثل لقيام مجتمع سوي يتمتع أفراده بالحرية والمس…