‫الرئيسية‬ الاقتصادية الحدادة مهنة متعبة يرافقها عوز الحاجة

الحدادة مهنة متعبة يرافقها عوز الحاجة

صوت الأمل – أفراح أحمد

على الرغم من تطور مفهوم “الحدادة” في معظم الدول المصنعة، ليشمل مجالات تصنيع وتشكيل الحديد في قوالب متعددة، وأغراض متباينة تصل إلى حد صناعة المعدات الثقيلة، فإنَّ بلادنا لم تخرج عن نطاقها التقليدي المتمثل في صناعة الأدوات المستخدمة في الأنشطة الزراعية وبعض الأنشطة الأخرى، كالمقابض وأعمدة الحفر والسكاكين والمناجل والمجارف والسلاسل وغيرها، وهذه مشكلةُ واحدةٍ من الصناعات الحرفية المنتشرة في مختلف مناطق الجمهورية اليمنية.

 قلة في الإنتاج وتراجع في الإقبال

في الآونة الأخيرة شهدت مهنة الحدادة تراجعًا كبيرًا مقارنة بوضعها في العقدين الماضيين، لا سيما مع المنافسة الغربية التي جعلتها حبيسة المعامل وورشات الحدادة.

 يقول عصام الصبري (أحد العاملين في مهنة الحدادة): “كنا، قبل حوالي 15 عاماً، نقوم بإنتاج كميات كبيرة من الأدوات في المحدادة (ورشة الحدادة)، لكن في الوقت الحالي قلَّ العمل والإنتاج وأصبح السوق خاملاً”. مضيفاً: “تراجعت أعمال البناء، واعتمد الكثيرون على مصنوعات الألومنيوم والخشب؛ جراء الظروف التي تعصف بالبلاد، وأرغمت الكثير من الناس على عدم شراء الأدوات الحديدية”.

من جانب آخر، أكد سمير الضامري (أحد المهتمين بمجالات الصناعات الحرفية) أنَّ خمول مهنة الحدادة في بلادنا يرجع إلى عدة عوامل، أهمها: تراجع الأنشطة الزراعية، والاعتماد على المنتجات الخارجية -خصوصاً في زراعة الحبوب- فضلاً عن تطور المعدات الزراعية الخارجية بدرجة كبيرة؛ الأمر الذي جعل المزارعين في المناطق الجبلية ومزارعي المدرجات الزراعية يستغنون عن الوسائل التقليدية في أنشطتهم المختلفة، ما عدا المناطق الريفية؛ فهم ما يزالون متمسكين  بمصنوعات الحدادة التقليدية، ولكن بمعدلات قليلة. موضحاً أنَّ المنتجات الحديدية الداخلة في الإنشاء والبناء تواجه مشكلة ارتفاع أسعار الحديد الخام؛ الأمر الذي تسبب في تقليص أعمال البناء لدى الطبقة الوسطى؛ نتيجة انقطاع مصدر دخلهم، أما بالنسبة لأصحاب الأموال فهم يلجؤون إلى المصنوعات الخشبية والألومنيوم بشكل كلي؛ مما أدى إلى تراجع مهنة الحدادة بشكل غير مسبوق. وأشار إلى أنَّ حرفة الحدادة لن تستعيد عافيتها إلا بتنمية وتطوير الاستهلاك لمنتجاتها من قبل المزارعين وغيرهم، وذلك بتبني استراتيجية جديدة لإعادة استقرار البلاد، وصرف المرتبات، ودعم الأنشطة الزراعية، وغيرها.

من جهته، أفاد أركان الحرازي أنَّ ارتفاع أسعار الحديد جعل الغالبية العظمى من الناس يلجؤون لشراء الأبواب والنوافذ الخشبية أو المصنوعة من الألومنيوم؛ لوجود فارق سعر بينهما، لكنه قليل، مقارنة بجودة الحديد وعمره الافتراضي.

سالم محسن، مارس مهنة الحدادة في عمر الثانية عشر، ورثها عن والده وأجداده؛ فقد تعلم أسرار المهنة من والده، فكان يصنع الأبواب الحديدية والسلالم وغيرها من المصنوعات، كرَّس وقته لصناعة الحديد وللدراسة الجامعية. يقول الحداد سالم محسن: “تعد مهنة الحدادة من المهن الحرفية التي يتوارثها الأبناء عن أجدادهم، وتعد صعبة ولا يتقنها إلا قلة من الناس يعملون بها في وسط حرارة عالية جداً؛ حتى يتمكنوا من صهر الحديد، ليسهُل عليهم تشكيله”. ويضيف: “على الرغم من صعوبة العمل في هذه المهنة، فإنَّ الظروف التي يمر بها الإنسان تجبره على التحمل والصبر”. 

صعوبات وعراقيل تهدد مهنة الحدادة

يرى قاسم محمد (عامل في مهنة الحدادة) أنَّ عدم توفر المواد الخام والآلات التي تسهل عملية التشكيل هي من أهم المشكلات والعوائق التي تواجه هذه المهنة،  بالإضافة إلى انقطاع الكهرباء، واللجوء إلى استخدام الكهرباء التجارية برسوم أعلى.

وفي سياق آخر، ذكر العامل قاسم أهم المشاكل التي يواجهها الحدادون أثناء العمل، قائلاً: “نتعرض لأشعة النار المرتفعة أثناء عملية الطرق والسحب؛ لتشكيل  الحديد”. وأكد أنَّ المستهلك اليوم يبحث وراء الصناعات الخارجية، ولا يلتفت للصناعات الداخلية، إلا قلة منهم.

حلول لتطوير الصناعات الحرفية (الحدادة)

أكد الخبير الاقتصادي ماجد الداعري أنَّ من أهم الحلول لتطوير الصناعات الحرفية في اليمن: اعتماد برنامج حكومي ممول من الدولة والمانحين؛ لتشجيع ودعم العاملين بهذه الحرفة (الحدادة)، وتشجيع اليد العاملة للاستمرار فيها؛ حتى لا تنقرض، بعدِّها مهن حرفية تراثية قديمة. مضيفاً: “على الرغم من أنَّ هذه المهن متعبة، ولم تعد مجدية مادياً للعاملين فيها، فإنَّها ما زالت مصدر الدخل الوحيد لبعض الأسر؛ لذلك وجب على المنظمات والجهات المختصة تسهيل وصول الخدمات إليهم، وتوفير أدوات عمل حديثة، وتجهيز أماكن خاصة للعمل؛ للتخفيف من أعباء العاملين”.

نسبة الاستهلاك

 أشار ماجد الصبري إلى زيادة نسبة استهلاك الحديد في اليمن، وقدَّرها بـ70%؛ كون الحديد عاملاً أساسياً في جميع الصناعات؛ لما يترتب عليه من المنافع.

ويرى أنَّ اليمن من أكثر الدول استخداماً للحديد، فهو يستخدم في تأمين الإنشاء المعماري، والمصانع، ويستخدم في بناء الأبراج العملاقة، وفي صناعة المعدات الثقيلة، لكن جميع هذه الصناعات تراجعت جراء استمرار الصراع في اليمن.

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

تنوع تراث الطهي.. عامل اقتصادي مهمّ وتراث حضاري ينبغي الحفاظ عليه

صوت الأمل – (حنان حسين – أحمد باجعيم)  يتميز التراث الحضاري العريق للمطبخ اليمن…