‫الرئيسية‬ الأعداد السابقة السياحة والمعالم الأثرية قُرى اليمن تزخر بشتى أنواع السياحة الريفية

قُرى اليمن تزخر بشتى أنواع السياحة الريفية

صوت الأمل – بلقيس مطهر العريفي

لا تقتصر كنوز اليمن السياحية على مدنها فقط؛ ففي أريافها كنوز لا حصر لها، إذ تعد منتزهاً طبيعياً متعدد الجمال وقليل التكلفة. فهي تمتلك مناظر خلابة، ومدرجات زراعية ساحرة، وسهولًا ووديانًا شديدة الخضرة، وقرى تجمع بين جمال الطبيعية وجمال العمران، لبعضها جبال وهضاب ذات قمم عالية، وأجواء مناخية نقية ومعتدلة طوال العام، وبها مناطق أثرية رائعة تشهد على مجد أجدادنا ومآثرهم العظيمة، وفيها أيضاً شلالات منهمرة وينابيع مياه علاجية. وإضافة إلى ذلك يسكن أرياف اليمن بشر يتمتعون بطيبة القلب وجميل الترحاب. لكن السياحة الريفية في اليمن تعاني من الإهمال وعدم الاكتراث بتطوير بنيتها التحتية، وعدم الوعي بأهميتها، وعائدها الاقتصادي على الريفيين، وعلى التنمية الريفية على حد سواء، كما هو موجود في الدول الغربية، وبعض الدول العربية كمصر والأردن.

نعني بالسياحة الريفية ذلك النشاط متعدد الأشكال، الذي يمارسه السائحون أو الزوار المحليون في المناطق الريفية، التي يغلب عليها الطابع الزراعي، والمناظر الطبيعية، والأماكن التراثية، حيث يستمتع السائح بالهواء النقي والمناظر الخضراء في السهول والوديان، وبتسلق الجبال والمدرجات الزراعية، وباصطياد الحيوانات البرية، والعيش وفق عادات الريفيين وتقاليدهم في الحياة، وهذا النوع يعود على الريفيين بمنافع اقتصادية تحسن من دخلهم، ويُنعش التنمية الريفية، والاقتصاد الريفي (اسبر، ميسا، 2014م)، بعيداً عن ضوضاء المدن، وإيقاعها الصاخب، يلجأ المواطنون إلى الأرياف للاستمتاع بالمناظر الطبيعة الخضراء، والحصول على الهواء النقي، بدلاً من هواء المدن الملوث، والتعرف على حياة الريفيين وطرق عيشهم.

 إن السياحة الريفية لا تنحصر فقط في الذهاب اليومي للمناطق الريفية، والعودة في نفس اليوم كما يحدث في اليمن، بل يقضي السائح رحلته في مزارع وقرى المناطق الريفية، يقيم في منازل ريفية قديمة، أو عشش أو أكواخ شعبية، أو بيوت أثرية، يعد طعامه في المطبخ الريفي بالطرق البدائية، ويقصد صباحاً مناطق صيد الحيوانات البرية، أو مزارع الريفيين؛ ليحصل على غذائه من خضروات وفواكه وحليب الأبقار والبيض البلدي، ويظل السائح مع عائلته وأطفاله لأيام، يستمتع بالمناظر الطبيعية، وعادات الريفيين وطرق معيشتهم.

السياحة الريفية أنواع: السياحة الزراعية، والسياحة الطبيعية، والسياحة المجتمعية، ونعني بالنوع الأول: تلك الخدمات التي يقدمها مالكي المزارع في الأرياف لاستقطاب السياح والزوار المحليين والأجانب، حيث يشاهد الزوار طرق تربية الحيوانات داخل المزارع، ويقيمون في الريف، حيث يقومون بمساعدة الريفيين على طهي بعض المأكولات الشعبية، وتناولها، ويشاركون في زراعة بعض المحاصيل الزراعية، وجني ثمارها، وكذا صناعة بعض الحرف اليدوية، وبيعها، أما السياحة المجتمعية، فنعني بها، العيش مع عائلة ريفية والتعرف على عاداتها وتقاليدها، حيث يقضي الزوار مع سكان الأرياف أياماً، تسمح لهم بالتعرف على طرق حياتهم، وثقافتهم، كون هذه الثقافة والعادات هي نتاج إبداع الشعوب وأساليب حياة الأجداد في أزمنة ماضية، كانوا فيها رواداً في بيئتهم، أما النوع الثالث فهي السياحة التي يقصد فيها السياح مناطق ريفية للاستمتاع بالمناظر الطبيعية، حيث يشاهدون الحيوانات البرية والطيور، ويتسلقون الجبال، والمدرجات، ويستمتعون بالشلالات والبرك والحصون، والمحميات الطبيعية، ويسيحون في الينابيع الحارة التي يرتادها السياح والزوار بغرض العلاج من بعض الأمراض كأمراض المفاصل، وبعض الأمراض الجلدية وتحسين الحالة المزاجية.

   وتعد الأرياف اليمنية زاخرة بأنواع السياحة الريفية سواء كانت سياحة زراعية، أو سياحة مجتمعية، أو سياحة طبيعية وبشكل يصعب حصرها في هذا المقال، لذا فإنَّنا سنركز فقط على المناطق الريفية القريبة من أمانة العاصمة، والتي تحيط بها من جميع الجهات، وما يؤهل هذا المناطق للسياحة الريفية أنَّها مناطق زراعية، حيث تعد الزراعة النشاط الرئيس للسكان، إذ يزرعون العديد من المحاصيل، أهمها البن بأنواعه، والفواكه والخضروات المختلفة، وتأتي محافظة صنعاء في مقدمة المحافظات اليمنية في إنتاج المحاصيل الزراعية، وما يؤهلها للسياحة الطبيعية أنَّها مناطق متنوعة التضاريس، فيها المرتفعات الجبلية، والسهول، والقيعان الزراعية الخصبة، وبها الكثير من المعالم السياحية الزراعية، والغابات، بالإضافة إلى المناطق والمعالم الأثرية العديدة، وبها عادات وتقاليد متنوعة، تبين تاريخ وأصالة تلك المناطق الريفية، الأمر الذي يؤهلها لاستقطاب السياحة المجتمعية الريفية(المركز الوطني للمعلومات، 2020م).

   وما يدفعنا للاهتمام بهذه المناطق الريفية بأمانة العاصمة هي طبيعة المشاكل والأزمات التي تمر بها اليمن منذ عام 2011م، حيث ازدادت حدة الصراع والمشاكل في البلاد، وانعكس ذلك على حياة سكان العاصمة صنعاء، الذين كانوا يقصدون محافظات أخرى أثناء العطل الصيفية، أو إجازتي عيد الفطر والأضحى المباركين، كمحافظة عدن والحديدة وحضرموت، ومحافظة إب، لكن عدم الاستقرار الذي يشهده اليمن منذ 2011م، وما يعانيه سكان أمانة العاصمة من صعوبة التنقل بين المحافظات، وارتفاع تكاليف السفر للمحافظات الأخرى؛ لقضاء إجازتهم الصيفية مع أهليهم وذويهم، ألجأ الغالبية العظمى من سكان العاصمة  لقضاء أيام عطلتهم في المناطق الريفية القريبة من العاصمة صنعاء، حيث يقصدون أماكن ريفية ذات معالم سياحية جميلة كمنطقة دار الحجر، ومدينة شبام كوكبان، وشلالات بني مطر، وقرية الهجرة/ حراز، ومنتجع وادي جارف، بالإضافة إلى شلالات الأهجر، وحمامات علي، وسد شاحط، وسد مختان، هذا ما أشار له الجعدبي، جميل(2020م)، وجميع هذه المناطق معالم سياحية، يقضي سكان العاصمة مع ذويهم فيها ساعات عامرة بالراحة النفسية، والاستمتاع بالمناظر الطبيعية الخلابة، من هواء نقي، ومناظر خضراء، ومناطق أثرية تحكي عظمة أجدادنا اليمنيين وقوة تراثنا الثقافي والحضاري.

وهناك العديد من المناطق الريفية القريبة من العاصمة صنعاء التي ينبغي الاهتمام بها وتأهيلها بوصفها واجهة للزوار والسياحة الداخلية، ومن هذه المناطق: قرية حيفتين وهي إحدى قرى عزلة ضلاع الأعلى بمديرية شبام كوكبان التابعة لمحافظة المحويت، والتي تبعد عن العاصمة صنعاء بحوالي 75 كيلو متر، وتقع  القرية في  منطقة أثرية وسياحية هامة، و فيها خمسة وديان كبيرة خصبة، ومشهورة بزراعة الحبوب، كما تحتوي على حصون قديمة لسكان يمنيين من الطائفة اليهودية، ما زالت قائمة حتى الآن رغم رحيلهم تقريباً عام 1950م إلى فلسطين، وهناك حي مشهور يسمي بحي الفتن، يقال بأنَّه اسم يعود لليهود، أو للدولة الحميرية التي قامت هناك، والمؤسف أنَّ منازل القرية لم يعد يسكنها أحد، وصارت مهجورة بعد مغادرة اليهود اليمن، وما تزال هناك نقوش ورموز وآبار أثرية حفرت وسط الصخور، والبعض منها ما يزال يستخدم حتى الآن، ورغم  قرب هذه القرية من العاصمة صنعاء، وما تتميز به من مباني أثرية، ومناظر طبيعية، إلا أنها تَّعاني من الإهمال، وعدم الاهتمام بها بوصفها واجهة للسياحة الداخلية الريفية، التي يمكن لها الإسهام بشكل كبير في تنمية ريف المنطقة. 

ومن المناطق الريفية القريبة من العاصمة صنعاء قرية خيران، وهي إحدى قرى مديرية سنحان وبني بهلول التابعة لمحافظة صنعاء، والتي تبعد حوالي 26 كيلو متر من العاصمة  صنعاء، حيث تحتوي القرية على غيول، وعيون ماء كثيرة، يزيد ينابيعها خلال موسم الأمطار، وفيها العديد من الآبار اليدوية ذات الماء العذب، وتشتهر القرية بزراعة أجود أنواع العنب، وفيها سد رائع على شكل بحيرة ذو منظر خلاب، وبجانبه عيون ماء عذبة،  ونظراً للتغيرات المناخية التي شهدتها اليمن مؤخراً، والتي أدت إلى زيادة سقوط الأمطار؛ ارتفع زوار هذه القرية خلال السنوات الأخيرة.

وإلى جانب قريتي حيفتين وخيران تأتي  قرية بيت رزيق كونها منطقة سياحية هامة، وتقع في مديرية بني حشيش التابعة لمحافظة صنعاء وتبعد عنها مسافة ساعة لمن يقصدها راكباً السيارة، ولعل أهم معالم القرية السياحية وجود بركة ماء كبيرة بين الصخور، وبجوار جبل، حيث يمارس الشباب رياضة القفز من فوق قمة الجبل إلى قاع البركة للسباحة، بأجواء تملؤها الإثارة، كما يوجد بالقرية حقول العنب ذات الأنواع المتعددة، والمحاصيل الأخرى من الفواكه والخضروات والبقوليات، حيث يمكن للزوار التعرف على أصناف العنب، والتجول دخل الحقول بحرية، وتناول عناقيد العنب وسط ترحيب من المزارعين، كما يمكنهم شراء منتجاتهم من فواكه وخضروات مباشرة من المزارع. وعلى قرب مسافة قصيرة من القرية توجد قرية بيت السيد المشهورة بصناعة الفخار المحلي، حيث يتم صناعة الأواني المنزلية  القديمة، وهناك يتعرف الزوار على هذه الحرفة اليدوية والتقليدية، ويمكنهم شراء الفخاريات بأسعار رخيصة، مقارنة بما هو عليه الحال في المدينة.

 ومن ضمن القرى السياحية المحيطة بالعاصمة صنعاء قرية المحجر، التي تقع بمديرية شبام كوكبان التابعة لمحافظة المحويت، وتبعد عن العاصمة صنعاء حولي 65 كيلو متر، وهي قرية عجيبة، تمتلك مجموعة من الكهوف المغمورة بالماء العذب، النابع من سطح الأرض، بالإضافة إلى حقول البن والمحاصيل الزراعية الأخرى.

أما أكثر القرى دهشة وإثارة للزوار، فهي قرية الحطيب الواقعة في أعلى سفوح جبال حراز بمحافظة صنعاء، فهذه القرية تقع فوق السحاب، ويعيش بها 400 إنسان، وتعد المنطقة الوحيدة في العالم التي لم تمطر عليها السماء منذ الأزل، لأنها معلقة فوق السحاب، ومن يشاهدها يعتقد أنَّها قرية من وحي الخيال، أو ضمن مشهد في فيلم من أفلام هوليود، وعلى الرغم من أنَّها تقع على ارتفاع يصل إلى 3200 متر فوق سطح الأرض، فإنها تتميز بجو دافئ وجميل للغاية، ففي الصباح الباكر في فصل الشتاء يكون الجو بارداً جداً، إلا أنه سرعان ما يصبح الجو فيها دافئاً وجميلاً وممتعاً بعد شروق الشمس.

وإلى جانب القرى السياحية التي تم ذكرها هناك قرية وادي سهام، وهي عبارة عن قرية تقع على ضفتي وادي سهام الشهير في الخيمة الخارجية، والتي تبعد عن العاصمة صنعاء حوالي ثلاث ساعات لممن يقصدها بالسيارة، وتشتهر القرية بجريان مياه الوادي طوال العام، ويزيد منسوب مياه الوادي خلال موسم الأمطار في فصل الصيف، وتزرع فيها أنواع الحبوب والبقوليات وبعض الفواكه والخضروات، وما يميز هذه القرية وجود حمامات على الطبيعية تجعلها من ضمن المناطق العلاجية أيضاً.

ولأنَّ مشاكل السياحة الريفية في اليمن تكمن في عدم وجود وعي كافٍ بأهميتها، وغياب البنية التحتية التي ينبغي توفرها للسياحة الريفية، بالإضافة إلى عدم وجود دعم للمزارعين والريفيين لإقامة مشاريع سياحية تستقطب الزوار، وعدم وجود دليل كامل بالمناطق الريفية السياحية في اليمن، فإنه لا بد من عمل إعلان للقرية الريفية مبيناً فيه مميزاتها من الموروث الثقافي والزراعي، وتسويقها في مختلف وسائل الإعلام والاتصال، وتشييد البنية التحتية اللازمة لإقامة هذا النوع من السياحة، واستقطاب الزوار، وتقديم القروض للريفيين والمزارعين؛ لتشجيعهم على إقامة بعض الأنشطة السياحية التي تجذب الزوار، وتشجعهم على الإقامة لأيام في الأرياف؛ لأن ذلك سينعكس إيجاباً على دخل الريفيين، وتنمية المناطق الريفية ذات المعالم السياحية.          

المراجع

الجعدبي، جميل (2020): خمس أهم وجهات سياحية لشباب صنعاء

https://manasati30.com/culture/12536ا 4-أغسطس -2020م

https://yemen-nic.info/tourism_site/  المركز الوطني للمعلومات – السياحة في اليمن -15-10-2020م

https://yemen-nic.info/gover/sanaa/brife/ المركز الوطني للمعلومات – 22-10-2020م – نبذة تعريفية عن محافظة صنعاء

اسبر، ميسا، ( 2014م) . تفعيل دور السياحة في التنمية الريفية: دراسة حالة في المنطقة الساحلية السورية، رسالة دكتواره، جامعة تشرين، قسم الاقتصاد والتخطيط، اللاذقية، سوريا

دريد، منيرة؛ وحروش، سلمى (2017م): أهمية ترقية السياحة الريفية في تخطيط التنمية الريفية في الجزائر، مجلة أبحاث ودراسات التنمية، العدد السادس، الجزائر

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

استطلاع لـ YIC: 75  % من الآثار اليمنية لا تتمتع بالحماية الكافية

صوت الأمل كشفت نتائج استطلاع إلكتروني أجراه يمن انفورميشن سنتر بداية شهر مايو 2022م حول (ا…