‫الرئيسية‬ الأعداد السابقة التسول في اليمن التسوّل يُعرض الأطفال والنساء للانحراف والإجرام

التسوّل يُعرض الأطفال والنساء للانحراف والإجرام

صوت الأمل – رجاء مكرد

سارة ابنة التاسعة من العمر، تقفُ كل يوم تحت أشعة الشمس الحارقة بجولة القادسية (تقاطع شارع الرباط بالدائري) في صنعاء، تتنقل وسط ازدحام السيارات من نافذة إلى أخرى، قائلة: “أعطني حق العشاء”.

لدى سارة محمد أربعة إخوة أصغر منها سنًا، والدتها مريضة في المنزل وأبوها لديه كسر في رجله -حسب قولها- لا يمكنها العودة إلى البيت إلا وقد جمعت على الأقل 400) ريال يمني)، وفي حال لم توفرها يُباشر والدها بضربها.

مقارنة بالأرقام

سارة ليست الوحيدة، في آخر الإحصائيات العلمية الصادرة عن أكاديميين بجامعة صنعاء في 21 مارس 2014م، التي قدرت عدد المتسولين بنحو 30 ألف طفل وطفلة دون سن الـ18، ولا يشمل هذا العدد كبار السن من الذكور والإناث الذين خرجوا للتسوّل تحت وطأة الظروف المعيشية الصعبة والفقر المدقع.

هذه التوقعات تمثل ثلاثة أضعاف حاليًا إذ تشير تقديرات المجلس الأعلى للأمومة والطفولة إلى أنَّ هناك عشرة آلاف طفل وطفلة يمارسون التسول في أمانة العاصمة، إلى جانب آلاف النسوة؛ إذ تزايدت أعدادهم بصورة جلية في الآونة الأخيرة، ويتوقع أكاديميون ارتفاع أعداد المتسولين في اليمن إلى أكثر من 90 ألف شخص؛ بسبب النزوح، وتفشي البطالة، وانقطاع مصادر الدخل لأغلب الأسر، وانقطاع المرتبات عن موظفي الدولة.

دراسة توضّح أنَّ هناك نوعين من الدوافع التي تقف وراء اتساع نطاق التسول؛ الأول الإكراه الأسري أو العمل لحساب جهة منظمة مقابل مبالغ محددة، إلى جانب الظروف المعيشية الصعبة وانتشار الفقر والبطالة وارتفاع الأسعار، وغلاء المعيشة، الثاني يكمن في الحاجة بسبب الفقر الدائم، وعدم القدرة على العمل وغياب مصادر الدخل الكافية.

وتبعًا للدراسة التي أجراها (مركز الدراسات الاجتماعية وبحوث العمل في صنعاء قبل بضعة أشهر) وصلت أعداد المتسولين في اليمن، إلى مليون ونصف المليون، وأغلبهم من النساء والأطفال، لكنَّ باحثين اجتماعيين يشكّكون في هذا الرقم، ويؤكدون أنَّ العدد يفوق ما توصلت إليه الدراسة بكثير.

 ومع ذلك تظل الأرقام والإحصاءات عن أعداد المتسولين تقريبية غير معبّرة عن الحجم المتعاظم للظاهرة.

التحرش ومُعاناة المتسولات

بعد عدة تحركات في صنعاء لمكافحة التسول، بعض المتسوّلين أبدوا استياءهم وخوفهم من التعرّض لملاحقات، مؤكدين “أنَّها أضفت همًا إلى همهم في توفير مصادر الدخل مع تداعيات الصراع الذي أبرزها الغلاء وارتفاع أسعار أبسط المواد الغذائية”.

لدى الأرملة (أمل حسن) سبعة أطفال، أكبرهم بعمر العشر سنوات، لا يوجد لديها أي مصدر دخل تعول به أسرتها إلا باب الله (التسول)، تخرج في أيام رمضان من بعد الظهيرة إلى المغرب، تأخذ معها كل أطفالها لأجل التسول.

تعلل أمل أنَّها تعيش وأطفالها في منزلٍ إيجاراً، وأنَّها تتسول؛ لدفع الإيجار البالغ 30 ألف ريال يمني شهريًا، وتغطية مصاريف المعيشة اليومية، موضحة خوفها من باص مكافحة التسول، الذي كادت أخيرًا أن تتعرض لحادثة جراء هروبها منه.

تحمُّل المسؤولية –خاصة- بعد وفاة عائل الأسرة هو أحد أسباب خروج النساء والأطفال للتسول، لكن هذا يظل مُضرًا وخطرًا يداهم النساء والأطفال ومستقبل البلد بشكلٍ عام، وتشتكي الكثير من المتسولات من تعرضهن للتحرش الجنسي.

 (وائل مبارك) نازح من الحديدة -أنهكته الظروف المعيشية- يعمل (عامل نظافة) براتب 30 ألف ريال يمني يعدها قيمة (دبة) زيت، فعدد أفراد أسرته 15 فردًا، الأب والأم مريضان، وباقي أفراد الأسرة بنات وكلهن على (باب الله) يتسولن.

يقول وائل إنَّ هُناك تحرشاً ومضايقات للبنات، لكنهن لا يستطعن عمل شيء حيال ذلك، وأنَّهن يضطررن للسكوت أمام أي تحرش، وأنَّ الأطفال أيضًا يخرجوا للتسول، ليحصلوا في اليوم الواحد على 500-1000 ريال أو أقل يوميًا.

التسول يؤثر نفسيًا على الطفل

التسول يختلف عن النظرة العامة له حيث يركز اهتمامه العملي على شخصية المتسول، ومراحل تطور هذه الشخصية، حيث يؤدي إلى انحرافات نفسية حادة تقود إليها ممارسة التسول، ظاهرة التسول من الظواهر التي تنشأ نتيجة عدم توافق ممارسها أو سـوء تكيفـه مـع المجتمع الذي ينشأ فيه وهذا يعود إلى اضطرابات في شخصيته بوجه عام، وفقًا لـ أ.د. حسين سليمان في دراسته (السلوك الإنساني والبيئة الاجتماعية بين النظرية والتطبيق-2005م).

(سلوى محمد- ماجستير علم نفس) تقول: “إنَّ ظاهرة التسول تسبب الكثير من المشاكل النفسية للأطفال، إذ أنَّهم يتعرضون في الشوارع للإهانة، التي تجعلهم يفقدون كرامتهم مع مرور الوقت، الأمر الذي يجعل الأطفال غير قادرين على بناء شخصياتهم المستقلة أو بناء مهاراتهم”.

مضيفة “ناهيك عن الإساءات التي يتعرض لها الأطفال بشتى أنواعها كالاعتداء الجسدي أو الجنسي، أو الإساءة اللفظية، أيضًا النظرة المجتمعية لهم نتيجة تدني مستوى دخلهم المعيشي، واستياء الظروف الاقتصادية”.

التسول يعرض الأطفال للانحراف

في دراسة صادرة أخيرًا عن جامعة صنعاء – كلية الآداب (مشكلة التسول في المجتمع اليمني والمتغيرات المرتبطة بها- دراسة في محيط الخدمة الاجتماعية) ورد تعريف أطفال الشوارع والمشردين  بأنَّهم: “أطفال إما متشردون تشردًا جزئيًا حيث ضعفت علاقتهم بأسرهم وغابـت الرعايـة والمـسؤولية وأصبحوا يقضون نهارهم في الشارع، أو متشردون تشردًا كليًا انقطعت علاقتهم بأسرهم وأصبح الشارع سكنًا لهـم  يقضون فيه ليلهم ونهارهم يطلقون على أنفسهم مصطلح ” أطفال الكراتين”.

وتوضح الدراسة، ارتباط مفهوم أطفال الشوارع ارتباطاً قوياً بموضوع التسول؛ إذ أنَّ هذه الفئة تعد مـن أكثـر الفئـات انخراطًا في طابور المتسولين، وتهتم معظم تعريفات طفل الشارع بوضع حدود للظاهرة من خلال وصف أو تصنيف أو تحديد فئات الأطفال التي يشملها المصطلح والشائع منها.

كما يشير (المدرب محمد العرافي- خبير عدالة الأطفال ومدير دار الأحداث) أثناء حديثه لـ”صوت الأمل” إلى أنَّ دخول الكثير من الأطفال دار الأحداث؛ جراء انحرافهم بسبب أطفال الشوارع، الذين في العادة يسلكون سلوكًا خاطئًا من سرقة، لواط، قتل، ممارسة غير أخلاقية من شروع في قتل وغيرها.

وتُشير إحصائية -حصلت عليها “صوت الأمل”- صادرة عن مكتب الشؤون الاجتماعية والعمل، دار التوجيه الاجتماعي، بنين للعام 2017م- توضح حركة إيداع الأطفال الأحداث بحسب نوع (السلوك الخاطئ) البالغ عددها 222 قضية.

وتُشير الإحصائية إلى تنوع القضية (السلوك الخاطئ) للطفل بين (قتل، إيذاء عمدي، سرقة، شروع في سرقة، إحراق طفل، لواط، فعل فاضح، نصب واحتيال، شروع في القتل، اغتصاب، تعرض للانحراف، إيذاء خطأ، دخول الأمن القومي، خيانة أمانة، تهديد بالسلاح).

جهود لمكافحة التسول

يُجمع الاختصاصيونوالدراسات في اليمن، على أنَّ حل ظاهرة التسول يكون بالقيام بعدد من الإجراءات الفاعلة لمعالجة التسول، منها إعادة تفعيل العمل بقانوني الجرائم والعقوبات، اتخاذ الإجراءات الحازمة والرادعة بحق أنظمة عصابات التسول ومن ثبتت متاجرتهم بأولادهم وذويهم، ومكافحة المتاجرة بالبشر.


كما تشمل التوصيات إلى ضرورة النظر في الأوضاع المعيشية الصعبة التي يُعانيها المتسولون من الأطفال والنساء، وتمكينهم اقتصاديًا ومهنيًا، وتوسيع دائرة المستفيدين من الضمان الاجتماعي عبر صندوق الرعاية الاجتماعية، أيضاً التعاون بين الشؤون الاجتماعية والعمل والهيئة العامة للزكاة؛ لمساعدة المحتاجين.

ركزت الجهات الحكومية أخيرًا على تسليط الضوء على مكافحة التسول، من خلال عمل حملات توعوية في المساجد والمدارس ووسائل الإعلام؛ لخلق ثقافة مجتمعية تناهض سلوك التسول.

 بدورها أعدت أمانة العاصمة مصفوفة؛ لمكافحة الظاهرة ولتكن –أي المصفوفة- أنموذج تجربة سيتم تعميمها على كل المحافظات اليمنية.

وكانت الخطوة الأولى في مسار المكافحة قيام (البرنامج الوطني لمعالجة ظاهرة التسوُّل) بأنشطة وبرامج تؤهل الأطفال المتسولين في مختلف الجوانب، فقد تم إعادة تأهيل 85 طفلًا موزعين على دفعتين، في إطار الخطة التنفيذية للبرنامج، كما أنَّ هناك أنشطة أخرى كتوفير مراكز الإيواء للمتسولين، وجهوداً أخرى للأجهزة الأمنية بالضبط والتحري على العصابات المنظمة للتسول.

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

استطلاع..  %44الأطفال أكثر الفئات تسولاً في اليمن

صوت الأمل – رجاء مكرد كشفت نتائج استطلاع إلكتروني أجراه يمن انفورميشن سنتر، بداية شهر أبري…