‫الرئيسية‬ الأعداد السابقة عمالة الأطفال في اليمن العمل بسن مبكر.. طفولة مسلوبة وحاضر شاق يعيشه الأطفال في اليمن

العمل بسن مبكر.. طفولة مسلوبة وحاضر شاق يعيشه الأطفال في اليمن

صوت الأمل – أفراح أحمد

فترة هي الأسوأ في تاريخ اليمن، تحولت فيها الطفولة إلى سلعة يتم استغلالها بطرق ووسائل شتى، فجحيم الصراع، جعل بعض الأطفال مجبورين على القيام بأعمال فوق طاقتهم البدنية؛ ليحصلوا منها على مردود يسد رمق جوعهم ويواري عوز أسرهم وحاجتهم في بيئة تضيق بالطفولة يومًا بعد يوم.

سبعة أعوام من الصراع، وانقطاع الرواتب، وتدني الوضع الاقتصادي الذي أفقد الكثير من الأسر مصدر دخلها؛ مما وضع الكثير من الأطفال موضع المسؤولية، في البحث عن عمل؛ لكفاية أسرتهم، فأصبحت ظاهرة «عمالة الأطفال» جزءًا لا يتجزأ من حياة اليمنيين، وأصبحت شوارع وأزقة وأحياء المدن لا تخلوا من تلك المعاناة التي يعدُّ الأطفال عنوانًا لها .

همومًا أكبر من حجمهم

مراد أحمد  _12 ربيعاً_ أحد هؤلاء الأطفال الذين يعملون في شوارع مدينة الحديدة وحدائقها العامة، ومناطق تجمعات الناس، فظروفه المعيشية جعلته يخوض تجربة العمل في بيع المناديل الورقية (الفاين)، منذ الصباح الباكر وحتى حلول المساء.

أوضاع مراد  المعيشية الصعبة أجبرته على ترك دراسته منذ أن كان في الصف الثالث؛ بحثًا عن مصدر رزق له ولأسرته، فوالده كان يعمل بالأجر اليومي لدى إحدى الشركات الغذائية في الحديدة، ولكن منذ دخول مدينتهم في خط الصراع أصبح عاطلًا عن العمل، ولم يجد فرصة عمل أخرى يكتسب منها ما يغطي احتياجات أسرته من المأكل والمشرب والمسكن.

يضطر مراد للاستيقاظ باكرًا من أجل اللّحاق بمحطات انطلاق الركاب من وإلى الحديدة (الفرزة) ليبيع ما يستطيع بيعه من مناديل، ثم يتجه في المساء للبيع في المناطق العامة على الساحل أو في حديقة الشعب؛  لكي يحصل على ما يكفي لسد جوعه وجوع أسرته التي يعولها.

والد مراد هو الآخر اضطر للخروج إلى شوارع الحديدة لبيع علب المياه المعدنية، ولكن -حسب قول مراد- فإنَّ ما يحصلان عليه هو ووالده نهاية اليوم لا يكفي لسد كل تكاليف المعيشة لهما ولعائلتهما.

معاناة جعلت الأطفال يتجرعون همومًا أكبر من أعمارهم، يقضون أيامًا شاقة ومضنية، بحثًا عن لقمة العيش، عن طريق التجول في الشوارع وافتراش الأرصفة، أو بالأعمال الشاقة التي يواجهون معها حرارة الشمس وقساوة صيف الحديدة.

يرى الدكتور محمد الطويل (باحث أكاديمي يهتم بقضايا عمالة الأطفال) أنَّ هذه الظاهرة من المشكلات المزمنة في اليمن، والتي لم تستطع الحكومات المتعاقبة منذ تسعينيات القرن العشرين وإلى الآن أن تجد لها حلولًا ناجحة .

وذكر الطويل أنَّ هناك أسباباً كثيرة تقف في طريق الحل، أهمها عدم الاستقرار السياسي داخل البلاد، فهي لا تنتهي من الصراعات الأهلية حتى تدخل في نزاعات أخرى، وبالتالي تنعكس ويلات هذه الصراعات على  الظروف الحياتية والمعيشية للمواطنين البسطاء، الذين يضطرون بدورهم إلى دفع أطفالهم إلى الشوارع والأسواق بحثًا عن أعمال، حتى ولو كانت شاقة؛ لتقيهم الجوع والتشرد.

ويوضح الطويل أنَّ النزاعات الأخيرة زادت الوضع سوءًا، وذلك بتوقف صرف مرتبات الموظفين، وهو شيء لم يحدث من قبل، وكذلك ارتفاع أسعار المواد الغذائية بشكل جنوني؛ مما أثقل كاهل الأسر ودفعها إلى البحث عن سبل تمكنها من العيش الضروري، ومنها  تحميل الأطفال مسؤولية الإعالة المبكرة -حد قوله- .

أما عن آثار وتداعيات الصراع، يوضح الدكتور محمد الطويل أنَّ قضية النزوح الداخلي أبرزُ هذه التداعيات، وهي التي ساهمت بشكل كبير في اتساع رقعة عمالة الأطفال في اليمن قائلًا: “فمعظم الأسر في مناطق الصراع تركت كل ممتلاكاتها في مناطقها الأصلية، واتجهت إلى مناطقها الجديدة معتمدة على أطفالها في توفير احتياجاتها الأساسية من طعام وشراب وإيجار سكن” .

وإلى جانب الصراع الدائم في اليمن، يرى الدكتور الطويل أنَّ الفقر أيضاً يعدُّ سبباً رئيساً آخر لعمالة الأطفال، -خاصة- وأنَّ معظم الأسر اليمنية تعيش تحت خط الفقر؛ لذا يجد الأطفال أنفسهم مجبرين على العمل وترك التعليم من أجل المساعدة في تأمين أبسط متطلبات الحياة لأسرهم .

من فئة مهمشة

يروي نادر حسن أبكر قصة معاناته وهو طفل _ذو الـ 14 عاماً_، ومن فئة «المهمشين” والذي يعمل يوميًا على غسل السيارات والدراجات في أسواق الحديدة من أجل قوت يومه وأسرته بعد وفاة والده .

توفي والد نادر خلال سنوات الصراع، مخلفاً أربعة أطفال وأمهم، ليُصبح نادرٌ المسؤولَ عن شؤونهم وتوفير قوتهم اليومي.

يذكر نادر أنَّه يواجه أبشع المعاملات والشتائم والاستغلال المادي من بعض أصحاب السيارات التي يقوم بغسلها وتنظيفها، غير أنَّ حاجته للعمل تجبره على الصبر والكد؛ من أجل أن يعود نهاية يومه وفي يديه ما يشبع جوع أمه وإخوته الأربعة.

موضحًا في حديثه أنَّه بحث بكل الطرق والوسائل عن فرصة عمل تكفيه تعب هذه المهنة، إلا أنَّه لم يجد أدنى فرصة للعمل، مبررًا ذلك بقوله: «لم يسلم من النزاع الأشخاص ذوي الدخل المتوسط، فما بالك بطبقة المهمشين الذين يعانون من التمييز العنصري».

نتائج كارثية

 دراسات أجراها باحثون ومختصون تشير إلى العديد من الأضرار التي خلفتها عمالة الأطفال منها: الأضرار الجسدية الناتجة عن الأعمال الخطيرة والشاقة التي لا تناسب سن الطفل، بالإضافة للأضرار النفسية التي سيعاني منها الأطفال نتيجة الاستغلال والجهد والإرهاق في العمل.

ويأتي الحرمان من التعليم، والاستغلال الجنسي من أبرز أضرار عمالة الأطفال، فهناك العديد من الأطفال الذين تم استغلالهم من قبل المؤسسات أو الأفراد، مستغلين خجل الأطفال من الإبلاغ عنهم وجهلهم بما يحدث، وخوف الطفل من خسارة العمل الذي لن يستطع تأمين لقمة العيش إلا من خلاله -حسب ما أوضحت الدراسات-.

ومن النتائج الكارثية والخطيرة لعمالة الأطفال زواج القاصرات، حيث يتم استغلال حاجة الآباء للدخل الإضافي بعقد صفقات تتضمن الزواج من القاصرات مقابل مبلغ معين من المال.

وتُخلِّف هذه الظاهرة ما يسمى بأطفال الشوارع (عصابات الأطفال) حيث يتم استغلالهم جسدياً ونفسياً من قبل جماعات إجرامية؛ بهدف القيام بعمليات السرقة والنشل، مستغلين حاجة الأطفال للمال وجهل الأهل بما يحدث؛ مما يجعلهم معرضين للخطر الجسدي والنفسي الكبير، وفي أسوأ الحالات إلى الموت.

ظاهرة سلبية

يرى مهيب العواضي(المختص الاجتماعي) أنَّ عمالة الأطفال تُعدَّ من أكثر الظواهر السلبية المنتشرة في اليمن، إذ أنَّ تأثيرها لا ينعكس على الطفل بمفرده، بل يؤثر سلبًا على المجتمع بأسره .

ويؤكد العواضي أنَّ إقحام الأطفال في العمل بسن مبكر، يجعلهم عرضة للمخاطر ويكسبهم سلوكيات غير أخلاقية، فضلًا عن تأثيرها على نموهم الجسدي وتطورهم المعرفي والعلمي، مؤكداً أنَّ ذلك سيؤثر على مستقبل الجيل القادم إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه الآن.

ويفسر العواضي ذلك، بقوله: «إنَّنا إذا ما افترضنا أنَّ ما نسبته 30% من أطفالنا يعملون في سن مبكر، فإنَّ هؤلاء الأطفال سيكبرون ويتزوجون وينجبون أطفالًا، ومع قلة الوعي لديهم فإنَّهم سوف يُقحمون أطفالهم في العمل، بالإضافة إلى تصرفاتهم الوحشية واللاأخلاقية التي قد تنعكس على الأبناء؛ مما يهدد ببناء جيل جديد مشلول كليًا ومنسلخ عن الوعي والقيم والمعارف والعلوم».

بذرة تستحق التنشئة 

من جهته يقول نائل عطية(الناشط الحقوقي): “إنَّ مستقبل أطفال اليمن مرهون بيد السياسيين والمنظمات الدولية ذات الصلة بهذه الفئة، لأنَّهم المسؤولون عن مستقبل الأطفال وتعليمهم واستقطابهم للدراسة، وتوفير سبل العيش الكريم لهم ولأسرهم».

مشيرًا إلى  أنَّ الأوضاع التي يعيشها أطفال اليمن يجب أن يكون لها محاور رئيسة وحلول ضمن المشاورات السياسية الدولية حول الصراع في اليمن، كون هذه الفئة هي المستقبل الحقيقي لليمن، وإقحامهم فيما يسلب منهم طفولتهم لا يبشر بمستقبل واعد وحياة مشرقة لليمنيين بأكملهم، فهؤلاء هم البذرة التي سترفع من شأن هذه البلاد».

توصيات

تبين دراسات ميدانية أُجريت داخل اليمن أنَّ أكثر الفئات العمرية عرضة للعمل هم الأطفال الذين تنحصر أعمارهم ما بين 12 – 14 سنة؛ لذا يجب الاهتمام بالأطفال الأكبر سنًا، وربط التعليم بالواقع من خلال إكساب الأطفال بعض المهارات التي تُفيدهم في حياتهم المستقبلية.

وتنصح الدراسة التي أجرتها منى علي منصور أحمد(باحثة أكاديمية) ضمن رسالتها للماجستير في كلية الآداب بجامعة عدن، بضرورة إدخال نصوص جديدة على قانون التعليم الأساسي يقتضي أن تكون هناك مكافأة مالية لكل سنة دراسية يكملها الطفل، ابتداء من الصف الثالث الابتدائي إلى الصف التاسع الأساسي وتتضاعف المكافأة لمن أكملوا الصف التاسع الأساسي .

وفي توصياتها تحدثت عن ضرورة متابعة الأطفال المتسربين من التعليم وإعادتهم إلى صفوف الدراسة، مع أهمية مراقبة الأطفال المهاجرين من الريف إلى المدينة، و-خاصة- الأطفال الذين يهاجرون بمفردهم أو مع شخص غريب عنهم، وفتح ملف لكل طفل من هؤلاء الأطفال تمهيدًا لإعادتهم إلى أسرهم .

وتشير التوصيات إلى أهمية     إدخال نصوص جديدة على قانون الرعاية الاجتماعية يقتضي أن تكون مشاريع الأسرة خالية من إعمال الأطفال، بحيث تُحرم الأسر من استلام المساعدة المالية إذا تبين أنَّها تستفيد من تشغيل أطفالها.

وتنصح الدراسة بوجوب العمل على دمج برامج عمالة الأطفال في الخطة الوطنية للتنمية وكذلك في الاستراتيجية الوطنية للتخفيف من حدة الفقر.

فهل يا تُرى سيجد صوت الطفولة في اليمن ضميرًا حيًا ينتشله مما هو فيه؟! أم سيظل ضحية الوأد المقنَّع بغلاف العمل والتسول والتشرد في أرصفة الشوارع وأزقتها؟!

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

29% يرون أن الحل لظاهرة عمالة الأطفال هي فرض عقوبات على أهاليهم ومستأجريهم للعمل

صوت الأمل – يُمنى أحمد أجرت صحيفة “صوت الأمل”، في النصف الأول من شهر أغسطس للع…