‫الرئيسية‬ الأعداد السابقة النوع الاجتماعي في اليمن الميراث حق مشروع لا تستطيع المرأة أخذه

الميراث حق مشروع لا تستطيع المرأة أخذه

صوت الأمل – فاطمة رشاد

“أريد حقي”، لم تكن زهرة تدرك مدى تلك العبارة التي قالتها أمام أخويها اللذين سيطرا على كل ما تركة والدهم من ميراث لكي يستفردا به وتصبح أختهما زهرة حبيسة الممنوع لما تطالب به.

ليست زهرة هي وحدها من كانت ضحية كل هذا العنف وتعرضت لسلب حقها من تركة والدها، بل إن هناك من يظلم ويسلب دون مراعاة لأخلاق أو تعاليم دين أو ضمير، فما قام به الأخ (أ. ر) يجعل أخواته يقفن بذهول، حيث تروي هذه الواقعة إحدى زميلاتها العاملات في أحد مولات محافظة عدن عندما قالت: “كانت تجمعنا مع ذلك الشخص علاقة قوية، كان يمثل الرجل القوي الذي تستند عليه أي امرأة، لكني تفاجأت أنا وأختي  عندما طلب منا الذهاب معه للمثول أمام القاضي وتمثيل دور الأختين ونقول أمام القاضي أننا تنازلنا عن جميع حقوقنا وميراثينا لأخينا. لم أستطع التحمل وقلت له: لماذا تفعل هذا؟! ليجيبني أنه من المستحيل أن يأخذ مال أبيه أزواج أختيّ. وبعد مناقشة معه اكتشفت أن في عاداتهم وتقاليدهم يتم إقصاء المرأة من ميراثها والمبرر ألا يذهب المال لغير الإخوة”.

أن تطالبين بحقك هو الجرم الذي لم تكن تدركه الأخت (س. ص) التي حرمها أخوها من ميراثها، الذي يدعي عدم أحقيتها لمال والدها ووالدتها ليصل به الأمر أنه يستغل سلطة مكانته الاجتماعية ليساند الظلم.

 تقول (س. ص): “لم أكن أعرف أنني سأكون واحدة من الضحايا الذين يحرمون من ميراثهم؛ فعندما تطلقت وعدت إلى بيت أهلي لكي أعيش مع بناتي الصغار وجدت أخي يطلب مني الخروج من البيت رغم أحقيتي في ميراث أبي وأمي. لكن جشعه جعله يستحوذ على كل الأملاك ويطالبني بترك المنزل الذي أخذت منه غرفة عتيقة جعلت منها مطبخًا وحمامًا وسكنًا. ومع هذا، دائماً ما يطالبني بالخروج منها، وأنني لا أملك أي أحقية في المنزل. ولم أسلم من الشتم والسب والقذف، ودائما ما يطالبني بالتنازل عن ورثي له”.

يمنع الخوف أم أحمد من مطالبة إخوتها بميراثها، تقول: “خوفي من أن يتعدى عليا إخوتي وزوجة أبي التي تتعامل بالسحر؛ لأنها هددتني أني إذا أتيت لأطالب بورثي فسأجد ما لا أتوقعه، فبقيت بعيدة رغم حاجتي إلى حقي في مال أبي”.

ما حكم حرمان المرأة من الميراث في الشرع الإسلامي؟

ضمن الإسلام للمرأة حقها في الميراث وحرم أكله بالباطل، والعادات والتقاليد الفاسدة هي التي رسخت لمفهوم حرمان المرأة من الميراث، أما القرآن فقد حدد للمرأة ميراثها وحقوقها.

وسَبَقَ الإسلامُ الشرائعَ والقوانين الوضعية إلى إنصاف المرأة، وكفالة حقوقها، وحقَّق لها ذلك من خلال الآتي:

أولًا: أبطل الإسلام جميع المُمارسات الظالمة ضد المرأة لا سيما فيما يخصّ الميراث.

ثانيًا: جعل الإسلام للمرأة ولايةً على المال، وذمةً مالية مستقلة.

ثالثًا: أقرَّ الإسلام للمرأة حقَّ مُباشرة العقود بنفسها كعقود البيع والشراء والرَّهْن والشَّرِكة.

رابعًا: جعل الإسلام للمرأة نصيبًا في تركة المُتوفَّى.

حقوق الإنسان قبل كل شيء

الحقوقية والمحامية هبة عيدروس كان لها وجهة نظر حول حرمان المرأة من ميراثها حيث قالت: “بصفتي قانونية ومدافعة عن حقوق الإنسان أقول إن الله سبحانه وتعالى قد سن لنا شريعة واجبة في القرآن وفي سنة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، ومن يعترض عليها فقد اعترض على شرع الله وسنة رسوله. وميراث المرأة ثابت بالكتاب والسنة وبالقانون المستمد منهما أيضاً؛ لذلك يقع على الدولة عبء محو هذه الثقافة من خلال النص في التشريع الجنائي على تجريم حرمان أي وارث شرعي من ميراثه بما فيها المرأة، وتحديد عقوبة سالبة للحرية وغرامة مالية على أن تشدد العقوبة في حالة حرمان امرأة ما من ميراثها الشرعي.  

 وتضيف عيدروس: “هناك بعض الأسر في عدد من المحافظات والمناطق، كصنعاء والمحويت وذمار ولحج ويافع والضالع وحجة وصعدة، تبالغ في حرمان المرأة من ميراثها. وإن لجأت بعض النساء إلى القضاء فلا يستطعن الحصول على ميراثهن ويتعرضن لقطع العلاقة الأسرية مما يجعلها تقع تحت ضغط نفسي كبير نتيجة المشاكل الناتجة عن مطالبتهن بميراثهن. ويمتنع آخرون عن إعطاء النساء ميراثهن بحجة أنهن يحصلن على امتيازات، نفقات وطلبات، لا سيما إذا كانت متزوجة. وهناك من يعطيهن ميراثهن نقدا بعد مطالبات وإصرار؛ فهن لا يحصلن عليه إذا كان أرضا أو عقارا في حال كان الميراث عينيًا، وينشأ الخلاف الأسري خاصة إذا كان بقية الوريثة ليس لديهم قدرة على شراء نصيب المرأة؛ لأن الأرض والعقار إذا قُسِّم يفقد من قيمتهم الاقتصادية أو المالية كما يعتقدون”.

وطالبت عيدروس منظمات المجتمع المدني المهتمة بقضايا الجندر أن تعمل على  نشر ثقافة حقوق الإنسان والوعي بوجوب حصول المرأة على نصيبها الشرعي والقانوني في الميراث، وتقديم المساعدة القانونية للنساء من قبل المؤسسات العاملة كاتحاد نساء اليمن في عموم المحافظات أو عبر منظمات تتعاون مع مكاتب محاماة تقدم العون القانوني لبعض فئات المجتمع كالنساء والأطفال في حالة لجوء النساء غير القادرات على تعيين محام للترافع والدفاع عن حقوقهن، وأن تعمل اللجنة الوطنية للمرأة على وضع رؤية واستراتيجية تتضمن القضاء على هذه الظاهرة أو التقاليد المخالفة للشرع والقانون التي تحرم النساء من حقوقهن بالإضافة إلى تقديم مشروع تعديل للقانون الجنائي يتضمن ما ذكرته سابقا.

حلول مقترحة

الناشطة الحقوقية والإعلامية عُلا باوزير تقول: “كانت وما زالت الكثير من النساء حول العالم، وفي اليمن على وجه التحديد، يعانين من حرمانهن من حقهن في الميراث؛ فتجد الكثير من الإخوة الذكور يحرمون أخواتهم من الحصول على حقهن ونصيبهن في إرث والدهم أو والدتهم. ولا فرق هنا بين فتاة أو متزوجة، وذلك بحجة أن المرأة لا تعرف كيف تتصرف بالمال بالشكل الصحيح، أو أن زوجها سيستولي على مالها، وهذا ظلم كبير للمرأة من الناحية المادية ومن ناحية اتهامها بالقصور في إدارة شؤونها المالية وأنها دائماً بحاجة إلى الوصاية عليها وعلى حقوقها. وإذ تنتشر هذه الظاهرة في القرى وفي المناطق التي ينتشر فيها الجهل بشكل أكبر، فإن هناك انتشارًا لهذه الظاهرة حتى في المدن ولدى الفئات المتوسطة التعليم.

وأشارت عُلا إلى أن هذه الظاهرة قديمة ومتجذرة في كثير من القبائل العربية وهي تحرم المرأة من حقها في الميراث ومن إدارتها لشؤونها المالية.

وعن الحلول المقترحة تقول باوزير: يجب أن تقوم كل شرائح المجتمع بالتوعية بضرورة القضاء على كل أشكال الظلم الواقع على المرأة ورفع وعي المرأة بنفسها وبحقوقها على أساس ذلك هو الحل الرئيس للقضاء على هذه العادات والتقاليد الجائرة، كذلك وضع القوانين التي تحمي وتحافظ على حقوق المرأة من أي تعدٍ يمكن أن تتعرض له.

الإعلامي علاء الأغبري يرى أن السبب الذي يقف خلف منع بعض العائلات التي قد تسكن ضمن القبيلة أو الحضر أو الريف -دون تمييز- يعود إلى الرغبة الكبيرة لديهم في حماية الملكية الزراعية ضمن العائلة الواحدة؛ ففي اعتقادهم أن توريث الأنثى سيذهب بممتلكات العائلة إلى عائلة أخرى، وهو ما سيؤدي إلى تفتيت تلك الممتلكات وتفتيت الحيازات، وهذا بطبيعة الحال فكر غير صحيح ومبني على الجهل والخوف من المستقبل.

وأكد الأغبري على دور أهل العلم والثقافة -سواء من رجال الدين أو نشطاء المجتمع المدني- بالتوعية وأن كلاً من الدين والتشريعات يجب أن تعطي الأنثى أو المرأة حقها دون ظلم وإجحاف.

وأضاف قائلا: “إذا ما بحثنا عن السند فيما أوردناه أعلاه من ثقافتنا وتراثنا وأعرافنا، فلعل قصة سبأ وأروى الصليحية تثبتان كيف أن المرأة تولت أرفع المناصب السيادية التي كانت المنافع المادية ضمنها أيضاً. وأما عن السند الديني؛ فالدين الإسلامي قد أعطى المرأة حقوقها”.

ماذا يقول القضاء؟

تقول القاضية إيمان شائف عن حرمان المرأة من ميراثها: “الميراث يعد بداية حياة جديدة وسنة من سنن الحياة، وقد كفل الدستور والشريعة الإسلامية والقانون حصول المرأة على حقها، لكن للأسف هناك بعض المعاملات تحرم المرأة من حقها في الميراث وهي عادات سيئة اكتسبها المجتمع مع أنها كانت عادات في الجاهلية تلك التي تحرم الميراث على المرأة وعندما جاء الإسلام كرم المرأة في حصولها على حقها “.

وواصلت القاضية إيمان حديثها قائلة: “انتشرت هذه العادة في حرمان المرأة من الميراث في بعض المناطق الريفية في اليمن، وهناك من تتنازل عن ميراثها بسبب الضغط الذي يُمارس عليها، أو ربما تتنازل هي بنفسها عن حقها دون الإدراك أن هذا حقها ولا يجب التفريط فيه، لكن لجهلها –لا سيما المرأة غير متعلمة- فإنها تقع ضحية لتسلط الذكور في هذه المسألة”.

وتؤكد إيمان أنه لا يوجد أي نص تشريعي ينتقص من حق المرأة، وأن الشريعة الإسلامية جاءت بالقوانين المنظمة للحقوق لكيلا تظلم المرأة. ويعد الميراث حماية للمرأة، خاصة النساء اللائي ليس لديهن دخل ولا معيل.

وأوضحت القاضية إيمان أن من أسباب خوف المرأة من المطالبة بحقها خاصة في المناطق الريفية مفهوم العيب الاجتماعي الذي يجعل المرأة تقف عاجزة عن المطالبة بحقها؛ بل إن هناك من يقول عيب على المرأة أن تطالب بحقها ودخولها إلى المحاكم لأخذ ميراثها، فهذا بالنسبة لبعض الأسر عيب بحق الذكور الذين هم يمارسون الظلم على النساء، ومن ثم يفرض مفهوم العيب على من تبحث عن حقها.

واستعرضت القاضية صورًا من أشكال حرمان المرأة من ميراثها قائلة: “هناك كثير من أشكال الحرمان، أولها: يتم أخذ إقرار من المرأة بكامل قواها العقلية أنها تتنازل عن حقها في الميراث مقابل أن تُعطى مبلغًا بسيطًا، لكن تحت ضغط الأسرة والخوف من العار أو العيب الاجتماعي. وثانيها: من خلال تقسيم كثير من المورثين لمالهم في حياتهم؛ فيعطى للنساء قليل من المال ويعطى الأولاد نصيب أكبر أثناء القسمة مما يحرم المرأة من حصولها على حصتها بالعدل، لكنها تكون حصة غير عادلة وفيها نوع من الظلم. وثالثها: عندما يضع الأب عقد شراء وبيع لأولاده الذكور أو نقل الملكية لهم ويحرم البنات من الميراث عبر هذه الطريقة؛ فتكون عملية البيع صحيحة في حياة الأب، لكنها طريقة تحرم النساء من حقهن؛ وهذا يعد مخالفًا للشريعة أما قانونيًا فصحيح؛ لأنه بيع وشراء. ورابعها: عن طريق التوكيل أو الوكالة؛ فهناك نساء يوكِّلن إخوتهن أو أحد الذكور من أقربائهن فيتصرفون بالميراث والقسمة كيفما شاءوا؛ فيتصرف الوكلاء بطرق غير شرعية بهذه الوكالة، ويستحوذون على الميراث. وتعد هذه الطريقة أهم الصور والأشكال التي يتم فيها حرمان المرأة من حقها في الميراث”.

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

استطلاع: العنف القائم على النوع الاجتماعي في اليمن موجه نحو المرأة بنسبة %69.9

صوت الأمل – رجاء مكرد أوضحت نتائج استطلاع إلكتروني أجراه يمن انفورميشن سنتر، بداية شهر ينا…