أثر الصراع على الأطفال.. أمراض نفسية وجسدية مزمنة
صوت الأمل – أفراح بورجي
ترك الصراع في اليمن حالة من القلق الذي أودى بكثير من شرائح المجتمع إلى المصحات النفسية. ولا شك في أن الصراعات تترك آثارًا كبيرةً ومدمرةً، خاصة عندما يتعلق الأمر بالأطفال؛ فهم أكثر الفئات عرضة للأضرار والآثار النفسية والاجتماعية؛ لذلك فإن ذلك يشكل تحديًّا كبيرًا للأسرة والمجتمع في الحفاظ على سلامتهم.
يعاني الأطفال المعرضون للصراعات من آثار نفسية حادة ومدمرة، مثل الفزع والرعب والقلق والاكتئاب، وهي تؤثر على تحصيلهم العلمي والاجتماعي، وعلى السلوكيات الاجتماعية والبدنية، وقد يعانون من صعوبات في التعلم والتركيز والانتباه بمجرد انتهاء الصراع، ويمكن لهذه الآثار أن تتسبب لدى الأطفال بعدم القدرة على الحياة الطبيعية والتكيف مع المجتمع.
وكذلك يعاني الأطفال المتضررون من الصراعات من الأثر الاجتماعي السلبي؛ إذ يتعرضون للانعزال وفقدان الثقة بالآخرين، ويمكن أن يؤدي هذا الأثر إلى مشاكل في العلاقات الاجتماعية مستقبلًا، وعدم القدرة على بناء علاقات صحية مع الآخرين.
تقول المعالجة النفسية رقية المظفري: “تأثرت صحة الأطفال النفسية بشكل كبير جراء الصراع؛ فقد أدى ذلك إلى دخولهم في اضطرابات عُصابية، مثل القلق والاكتئاب واضطرابات الهلع وكرب ما بعد الصدمة، مما أثّر على ثقتهم بأنفسهم وثقتهم بالأشخاص المحيطين بهم. بالإضافة إلى ذلك، تأثر هؤلاء الأطفال بتأثيرات غير مباشرة، مثل البطالة، وارتبطت بشكل وثيق بعمالة الأطفال وقيامهم بأعمال شاقة. يمكننا أن نذكر مثالًا على ذلك الأطفال الذين يعملون في حمل الأسمنت؛ إذ تعدُّ هذه الوظيفة عبئًا ثقيلًا جدًا على الصعيد النفسي بالنسبة لهم”.
وتحذر المظفري من أثر الصراع على الأطفال، وتؤكد أنه يمكن أن يؤثر عليهم بشكل كبير من الناحية النفسية أو من خلال تداعيات أخرى كالبطالة وعمالة الأطفال. مشددةً على ضرورة التصدي لظاهرة عمالة الأطفال التي تؤثر فيما بعد على صحتهم البدنية والنفسية.
وتضيف أنه في أيام الصراع كان من الواضح أن الأطفال يعيشون حالة من الهلع والاضطراب النفسي، وترى أن هذا يتفاوت لدى الكبار حسب الوعي الذي يتمتعون به بناءً على واقعهم المعاش، بينما الأطفال ليسوا على دراية بما يحدث، ولا يمكن شرح الوضع لهم بأي طريقة مبسطة. وبالتالي، يكون الأطفال أكثر عرضة للإصابة بالأمراض النفسية.
وفي سياق الموضوع تقول المظفري إن هناك لغة تقدم للأطفال أثناء تعرضهم للخوف والاضطراب النفسي، تساعدهم على الهدوء بشكل مؤقت فقط، ولا تعد حلاً نهائيًا؛ وبالتالي يكون الدعم النفسي صعبًا للغاية، ولا يمكن -بأي مبرر أو بأي طريقة- أن نقول للطفل “لا تخف”. ويعد الخوف من الأمراض النفسية، وقد يسبب قلقًا واكتئابًا واضطرابات ما بعد الصدمة واضطرابات النوم لدى الأطفال المتعرضين له. وتؤكد المظفري أن هذه التأثيرات ملحوظة في الأطفال المحيطين بنا.
وتقدم المظفري مثالًا على ذلك أنها تعرفت شخصيًا على طفل أصيب بصدمة قلق وخوف في بداية الحرب، وخلال تطور الصراع لتسع سنوات، أصبح هذا الطفل مراهقًا وتعرض لحالة انفصام.
العنف المجتمعي على الأطفال خلال فترة النزاع
تقول الأخصائية الاجتماعية أفنان محمد: “تعد أوقات النزاع التي يتعرض لها الأشخاص، وخاصة الأطفال، خطرة وعصيبة؛ إذ يصبح العنف الجسدي والنفسي والجنسي والاستغلال ومسألة استهداف الأطفال أمورًا شائعة في العديد من البلدان المتأثرة بالنزاعات، ويتعرض الأطفال فيها لمخاطر الحياة اليومية والارتباك النفسي والعاطفي، مما يؤثر على تطورهم الجسدي والعقلي”.
تضيف أفنان: “العنف المجتمعي على الأطفال تصرف يقوم به أفراد المجتمع، بما في ذلك الأقران والجيران والأقارب والمعلمين والقادة الدينيين، ويهدف إلى إيذائهم بطرق مختلفة. ويمكن أن يكون العنف المجتمعي ممارسةً عن طريق الضرب أو السحل أو التنمر أو الإهانة أو إجبار الأطفال على أعمال خطيرة أو على الانخراط في القتال”.
وتؤكد: “تؤثر النزاعات المسلحة بشكل كبير على حياة الأطفال وتعرضهم لمختلف أشكال العنف المجتمعي، ويواجهون في مناطق النزاعات تهديدات مستمرة بشكل يفوق قدراتهم العاطفية والعقلية، ويمرون بتجارب عنيفة ومؤلمة تؤثر على نموهم الشخصي وقدراتهم العصبية والتفكيرية”.
وأردفت: “إن العنف المجتمعي على الأطفال يعرضهم للعديد من المشاكل الجسدية، كالجروح والكدمات والكسور بسبب الضرب والسحل، وقد يعانون من مشاكل في الجهاز الهضمي، والتبول اللاإرادي واضطراب النوم بسبب التوتر والرعب الذي يعيشونه. بالإضافة إلى ذلك، قد يعاني الأطفال من آثار نفسية واجتماعية، كالصدمات والاضطرابات النفسية المتعددة، مثل القلق والاكتئاب وارتفاع معدلات نوبات الهلع والتفكير في الانتحار”.
وتكمل أفنان قائلة: “تتضمن التداعيات القوية للعنف المجتمعي على الأطفال فقدان التعلُّم وعدم القدرة على التطور بشكل صحيح؛ فيعانون من ضعف القراءة والكتابة والحساب وتأخر التنمية اللغوية والتعليمية. علاوة على ذلك، يصعب على الأطفال التكيف مع المجتمع ويعانون من صعوبة التواصل مع الآخرين وبناء علاقات اجتماعية مستقرة”.
ومن التوصيات الضرورية التي صرحت بها الأخصائية أفنان تقول: “من أجل حماية الأطفال من العنف المجتمعي خلال النزاع، يجب على المجتمع الدولي توفير الحماية والدعم اللازمين لهم. وينبغي على الحكومات والمنظمات غير الحكومية والأفراد المعنيين التعاون لضمان حقوق الأطفال وسلامتهم، ويجب توفير الرعاية النفسية والاجتماعية للأطفال المتضررين وتقديم الدعم التعليمي لهم من أجل إعادة بناء حياة طبيعية لهم ومساعدتهم على التعافي من تجاربهم الصعبة. وباختصار، يعد العنف المجتمعي على الأطفال خلال النزاع أمرًا شديد التأثير على حياتهم، ويتطلب إعطاءه الأهمية اللازمة، ويجب على جميع الأطراف المعنية التعاون معًا من أجل حماية حقوق الأطفال وضمان سلامتهم ورفاهيتهم العامة”.
الصراع وتأثيره على صحة الأطفال الجسدية
يؤثر الصراع على صحة الأطفال جسديًا، فتصيبهم أمراض مزمنة، وتشوهات خلقية، وقد يتأثر الجسم بالشظايا والألغام. تقول إحدى الطبيبات العاملات في مستشفى الثورة العام في الحديدة (فضلت عدم ذكر اسمها) إن هناك آثارًا جانبية خطيرة للصراع على صحة الأطفال الجسدية؛ إذ يعاني بعض الأطفال من أمراض مزمنة ناتجة عن مستويات القلق والخوف العالية، مثل أمراض السكر والكبد، وفي حالات أخرى يمكن أن تكون هذه المشكلات صحية مؤقتة. بالإضافة إلى ذلك يمكن أن يعاني الأطفال المصابون من الآثار الجانبية للصراع من (مرض الهيباتيتس(A الذي يُعرف في العامية بـ(الصُّفَار أو اليرقان). وإذا تم اكتشاف المرض في وقت مبكر، يمكن للطفل التعافي منه، ولكن في حال عدم اكتشافه في الوقت المناسب، ستستمر المشكلة وتتفاقم كلما تقدم الطفل في العمر.
تكمل الطبيبة: “تشير الدراسات أيضًا إلى أن هناك حالات كثيرة من الأطفال الذين يعانون من تشوهات خلقية مرتبطة بالصراعات؛ إذ يمكن أن تتأثر صحة الجنين بسبب الضغوط والخوف اللذين تتعرض لهما الأم الحامل، مما يؤدي إلى تشوهات خلقية. ووفقًا لاستطلاع أجرته هيئة مستشفى الثورة العام في الحديدة، تشير النتائج إلى أن حوالي 25٪ من النساء الحوامل يعانون من تشوهات في الأجنة، إما عقلية أو جسدية، بسبب التعرض للمواد الضارة التي يتنفسنها”.
بالإضافة إلى ذلك، يعاني الأطفال الذين يتعرضون للصراعات من جروح وشظايا تؤثر على أجسادهم وصحتهم الجسدية بشكل كبير؛ فانفجار الألغام الأرضية، على سبيل المثال، يجعل الأطفال أكثر عرضة للأضرار؛ إذ لا يدركون مكان الخطر ويذهبون إلى اللعب في المناطق المحظورة.
من هنا، ينبغي على المجتمع الدولي أن يولي اهتمامًا خاصًا بتلك الظروف المدمرة التي يعيشها الأطفال في مناطق الصراع، وأن يتخذ خطوات عاجلة لضمان حمايتهم وتوفير الرعاية الصحية اللازمة لهم. إن الدور المشترك للحكومات والمنظمات غير الحكومية والمجتمع الدولي سيكون حاسمًا في مساعدة الأطفال المتضررين ومنحهم فرصة للنمو والتطور بطريقة صحية وكريمة.
يقول الطبيب محمد كمراني: “هناك أربعة أوبئة نشأت بسبب الصراع وانتشرت بشدة، هي: Cholera – Diphtheria – Measles – Polio، وهذا يعود إلى انهيار النظام الصحي والبيئي مثل تلوث مياه الشرب ونقص التغطية التحصينية لأطفالنا”
أطفالٌ في مهب الأوجاع
فقد الأطفال أحلامهم وأجسادهم بسبب الصراعات؛ ففي الحديدة تعرض الطفل ريان محمد قاسم، البالغ من العمر 11 عامًا، لحادث أليم عندما كان يلعب مع مجموعة من الأطفال في منطقة مليئة بالألغام. كانوا يمرحون ولا يعلمون ما سيحصل لهم، وفجأة انفجر لغم أدى إلى إصابة العديد منهم، بما في ذلك ريان الذي تضررت قدماه بشدة.
بعد سماع صوت الانفجار، تدفق الأهالي إلى المكان وتم نقل الأطفال المصابين إلى المستشفى. أصيب الطفل ريان بحالة نفسية صعبة بسبب فقدانه لقدميه وخسارة حلمه في أن يصبح لاعب كرة قدم، وهو حاليًا ينتظر دعم ومساعدة إحدى المنظمات لزراعة أطراف صناعية لقدميه حتى يتمكن من استعادة حياته من جديد.
أضحى ريان غير قادر على الانتظام في المدرسة بسبب عدم قدرته على الذهاب، وبسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمر بها عائلته. ويعبر ريان عن حزنه الشديد وبكائه عن حقيقة أنه لا يمكنه العيش كأي طفل آخر في عمره.
إن هذا الحادث هو مثال واحد عن مدى الصعوبات التي يواجهها الأطفال خلال الصراع، فلا يمكن لأي طفل أن يعيش دون أمان وحرية، والأطفال يستحقون استكمال تعليمهم وتحقيق أحلامهم في المستقبل؛ لذلك من المهم جدًا دعم المنظمات والأفراد في جميع أنحاء العالم لمساعدتهم على تحقيق حلمهم بحياة أفضل وأكثر أمانًا.
96.2% من المشاركين في الاستطلاع يعتقدون أن الصراع تسبب في حرمان أطفال اليمن من حقوقهم الأساسية
صوت الأمل – يُمنى أحمد خلق الصراع المستمر في اليمن أزمة إنسانية كبرى قد تعد واحدة من أسوأ …