المعلمون.. طاقات تسعى لصناعة أجيال رغم المعاناة
صوت الأمل – حنين الوحش
لا شك أن وضع البلاد إجمالا، وما مرت به من أزمات اقتصادية وسياسية واجتماعية أثرت كثيرًا على نوعية وكفاِءة العملية التعليمية في جميع محافظات الجمهورية، وبرزت للمعلم تحديات كبيرة استطاع البعض منهم التعايش معها للنهوض بالتعليم وعدم إسقاط الهوية التعليمية التربوية.
مشاكل اقتصادية
تتحدث التربوية أحلام سعيد حول أبرز وأهم التحديات التي تعاني منها المعلمات بشكل عام، تقول: “انقطاع الراتب في بعض المحافظات وشحتها في البعض الآخر بما لا يتناسب مع الوضع المعيشي الاقتصادي المتهاوي، لذا فالعمل في مجال التعليم أصبح صعبًا جدًا، فأغلبية المعلمين اتجهوا إلى الأعمال الأخرى الأكثر إدرارًا للمال أو التي تستطيع الوصول به وبأسرته إلى حياة كريمة، والبعض استمر بإخلاص وتفاني ورسم صورة رائعة للمعلم”.
ومن جانبها ترى كاتبة مرشد (معلمة) أن من أبرز التحديات والمشاكل التي يعاني منها المعلم في الجانب الاقتصادي ارتفاع مستوى المعيشة من مأكل ومشرب ومسكن، ما يقابله راتب لا يفي حتى بربع احتياجاته، إضافة أنه غير قابل للزيادة فيظل المعلم مهمومًا يبحث عن لقمة العيش.
مؤكدة أن ذلك يؤثر على مستوى الأداء الوظيفي، فهو يرى أن ما يتقاضاه من راتب لا يسد رمقه، وهذا ينعكس سلبا على مستواه الاجتماعي والتربوي فينعكس على الطالب وعلى المستوى التعليمي وعلى المخرجات التعليمية كذلك.
وفي نفس السياق تقول المعلمة عايدة الحروي: “أن التحديات الاقتصادية كثيرة، وأهمها غلاء المعيشة، وتحطم بعض بيوت المعلمين مما أدى الى الاستئجار، كذلك ارتفاع الإيجارات و عدم تقبل الوضع عند البعض، وسوء الوضع الاقتصادي مما أثر عليهم بكل جوانب الحياة”.
وتضيف: ” رواتب المعلمين لا تكفي حتى للأكل والشرب وتوفير سبل العيش الضرورية، وارتفاع قيمة المواصلات أثر على المعلمين والمعلمات والطلبة بشكل عام، مما يؤدي إلى تغيب المعلمين أحيانا لعدم حصولهم على قيمة مواصلات، ومن تبعات المشاكل الاقتصادية أيضا ارتفاع ديون المعلمين والمعلمات التي تجعلهم يعيشون دوما بحالة غير مستقرة.
مشاكل تربوية واجتماعية
حول المشاكل التربوية تعتبر أحلام أن من ضمن التحديات أيضا أنه أصبح من الصعب السيطرة على طلاب وطالبات يمسكون بأجهزتهم الذكية طوال اليوم، ويشاهدون محتويات غير هادفة ومزعزعة للقيم ومضيعة للوقت، وهذا قد يؤثر فيهم ويؤدي إلى عدم احترام المعلم وتجاهل قيمته كمربي أجيال والاستهانة بدوره ومكانته الاجتماعية.
ومن ناحية أخرى، ظهرت ظاهرة وجود كوادر لا تمتلك الكفاءة في التوظيف، فلم يعد هناك مصداقية في اختيار المعلم المناسب أو الأكثر كفاءة، بل أصبح المعلم الأقل أجرا هو المطلوب ميدانيًا، وإن وجدت كفاءات في المعلمين لا توجد كفاءات في الإدارة والإشراف مما يؤدي إلى تصادمات بين المعلم والكادر الإداري وفرض آراء معينة وأسلوب منهجي معين لا يتفق مع النظام التعليمي عامة ولا أخلاقيات التربية والتعليم.
وتدعمها بالرأي عايدة الحروي حيث ترى أن نزوح معلمي ومعلمات المدارس جعل من المعلم المتواجد في المدارس يتحمل عبئا فوق طاقته، وهذا يؤثر على صحته واستقراره المعنوي والعلمي، وقلة اهتمام الطلبة بالتعليم واعتمادهم على الغش يتعب المعلم ويقلل من تقديره، إضافة إلى اللجوء للإنترنت والتعليم منه يجعل من المعلم شخصية مهملة ويولد عدم مبالاة بما يشرحه.
مؤكدة أن عدم توفر الكتاب المدرسي يؤثر على المعلم ويأخذ منه جهده وصحته؛ لأنه يضطر للكتابة والتلخيص لكل درس، وإهمال أولياء الأمور لأولادهم وبناتهم يؤثر ذلك على المعلم ويجعله يقوم بدور المعلم والأسرة بنفس الوقت.
ومشددة بالقول إن التشرد الذي وجد حاليا من آثار الصراع والحصار أثر على عائلات المعلمين، حيث صار المعلم يعيش في المدينة وأهله خارج المدينة، إما هم نازحون أو هو نازح، مما أثر على الاستقرار الاجتماعي عنده وأسرته وأقاربه وعملية النزوح أوجدت بيئة غير البيئة المألوفة وغير المستقرة، وهذا ما أتعب المعلم وأثر على أدائه.
وترى كوثر محمد (مفتشة مالية وإدارية) أن النزوح وتشرد معظم المعلمين داخل وخارج اليمن الذين فقدوا مساكنهم، وتحول المدارس الحكومية إلى ثكنات عسكرية وملاجئ للنازحين أدت إلى ترك العديد من المعلمين لمهنتهم والقيام بأعمال أخرى كالعمل في المطاعم والمتاجر وأعمال أخرى غيرها مدرة للدخل.
وفي نفس الإطار، المعلمة أمة السلام المليكي تقول: “تدني تطوير مهارات المعلم وعدم وجود تخطيط حقيقي لإنقاذ العملية التعليمية وعدم وجود طرق حديثة ليحقق المعلم العملية التعليمية تجعل التعليم عقيمًا، إضافة إلى أن المدرسين في الصفوف الأولية ليس لديهم الخبرة الكافية، ولا يوجد تطوير للمناهج التعليم.
مضيفة أن معظم المنظومة التربوية تعاني من عدم امتلاكها للسكن، وهذا يؤثر على نفسية المعلم الذي سيضطر لممارسة مهنة أخرى، والبعض قد يفقد هيبته عند الطالب، كذلك يؤدي الإرهاق الجسدي والنفسي بالمعلم أن يصبح مهملا.
تحديات داخلية
في إطار التحديات الداخلية التي يواجهها المعلم داخل إطار المدرسة، تقول موجهة الأنشطة وداد سعيد: “إن المشاكل كثيرة ومتباينة، وأهمها نقص الكتب المدرسية ونقص المعلمين بسبب النزوح واضطرار المعلم الواحد إلى بذل طاقات إضافية ليقوم بالتغطية، وكذلك نقص الوسائل التعليمية، وتسرب الطلاب من فصول التعليم بسبب الوضع الاقتصادي وظروف الصراع والبحث عن لقمة العيش بسبب وفاة أو إعاقة العائل للأسرة وعدوانية بعض الأطفال بسبب الوضع الذي عاصروه.
وتضيف الحروي أن من أهم التحديات التي تراها هي ازدحام الفصول الدراسية، إذ قد يصل عدد الطلاب في الفصل الواحد (الشعبة) إلى 80 طالبًا أو 100 طالب، وكبر المبنى المدرسي وكثرة طوابقه يؤثر صحيا على المعلم وتنقلاته بين الفصول، وتعرض المبنى المدرسي للقذائف يؤثر نفسيا وصحيا على كل معلم يعمل فيه، مما يجعله في حالة عدم استقرار في العمل الوظيفي، ويتردد في الذهاب كل يوم إلى عمله، وقرب المدرسة من أماكن الصراع المستمر يجعل المعلم دومًا في حالة اضطراب وخوف مما يؤثر كليًا عليه.
وجهة نظر ومعالجات
في إطار المعالجات تقول أحلام: “إن الحفاظ على ثبات المعلم اليمني في هذه الظروف يعتبر تحديًا كبيرًا والاهتمام بالمادة التعليمية الهادفة التي ترقى بالأجيال القادمة إلى الأفضل، وتعليمهم المبادئ الأساسية التي تجعل منهم أعضاء وأفردا فعالين في مجتمعهم بعيدين عن تهاويات المجتمع والأفكار الدخيلة والسلوكيات والأخلاقيات السيئة التي فرضها الوضع الاجتماعي الصعب.
مضيفة أن هناك ضرورة لتوحيد وتطوير المناهج الدراسية لتكون مواكبة للعالم، كذلك رفع استحقاقات المعلم ووضع حد أقصى وأدنى للحصص الأسبوعية.
فيما تقول الحروي، لن تتوفر الحلول إلا بعودة الحياة كما كانت عليه أفضل، وعودة الأمان والسلام للمعلمين وللجميع كي تستقر الأوضاع عند الكل إضافة إلى استقرار الوضع الاقتصادي واتخاذه طريق الرخص وتوفير متطلبات المعلم الأساسية من مأكل ومشرب ومأوى، وانتهاء الصراعات حتى يعود الجميع إلى منازلهم سواء أكان معلمًا أو نازحًا أو طالبًا أو طالبة أو ولي أمر، وتوفير الكتاب المدرسي، وتأمين وضع المعلم صحيا، والقيام بدورات توعوية للمعلمين والمعلمات والإدارة
ومن جانب آخر، ترى كاتبة أن من أهم المعالجات هي غرس الوعي، وتنمية قدرات الطلاب ومحاولة توفير بيئة لاحتضانهم، كذلك محاولة فهم الطلاب وسماع مشاكلهم ومحاولة حل مشاكلهم.
أما المعلمة ميسون العبسي، ترى المعالجات والحلول صعبة في ظل صراع الصراع، فالمعلم حسب قولها مهمش طالما لا توجد دولة، فكيف ستوضع حلول وتتحقق؟ فالمشكلة هي غلاء معيشة وراتب ضئيل وهذا من اختصاص الدولة فقط.
تلخص آراء المعلمين في اليمن حول المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والتربوية ومشاكل عديدة تسببت في تبعات نفسية وجسدية، قدم البعض لها حلولًا وعجز البعض عن مسايرة الوضع ومعالجته.
98% يعتقدون أن الظروف السيئة التي يعيشها المعلمون الآن ستؤثر بشكل سلبي على السلوكيات العامة للمجتمع
صوت الأمل – يُمنى أحمد التعليم هو الطريق الأمثل لقيام مجتمع سوي يتمتع أفراده بالحرية والمس…