متطلبات تحسين الخدمة الكهربائية في اليمن
صوت الأمل – ياسمين عبد الحفيظ
في العام 2018م، غادرت أم وهيب (66عامًا) مدينة الحديدة إلى منزلها في أحد أرياف محافظة تعز، بعدما بدأت صحتها تسوء؛ بسبب ارتفاع درجة الحرارة التي انعكست على شكل تقيحات في جسدها، خاصة مع وزنها الزائد وتفاقم معاناتها من بعض الأمراض المزمنة؛ والسبب في ذلك يعود إلى توقف بعض الأجهزة الكهربائية، منها مكيفات الهواء؛ بسبب استمرار انقطاع التيار الكهربائي عن المدينة التي تصل درجة حرارتها إلى40 درجة مئوية -حسب السكان-.
تقول أم وهيب “كنت أعيش مع أولادي وزوجي في منزل بمدينة الحديدة، ولم أفكر يومًا في السفر أو العيش بعيدًا عنهم مهما كانت الظروف، لم أكن أعلم أنَّ انقطاع الكهرباء عن المدينة؛ سيجبرني على تركهم والعيش بعيدًا، إذ نصحني الأطباء بضرورة العيش في مكان بارد، فتوجهت إلى منزلي في مديرية الصلو محافظة تعز”.
وتزيد أنَّ وجود الكهرباء في الحديدة واستمرارها كانت نعمة قبل أن يغادرها التيار بسعر سبعة ريالات للكيلو، كانت مكيفات الهواء تعمل بشكل متواصل، خاصة أنَّ الكهرباء لا تنقطع سوى لساعات قليلة، ويمر فصل الصيف دون أي معاناة، لم تكن معانات تلك الفترة بحجم معاناة اليوم، التي تختصرها التقيحات الجلدية التي تظهر على جلود الأطفال والنساء وكبار السن.
ترى أم وهيب أنَّ كثير من الذين نزحوا من المدينة اضطروا إلى تحمل معاناة العيش بعيدًا عن منازلهم؛ نتيجة ما يمر به سكان المحافظة؛ وبسبب أزمة الكهرباء وارتفاع درجة الحرارة في المدينة، وأنَّ عودة هؤلاء يتطلب عودة الكهرباء إلى المدينة وبالسعر السابق.
إيقاف الصراع
“لا بد من توقف الاقتتال وترسيخ الاستقرار والأمان؛ حتى يُطوَّر قطاع الكهرباء في اليمن، ويُصلح الضرر الذي لحق بالكهرباء منذ بدء الصراع”. هذا ما أجمع عليه مختصون في مجال الكهرباء حول الحل لمشكلة انقطاع الكهرباء في اليمن.
أكاديميون يرون أنَّ مشكلة تدهور قطاع الكهرباء في البلاد لم تواجه السكان فحسب بل أدت إلى عرقلة الكثير من المشاريع التنموية في البلاد، وعطلت العديد من القطاعات الحيوية التي بحاجة ماسة لتشغيل معداتها وأجهزتها من خلال الطاقة الكهربائية.
صيانة محطات توليد الكهرباء
وكشف تقرير لمركز المستقبل للدراسات والبحوث بعنوان: “لماذا تعثرت ست دول عربية في حل أزمة الكهرباء؟”، نُشر في العاشر من أغسطس2021 م، أنَّ اليمن يشهد أزمة كهرباء؛ نتيجة إهمال وعدم صيانة محطات توليد الكهرباء، وتعرض بعضها لتوقف وتراجع الاستثمارات في مجال توليد الطاقة الكهربائية، وأزمة الوقود التي تمر بها البلاد منذ سنوات.
يرى مهيوب الحريبي (مهندس كهربائي (قوة وآلات)) أنَّ من الحلول الممكنة لتعافي قطاع الكهرباء في اليمن صيانة الشبكة الحالية، والعمل على استبدال الأجزاء المتهالكة منها، وتشغيل المحطات الموجودة وإنشاء محطات إضافية؛ لتغطية احتياج المدن والمناطق في مختلف البلاد من الكهرباء.
تشغيل خطوط النقل الرئيسة
مسؤول في إحدى محطات الكهرباء –فضّل عدم ذكر اسمه-، أوضح أنَّ إصلاح وصيانة خطوط النقل للتيار الكهربائي يتطلب تحييد قطاع الكهرباء، وعدم اقحامه في الملف السياسي، فقد تعرضت الكثير من خطوط النقل في مناطق مختلفة من البلاد للاعتداء؛ وهو ما أدى إلى خروج محطات التوليد عن الخدمة؛ واستمرار انقطاع الكهرباء لفترات طويلة وبشكل متواصل في بعض المناطق التي تصلها عن طريق تلك الخطوط التي تعرضت للتدمير.
مشددًا على ضرورة إصلاح خطوط نقل الطاقة (صافر-صنعاء)، وهو الخط الرئيس الذي يغذي المنطقة بالكهرباء، وأنَّ تكلفة إصلاحه ستكون كبيرة لما لحق به من أضرار، أما بقية الخطوط تحتاج إلى إصلاحات وصيانة فأضرارها قليلة وتكلفتها بسيطة.
ويشير المصدر في حديثه إلى أنَّ خطوط النقل في مأرب وصنعاء مصممة لنقل 1200ميجا وات وكذلك تنقل جهداً عالياً يقدر بـ 400 كيلو فولت ما يعني أنَّ أبراجها وعوازلها أكبر، وصيانتها صعبة وأغلب أدواتها غير موجودة وتحتاج استيراد من الخارج”.
عمل دراسات وتفعيل الدور الرقابي
يقول أحمد فرحان (مهندس اتصالات وأدوات إلكترونية) أنَّه خلال فترة الصراع تعرضت خطوط النقل الرئيسة للتدمير والنهب وهي بحاجة إلى دراسة ووضع خطط لإعادة تشغيلها، ومن ثم وضع رقابة لحمايتها من أي تخريب، وإصدار قوانين ردع لكل من يتسبب في إحداث أي ضرر بها، خاصة وأنَّ عملية إعادة تشغيلها ستتطلب تكلفة باهظة.
يرى فرحان أنَّ تشخيص شبكة خطوط النقل ومعرفة الضرر وإصلاحها وعودتها للعمل؛ سيضمن وصول التيار الكهربائي إلى كافة المدن والمناطق دون استثناء، وسيظهر الاحتياج الحقيقي لتلك المناطق من الكهرباء وهو ما سيتطلب معالجة النقص.
فيما يرى المهندس مهيوب الحريبي أنَّ تضرر خطوط النقل الرئيسة للكهرباء وتعطيلها سوف يتسبب في سوء التوزيع للكهرباء، وهو ما يؤدي إلى حرمان الكثير من المناطق من التيار الكهربائي وحصره في مناطق معينة.
مراجعة تعرفة الكهرباء
ويقول مهيوب الحريبي (مهندس متخصص قوة وآلات كهرباء) أنَّ مراجعة تعرفة الكهرباء سواء الحكومية أو الخاصة يعود إيجابيًا على المواطن بمختلف الطبقات (الأغنياء والفقراء) ويؤدي بهم للحصول على التيار الكهربائي وكذلك التجار ورؤوس الأموال العاملين كونهم مستثمرين في مختلف الأنشطة، ويخفف العبء على المشاريع الخدمية والمؤسسات، ويضمن استمرارها.
ويضيف الحريبي: “تساهم التعرفة المنخفضة للكهرباء بالتخفيف على المستهلك، لا سيما سكان المناطق والمحافظات الساحلية أو الصحراوية حيث إنَّ قساوة الطقس تساهم في استهلاك الكثير من الطاقة؛ بسبب تشغيل أجهزة كبيرة كالمكيفات والمراوح، وأجهزة التبريد الأخرى والتي من شانها رفع كمية الكهرباء المستهلكة بصورة يومية.
الاستثمار في تركيب محطات الطاقة
أما فيما يخص الاستثمار في الطاقة الكهربائية، يؤكد المهندس مهيوب الحريبي على أنَّ اليمن ما زالت بحاجة إلى المزيد من محطات الطاقة الكهربائية، إذ كانت تعاني من نقص حاد بالطاقة قبل الصراع، أما الآن فتكاد تكون منعدمة؛ ولذلك فالاستثمار في هذا المجال أصبح ضرورة، ويجب على الدولة والهيئات والمؤسسات الحكومية والمجتمعية تشجيع مثل هذه الخطوة التي تعود بالنفع على الوطن والمواطن، واستدعاء المستثمرين لإنتاج طاقة كهربائية بمصادر متجددة مثل: الرياح والطاقة الشمسية وأمواج البحر، سيما أنَّ اليمن من الدول التي تعد مكانًا ملائمًا لاستثماره.
ويُجمع على ذلك ناشطون مطالبون بعودة الكهرباء، ومن مختلف المجالات في محافظة تعز؛ نتيجة لما تشهده المدينة من أزمة خانقة في الكهرباء، وارتفاع أسعارها، وما أكده (م،ك) من أنَّ الشبكة الكهربائية في مدينة تعز تعرضت للتدمير جراء الصراع، وهي المحطة الوحيدة التي كانت تغذي مدينة تعز بالكهرباء من المخا، فالأسلاك مقطوعة بينها وبين المخا كما أنَّ محطة التحويل في عصيفرة مدمرة.
فيما قال (م، ك) وهو موظف سابق في قطاع الكهرباء: “طُرِح نظام اسمه البوت لحكومة عدن، وهو اختصار لكلمة إنجليزية تسمى (build operate transfer)، وهذا النظام يعني أنَّه عندما تعجز الدولة عن القيام بمهامها في إنشاء البنية التحتية؛ نتيجة نقص التمويل، يتقدم مستثمر ويوقع على عقد مع الجهة الحكومية لعدد من السنين، يُشغِّل فيها أحد مشاريع الكهرباء في نفس المدة، حيث يقوم بإنشاء المشروع على حسابه، ويقوم بصيانته بشكل دوري، ويطور الكهرباء ويؤهلها، وأن يوظف المختصين ويدفع لهم رواتبهم، فيستفيد من المشروع، وبعد استرداد أمواله تتغير ملكية المشروع لتصبح ملكًا لمؤسسة الكهرباء”. ويؤكد المصدر في حديثه أنَّ هذا الطرح لم يجد تفاعلاً من الجهات، ويرى أنَّ مشروع البوت يمكن أن ينفذ في باقي المحافظات. وحول تقديم هذا المشروع يقول فهد المخلافي (ناشط صُحفي) ومن المطالبين بعودة كهرباء تعز: “إذا نُفذ هذا المشروع سوف تحصل تعز على التيار الكهربائي وبجودة عالية، وبأقل تكلفة بحيث يستفيد المواطن استفادة مباشرة من خلال هذا النظام (البوت)”. ويرى المخلافي أنَّ تطبيق هذا النظام سوف يخفف من معاناة المواطنين بحصولهم على الكهرباء؛ حيث تعدُّ الكهرباء من أهم الخدمات التي تساعد في الحياة المعيشية.
47% يرون أنَّ قطاع الصحة هو الأكثر تضرراً بسبب انقطاع الكهرباء في اليمن
صوت الأمل – يُمنى أحمد أوضحت نتائج استطلاع إلكتروني، أجرته وحدة المعلومات واستطلاع الرأي ف…