بين الفن والتمكين.. برامج ومشاريع فنية تنموية تخلق فرصًا للأطفال المتضررين
صوت الأمل – هبة محمد
يُعدُّ الأطفال أرواحًا نقية وأملًا مشرقًا في مستقبل العالم، إلا أن العديد منهم يعيشون في ظروف متأثرة بالصراعات والأزمات الإنسانية. وفي هذه الظروف الصعبة، تبرز برامج ومشاريع فنية تنموية تلعب دورًا أساسيًا في تمكين الأطفال، وإيجاد فرص لهم؛ لتحقيق أحلامهم وتطوير قدراتهم، في هذا التقرير نسلط الضوء على مجموعة متنوعة من البرامج والمشاريع الفنية التنموية التي تعمل على تحقيق تمكين الأطفال المتضررين من الصراع في اليمن.
دور البرامج والمشاريع التنموية والفنية في تمكين الأطفال
إن تنفيذ البرامج والمشاريع الفنية والتنموية والمشاركة في الأنشطة الفنية تعد مفتاحًا لتعزيز التنمية الشخصية والاجتماعية للأطفال، وتمنحهم الفرصة للتعبير عن أنفسهم واكتشاف إمكاناتهم الإبداعية، وتنمية قدراتهم وتمكينهم من مواجهة صعوبات الحياة.
تقول شيماء مجلي -رئيسة مؤسسة الشيماء للتنمية، محافظة إب-: “لا شك أن للبرامج والمشاريع التنموية في فئة الأطفال دورًا مهمًا في ظل الصراع والأزمات الاقتصادية. وأطفال اليمن بحاجة عاجلة لمثل هذه البرامج والمشاريع وبشكل مستدام ودائم وفعال؛ لذا قمنا في مؤسسة الشيماء بتنفيذ مجموعة من البرامج والمشاريع التنموية الخاصه بالطفل، منها جلسات الدعم النفسي المتواصلة للأطفال الذين يحتاجون دعمًا نفسيًا عبر الأخصائية النفسية بالمؤسسة. وكذا مشروع تقديم الخدمات المجتمعية للأطفال المتضررين من الصراع، وهو عبارة عن برنامج متكامل في الدعم النفسي والمجتمعي تحت إشراف كادر متخصص قدمت من خلاله جلسات الدعم النفسي والمجتمعي للأطفال دون سن 18 عامًا؛ بهدف التخفيف من آثار الصدمة النفسية التي يعانون منها. وبالفعل تم علاج عدد كبير من الأطفال وإخراجهم منها”.
وتواصل مجلي: “المؤسسة قدمت الدعم القانوني للأطفال الذين فقدوا هوياتهم بسبب فقدان أسرهم أثناء الصراع، وكذا للذين يحتاجون المساعدة القانونية؛ يتولى محامونا تقديم الخدمات باعتماد أسماء مركبة (مستعارة)؛ لحماية خصوصيتهم وحقوقهم القانونية. ونفذنا برامج تهدف إلى تمكين الأطفال من كسب لقمة العيش”.
وتوضح ذلك بقولها: “على سبيل المثال، قمنا بتقديم برامج تدريبية في صيانة المنظومات الشمسية للأطفال الذين انقطعوا عن التعليم ولم يتمكنوا من استكمال دراستهم، كما قمنا بتوزيع حقائب تحتوي على مجموعة كاملة من المعدات والأدوات اللازمة لصيانة المنظومات الشمسية، ويتم توجيه هذه البرامج التدريبية للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 14 ودون سن 18 عامًا، وقمنا بتقديم بطاقات صحية للأطفال الذين تقل أعمارهم عن 14 عامًا؛ لتلقي العلاج الضروري وجلسات الدعم النفسي المتخصصة عند الحاجة إليها”.
ويؤكد همدان الذرحاني -رئيس مؤسسة التنمية الأسرية، صنعاء- أن هناك ارتباطًا كبيرًا ومهمًا بين المشاريع الفنية والتنموية وتخفيف تأثيرات الصراع على الأطفال من خلال توفير بيئة آمنة ومحفزة تساعدهم على التعبير عن أنفسهم وتطوير مهاراتهم، وهذا يسهم في تخفيف التوتر النفسي والخوف والتشتت الذي يمكن أن يواجهه الأطفال في الواقع.
فيما تشارك د. منى المحاقري -رئيسة مؤسسة شهرزاد الثقافية، صنعاء- بالقول: “قدمت المؤسسة برامجًا ومشاريعًا فنية وتنموية خاصة بالأطفال، منذ بداية عام 2015، أي بعد أسبوع واحدٍ من اندلاع الصراع في اليمن. وكانت التجمعات النازحة في مناطق صعدة وتعز وحجة والحديدة هي المستهدف الأول لأنشطة المشاريع”.
وتواصل: “كانت المدارس في العاصمة مكانًا للتجمع والإيواء لهذه الأسر النازحة التي كانت تفتقر إلى العديد من الخدمات الأساسية، وكانت هناك حاجة ماسة للدعم الغذائي والصحي، بالإضافة إلى الملابس والفُرُش والبطانيات. وقد تعاونت المؤسسة مع فاعلي الخير والمتبرعين، بالتنسيق مع الهيئة العليا لشؤون النازحين، لمساعدة هذه الأسر”.
وأفادت المحاقري أن تلك المشاريع شملت تنظيم فعاليات ترفيهية ورياضية وفنية ومسرحية في مناطق إيواء النازحين، وأسهمت هذه الفعاليات بشكل كبير في تخفيف المعاناة النفسية للأطفال بعد تركهم منازلهم ومدارسهم، وساعدت في استعادة التوازن النفسي لهم بعد تعرضهم لصدمات نفسية شديدة جراء القصف والانفجارات، أو فقدان أحد الوالدين أو كلاهما جراء الصراع.
وأضافت: “تمكنت مؤسسة شهرزاد الثقافية من إعادة إحياء مسرح الدمى والعرائس في اليمن، وقدمت عروضًا مسرحية مستوحاة من التراث اليمني والحكايات الشعبية، وكان لهذه التجربة المميزة تأثير كبير في تخفيف المعاناة النفسية للأطفال وتأثيرات الصراع عليهم”.
وأشارت د. عائشة ثواب -رئيسة منظمة عبس التنموية للمرأة والطفل، صنعاء- أن المنظمة نفذت برامج متعددة تستهدف الحماية الذاتية والتغذية والتعليم والصحة للأطفال في اليمن، وأن هذه البرامج تعد أدوات فعالة لتلبية احتياجاتهم وتحسين وضعهم.
الدعم بين الاستمرار والانقطاع
“إن الدعم المقدم للأطفال في اليمن يعاني من تحديات كبيرة، ويتراوح بين الاستمرار والانقطاع. ونظرًا للوضع السياسي والأمني القائم في البلاد، فإن الجهود المبذولة لتقديم الدعم والرعاية للأطفال تتأثر بشكل كبير، وتواجه صعوبات في الاستمرارية”، تقول الدكتورة منى المحاقري.
فيما يقول همدان الذرحاني: “نثمن الدعم الذي قدمته المنظمات غير الحكومية والمنظمات الدولية والجمعيات الخيرية في دعم الأطفال في اليمن، ونأمل أن يستمر هذا الدعم في مجالات، مثل التغذية والصحة والتعليم، وأن يتوسع ليشمل المجالات الأخرى التي تعزز تنمية الأطفال”.
وتؤكد على ذلك د. عايشة بقولها: “الدعم المقدم للأطفال في اليمن محدود جدًا، ويكاد يتلاشى. هناك كثير من الأطفال يحتاجون لعمليات جراحية وعناية صحية، لا سيما الدعم النفسي؛ فهم متأثرون نفسيًا واجتماعيًا وأسريًا بالصراع. يجب على المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية العمل بجدية؛ لتعزيز الجهود وزيادة المساعدة المقدمة لهؤلاء الأطفال الضعفاء. ويتطلب ذلك التعاون والتنسيق بين جميع الأطراف المعنية لمساعدة هؤلاء الأطفال، وإعادة بناء مستقبلهم المشرق وإعطائهم الفرصة التي يستحقونها للنمو والتطور”.
التحديات
“قلة التمويل في البرامج والمشاريع التي تخص الأطفال، فقد كان لدينا طموحات في إنشاء نوادٍ خاصة بالأطفال. وبسبب الوضع الأمني وقلة التمويل والموارد اللازمة للتنفيذ تعثرت العديد من المشاريع والبرامج التنموية، وخاصة برامج الدعم النفسي التي أصبحت اليوم منعدمة مع أنها ضرورية نتيجة وجود الصراع” وفقًا لمجلي.
فيما تقول د. عائشة ثواب: “يعد نقص التمويل أحد التحديات الرئيسية التي تواجه تنفيذ البرامج. وهناك تعقيدات إجرائية في الحصول على التصاريح اللازمة لذلك؛ إذ من الضروري تبسيط هذه الإجراءات وتسريعها، وتقليل العقبات التي تواجهها المنظمات والمؤسسات العاملة في مجال حقوق الطفل. ويعد غياب بعض المنظمات الحقوقية والمهتمة بحقوق الطفل تحديًا أمام تعزيز وحماية حقوق الأطفال في اليمن”.
وترى شيماء مجلي أن الوضع القائم وعدم المعرفة الكاملة بحقوق الأطفال يمثل تحديًا كبيرًا أمام تنفيذ برامج حماية الأطفال في اليمن؛ فتعرُّض الأطفال للاستغلال والتهميش يعد أمرًا مقلقًا، ويتطلب اهتمامًا وتدخلًا عاجلًا.
الحلول والتوصيات
تطرح د. عائشة ثواب عددًا من التوصيات، منها إنشاء صندوق يركز على توفير التمويل المالي للبرامج والمشاريع التي تستهدف الأطفال في اليمن، ويمكن أن يكون لهذا الصندوق دور مهم في توفير الدعم المالي للتعليم، والرعاية الصحية، والحماية، والتغذية، والإسكان، والمياه النظيفة.
وتكمل: “نحن بحاجة عاجلة إلى تعزيز برامج الأطفال وتوسيعها، تلك التي تهدف إلى تحقيق حقوق الطفل وتلبية احتياجاته الأساسية، ويمكن تنفيذ برامج التعليم المبتكرة والمساحات الترفيهية والأنشطة الثقافية والاجتماعية التي تساعد على تعزيز التنمية الشاملة للطفل، ويجب تخصيص مزيد من التمويل للبرامج القائمة وتوسيعها؛ فقد يكون لزيادة التمويل تأثير كبير في تعزيز جودة الخدمات المقدمة وتوسيع نطاقها لتشمل المزيد من الأطفال”.
وتشدد ثواب على ضرورة تعزيز تنفيذ السياسات والقوانين التي تحمي حقوق الطفل في اليمن؛ إذ ينبغي توفير الحماية القانونية للأطفال من العنف والاستغلال والتشرد، وتعزيز العدالة والمساءلة للحالات التي تُنتهك فيها حقوق الأطفال.
وتوصي الجهات المختصة في اليمن الالتزام بتنفيذ الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الطفل، مثل اتفاقية حقوق الطفل للأمم المتحدة، ووجوب تكثيف الجهود لتوعية تلك الجهات والمجتمع بأهمية هذه الاتفاقيات وتحقيقها في الواقع.
وتؤكد مجلي أن تعزيز الإطار القانوني والتشريعات المتعلقين بحقوق الطفل وفرضهما بشكل صارم تعد خطوة مهمة ورئيسية لحماية حقوق الأطفال؛ إذ يجب أن توفر القوانين الحماية اللازمة وتضع آليات لمحاسبة أولئك الذين يستغلون الأطفال أو ينتهكون حقوقهم.
توصي مجلي بضرورة التوعية بأهمية الاهتمام بالأطفال وتوفير برامج الدعم النفسي لهم، وتفعيل قوانين حماية الطفل، والتركيز على برامج الأطفال وتعزيزها لضمان تلبية احتياجاتهم المتنوعة والمتزايدة.
96.2% من المشاركين في الاستطلاع يعتقدون أن الصراع تسبب في حرمان أطفال اليمن من حقوقهم الأساسية
صوت الأمل – يُمنى أحمد خلق الصراع المستمر في اليمن أزمة إنسانية كبرى قد تعد واحدة من أسوأ …