الصراع في اليمن وانعكاسه على نفسية أطفال المدارس
صوت الأمل – ياسمين عبدالحفيظ
“انقطع التيار الكهربائي عن المدينة وسيطر الظلام وكثرُ نباح الكلاب، وعاش أطفالي أوضاعًا صعبة بقيت عالقة في أذهانهم بعد أن فررنا من المناطق التي شهدت اشتباكات مسلحة ومعارك من أماكن بعيدة وقريبة. كان الجو حارًّا، ولم نستطع الاختباء داخل الغرف، فافترشنا أسطح المنازل وأفنيتها، وشهد الأطفال لحظتها كل أشكال الرعب والخوف. كانوا يصرخون بصوت مرتفع، ويبكون”، بهذه العبارات تحكي أم هاشم معاناة أطفالها في ظل النزاع الذي شهدته محافظة الحديدة.
تعيش أم هاشم وسط محافظة الحديدة في مديرية الحوك، وهي أم لثلاثة أطفال (ذكور)، تحكي أن أطفالها يعانون من أعراض نفسية نتيجة المخاوف التي عاشوها خلال سنوات الصراع التي شهدتها مدينتهم، وتغيرت سلوكياتهم وباتت تتسم بالانطوائية والخوف من أبسط الأشياء.
وتضيف: “أحد أبنائي لا يستطيع الذهاب إلى الحمام بمفرده، ولا حتى الخروج إلى السطح في عز الظهيرة، وعندما أسأله عن سبب خوفه يخبرني أنه سيُقصف. ابني لا يزال يتذكر أصوات الانفجارات، ويتذكر النيران والأدخنة التي كانت تتصاعد من أماكن مختلفة”.
وتواصل حديثها: “ابني الآخر أيضًا يستيقظ باستمرار أثناء نومه بمجرد سماع دراجة نارية أو أصوات مفرقعات، وإن كانت من أماكن بعيدة. كل الأصوات المرعبة التي سمعناها أثناء الصراع باتت مرتبطة بعدة أصوات، حتى صوت الرعد”.
وتتابع: “أنا لست الوحيدة التي تعاني في المنطقة والبلاد بأكملها؛ فهناك كثير من الأمهات بتن يبحثن عن حلول لاحتواء أطفالهن ومعالجتهم من الأعراض التي ظهرت عليهم بعد تراجع الاقتتال في المدينة واختفاء الطيران الذي كان يحلِّق باستمرار ويضرب أماكن متفرقة”.
يتعرض الأطفال في المجتمعات التي تشهد صراعات للعديد من المخاطر، ومنها القتل والاتجار بهم، وإصابتها بالعديد من الأوبئة والأمراض الخطيرة، والجوع والاستغلال، والاختطاف، والاغتصاب، والتجنيد، فضلاً عن حرمانهم من التعليم والخدمات الصحية وغيرها.
كل هذه الجرائم التي ترتكب بحق الأطفال في أوقات النزاعات يعاني منها أطفال اليمن. إلى جانب ذلك، تعرض الكثير منهم للآثار النفسية والسلوكية التي انعكست على حياتهم ومستقبلهم، خاصة في المناطق التي شهدت مواجهات مسلحة، بما فيهم أطفال المدارس، التي ظهرت من خلال علاقتهم ببعضهم، وفي حالات النزاع فيما بينهم.
الصراع وأطفال المدارس
حول تضرر أطفال المدارس بفعل الصراع، تقول لبنى عبد الرقيب -مديرة مدرسة أسماء-: “أن تخسر بيتك ومدرستك وأصدقاءك، وحتى الحي الذي تسكن فيه، وأنت تهرب بحثًا عن الأمان والاستقرار ثم لا تجد ذلك، فإن هذا يؤثر سلبًا على نفسيتك وخاصة الأطفال؛ لأنهم مجبرون على التعايش مع الواقع”.
وتضيف: “كثير من أطفال المدارس لم يعد لديهم الشغف في مواصلة التعليم، بسبب صعوبات الحياة التي وَرَّثها الصراع، وكثير من طلاب الثانوية يتوقفون دون إكمال تعليمهم حتى المتوسط أو الثانوي، وانضم الكثير منهم إلى المعسكرات للحصول على راتب جيد يعولون به أسرهم”. وتؤكد أن الواقع الذي يعيشه أطفالنا اليوم، وخاصة في المدراس، يمثل جرمًا في حق طفولتهم إلى جانب تلك المعاناة.
وتتابع: “نحن وأطفالنا نواصل التعليم بشق الأنفس، ونواجه انعدام الكادر المؤهل، والبيئة التعليمية المناسبة. ولأن كثيرًا من الأسر نزحت من المدن بحثًا عن الأمان في القرى، وانضم أطفالهم إلى المدارس فشكَّل ذلك نوعًا من الازدحام، وحدثت حالات التنمر سواء من الأطفال المقيمين أو العكس”.
توضح لبنى حالات الرعب التي يعيشها أطفال المدارس قائلة: “كنت في عملي داخل الفصل الدراسي عندما وصلت طلقات -لا أدري ما نوع السلاح- من منطقة بعيدة عنا في الجهة المقابلة من موقع المدرسة. لا أستطيع وصف حالة الرعب التي كان فيها الأطفال الذين كنت أعلمهم حينها”.
من جهته يقول محمد المخلافي (ناشط إعلامي): “للصراع في اليمن تأثير كبير على المجتمع ككل، لكن تأثيرها على فئة الأطفال كان أكثر من أي فئة أخرى؛ وذلك بسبب الاضطرابات التي يعيشونها في بيئة ممتلئة بالمآسي، فالصراع في البلاد منذ نحو تسع سنوات غيَّر مسار واقع الطفولة في اليمن تمامًا”.
ويضيف: “الكثير من الأطفال تغيرت سلوكياتهم في المدارس كثيرًا بسبب توجه بعضهم إلى جبهات القتال ثم العودة إلى المدارس، والأخبار التي يتلقونها ممن حولهم، وتفخيخ المناهج الدراسية بالأفكار، وتوجه معظمهم إلى العمل في أعمال ومهن مختلفة وانعدام الرقابة الأسرية عليهم”.
حالات النزاع وتأثيرها على الأطفال
في إطار الحديث عن النزاعات وتأثيرها على علاقة الأطفال ببعضهم بعضًا، يقول عبد العزيز حضرمي (مدير مدرسة): “لقد أثر الصراع في تعامل الأطفال مع بعضهم في المدارس بشكل سلبي، ونتج عنه أمور كثيرة متمثلة في عدم المرح واللعب، والشعور بعدم الأمان والاستقرار وظهور الخوف من طفل لآخر وعدم الاستجابة السريعة للتعلم والفهم”.
ويتابع: “بسبب النزاعات والصراعات المستمرة حُرم كثير من الطلاب من مواصلة الدراسة، إلى جانب تعرضهم للصدمات النفسية التي أثرت على حياتهم وأعدمت التركيز لديهم”.
وحول تأثير الصراع على نفسية الأطفال الذي ينعكس بدوره على علاقتهم فيما بينهم، تقول الأخصائية والمعالجة النفسية غدير البحيري: “أي صراع يحدث في أي بلد يؤثر على أفراد المجتمع ككل، وعلى الأطفال بصورة خاصة؛ فيتجلى تأثير هذا الصراع في علاقة الأطفال مع أقرانهم وخصوصًا في المدارس؛ كونها أكثر بيئة تجمع عددًا كبيرًا من الأطفال”.
وتتابع: “وتتضمن التأثيرات جانبين، الجانب الأول هو أن يصبح الطفل انطوائيًا يحب الجلوس بمفرده؛ كيلا يختلط بأقرانه خوفًا من أن يعتدوا عليه بالعنف لفظيًا أو جسديًا. وهذه الفئة من الأطفال اتبعت أسلوب الهروب من الواقع بسبب ما يشاهدونه من عنف بسبب الصراع الحاصل في البلد”.
وتواصل حديثها لصحيفة «صوت الأمل»: “والجانب الآخر يتمثل في أن يصبح الطفل أكثر عنفًا في التعامل مع أقرانه، فيأخذ كل ما يريد منهم بالعنف، أو تكون ردة فعله عنيفة لفظيًا أو جسديًا إذا اختلف مع أحد زملائه”.
وعن حالة النزاع بين الأطفال تقول البحيري: “بسبب النزاع بين الأطفال في المدارس حدثت برمجة لعقول الأطفال عن ملامح الصراع والعنف الحاصل بالبلد؛ لأن الأطفال ما يزالون في مرحلة انفتاح واستقبال من المحيط لتشكِّل الأفكار والمعتقدات وتكوين السمات الشخصية الخاصة بهم، فيؤثر الصراع عليهم فيجعلهم يعتادون على مظاهر العنف وتصبح من الصفات الطبيعية بمنطلق وعيهم ونسخوها لتتبرمج في عقولهم”.
ومن جانبها تقول ماريا حردان (محللة ومعالجة نفسية): “إن للنزاع بين أطفال المدارس في ظل الصراع بشكل عام هو انعكاس له في منطقة ما؛ وهذا يدل على وجود المخاوف وانعدام الأمان اللذين يعبر عنهما بسلوكيات مليئة بالعنف وردود فعل غير مقبولة؛ ظنًا منه أنَّ ذلك دفاع عن نفسه وأن له الحق، خاصة مع انعدام لغة الحوار والسلام والقوانين”.
وتؤكد أن كل الصور التي يشاهدها الأطفال تولد عندهم العديد من الانفعالات السلبية، منها الخوف والغضب والحزن والشعور بالذنب؛ لأنه موجود وغيره من الأطفال غير موجودين معه، وهذا يؤثر على سلوكياتهم لأن الأطفال لا يملكون القدرة على انتقاء كلمات تعبر عن انفعالهم ومشاعرهم، وبالتالي يتخذ سلوكيات غير مقبولة.
إن الظروف التي يعيشها الأطفال في اليمن ليست سهلة على الإطلاق، سمعوا أصوات القنابل والرصاص والاشتباكات والانفجارات، وشاهدوا مناظر دامية، بشكل مباشر أو عبر شاشات التلفاز، وهذا أثر على نفسياتهم وحياتهم.
96.2% من المشاركين في الاستطلاع يعتقدون أن الصراع تسبب في حرمان أطفال اليمن من حقوقهم الأساسية
صوت الأمل – يُمنى أحمد خلق الصراع المستمر في اليمن أزمة إنسانية كبرى قد تعد واحدة من أسوأ …