تأثير الصراع الدائر في اليمن على المعلمين اليمنيين
صوت الأمل – عبد القوي الشميري
تمر اليمن بأوضاع اقتصادية هشة منذ عقود، لكن الصراع الذي دخل عامها الثامن قبل أيام قليلة فاقم تدهور الوضع الاقتصادي والإنساني إلى الحد الذي لم يكن يخطر ببال أي يمني؛ حيث تشهد اليمن اليوم أسوأ أزمة إنسانية عرفها العالم في القرن العشرين، ووصلت نسبة الفقر في أوساط اليمنيين إلى ما يقارب الـ 80% وفقًا لتقديرات منظمات دولية، إلا أن تأثير الصراع كان أشد وطأة على المعلمين اليمنيين الذين وجدوا أنفسهم بين ليلة وضحاها محرومين من رواتبهم التي كانت تؤمن لهم ومن يعولون جزءًا يسيرًا من احتياجاتهم الأساسية.
تمثل شريحة المعلمين أكبر فئات الوظيفة في اليمن، حيث يتجاوز عددهم 242 ألف معلم ومعلمة، يعيش حوالي 70% منهم في المناطق الشمالية، وهذه الفئة هي الأشد تضررا؛ إذ إنها حرمت من رواتبها لما يقرب من سبع سنوات متتالية، باستثناء أنصاف رواتب يتم صرفها في مناسبات محددة، بينما يعيش حوالي 30% في المناطق الجنوبية وهؤلاء يتقاضون رواتبهم بشكل شبه منتظم، إلا أنه ونظرًا لهبوط العملة المحلية مقابل الدولار الأمريكي، تآكلت رواتبهم وأصبح الحد الأعلى لراتب المعلم اليمني لا يتجاوز 80 دولارا، وبالتالي أصبح غير قادر على تأمين احتياجاته الأساسية من الطعام والدواء وإيجار السكن .
وبشكل عام، وجد المعلمون اليمنيون أنفسهم مثقلين بالأعباء المعيشية، إذ ليس لديهم مجالات عمل أخرى بعكس غيرهم من العاملين في الوظائف الحكومية الأخرى، مما اضطر البعض لبيع الغالي والنفيس من ممتلكاتهم ومدخراتهم ومجوهراتهم وحتى أثاث منازلهم للبقاء على قيد الحياة، وسعى آخرون لإيجاد مصادر بديلة للدخل والعمل في مهن لم يكونوا معتادين عليها؛ فعلى سبيل المثال لا الحصر، لجأ البعض منهم للعمل على دراجات نارية وسائقي تاكسي، أو العمل في حرف مثل بيع الخضروات والفواكه والقات، بينما غادر البعض المدن إلى قراهم وامتهنوا حرفة الرعي والزراعة. وهناك من انتهى به المطاف في مخيمات النزوح، مفتقرا إلى أبسط مقومات الحياة الكريمة.
وهناك فئة أخرى تقطعت بهم السبل وفقدوا الأمل في الحياة الكريمة فدخلوا مرحلة الاكتئاب، وانتهى الحال ببعضهم إلى الانتحار. الأدهى من ذلك أن يستقر الحال بآخرين –مجبرين لامحالة- في جبهات القتال ليصبحوا ضحايا إضافيين لهذا الصراع الدموي، وفي هذا السياق ينبغي الإشارة إلى أن المئات من المعلمين اليمنيين تعرضوا للاغتيال والاختطاف أو السجن والإخفاء القسري بتهم سياسية وأمنية-معظمها ملفقة- على خلفية بعض المواقف والآراء، أو محاولة لتطويع توجهاتهم السياسية بما يخدم أحد أطراف النزاع.
ومما لا شك فيه أنه قد ترتب على هذا الوضع المزري للمعلم اليمني الكثير من الآثار السلبية وانعكاساتها على الواقع التعليمي في اليمن، فوفقًا لأرقام صادرة عن منظمة اليونيسف فإن ما يربو على 3.7 مليون طفل تسربوا من المدارس منذ نشوب الحرب في اليمن في مارس 2015 بسبب الفقر والنزاع وانعدام فرص التعليم الناتج عن توقف المعلمين عن التدريس للبحث عن سبل أخرى لإعالة أسرهم.
اليوم وبعد ثمان سنوات من الصراع الدامي، يبقى واقع المعلمين اليمنيين شاهدًا حيًا على ما جلبته الحرب للبلاد من ويلات ومآسي ومحن طالت أبسط مقومات الحياة، ومع استمرار الصراع سوف تزداد معاناتهم وسيؤدي ذلك حتمًا إلى انهيار المنظومة التعليمية برمتها، وفقدان جيل كامل من الأطفال فرصة الالتحاق بالمدارس واستغلال طاقاتهم الكامنة، مما سيجعلهم أكثر عرضة لمخاطر عمالة الأطفال أو الالتحاق بمعسكرات أطراف الصراع أو بالجماعات المسلحة.
إن الاستنزاف البشري- سواء كان ممنهجًا أو غير ممنهج- للمعلمين اليمنيين كان ولا شك نتيجة لتجاهل وقصور لأهمية هذه الشريحة الفاعلة في بناء المجتمع ودورها في الإسهام في عجلة التنمية، ومن هنا يجب القول بأنه بعد 8 سنوات من الحرمان والبؤس الذي طال هذه الشريحة حان لها أن تنتهي ، وعلى سلطتي صنعاء وعدن أن يعيدا للمعلم اليمني كرامته المسلوبة، وحقه القانوني المتمثل في الراتب، وأن يتم معاملته بعيدًا عن المهاترات والمكايدات السياسية الدائرة في البلاد، وعليهما أن يدركا بأن مزيدًا من التجاهل والحرمان والبؤس للمعلم اليمني سيؤدي باليمن إلى مزيد من الجهل والتخلف والدماء.
98% يعتقدون أن الظروف السيئة التي يعيشها المعلمون الآن ستؤثر بشكل سلبي على السلوكيات العامة للمجتمع
صوت الأمل – يُمنى أحمد التعليم هو الطريق الأمثل لقيام مجتمع سوي يتمتع أفراده بالحرية والمس…