تشجيع الصناعات الحرفية اليمنية.. خيارًا إنمائيًا مستدامًا
صوت الأمل – أحمد عُمر
لا يخفى على أحد ما تمثله الصناعات التقليدية والحرفية واليدوية من أهمية وقيمة في البلدان العريقة ذات الحضارة والتاريخ القديم والموروث الشعبي، والتي عايشت عصوراً مختلفة.
حيث إنَّ تلك البلدان تمتلك من حضارتها مخزوناً من المعالم والآثار والمورثات الشعبية والتقليدية المتوارثة منذ القدم.
وتستغل هذه المعالم لتجسد بشكل حرفي الموروثات الشعبية والتقليدية باستخدام الخامات الأولية المتوفرة في البيئة الطبيعية المحلية، أو الخامات الأولية المستوردة لصناعة هذه المشغولات الحرفية وبيعها.
وتعد هذه الصناعات التقليدية والمشغولات الحرفية من أهم عناصر الجذب السياحي في كل بلد، وهي من مكونات الحضارة التي ينتمي إليها كل بلد، مثال: الحضارة الطينية أنتجت المصنوعات الفخارية، والحضارات في البيئات الجبلية اغتنت بالمنحوتات الحجرية والخشبية والنحت والنقش عليها.
الصناعات الحرفية اليمنية
وبينما الحضارات الساحلية استوحت صناعاتها من أشيائها البحرية، والذي يعتمد فيها الصانع على مهاراته الذهنية والإبداعية واليدوية في صناعتها.
واليمن واحدة من تلك البلدان التي تمتلك مخزونًا هائلًا من هذه الصناعات التقليدية والحرفية اليدوية والمشغولات المنسوجة والمستوحاة من التراث اليمني العريق، ومن أنواع الصناعات والمشغولات الحرفية واليدوية التي تشتهر بها اليمن هي كالتالي:
تشتهر محافظة حضرموت بصناعة الخوص في الصناعات التقليدية واليدوية، وتمتاز بالدقة والزخارف الفنية الجميلة ذات الألوان الزاهية وخاصة المشغولات اليدوية مثل: “المسارف” هي التي يوضع عليها الطعام أثناء الأكل، “والقفف” هي السلة التي يوضع بداخلها الطعام لحفظه، “والأطباق والمراوح والغطيان والحسير والمكانس، والمرابش” والمرابش هي التي يستخدمها البنَّاء لوضع الإسمنت أو الطين أثناء البناء، والتي تصنع من أشجار النخيل (السعف).
كما أنَّ مدن وادي حضرموت تمتاز بصناعات الخزف والفخار منذ مئات السنين، ولا زالت صناعة الخزف والحرف اليدوية قائمة إلى اليوم من خلال ما جمعته من أصالة ومعاصرة بإتقان وقوة كالتنور ومنافسته للصناعات المستوردة والحديثة.
ومن الحرف اليدوية في اليمن العقيق اليماني الذي يعد من أشهر الأحجار الكريمة التي ذاع صيتها في أرجاء كثير من دول العالم؛ وذلك لنقائه وصفائه وألوانه النادرة، فأتت شهرته من عدة محافظات يمنية منها صنعاء وإب وذمار وتعز وشبوة، لكن “سوق العقيق” في محافظة صنعاء القديمة مستقلاً بصناعته وتجارته منذ القدم يتوارثه الحرفيون جيلاً بعد جيل كعمل فني متوارث.
كما أنَّ حرفة الزخارف والنقوش تعد من الفنون المتعارف عليها منذ القدم في زخرفة جدران المعابد والمساجد بالرسم والنقش بالرموز التي تصور معتقدات وطقوس شعوبهم، برع فيها اليمنيون ودمجوها بالنقوش المختلفة المميزة والمستوحاة من تراثهم العريق، خاصة الزخرفة الخشبية للأبواب والنوافذ بطرق تقليدية يمنية وكذا صناعة المزاهر النحاسية المزخرفة بنقوش إسلامية، وعلى جدران المساجد والبيوت بأدوات يدوية بسيطة ومتواضعة.
حرفة الغزل والنسيج
أما عن حرفة الغزل والنسيج فقد نشرت وكالة سبأ اليمنية تحقيقًا، في 17 من مارس2020م، يؤكد على أنَّ أول مصنع للغزل والنسيج تأسس في الجزيرة العربية عام 1961م كان في الجمهورية اليمنية، بمساعدة من الحكومة الصينية، وتتميز اليمن باستخدام المغازل اليدوية البدائية لغزل ثمار القطن وتحويلها إلى خيوط ناعمة لتنسج منها المعاوز والمعاجر والألحفة وأغطية الرأس والملابس الخارجية.
ومن المنسوجات التقليدية في اليمن منسوجات “قطنية” ومفروشات “صوفية” مثل: الفريد والحنابل والعباه، والمنسوجات القطنية مثل: المعاوز واللحف والمعاجر، ويعود تنوعها إلى تنوع الطبيعة الجغرافية للبلاد التي فاقمت هذه التنوع للخامات ومصادرها، وأهمها القطن والكتان والصوف الحيواني.
ونشرت “جمعية أصدقاء السياحة اليمنية” في الرابع من يناير 2014م، تقريرًا عن الصناعات الحرفية التقليدية التي تتميز بها اليمن، وتتعدد فيها الصناعات الحرفية التي أبدع فيها الإنسان اليمني من خلال ما تتوفر لديه من المواد الخام بحسب طبيعة كل منطقة من المناطق اليمنية.
وعددت جمعية أصدقاء السياحة اليمنية أهم الصناعات الفضية والنحاسية في اليمن: منها صناعة البوسنية التي هي (صياغة الثومة) الذي توضع بالجنبية، وصناعة البديحية والتي تعني (القلائد والمشاذ والأساور) وتعمل بطريقة الصب.
مشيرة إلى صناعة البنادق العربية القديمة التي تزين بالفضة، والصناديق المرصعة بالعقيق، والفوانيس المطرزة بالفضة، والأباريق الخاصة بالقهوة، والمباخر المشكلة على شكل غزلان وثعابين وغيرها من الصناعات الفضية الأخرى.
والصناعات النحاسية المنتشرة في الأسواق اليمنية -وفقاً للجمعية السياحية- هي كؤوس الشرب التي تصنع من النحاس الجيد المزخرف والمنقوش، والمزاهر النحاسية المزخرفة بنقوش إسلامية مخروطية التي تستخدم لحفظ باقات الزهور، وأدوات التجميل كالمكاحل التي تصنع من النحاس.
هدى باعساس (مدير مركز الأمل لتدريب المهارات النسوية بالمكلا) في تصريح صحفي لـــ”صوت الأمل” أشارت إلى أنَّ هناك الكثير من المشغولات اليدوية والإبداعية مثل: صناعة الزهور بالسيراميك، والزهور بالنحاس، وصناعة الورود بالقماش وغيرها من المشغولات النادرة والتي يجهلنها الكثير من الفتيات المهتمات بالجانب الحرفي.
مضيفة أنَّه لم تقتصر الإبداعات في الصناعات الحرفية واليدوية في اليمن عند صناعة العقيق والزخارف فقط، بل تمتاز اليمن بكثير من المصنوعات والمشغولات اليدوية، وتشتهر كل محافظة عن غيرها بشيء من هذه الصناعات مثل: صناعة المكيفات المحلية بحضرموت، والأعمال الخشبية، والحناء، والحلاقة والحجامة والمعاصر، والأعمال الجلدية، وخلايا النحل، وصناعة القوارب في المناطق الساحلية، والبخور في عدن والمهرة، والطيب، وصناعة الجنابي في صنعاء القديمة.
فرص تطوير الصناعات الحرفية
وبحسب تقرير منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو)، الذي نشر في نوفمبر 2022م، إنَّ “الصناعات الإبداعية تعدُّ قطاعاً استراتيجياً مستقبلياً، ورافداً من روافد التنمية المستدامة والشاملة بالعالم، بوصفه واحداً من أسرع القطاعات نمواً على المستوى العالمي”.
مضيفًا “وتُعد الصناعات التقليدية والحرف اليدوية من الصناعات الإبداعية التي تتجلى فيها المهارات والإبداعات الفنية والجمالية للصناع والحرفيين التقليديين، وتساهم بدور كبير في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمجتمعات، وتحظى باهتمامٍ متزايدٍ أيضًا في السياسات العمومية والبرامج القطاعية في عدد من الدول بوصفها واحدة من أهم القطاعات الإنتاجية”.
وجاء في التقرير “تقديراً لتلك الأدوار الإنمائية التي يقوم بها قطاع المشغولات والحرف اليدوية من خلال توفيره لفرص العمل، خاصة في أوساط النساء والشباب وذوي الاحتياجات الخاصة، ولدوره في الحد من الهجرة، ومحاربة الفقر، وحفظ التراث وتعزيز الهوية، واستناداً إلى البيانات والمؤشرات الرقمية، فإنَّ هذا القطاع يوفر مئات الآلاف من فرص العمل”.
مشاكل الصناعات الحرفية
يتفق خبراء الاقتصاد على أنَّ معوقات الصناعات الحرفية باليمن تزيد، وأنَّ هذه الصناعة تتدهور يوماً بعد يوم ، وأنَّه إذا استمر الحال بهذا الشكل سيفتقر اليمنيون بعد عدة سنوات إلى كثير من هذه الحرف لتصبح جزءاً من الماضي.
مشيرون إلى عدد من الصعوبات التي تواجه هذه الصناعات منها: الإهمال وعدم التشجيع، فالحرفيون لا يحظون بأي مزايا تتيح لهم الحصول على المواد الخام أو تعفيهم من الضرائب أو تساعدهم على الأقل في مجال تسديد فواتير الكهرباء لمحلاتهم، ويتركون بلا حماية أمام ضغط المستورَد الخارجي التقليدي والذي استورد من الهند والصين، مُعدِّون ذلك منافسة شديدة للمنتج المحلي للحرف اليدوية التقليدية.
إلى ذلك أعربت هدى باعساس (مدير مركز الأمل) لـ “صوت الأمل” عن قلقها إزاء غياب الجهات المعنية والمتخصصة في إقامة مثل هذه الدورات التي من شأنها أن تشجع كثيراً من الأسر على الاستمرار، والتحسين من منتجاتهم الحرفية وتحسين دخلهم.
التوجه نحو تصدير المنتجات الحرفية للخارج
في دراسة أجرتها الهيئة العامة للآثار والمتاحف بالتعاون مع الصندوق الاجتماعي للتنمية في إطار “برنامج الحفاظ على التراث الثقافي اليمني في 18 يناير 2009م، أكدت “اندثار نحو 35% من الحرف اليدوية والصناعات التقليدية التي عرفتها مدينة صنعاء حتى منتصف أربعينات القرن الماضي”.
وأشارت الدراسة إلى أنَّه لم يبقَ سوى 28% من سكان مدينة صنعاء القديمة يزاولون حرفهم رغم ضغط الاستيراد الخارجي المنافس الذي أصبح يهدد مصدر دخل كثير من الحرفيين، ووقوعهم بين مخالب الفقر وهو ما يهدد بزوال ما تبقى من هذه الحرف.
ونشر الدكتور ياسر الهياجي (أستاذ إدارة التراث المساعد بجامعة الملك سعود بالمملكة العربية السعودية)، في الأول من مارس 2020م، بحثاً بعنوان ”دور الصناعات الحرفية في استدامة التنمية في البيئات التراثية” أكد فيه الأهمية الاقتصادية والاجتماعية التي تحتلها هذه الصناعات اليدوية والحرفية كجزء من تُراث كل وطن.
موضحًا أنَّ كثيراً من الدول تركز في تنمية مجال الحرف والصناعات الحرفية واليدوية؛ لجذب السياح وتعزيز التنمية السياحية والإنسانية، وأنَّ هذه الصناعات تُعد قطاعاً مهماً في انعاش السياحة، وقطاعاً مساهماً في الاهتمام بالبيئات التراثية والحفاظ عليها من الاندثار، وتعزيز الوضع الاقتصادي للأسر، من خلال خلق فرص عمل مضمونة الدخل.
وركز البحث على الواقع التنموي للصِناعات الحرفية في مدينة زبيد التاريخية بمحافظة الحديدة، موضحاً أنَّ استغلال الصناعات الحرفية يعد مورداً ثقافياً رغم التحديات التي تواجه الصناعات الحرفية، وفقاً لمبدأ التنمية المستدامة، وفي إطار تحقيق العدالة الاجتِماعيّة، والتنمية الاقتصادية، والحفاظ على الموارد التراثية والهوية الوطنية.
بناء القدرات للصناعات الحرفية
يعد بناء القدرات في الصناعات التقليدية والحرف اليدوية رافداً مهماً ومستقبلياً للكثير من الأسر التي تمتلك قدرة إبداعية صناعية حرفية يدوية في هذا المجال، أو الأسر التي تعاني كثيراً من ويلات الحياة؛ جراء قلة فرصة العمل، ويعد هذا خياراً إنمائياً مستداماً، يعتمد على الإبداع البشري في التفنن بالصناعات التقليدية والحرف اليدوية الإبداعية التي ترتبط كثيراً بالمهارات الفنية والجمالية للصناع والحرفيين التقليديين.
وعند سؤال “صوت الأمل” هدى باعساس (مديرة مركز الأمل لتدريب المهارات النسوية بالمكلا) عن أهمية المصنوعات والحرف اليدوية بالنسبة للقطاعات الخاصة، أجابت: “هذه المشاريع الصغيرة والخاصة تعني في المقام الأول اكتساب مهنة لكثير من الأسر محدودي الدخل في ظل غياب كثير من فرص العمل”.
وأضافت أنَّ هذه المصنوعات والمشغولات الحرفية واليدوية والإبداعية تساهم بالمقام الثاني في تحسين دخل هذه الأسر المنتجة، وهذا نوع من أنواع الاستثمار المصغر، وعددت بعض الحرف والمصنوعات اليدوية وأنواعها، كالنحت والخياطة, والحياكة, والرسم على الزجاج والرسم على المرآة العكسية، والرسم على المفارش والملابس.
مردفة أنَّ هذه الأفكار المستوحاة من التراث الشعبي والمصنوعة حِرفياً ويدوياً تسهم في حفظ هذه التراث المهدد بالاندثار وتهتم به، وتفتح هذه المشاريع باباً كبيراً للحياة بعيداً عن الفقر، ولعل هذا الفن الصحفي بمعلوماته يلامس شغف وطموح الكثير من المهتمين لإنشاء مشاريع صناعات يدوية محلية الصنع، وتحسين مستوى الدخل المادي لهم.
واختتمت باعساس بقولها “تنأى هذه المشاريع الخاصة بالمصنوعات اليدوية والحرفية بكثير من الأسر عن الجوع والعطش “الفقر”؛ مما يحسن أوضاعهم مادياً بعيداً عن البطالة”.
51% من الآراء تؤكد على وجود تأثير كبير للصناعات الصغيرة والمتوسطة تجاه الاقتصاد المحلي
صوت الأمل – يُمنى أحمد كشفت نتائج استطلاع إلكتروني نفذته وح…