‫الرئيسية‬ الأعداد السابقة الصناعة والاستثمار في اليمن مع تراجع تحويلات اليمنيين المغتربين.. ما السياسات المحفزة للاستثمار؟

مع تراجع تحويلات اليمنيين المغتربين.. ما السياسات المحفزة للاستثمار؟

صوت الأمل – علياء محمد

تعد اليمن من أهم البلدان التي تتمتع بمقومات عالية تجعلها محطة جذب للاستثمارات بأنواعها المختلفة، حيث تمتلك موقعًا استراتيجيًا، تُشرف من خلاله على أهم طرق الملاحة، والتجارة العالمية.

 وتزداد أهمية موقع اليمن في قربه من أسواق التجارة؛ الأمر الذي شجع الكثير من رؤوس الأموال على الاستثمار داخل البلاد.

 في مارس 1992م أُنشئت الهيئة العامة للاستثمار في اليمن -وفقاً لقانون الاستثمار رقم (22) لعام 1991م- بوصفها جهة مسؤولة عن تنظيم وترويج الاستثمارات، ويعد الاستثمار عنصراً فعالاً في تسيير عجلة التنمية، وتنشيط العملية الاقتصادية، فهي تساهم في تحقيق التقدم والتطور.

 هذا وقد شهدت اليمن محاولات عدة في جذب الاستثمارات، وتجهيز البيئة المناسبة لذلك؛ من خلال تشجيع رؤوس الأعمال، وتقديم التسهيلات لاستقطاب المستثمرين للعمل في البلاد، رغم ذلك لم تحقق الطموحات المرجوَّة؛ نتيجة عدد من المعوقات، كان أهمها الأحداث الأخيرة التي مرت بها البلاد.

  واقع الاستثمار اليوم

 وقد أشار التقرير الصادر عن مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي، في العام 2019م، إلى أنَّ بيئة الأعمال والاستثمار في اليمن واجهت عددًا من المعوقات؛ نتيجة استمرار الصراع، فبعد العام 2011م ظهرت عدد من التحديات في القطاعات الخاصة، وتدهورت بذلك بيئة الأعمال؛ نتيجة الظروف السياسية والتي أدت بدورها إلى هبوط الناتج المحلي الإجمالي اليمني من 7.7% إلى 12.7% بين عامي 2010 و2011م فقط.

وكشف المسح الذي قام بإجرائه البنك الدولي حول الأعمال اليمنية أنَّ أكثر من 40% من مؤسسات الأعمال قد تخلصت مما يزيد عن 40% من قواها العاملة بعد العام 2011م، فيما تأثرت جميع قطاعات الأعمال بلا استثناء بهذه التبعات.

وأشار تقرير «ممارسة أنشطة الأعمال»، الصادر عن البنك الدولي في العام   2019م، إلى أنَّ اليمن رابع أسوأ دولة بالعالم في إقامة الأعمال من بين 190 دولة، بالإضافة إلى تصنيف اليمن بوصفها واحدة من أسوأ خمسة بلدان للتجارة عبر الحدود، وتأمين الكهرباء، والحصول على الائتمان، والتعامل مع رخص البناء، هذا وقد احتلت اليمن ذيل القائمة لمؤشرات الأعمال العالمية وكثيرًا ما تحتل المركز الأخير.

في حديثه لصوت الأمل أكد عصام صالح (أحد رجال الأعمال المستثمرين في الخارج) أنَّ العديد من رجال الأعمال قرروا نقل رؤوس أموالهم إلى خارج البلاد؛ نتيجة الصراع القائم في البلاد، والعديد من العوائق التي حالت بينهم وبين استمرار مشاريعهم.

مضيفًا أنَّ الصراع القائم في البلاد؛ أثر على بيئة الاستثمار في اليمن، وسبب غياب الاستقرار وتردي الأوضاع الأمنية، والأزمات الاقتصادية المتتالية، وهذه أبرز التحديات القاهرة لقطاع الاستثمار.

وأوضح صالح أنَّ الأزمات المصرفية كانت سببًا رئيسًا في تدني مستوى الاستثمار في البلد، حيث ساهمت أزمة السيولة في عجز القطاع المصرفي عن القيام بعمله، هذا وقد أدى انقسام البنك المركزي بين الشمال والجنوب، وفرض رسوم ضريبية مزدوجة، إلى صعوبة استيراد البضائع من الخارج.

 وفي ذات السياق أكد حمود الريمي (الخبير الصناعي ورجل الأعمال) أنَّ بروز تحدي الكهرباء وانقطاعها وارتفاع تكلفتها يعد أحد التحديات الكبيرة التي أعاقت عملية الاستثمار في اليمن، حيث اضطرت عدد من مشاريع ومؤسسات المال إلى إغلاق أبوابها وخسارة عملائها، واستغنى البعض منها عما يزيد عن النصف من القوى العاملة؛ بسبب انقطاع الكهرباء، وارتفاع تكلفتها؛ نتيجة استخدام مولدات كهربائية تعتمد على الوقود، والذي غالبًا ما يكون غير متوفر.

وأضاف الريمي أنَّ قلة الخبرة، وثقافة التقليد، وعدم التجديد والابتكار في أنواع الاستثمار عائق من عوائق استمرار المؤسسات والمشاريع الاستثمارية، موضحًا أنَّ عدداً كبيراً من رؤوس الأموال يستثمر في أنواع محددة من الاستثمارات، كالمطاعم والمحال التجارية والمولات ولا يوجد أي تجدد، وهنا تبرز المنافسة غير الشريفة ومحاولات الاستحواذ على السوق من خلال تخفيض الأسعار بشكل كبير؛ لضرب المنافس في السوق.

دور المغتربين في عملية الاستثمار

مثلت تحويلات المغتربين نسبة 24% من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2017م، وتعد تحويلات المغتربين اليمنيين من أهم مصادر التمويل الخارجي، حيث تتجاوز ثلاثة مليارات دولار سنويًا، متجاوزةً عائدات صادرات النفط والغاز التي تعثرت أثناء الصراع، ووفقًا لـ البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة «تراجعت تحويلات اليمنيين بالخارج التي كانت تقدر بثلاثة مليارات ونصف المليار دولار، بنسبة 70%».

واحتلت اليمن المرتبة الخامسة من أصل عشر دول مصدرة للعمالة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مؤشر القيمة المطلقة لتحويلات المغتربين.

وحول أهمية الحوالات المالية القادمة من المغتربين خارج البلاد،  أكد الخبير الصناعي حمود الريمي في حديثه لـ «صوت الأمل» أنَّ شريحة المغتربين من أهم شرائح المجتمع الحيوية والفعالة في البلد؛ نتيجة إسهاماتهم المتعددة في التنمية الاقتصادية، والتي تتزايد بتزايد حجم تحويلاتهم، ومن خلال إقامة المشروعات الاستثمارية الخاصة، والتي تدفع بعجلة التنمية إلى الأمام.

مضيفًا «لعبت حوالات المغتربين دورًا كبيرًا في استقرار الاقتصاد الوطني، بالإضافة إلى مشاركتها في تغطية جزء أساسي من متطلبات سد فجوة النقد الأجنبي، وشكلت تحويلات المغتربين مصدرًا مهمًا لدخل الكثير من الأسر، وبرزت أهمية الحوالات المالية للمغتربين أثناء اندلاع الصراع في اليمن؛ إذ أصبحت هي المورد الوحيد والمتبقي الذي يحمي البلاد من السقوط في الهاوية من خلال تنشيط الطلب الكلي في الاقتصاد، وتخفيف الأزمات الاقتصادية».

هذا وقد أظهرت نتائج المسح السريع «المغترب – الظاهرة العامة»، الصادرة عن المرصد الاقتصادي للدراسات والاستشارات مع المنظمة الدولية للهجرة في العام 2017م، أنَّ 342 أسرة ممن يتلقون التحويلات من المغتربين في أربع محافظات (الحديدة، وحجة، وإب، وحضرموت)، ويرسل معظم المغتربين 83.2% من التحويلات إلى ذويهم كل شهر أو ثلاثة أشهر.

وأوضحت نتائج المسح السريع أنَّ قرابة 98% من أسر المغتربين تنفق التحويلات على الحاجات الأساسية اليومية من غذاء وملبس، في حين أنَّ 83% تنفقها على المسكن والبناء والصيانة، و74.3% تستخدمها للإنفاق على الرعاية الصحية، وأكدت أنَّ 32.5% من الأسر تنفقها على التعليم، بينما 2.3% فقط من الأسر تستخدم التحويلات في الاستثمارات مثل شراء أرض زراعية أو عقار.

ويرى علاو الشاجع (أحد المغتربين في دولة الكويت) أنَّ اليمن بشكل عام ما زالت تعاني من صعوبات في جذب الاستثمارات، وإعادة رأس المال الوطني، قائلًا: «نحن كوننا مغتربين نبحث عن بيئة آمنة للاستثمار، وهذا للأسف ما لا نجده في اليمن».

مضيفًا أنَّ المغترب لهُ دور كبير في رفع اقتصاد البلاد، خاصة في هذه الفترة، لكنه يخاف أن يخطو خطوة في إعادة رؤوس الأموال إلى البلاد في ظل استمرار الصراع، وغياب الأمن، وانهيار البنى التحتية.

موضحًا أنَّ المستثمر للأسف يصطدم بواقع مؤسف، ولا تخلو مشاكل الاستثمار من الفساد المالي وانعدام القضاء وسلطة النافذين. موكدًا أنَّه في حال توفرت بيئة استثمارية جيدة سيعود المغترب إلى الوطن؛ للاستثمار، والمساهمة في دفع عجلة التنمية للأمام.

المغتربون والعودة بمشاريعهم إلى البلاد

أُجبر الكثير من رجال الأعمال اليمنيين على العودة لبلدانهم، والقيام باستثمار رؤوس أموالهم في بلدانهم، والتي تعاني من صراعات طاحنة ولمدة ثمان سنوات.

هذا وقد أعلنت منظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة، في العام 2020م، عن عودة أكثر من أربعة آلاف مغترب يمني من السعودية.

 وأشار التقرير الصادر عن مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية في العام 2019م، إلى زيادة  القيود على الوظائف المتاحة للعمالة الوافدة، وزيادة رسوم الإقامة والعمل في السعودية ولا سيما بالنسبة للعمال المسجلين قانونياً وعائلاتهم؛ الأمر الذي أجبر عشرات الآلاف من اليمنيين المغتربين على العودة.

وتشهد محافظات يمنية حراكًا استثماريًا وتنافسيًا في  المحلات التجارية والمطاعم والمولات، عبد الرحمن عبد الله (أحد الشباب المغتربين منذ فترة) قرر العودة لبلاده المحويت، وافتتح محلاً صغيراً لبيع الملابس، موضحًا لـ «صوت الأمل» أنَّ الضغوطات المالية التي تفرض على المستثمرين خارج الوطن تعيق أعمالهم، وتثقل كاهلهم؛ الأمر الذي أجبرهم على الخروج والقيام بالاستثمار داخل البلد.

أما المغترب اليمني نبيل صالح فقرر بيع محله التجاري، والعودة إلى أرض الوطن وتشغيل رؤوس أمواله  في استثمار الأراضي الزراعية، فهو يمتلك الآن مزارع لزراعة المانجو في محافظة الحديدة.

توصيات لتطوير قطاع الاستثمار

حدّد «منتدى رواد التنمية الرابع»، في العام 2018م، الأولويات العامة لتسهيل التجارة -استيراداً وتصديراً-  والحفاظ على مستويات الاستثمار الحالية في البلاد؛ بهدف زيادة الاستثمارات من خلال تحسين بيئة الأعمال، وفي هذا السياق جاءت التوصيات من رواد التنمية بوضع المعالجات العاجلة للتحديات التي تواجه عملية تسيير طلبات خطابات الاعتماد التي تَقدَّم بها التجار؛ من أجل استيراد السلع الأساسية.

أضف إلى ذلك مراجعة وتنقيح قائمة البضائع التي يُحظر استيرادها مع الحرص على السماح باستيراد منتجات أكثر، وإعداد خطة عمل سريعة لدعم الصادرات وإزالة العوائق، أيضًا إعادة تفعيل ودعم الهيئات الحكومية التي من شأنها تيسير التجارة الدولية، وإعداد قائمة بمشاريع الاستثمارات ذات الأولوية التي يمكن أن تزيد من فعالية القطاعات الحيوية.

ومن ضمن توصيات المنتدى: قبول الاحتكام للقانون الدولي بشأن أي عقود موقعة في ظل ضعف النظام القانوني القائم في اليمن، ودعم الاستثمارات في مختلف مناطق اليمن، وإعطاء الأولوية للحفاظ على الاستثمارات القائمة حالياً، وتعزيز اللامركزية، ودعم وسائل بديلة لإنتاج الطاقة.

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

51% من الآراء تؤكد على وجود تأثير كبير للصناعات الصغيرة والمتوسطة تجاه الاقتصاد المحلي

صوت الأمل – يُمنى أحمد       كشفت نتائج استطلاع إلكتروني نفذته وح…