نشطاء يمنيون يستاؤون من تزايد وتيرة الزواج المبكر في اليمن
صوت الأمل – وفاء سيود
يعرف الزواج المبكر أو ما يُسمّى بزواج الأطفال بأنَّه الزواج الذي يكون فيه عمر أحد الطرفين أو كلاهما دون سن 18 عاماً، أي قبل سن الرشد. ووفقاً لهذا التعريف فإن المجتمع اليمني يعاني من انتشار الزواج المبكر بشكل واسع في الريف والحضر، بعدِّه صائناً من الانحراف -حسب نظر الأغلبية- ومكملاً لنصف الدين -حسب المعتقدات الدينية السائدة- دون النظر إلى الآثار السلبية التي قد تلحق بكلا الطرفين من عواقب وخيمة.
آثار الزواج المبكر
وتقول الدكتورة أنجيلا سلطان المعمري (أستاذ مساعد في الصحة النفسية بجامعة تعز): “في الغالب نشهد انتشار زواج الأطفال في المجتمع اليمني بشكل كبير بين أوساط الفتيات بشكل أكبر من الذكور، وهذا يعود بشكل مباشر إلى استمرار الصراعات والنزاعات التي خلفت وراءها العديد من الفتيات خارج أسوار المدارس وفي مخيمات النزوح، والتي فُرضت على كثير من الأسر تزويج بناتهم؛ لحمايتهن، وتأمين الحياة لهن؛ خوفًا من تعرضهن للتحرش أو الاغتصاب”.
وتضيف المعمري أنَّ تدهور الوضع الاقتصادي قد ساعد في تفشي ظاهرة الزواج المُبكّر لدى الأولاد والبنات على حدٍ سواء، لكنّها تنتشر بشكل أكبر في أوساط الفتيات، حيث يواجه كلا الطرفين مخاطر وآثاراً تختلف بناءً على الاختلاف البيولوجي والاجتماعي لكلّ منهما، -لا سيّما أنَّها تعد تَعدياً على حقوق الطفل سواءً كان ذكرًا أو أنثى.
وتؤكد المعمري أنَّ الطفلة التي تتزوج مُبكّراً تُعاني عزلة اجتماعية، وحرمانًا من العاطفة الأسرية؛ فهي بعيدةً عن الأهل والأصدقاء، ومن يُشكّلون مصادر دعم لها –خاصة- عند انتقالها لبيئة مختلفة تماماً، فهي تعاني من حرمانها لطفولتها، وإجبارها على تحمل المسؤولية، كذلك تواجه صعوبةً في إكمال التعليم والتوظيف؛ بسبب الحمل والتزامات المنزل، وهذا يفقدها ثقتها بنفسها.
مضيفة أنَّ الحمل المبكر والمتكرر للفتيات الصغيرات يعرضهن للعديد من المشاكل الصحية بسبب عدم اكتمال الرحم. ومن تلك المشاكل: فقر الدم، ارتفاع ضغط الدم، زيادة حجم رأس الجنين عن حوض الأم، وأيضاً تكون عرضة لاكتئاب ما بعد الولادة، وهذا بدوره يعرضها للضغوط النفسية، وعدم تقبل الطفل أو رفضه.
مردفة أنَّ البعض من الأطفال المتزوجين (ذكوراً أو إناثاً) يصلون إلى مرحلة النضج فيشعرون بالرغبة في الطلاق؛ للحصول على الحرية، والبحث عن الحب، وهذا يعود إلى حرمانهم من حقوقهم في اختيار الشريك وعدم مرورهم بمراحل النمو المختلفة بسلام.
معاناة أولياء أمور العروسين
تقول عديلة العوش (والدة عروس): “أصبحت التجهيزات لأي عروسين مقبلين على الزواج في الآونة الأخيرة من الأمور الصعبة جدًا، بل من الهموم التي تكبل وتعيق حلم الكثير من الشباب من الجنسين، كما أصبحت هماً للآباء والأمهات؛ لأنَّ تكاليف الزواج كبيرة جدًا، وفوق طاقة أولياء الأمور، بل ويصعب عليهم إتمام بعضها؛ بسبب تجهيز بيت الزوجية بالنسبة للذكور -هذا إن وجد بيت- فهو يحتاج إلى تأثيث وفرش وكل هذه الأشياء غالية جدًا، كذلك غلاء المهور، وإشراك الشاب في قاعة العرس، وتجهير العروس لليلة الزفاف؛ لأنَّ هذه المسألة أصبحت شرطاً على العريس”.
مضيفة أن أهل العروس (الزوجة) يعانون من نفس الشيء تقريبًا في تجهيز ابنتهم؛ حيث أصبحت المهور المقدمة لهن – مهما رآها الشاب كبيرة ومرتفعة- لا تفي بكل احتياجات العروس؛ فالأغراض مكلفة وباهظة الثمن، من ذهب وملابس وعطور وبعض الاحتياجات الأخرى، لذا نجد أولياء الأمور يحاولون استيفاءها. ولا ننسى يوم الزفاف وتجهيزاته المكلفة جدًا؛ مما يفقد الناس فرحتهم بهذا اليوم.
أسباب اقتصادية
ويرجع فارس النجار (الخبير الاقتصادي) أسباب الزواج المبكر، إلى أنَّها تكمن في الأوضاع الاقتصادية منها الجوع والفقر وزيادة معدلاته في اليمن، حيث تشير آخر إحصائيات الأمم المتحدة إلى ازدياد حالات انعدام الأمن الغذائي في اليمن، فهناك الكثير ممن دخلوا في المستوى الثالث من حالات انعدام الأمن الغذائي إلى جانب انتشار المجاعة في أكثر من محافظة باليمن.
ويضيف النجار: “الفقر والمجاعة والبطالة في اليمن أدوا بشكل كبير إلى نتيجة عكسية، وهي أن يقوم الآباء بتزويج بناتهم لتخفيف العبء؛ نتيجة عدم قدرتهم على تلبية الاحتياجات الأساسية؛ الأمر الآخر هو ارتفاع معدلات التضخم، وضعف القيمة الشرائية أو فقدان العملة الوطنية: الأمر الذي انعكس على حياة المواطنين، حيث أصبح دخل المواطن العادي لا يكفي لتلبية الاحتياجات الأساسية، إلى جانب ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وتردي الخدمات وكذلك الغلاء وارتفاع أسعار العقارات، وعدم وجود أي زيادة في رواتب الموظفين –خاصة- موظفي القطاع الحكومي، الأمر الآخر الذي ساعد في عملية الزواج المبكر هو تضرر القطاعات الحيوية في اليمن، فقد كان قطاع الزراعة والقطاع السمكي يعمل فيه أكثر من 25% من قطاع العاملين في اليمن، الآن تضرر قطاع الزراعة، وتعرضت الكثير من الأراضي الزراعية للتلف”.
الصراع سبب الزواج المبكر
وتقول مها عوض (الخبيرة في مناهضة العنف ضد المرأة ورئيسة مؤسسة وجود للأمن الإنساني) أنَّ سبب تفاقم ظاهرة الزواج المبكر التي أظهرتها الدراسات والأبحاث، و كل الأوراق التي يتم العمل فيها للمناصرة والحد من الزواج المبكر هو العامل الاقتصادي إلى جانب عوامل أخرى، ولكن ليس بشكل أكبر من العامل الاقتصادي الذي يرتبط دائمًا بما تفكر به الأسرة، وهو تزويج الفتيات وهن صغيرات السن؛ فهو يعد شكلاً من أشكال التخلص من الأعباء المادية التي يصرفها الأب في سبيل تربيته لبناته ليأتي شخص (زوج) يتولى مسؤولية رعايتها ومصاريفها.
مضيفة أنَّ عدم القدرة على تعليم الفتيات يعد سبباً لتزويجهن، أو بالأصح عدم قدرة الأهل على الالتزام بتكاليف التعليم؛ مما يجعل أولياء أمور الفتيات يقررون إيقاف بناتهم عن الذهاب للمدرسة، وإبقاءهن في البيت؛ تسهيلاً لفرص تزويجهن، وهناك عوامل أخرى مرتبطة بالعادات والتقاليد، إذ أنَّ المجتمع اليمني ينظر للفتيات على أنَّ مصيرهن الزواج فقط.
وتقول عوض: “نحن لا نستطيع أن نقول أنَّ هذه الظاهرة موجودة فقط في مناطق جغرافية معينة، يختلف فيها الريف عن الحضر؛ فعلى العكس، تتساوى العوامل الاقتصادية مع الاجتماعية المتداخلة حاليًا بفعل تأثير الصراع الذي ضاعف من حجم الظاهر وزاد من تفاقمها بشكل أكبر؛ فهي تعد ملجأ للآباء للتخلص من عبء مصاريف فتياتهم، ولأنَّ تزويج القاصرة وفَّر دخلاَ للأسرة (مهر الفتاة)، وهذا يعد عاملاً مساعداً داخل الأسرة. وأيضاً، فإنَّ للظاهرة ارتباطًا كبيرًا جدًا لاستغلال أحد الطرفين للآخر إذا ما تم تزويج الأولاد في إطار الاتفاق بين الأسرتين أو بالترتيب بينهما؛ للحد من تكاليف العرس الباهظة، ولا نغفل عن أنَّ تزويج الفتيات دافع لوجود مطلقات صغيرات”.
وتؤكد الخبيرة في مناهضة العنف ضد المرأة على أنَّ الصراع ساهم بدفع الشباب نحو الزواج المبكر، وذلك بذهابهم إلى العمل مع أطراف الصراع، ومن ثم الحصول على راتب بالعملة الأجنبية؛ كونه يسهم في فتح منزل وتكوين أسرة بغض النظر عن مدى قوة أساس تلك الأسرة القائمة على الزواج المبكر.
نشطاء يشاركون الرأي
عبرت الصحفية إصلاح صالح عن قضية الزواج المبكر لكلا الجنسين قائلةً: “غالبًا ما يكون الفقر من أكثر الأسباب التي أجبرت الفتيات على الزواج المبكر، إما لتسوية الديون المتراكمة على الأسرة أو للحصول على بعض المال، أو للهروب من دائرة الفقر التي يعشن فيها. ومن المرجح أنَّ الفتيات اللواتي يتزوجن في سن مبكرة يكن أميّات أو غير متعلمات (أي لن يتمكن من فهم حقوقهن الإنسانية)، لكن بحصولهن على التعليم الابتدائي والثانوي؛ سيتمكنّ من التعرف على تلك الحقوق التي تضمن لهن حرية الاختيار، كما ستتحسن فرصهن في الحصول على العمل كوسيلة لإعالة أنفسهن؛ لذا من المهم الوصول إلى تلك المجتمعات التي ينتشر فيها الزواج المبكر، وتحدي التقاليد لمساعدة الأطفال على التعلم وتوعية وتثقيف الآباء والأمهات بذلك، إضافة إلى أنَّ تقديم الدعم الاقتصادي لتلك الأسر قد يكون وسيلة مساعدة للذين لا يريدون تزويج بناتهم مبكراً”.
القانون اليمني
يقول فهيم فاروق (المحامي): “كان السن القانوني لتزويج الجنسين قبل الوحدة في الشمال 16 سنة، وفي الجنوب 15 سنة وفي عام 1992م حُدد سن الزواج بـ 15 سنة، لكن هذه المادة عدلت في عام 1999م، وجاء القانون رقم (24) لسنة 1999م، وأصبح عقد ولي الصغيرة بها صحيحاً، ولا يمكن للمعقود له الدخول بها ولا تزف إليه إلا بعد أن تكون صالحة للوطء ولو تجاوز عمرها خمسة عشر سنة، ولا يصح العقد للصغير إلا بثبوت مصلحة”. معقباً أنَّ القانون اليمني قيَّد زفاف الفتاة والدخول بها بصلاحيتها للوطء دون تحديد ماهية أو علامة تلك الصلاحية. وفي عام 2009م حاول البرلمان سن قانون يحدد سن الزواج، ورغم أنَّ هذا التشريع وافق عليه أغلبية أعضاء النواب فإنه لم يرَ النور حتى الآن.
تراث الطهي اليمني يغزو العالم بمذاقه الفريد
صوت الأمل – هبة محمد يُعدُّ المطبخ اليمني واحدًا من المطابخ العربية الرائعة والشهيرة…