كيف روجت أول مرشدة سياحية يمنية للإرث والمعالم الحضارية؟
صوت الأمل – فاطمة رشاد
“لقد أكسبني عملي بوصفي مرشدة سياحية ثقافة واسعة” هكذا قالت دعاء الواسعي التي لم تعلم أن الأقدار ستقودها لتصبح أول مرشدة سياحية يمنية وصاحبة مؤسسة عرش بلقيس للحفاظ على التراث اليمني.
تروي دعاء قصتها وتجربتها في مجال السياحة والتعريف بمعالم اليمن الأثرية لـ «صوت الأمل” قائلة: «أدركت من خلال عملي (مرشدةً سياحية) أنَّ السياحة تخلق تفاعلًا حضاريًا راقيًا وأنَّ المرشد السياحي هو سفير بلاده من خلال المحافظة على معالم بلده وتقديمها للزائرين؛ لأنَّها تعد الهوية لنا التي نتفاخر بها أمام العالم”.
تستعرض دعاء قصة طفولتها قائلة: “ولدت في كفر البتانون بالمنوفية في القاهرة 1983م، لأم مصرية وأب يمني من صنعاء، عشت طفولتي متنقلة بين صنعاء والقاهرة لهذا أنا بنت بلد (فلاحة)، كنا كل صيف نغادر إلى مصر لزيارة أهل أمي في المنوفية وأعود إلى اليمن هذا التنقل جعلني أتعرف على اليمن ومصر بشكل أوضح”.
عندما انتهت دعاء من الثانوية العامة درست السكرتارية والأرشفة والسفريات، وبدأت بتطوير ذاتي من خلال تعلمها للغة الإنجليزية وكانت ترتاد فنادق صنعاء القديمة والحديثة مع السياح ومن هنا كانت رغبتها وحلمها يراودانها؛ لكي تصبح مرشدة سياحية، فقررت خوض هذه التجربة رغم أنَّها تخرجت من كلية إدارة الأعمال.
نحو الإرشاد السياحي
وعن سبب اتجاهها إلى العمل في الإرشاد السياحي تقول دعاء: “لأنَّني من أبناء صنعاء القديمة تشكل عندي حب الهوية اليمنية، استلهمتني معالم صنعاء القديمة وفي ذات يوم التقيت بمرشدة سياحية أسترالية كان بصحبتها سياح أجانب تتحرك معهم وهي تشير إلى المباني، أثار ذلك عندي الفضول، تعرفت عليها وأخبرتني أنَّها مرشدة سياحية إلى جانب أنَّها سائحة واستمرت علاقتي بها، وفي يوم أخذتني لأول مرة إلى بيت التراث الصنعاني وطافت بي كذلك في أسواق صنعاء القديمة”.
مضيفة: “تعلمت من السياح الأجانب وساعدوني في العمل السياحي من أجل التعريف ببلدي وتاريخه الحضاري”.
مجتمع محافظ
على الرغم من أنَّ دعاء تعيش في مجتمع محافظ (اليمن) فإنَّ أسرتها كانت تقف بجانبها وتدعمها لتصل إلى حلمها، وتصبح أول مرشدة سياحية حيث قالت لـ «صوت الأمل”: “لم يكن دخولي إلى هذا المجال سهلاً لكن يكفي أن تكون عائلتك هي من تمدك بالدعم، وهذا ما لمسته من عائلتي وكما نعلم أنَّ الإرشاد السياحي يحتاج إلى جرأة وشجاعة وهذا ما حاولت أن أستمده من طموحي للوصول إلى الهدف”.
يوم في صنعاء
استطاعت دعاء أن تقتحم مجال الإرشاد وتفرض وجودها بوصفها أول مرشدة تعمل بهذا المجال من خلال برنامجها السياحي، الذي حاولت أن تقدمه للسائحات حيث قالت عن برنامجها: “خطرت في بالي فكرة عمل برنامجٍ سياحي وأن أتعامل مع شركات ووكالات السياحة المحلية التي تعمل على “تفويج سياح”، فكان البرنامج (عيش يوم في صنعاء القديمة)”.
وتتابع الواسعي حديثها: “كنت آخذ السائحات إلى حمامات البخار في صنعاء القديمة، وأقدم لهن وجبات يمنية على الطريقة الصنعانية، ثم أذهب بهن في رحلة داخل أسواق صنعاء القديمة، وبعد الغداء الصنعاني آخذهن إلى مجالس النساء “التفرطة” في أحد بيوت صنعاء القديمة، إنه برنامج يومي من الصباح الباكر وحتى نهاية اليوم، بهدف التعريف بالعادات والتقاليد والحياة الاجتماعية في صنعاء القديمة من خلال جلسات تعريفية الفلكلور اليمني، من النقش والحناء، وارتداء الملابس النسائية القديمة، في محاولة للتعريف بالتراث اليمني وكان هناك إقبال كبير على هذه البرامج السياحية”.
لهذا أصبح الإرشاد السياحي يشغل تفكيرها فقد أخذها شغفها إلى أن تتعلم وتتقن اللغة الإنجليزية والألمانية، وهذا جعل مهمتها أكثر يسرًا، كي يتواصل السياح معها عبر الأنترنت ويبدون إعجابهم بأن تكون هناك فتاة يمنية لديها طموح واهتمام بالعمل في السياحة وتحكي لهم تفاصيل الحياة اليومية في صنعاء القديمة.
إلى بيت التراث الصنعاني
ولأن طموحها أكبر، استطاعت دعاء أن تضع أول خطواتها بعدما تخرجت من كلية إدارة الأعمال وبرفقة السائحة الأسترالية التي أدخلتها (بيت التراث الصنعاني) في عام 2005م؛ لتصبح بعد ذلك مديرته في عام 2017م. بيت التراث الصنعاني كان قصرًا قديماً يتجاوز عمره 800 سنة في حارة الأبهر بصنعاء القديمة، وكان يعاني الإهمال، فعملت دعاء الواسعي على ترميمه، وإعادة تأهيله من خلال التبرعات بجهود شخصية منها عبر مؤسستها عرش بلقيس.
عرش بلقيس
أسست دعاء مؤسساتها عرش بلقيس للتنمية والسياحة والتراث في نوفمبر 2016م، وبعد أن تركت منصبها في بيت التراث الصنعاني تفرغت لها تفرغاً كاملاً لكي تنتقل من مدينة إلى أخرى للتوعية بمخاطر إهمال المدن التاريخية، ومحاولة تقديم يد العون؛ للمساعدة في حماية التراث والتاريخ –خاصة- بعدما استشعرت دعاء الخطر الذي كان يهدد مدينتها التي تعشقها حد الجنون بأن تشطب من قائمة التراث العالمي حيث ارتفعت المخاطر المهددة لمباني صنعاء القديمة المعرضة للهدم، وقد أطلقت منظمة الأمم المتحدة للثقافة والعلم (اليونسكو) أولى التحذيرات في يوليو 2015م.
وتم إدراج صنعاء القديمة، ومدينة شبام على قائمة التراث المهدد بالخطر وهنا سعت كثيرًا دعاء كما قالت: “بسبب المخالفات والأضرار التي طالت مباني صنعاء القديمة، التي بلغت 500 مخالفة تم استبدال الأبواب القديمة بأبواب حديدية، ومواد بناء مخالفة غير مطابقة للمواد البناء القديمة، ونتيجة للإهمال والعبث، والدمار الذي سببه الصراع والفيضانات فهي مهددة بالشطب من قائمة التراث العالمي، وهذا ما جعلني أستشعر المسؤولية تجاه معالم بلدي وكان هذا من أهم برامجي في مؤسسة عرش بلقيس، بأن أقدم التوعية للحفاظ على معالم اليمن من التدمير والعبث فيها”.
عملت مؤسسة عرش بلقيس على العديد من القضايا التي تهتم بالمحافظة على التراث اليمني، وكما أوضحت سبب عزمها على تأسيس مؤسسة عرش بلقيس للتراث والسياحية؛ هو للدفاع عن صنعاء القديمة والمدن التاريخية الأخرى، مثل زبيد بمحافظة الحديدة، وشبام حضرموت، وشبام كوكبان وغيرها من المدن التاريخية القديمة.
برامج وأنشطة
تسعى دعاء عبر مؤسستها في عدة برامج وأنشطة كما قالت لـ «صوت الأمل”: “نقوم بالعمل على إحياء التراث اليمني الأصيل خوفاً من اندثار العادات والتقاليد اليمنية المتعارف عليها، قمنا بعمل مهرجان سنوي يسمى المدرهة (الأرجوحة) والتي يعود بدايته إلى قبل 1200سنة، وهي عبارة عن طقوس؛ لتوديع الحجاج أثناء ذهابهم للحج، حيث يتم تركيب الأرجوحة في فناء المنزل أو البستان، ويقوم أهل وأقارب الحجاج بترديد الأناشيد والأهازيج الفلكلورية أثناء التأرجح عليها، منذ بداية ذهاب الحجاج وحتى عودتهم من الأراضي المقدسة، إلى جانب ذلك أقمنا العديد من المعارض التي تخص الأزياء والأشغال اليدوية والتراثية، لتوثيق تراث الملابس الرجالية والنسائية القديمة، وصياغة التحف والحلي القديم بهدف الحفاظ عليه من الاندثار”.
وتواصل دعاء حديثها قائلة: “نحن في مؤسسة عرش بلقيس نعمل على خلق وعي مجتمعي إلى جانب تجربتنا في المؤسسة من خلال المساهمة في عملية الترميمات لعدة معالم كانت قد طالتها يد الإهمال وإلى جانب خططنا التدريبية على المهارات المرتبطة بالحرف التراثية وكما نسعى إلى الاهتمام بالتنمية”.
دور المرأة في الحفاظ على المعالم الأثرية
وعن دور المرأة ومساهمتها في الحفاظ على المعالم الأثرية أوضحت دعاء أنَّ هناك أدواراً قامت بها المرأة، خاصة من تعمل في منظمات المجتمع المدني، وهناك إعلاميات قمن بأعمال وجهود يشكرن عليها وخاصة في تناول مواضيع الوقفات الاحتجاجية التي كانت تنظم لأجل أية قضية تخص المعالم الأثرية.
وتؤكد الواسعي أن المرأة أكثر اهتمامًا بهذه القضايا التي تخص المعالم الأثرية والسياحية لأنَّها حساسة أكثر من الرجل في هذا الجانب وكما أنَّها تحب الجمال وتهتم به.
صعوبات
وكأي مؤسسة تواجه معوقات، تلخص دعاء أبرز الصعوبات التي تعاني منها في مؤسسة عرش بلقيس قائلة: “عدم تعاون بعض الجهات، الخصومات التي نحاول أن نتفاداها لأنَّها وجدت؛ بسبب قلة الوعي لدى المجتمع بأهمية الحفاظ على تراث اليمن من الضياع، وكذلك الوضع المالي الذي تعانيه المؤسسة؛ بسبب الظروف التي نعيشها في اليمن جعلتنا نقلص من برامجنا في المؤسسة ولكننا نعمل رغم كل الصعوبات والتحديات؛ لأنَّنا نؤمن بقضيتنا وهي الحفاظ على إرثنا وحضارتنا”.
رسالة إلى الجهات المختصة
ترسل دعاء الواسعي إلى جميع الجهات المختصة والمنظمات المجتمع المدني استغاثة بأن تقف الجهات المعنية مع المؤسسات المعنية بحماية المعالم الأثرية، للحفاظ على الآثار؛ لأنَّها حضارة اليمن وعلاقاتها الخارجية ومصدر تفاخرها بين الشعوب ويجب أن يتحد الجميع للحفاظ على التراث اليمني.
استطلاع لـ YIC: 75 % من الآثار اليمنية لا تتمتع بالحماية الكافية
صوت الأمل كشفت نتائج استطلاع إلكتروني أجراه يمن انفورميشن سنتر بداية شهر مايو 2022م حول (ا…