عوالم المتسولين.. فصول من الشَّفقة والضحايا والإجرام
صوت الأمل – عبد الجليل السلمي
ليس كل المتسولين فقراء. في الواقع، جنى البعض الكثير من الأموال تحت غطاء التسول، لتمرير تجارة غير مشروعة، أو من أجل الثراء، بينما تعاظمت ضحايا هذه الظاهرة وعواقبها الوخيمة، مما أدى إلى حدوث مشكلات عديدة في المجتمع.
تحدث العديد من الأطفال المتسولين لـ(صوت الأمل) أنَّ الآباء أو الأقارب (الأوصياء) يجبرونهم على التسول باستخدام أساليب عنيفة أو قسرية، ويتم تفتيشهم عند العودة إلى المنزل للتأكد أنَّهم يجلبون المبالغ المتوقعة من المال كل يوم، مما ألحق بهم الأذى الجسدي والنفسي.
الأطفال الذين يُجبرون على التسول يعانون من انتهاك حقوقهم، لكن القضية الأكثر تطرفاً أنَّ هناك أبناء يجبرون والديهم على التسول، وفي ذلك يقول أحد المسنين (م. ع) لـ (صوت الأمل): “إن أولاده تخلوا عنه وأجبروه على التسول مقابل البقاء معهم”. وبين أنَّه يقضي عادة أكثر من تسع ساعات في مواقع التسول، وفي نهاية اليوم أولاده يسيطرون على الأموال التي يجمعها.
تعرض العديد من المتسولين في الشوارع لخطر الاختطاف والإجبار على ممارسة الجنس، وينتهي الأمر ببعض المتسولات بحمل غير مخطط له، وفي ذلك تروى (ن. م) لـ “صوت الأمل” قصة رفيقتها التي هربت من بيت أهلها بعدما تبين أنَّ لديها “حملًا” غير شرعي.
وتقول إنها كانت ترافقها في التسول ويقسمن ما يجمعنه من مال كل يوم، لكنَّها اختارت أن تعمل وحدها، وبعد أشهر تبين أهلها أنَّ ابنتهم حامل، فتعرضت للضرب الشديد، ولم يصدقها أهلها بأنَّها تعرضت للاغتصاب، وانتهى بها المطاف إلى الهروب إلى مكان غير معلوم حتى الآن.
لم تتم الإشارة للأسماء الحقيقية في القصص الواردة في هذا التقرير، وتم الاستعاضة عنها بأحرف فقط، بينما تحتفظ الصحيفة بالأسماء الحقيقية للضحايا والمتحدثين لاعتبارات إنسانية وأمنية وأخلاقية.
تحدثت بعض الفتيات عن تعرضهن لمضايقة الفتية أو الرجال في المناطق التي يتسولن فيها، حيث يعرضون عليهن ممارسة الجنس مقابل المال، أو يطلبون أرقام هواتفهن المحمولة للمواعدة.
قالت إحدى المتسولات (م. هـ) لـ”صوت الأمل”: “كل يوم أتعرض للتحرش اللفظي والمضايقة، حتى أنَّي أُلمس بالأيدي”. متسائلةً: “لماذا ينظرون إلينا بهذه النظرة؟ الظروف أجبرتني على التسول ولو كنت أريد الحرام ما خرجت أسأل الناس”.
في المقابل، يؤكد الشاب (ص. ج) أنَّه تفاجأ عندما تجاذب الحديث مع امرأة متسولة -أكبر سناً- وفي النهاية قدمت له عرضاً بإعطائه أجمل الفتيات حسب رغبته، ومن مختلف الأعمار، ومن أسر ذات قيمة اجتماعية مقابل أن يدفع المال لها وللفتاة -حد قوله-.
ترى الدكتورة أمل صالح راجح (أستاذ مساعد، قسم علم الاجتماع، كلية الآداب- جامعة عدن) أن ظاهرة التسول من الظواهر السلبية في المجتمع، فهي نتاج للفقر وتردي الحالة المعيشية التي تدفع فئات معينة في المجتمع لامتهان التسول لسد متطلبات الحياة المعيشية.
وتقول: “إنَّ من أهم آثار التسول على المجتمع، انتشار المظاهر غير الحضارية من خلال تكدس المتسولين في الشوارع ومضايقة المارة”.
وتؤكد أنّ هذه الظاهرة تعد سبباً من أسباب حدوث بعض الجرائم في المجتمع، كانتشار المخدرات، حيث يصبح بعض المتسولين من مروجي المخدرات بين أفراد المجتمع.
وتضيف أيضًا: “قد يصبح المتسولون وخصوصاً الفتيات والنساء عرضة للاغتصاب من قبل بعض العصابات لفقدانهم الحماية الكاملة من الأهل أو ممن يعولونهم”. وأشارت الدكتورة أمل إلى أنّ العصابات تستغل الأطفال والنساء المتسولين في ترويج المخدرات أو جلب الأموال مما يؤدي إلى حدوث مشكلات عديدة في المجتمع.
أفاد العديد من الأطفال المتسولين أنَّهم يتعرضون للضرب إذا لم يجلبوا ما يكفي من الإيرادات، وأكد بعضهم أنَّ آبائهم ينفقون الأموال التي يجمعونها على شراء القات.
وقفت طفلتان على نافذة إحدى السيارات، أمام متجر لبيع التجزئة في وسط مديرية خور مكسر بمدينة عدن -مكان يتجمع فيه المتسولون- وتوسلتا من بداخل السيارة للتصدق عليهن بالمال لكنَّهم رفضوا طلبها. ألحت إحداهن وخاطبتهم بالقول: “أمي ستضربني إذا عدت إليها بدون المال، على الأقل أعطوني حق المواصلات ليوم غد عندما أخرج من البيت” الأمر الذي دفع الرجل لإعطائها مبلغاً من المال، بعد التأكد من صدق قولها من رفيقتها.
وقبضت الأجهزة الأمنية في مديرية دار سعد بمحافظة عدن على متسولة – كبيرة السن- بعد الإبلاغ أنَّها تستخدم حيلة على جسد طفل صغير – خلط الحبر مع الشاي- ليبدو جسده مشوهاً بالحروق لاستعطاف الناس والحصول على المال. وكشف المصدر الأمني “أنَّه بعد إيداع المتسولة (ف. م) في السجن بتهمة الحيلة، والتحقيق معها، تبين أنَّها ليست فقيرة وأنَّها من الأثرياء، تملك عمارة في موقع تجاري بمدينة عدن وست شاحنات نقل كبيرة، وفي النهاية تم إخلاء سبيلها شريطة عدم العودة لممارسة التسول”.
قال مصدر أمني آخر لـ”صوت الأمل” إنه تم الإبلاغ عن فتيات متسولات يروجن لبيع الحشيش في ساحل أبين بمدينة عدن، أحد أشهر الأماكن التي يرتادها الناس والعائلات ومن مختلف فئات الأعمار يومياً لمضغ القات في خيام مخصصة أو داخل سيارتهم الخاصة. وأضاف: “تم نشر عناصر من المخبرين الأمنيين في الساحل، وبالفعل تم القبض على العديد من الفتيات اللواتي يُروجن الحشيش، وأتضح أنَّ عصابات تقف خلفهن تستخدمهن لهذا الغرض، تحت غطاء التسول”.
في المقابل تروي إحدى المتسولات أنَّها تعرضت للتحرش والابتزاز حيث تم التحرش بها بتهمة ترويج بيع الحشيش والمخدرات من قِبل أفراد الأمن وأناس آخرين يدعون أنَّهم تابعيين للأمن.
الإساءة من قبل الوالدين والمستغلين ليست هي الوحيدة لأشكال العنف والإكراه الذي يعاني منه الفتيان والفتيات الذين يجبرون على التسول، فقد شكا أطفال “من سوء المعاملة من المتسولين الآخرين، ومن بعض الناس الذي يقابلونهم بشكل يومي”.
طفل يبلغ من العمر أربعة عشر عاماً، يصف المعاملة التي يتلقاها من الناس في الشارع عندما يتسول بقوله: “لقد تعرضت للضرب وعندما توسلت جاءوا ليضربونني أيضاً فهربت وركضوا بعدي”.
على الرغم من أن معظم المتسولين قالوا إنهم قوبلوا بلطف وكرم من أصحاب المحال التجارية والجيران والأشخاص الذين يزرون مدينة عدن؛ فقد كشف أطفال متسولون أنَّهم يتعرضون من بعض الناس لسلوك مسيء بانتظام ولتعليقات جارحة، قال أحدهم: “هناك من يشفق علينا وآخرون يعارضون ويقولون إنَّنا قذرين ورائحتنا كريهة”.
خلصت أمل راجح (أستاذ مساعد، قسم علم الاجتماع، كلية الآداب -جامعة عدن) بالقول: “إنَّ تحول المتسولين إلى أدوات للجريمة وممارستها، هو نتيجة لفقدان التوعية الصحيحة لهذه الفئة من المجتمع، وضعف الجانب الأمني الذي يلقى على عاتقه متابعة أماكن تجمع المتسولين والكشف عن العصابات الإجرامية الذي تستغل حاجتهم للمال وتقوم بتوجيههم لما يخدم مصالحها”.
استطلاع.. %44الأطفال أكثر الفئات تسولاً في اليمن
صوت الأمل – رجاء مكرد كشفت نتائج استطلاع إلكتروني أجراه يمن انفورميشن سنتر، بداية شهر أبري…