أطفال اليمن يحلمون بمستقبل يغير الواقع الذي فرضته آثار الصراع
صوت الأمل – أحمد باجعيم
تعدّ اليمن واحدة من الدول التي تتعرض لصراع مستمر ومدمر منذ نحو تسع سنوات متواصلة، خلفت ضحايا بشرية وأضرارًا مادية طائلة، إلى جانب تدمير كلي أو جزئي للمرافق الخدمية.
من بين الفئات الأشد تأثرًا بهذا الصراع كان النصيب الأكبر لفئة الأطفال الذين يتعرضون بشكل مستمر للعنف والقتل والتشرد على أيدي الأطراف المتحاربة، إذ يعدّ الأطفال هم الأكثر تضرُّرا من العنف القائم في البلاد.
وتشير الإحصائيات التي تناولتها منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) أنّ أكثر من 11 ألف طفل يمني تعرضوا للقتل أو التشويه منذ بدء الصراع، بمعدل أربعة أطفال في اليوم الواحد، يأتي ذلك طبقا لتقرير (الأمم المتحدة) في العام 2022م، تحت عنوان: (اليمن: اليونيسف تؤكد مقتلا أو تشويها لأكثر من (11000) طفل نتيجة الصراع؛ بمعدل أربعة أطفال يوميًّا).
ويؤكد التقرير أنّ هذه الإحصائية هي التي تحققت منها الأمم المتحدة، في حين ترجح أنّ الخسائر على أرض الواقع قد تكون أعلى بكثير من هذا الرقم؛ نتيجة حدة النزاع في السنوات الماضية بين الفصائل المحلية.
مراكز الأطراف
أقدمت المنظمات الدولية، والمركز السعودي، وكذا الجمعية الكويتية، وأيضًا سلطنة عمان، على إنشاء مراكز للأطراف الصناعية في اليمن، أو تسفير المتضررين من الصراع للخارج؛ لإعادة تأهيلهم، بما فيهم الأطفال.
وفي هذا الصدد نفذت منظمة اليونيسيف للأمومة والطفولة مشروع مساعدة ضحايا النزاع من فئة الأطفال في محافظة عدن، بالشراكة مع الوكالة الأمريكية للتنمية، جاء ذلك في قصة كفاح لطفلة تناولها الموقع الرسمي للمنظمة في العام 2018م بعنوان: (آية، قصة الألم والأمل)؛ إذ أعاد المشروع تأهيلًا جسديًّا لـ (100) طفل تأثروا بشكل مباشر من الصراع، وتقديم أطراف صناعية لهم؛ نتيجة فقدهم أطرافهم أثناء الصراع.
ويشير التقرير الأممي، أنّ النزاع المسلح تسبب في العديد من الإصابات للأطفال أفقدتهم أطرافهم أما العلوية أو السفلية، لهذا يقدم فريق حماية الطفل التابع لمنظمة اليونيسيف الدعم للأطفال، سواء النفسي أو الاجتماعي، إلى جانب الدعم المادي، وهو عبارة عن تركيب الأطراف.
وبيّن التقرير أنّ الأطفال المستفيدين من المشروع يأتون مع جميع المحافظات اليمنية إلى عدن، كما أنّ اليونيسيف أطلقت المرحلة الثانية للتخفيف من آثار الصراع على الأطفال؛ يستهدف المشروع (120) طفلًا آخر، وإعادة تأهيلهم جسديًّا.
إلى ذلك قدّم مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية عبر مراكز الأطراف الأربعة المقامة في اليمن والموزعة في (عدن – مأرب – حضرموت – تعز) خدماته للمتضررين من آثار الصراع المسلح، علقت وكالة الأنباء السعودية (وأس) عبر تقرير لها في إبريل 2023م بعنوان: (فريق مركز الملك سلمان للإغاثة يتفقد سير عمل مشروعي مركز الأطراف الصناعية وإعادة إدماج الأطفال في اليمن).
وأوضح التقرير أنّ عدد المستفيدين في مركز سيئون بحضرموت من المشروع منذ عام 2021م وحتى شهر مارس 2023م قد وصل إلى أكثر من ثمانية آلاف شخص، قُدمت لهم نحو 37 ألف خدمة؛ منها الأطراف الصناعية والعلاج الطبيعي، بما فيهم الأطفال.
وبيّن تقرير الوكالة السعودية، أنّ المركز عمل على تقديم الخدمات العلاجية للأطفال المتأثرين بالنزاع والمتضررين بشكل مباشر؛ لإعادة إدماجهم، وأطلق على هذا المشروع (كفاك)، وهو يهتم بدرجة أساسية بتطوير مهارات التعامل مع الأطفال وفن التخاطب، وكذا تقديم الدعم الإرشادي والنفسي والتعليمي لإعادة تأهيلهم ودمجهم مع المجتمع بصورة سليمة، بعيدًا عن آثار صدامات الصراع.
وفي هذا الصدد تحدث مدير مشروع تشغيل مركز الأطراف الصناعية وإعادة التأهيل في سيئون، المهندس مصطفى العبد الله: “بأنّ المركز يقوم بدور كبير في حضرموت والمحافظات المجاورة للتخفيف من حدة آثار الصراع الدائر في اليمن، من خلال العمل على تقديم الخدمات العلاجية لمرضى البتر والتشوهات الخلقية من الأطفال النازحين، والسكان الذين يتزايد أعددهم كل يوم ويحتاجون لرعاية كاملة في خدمات الأطراف الصناعية والتقويمية”.
مؤكدًا أنّ عدد الأطفال المستفيدين من خدمات الأطراف منذ تدشين المركز التابع لمركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية في مارس 2021م أكثر من 1400 طفل مستفيد.
اللجنة الوطنية
قالت عضو اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان بعدن، القاضية الدكتورة ضياء محيرز: “إنّ الأطفال يتعرضون لانتهاكات متعددة، من المرجح أن تترك جيلًا من الأطفال مشوهًا مدى الحياة”.
وتتابع: “حرصت اللجنة على توثيق العديد من الانتهاكات الجسيمة المرتكبة ضد الأطفال من قبل الأطراف المتصارعة؛ كالقتل، والتشويه، والتعذيب، والإصابات الجسدية المختلفة، والتجنيد الإجباري والطوعي للأطفال، باستغلال حاجة عائلاتهم الماسة للمال، إلى جانب إكراههم على الزواج، وتزويج القاصرات قبل البلوغ، والتهجير القسري للأطفال مع عائلاتهم، وكذا حرمانهم من التعليم والصحة”.
وأشارت أنّ اللجنة تولي اهتمامًا خاصًّا للأطفال أثناء اضطلاعها بمهام النزول إلى سجون بعض المحافظات والتأكد من وجود أطفال سجناء، ومدى تمتعهم بالحقوق الخاصة المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية والتشريعات الوطنية.
كما تعمد اللجنة بصفة مستمرة، وانطلاقًا من مسئوليتها الأخلاقية، لإحالة الأطفال المتضررين من الانتهاكات التي يتم رصدها إلى الجهات والمنظمات المتخصصة؛ لتقديم الدعم الطبي والنفسي لذوي الاحتياجات الخاصة منهم.
مؤكّدة أنّ اللجنة حريصة على إطلاع الرأي العام على الانتهاكات التي طالت الأطفال من خلال تقاريرها السنوية وبياناتها الصحفية، التي ترد فيها إحصائيات عن عدد الضحايا من الأطفال ونماذج من وقائع الانتهاكات الخاصة بهم..
وأوضحت القاضية الدكتورة ضياء، أنّها منذ باشرت اللجنة الوطنية للتحقيق أعمالها في عدن وفروعها في العديد من محافظات الجمهورية، رُصدت العديد من الانتهاكات الجسيمة المرتكبة ضد الأطفال؛ إذ بلغ إجمالي الانتهاكات التي وثقتها اللجنة وحققت فيها، طبقًا لمعايير لجان التحقيق الدولية ما يقارب 6 ألف انتهاك بحق الأطفال منذ بدء النزاع المسلح عام 2023م.
وتؤكد أنّ أنشطة اللجنة في الرصد مستمرة، على الرغم من القيود الأمنية والقيود المفروضة على الوصول للضحايا، بالإضافة إلى التهديدات التي يتعرض لها راصدو اللجنة، وعمليات الاحتجاز لبعضهم في أوقات مختلفة.
الآثار المباشر وغير المباشرة
وثقت منظمة اليونيسيف الآثار المباشرة وغير المباشرة التي لحقت بالأطفال اليمنيين من تداعيات الصراع المسلح منذ مطلع عام 2015م وحتى عام 2018م، وذكرت المنظمة في تقرير لها أصدرته بنوفمبر 2018م بعنوان: (النزاع في اليمن: جحيم يعيشه الأطفال) أنّ (1,8) مليون طفل يمني يعانون من سوء التغذية الحاد، منهم (400) ألف طفل يعانون من سوء التغذية يشكل تهديدًا واضحًا على حياتهم.
ويضيف: “أنّ طفلًا يموت كل (10) دقائق من أمراض يمكن الوقاية منها بسهولة، نتيجة الوضع الإنساني المتفاقم، والآثار غير مباشرة على الأطفال في اليمن”.
وعدّت القاضية محيرز أنّ غالبية الأطفال ضحايا مباشرون لجرائم الاقتتال، وهناك أطفال ضحايا غير مباشرين؛ كونهم مشاركين في ارتكاب الانتهاكات مع أطراف النزاع؛ إذ يتم تجنيدهم طوعًا أو كرهًا باختطافهم على يد عناصر الأطراف المسلحة.
وتتابع: “ارتفعت معدلات الفقر والحرمان والأمراض، وتوقف كثير من الأطفال عن الذهاب إلى المدارس بسبب تدمير المدارس؛ كنتيجة للقصف الذي طال المناطق السكنية أو التهجير والنزوح، بالإضافة إلى ارتفاع معدلات عمالة الأطفال، والزواج المبكر، وحالات التجنيد، وتعرض الأطفال للإصابات الجسدية والعنف اللفظي والجسدي”.
يمكن القول أنّ آثار الصراع على الأطفال في اليمن كارثيةٌ ومدمرةٌ وانعكاساتها خطيرة على المستقبل؛ إذ يمرون بتجارب قاسية ومأساوية تترك أثرًا عميقًا على صحتهم الجسدية والنفسية، وتؤثر على تنميتهم الشخصية وتعليمهم؛ لهذا يتطلب الأمر تكثيف العمل الدولي والمحلي لانتشال الأطفال من هذه الكوارث وتقديم الرعاية الصحية اللازمة لهم.
96.2% من المشاركين في الاستطلاع يعتقدون أن الصراع تسبب في حرمان أطفال اليمن من حقوقهم الأساسية
صوت الأمل – يُمنى أحمد خلق الصراع المستمر في اليمن أزمة إنسانية كبرى قد تعد واحدة من أسوأ …