مشاريع شعبية بنجاح إستثنائي

صوت الأمل – حنان حسين

الصراع السياسي كان السبب الأكبر في تدهور العديد من المشاريع، وقطع أبواب الرزق لدى أغلب المواطنين في ظل ظروف خانقة؛ عصفت بالبلاد، ودمرت الكثير، وهددت حياة الجميع.

 أُجبر وسيم حسين جبارة (من صنعاء) لإغلاق مشروعه الخاص، الذي كان عبارة عن محل متخصص بوجبة الإفطار من (الزلابيا والكباب)، وغيرها من المأكولات الشعبية، في شارع خولان في صنعاء؛ حدة الصراعات جعلته يغلق محله مضطرًا ومتجرعًا لويلات هذا الإغلاق ومأسوية العواقب والنتائج، فخسارة باب رزقه الوحيد كانت أكبر مأساة تجرعها وسيم وعائلته حينها.

أتى أحدهم إلى وسيم وعرض عليه العمل في مشروع تملكه أختان يُسمى “بِرْعِي وزلابيا”، وأتى عرض العمل هذا إليه وهو عاطل عن العمل فكان كبزوغ فجر جديد بعد يوم شديد الظلام.

“برعي وزلابيا” هو مشروع نسائي تمَّ افتتاحه منذ ثلاثة عشر عام، الفكرة أتت من أختين؛ أحدهما تعمل في مصلحة الضرائب، والأخرى تعمل في مصلحة الجمارك؛ أي بالقرب من موقع المحل. وسبب اختيار المشروع لهذه الأكلتين تحديدًا يتحدث وسيم قائلًا: “عندما كان يرغب الناس بالبرعي يذهبون إلى منطقة باب اليمن أو باب السَّبَاح لشرائه، والمكان بعيد نسبيًّا لمن يريد أن يفطر بهما يوميًّا، ومن هنا ظهرت الفكرة والتنفيذ من قبل الأختين، فتمَّ التعاقد مع أحدهم ليدير المكان حينها”.

يتحدث وسيم أنّ العمل في المحل بدأ بطبق “البرعي” فقط، ونجح نجاح كبيرًا، لكنّه كان يُقدم بدون خبز؛ ممّا جعل الناس يتساءلون؛ لماذا لا يتم عمل خبز الـ”زلابيا” إلى جوار هذا الطبق اللذيذ؟  وذلك لأنّ طبق البرعي مرتبط ارتباطًا وثيقًا بخبز الزلابيا كوجبة إفطار في صنعاء القديمة منذ سنين طويلة، فغالبًا ما تجد البرعي مرتبطًا “بالزلابيا” أو “بالكدم” للتغميس.

فعندما كان الناس يشترون البرعي من المحل كانوا يشتهون الزلابيا، فيضطرون للذهاب إلى منطقة باب السباح، حيث يجدون هناك من يخبز الزلابيا ليشتروا منه، ويقطعون مسافة تأخذ منهم الكثير من أوقات دوامهم، من هنا ظهرت فكرة إرفاق خبز “زلابيا” في المحل إلى جانب “البرعي”، فأخذوا بالبحث عن عامل متخصص بعمل الخبز، واستمروا بالبحث حتى وجدوا وسيم حسين جبارة، وهو خباز متخصص بعمل “الزلابيا”.

انطلق وسيم في العمل بنجاح. وما جعل الإقبال أكبر على المحل هو توفر الأكلة الشعبية المرغوب فيها من قبل كثيرين، وتعدُّ طبقًا شعبيًّا متوارثًّا وزاخرًا بالفائدة؛ فالبرعي يطبخ من حبوب “العتر البلدي”، الذي له فوائد لا تُحصى، والزلابيا تعدُّ من المعجنات اللذيذة، التي تعطي مذاقًا طيبًا مع الشاي الحليب أو كما يسمى لدى أهل مدينة عدن “الكَرَك”، فأتت وجبة إفطار صباحية مكتملة. والأمر الذي ساعد في بروز المحل وانتشاره والشعبية الواسعة له هو عدم وجود منافسين في المنطقة، فحلّق وسيم عاليًا بنجاح كبير، وحاليًا يُدير المحل إلى جانب فريق صغير مكون من المحاسب وطبّاخ البرعي وآخرين إلى جانبه.

يتحدث وسيم بشغف عن عمله ويقول: “إنّه يبدأ الدوام من الصباح الباكر؛ أي من الساعة الخامسة صباحًا إلى الساعة 10 صباحًا عند انتهاء كمية الأكل، في حين يكون شهر رمضان بأكمله إجازة سنوية يرتاحون فيها ويتعبدون، إضافة إلى إجازة الأعياد كعيد الأضحى والفطر”.

تحديات وصعوبات

لكل نجاح لا بُدَّ أن يقابله مجموعة من المنغصات والتحديات، وهناك عدّة عقبات واجهت وسيمًا خلال حياته؛ منها التي واجهته في مشروعة الخاص، والتي واجهته كعامل في مشايع أخرى، كالمشروع الذي يعمل به حاليًا، يتحدث وسيم قائلًا: “الصراعات العسكرية كانت سببًا في إيقاف مشروعي الخاص، بحكم قرب موقعه من منطقة كانت مستهدفة عسكريًّا، وكذلك مدة انتشار مرض كورونا عام 2020 م، قلّلت من إقبال الناس على الشراء، وهذه الخسارة حينها لحقت بالكثير من المشاريع والمطاعم ومحلات بيع المأكولات بشكل عام، لكنها شدّة ومضت بفضل الله، كذلك من الصعوبات التي ما زالت توجهنا حتى اليوم هي ارتفاع أسعار بعض المواد بشكل مفاجئ فضلًا عن انعدامها لمدة زمنية؛ الغاز والعتر البلدي (من فصيلة البازلاء)”.

يتحدث وسيم بإيجابية عالية تجعله يرى أيَّ صعوبة منطلقًا وسببًا جديدًا للنجاح، ويرى أنّ باب الرزق مفتوح للجميع، وبرز ذلك في تعبيره عن التنافس قائلًا: “في إحدى المرات حصلت إشكالية مع أحد العاملين في المحل فقام بالاستقالة، وافتتح محلًّا منافسًا لمحلنا، واختار الدكان الذي أمام محلنا بالضبط، لكنه لم يفلح ولم يستطع الصمود أكثر من شهرين تقريبًا فأغلقه ورحل بلا عودة، لأسباب عديدة؛ منها أنّه لم يكن يفهم بأصول المهنة وأسرارها، التي أنا وإخوتي نتوارثها أبًا عن جد”.

من باب الخبرة

يتحدث وسيم بشفافية عن تجربته والعقبات التي واجهته لكنه لا يراها عثرات بقدر ما يراها تحديات يتجاوزها بثقته بالله وبعمله المتقن بجودة عالية ونزاهة وأمانة، لكن ظروف الغلاء تجعله يقف ناصحًا لأي مستثمر جديد يفكّر بعمل مشروع في مجال الطهي اليمني أو العربي والعالمي بشكل عام – قائلًا: “الغلاء عائق كبير أمام المشاريع الجديدة، لكن إذا الشخص لديه رأس مال  مناسب لمشروعه أنصحه بعمل دراسة جدوى مسبقا لكل صغيرة وكبيرة سيحتاجها كي يتفادى الخسائر غير متوقعه خلال التنفيذ، أن يضع في حسابه، مهما كان موهوبًا في المجال، أشياء منها؛ الأسعار، فأداة القلي (الطاوة) المخصصة لعمل الزلابيا كلفتني في مشروعي السابق قبل تسع سنوات حوالي 60 ألف ريال يمني، وهنا في هذا المحل كلفتنا 165 ألف ريال، فالغلاء يثبت نفسه. وكذلك الحذر من التهاون في النظافة، أو خلط مواد رخيصة مع  المواد الغالية. فإتقان فن المهنة والمحافظة على تراث الطهي اليمني الأصيل وتعليمه للأجيال القادمة حفاظٌ على الموروثات التقليدية التي يعدُّ جزءًا أصيلًا من ثقافة وهوية المجتمع اليمني”.

البرعي

طبق يمني بدأ من المطبخ الصنعاني، نسبةً إلى صنعاء القديمة تحديدا، وهو عبارة عن طباخة العدس البلدي (العتر) -ويطلق عليه مسمى (لحم الفقراء)- بعد نقعه لساعات طويلة ثم سلقه في قِدر الضغط، وبعدها يوضع فيه حجر الحُطم ليكسبه اللون البني الداكن، بالإضافة إلى الثوم المهروس والملح، ويترك على نار هادئة حتى ينضج.

الزلابيا

هي نوع من المخبوزات المقلية بالزيت يقال إنها أتت من العهد العثماني (المطبخ التركي)، ويقال من الهند، والبعض يقول إنها أتت من الأندلس. وُسميت باسم زرياب الأندلسي الذي ابتكرها عندما سافر إلى الأندلس؛ حيث حُرِّف اسمه من زرياب إلى زلياب. ومهما تعددت الروايات يبقى مزيج العجين المقلي من الأطباق الصنعانية.

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

43% يعتقدون أن تنوع المطبخ اليمني أسهم بشكل مباشر في تعزيز التماسك المجتمعي اليمني

صوت الأمل – يُمنى أحمد تلعب الأطعمة الشعبية دورًا هامًا في تعزيز الهوية الثقافية للشعوب؛ ف…