‫الرئيسية‬ الأعداد السابقة المعلمون في اليمن دور الجهات الرسمية في تحسين وضع المعلم

دور الجهات الرسمية في تحسين وضع المعلم

صوت الأمل – ياسمين عبدالحفيظ

منذ سنوات تحاول لبنى عبد الرقيب (مديرة مدرسة أسماء للبنات في ريف الصلو بمحافظة تعز) التواصل بالجهات ذات العلاقة، والمنظمات من أجل الحصول على دعم لبناء فصول إضافية للمدرسة التي تعاني من الازدحام الشديد جراء قلة الفصول الدراسية.

    تسرد المعلمة لبنى قصة المدرسة بقولها: “تعتبر مدرسة أسماء المدرسة الوحيدة في المديرية للفتيات، بنيت في العام ٢٠٠٦م، كنا متفائلين بالفعل بأن تكون هناك بادرة لافتتاح مدرسة تخص الفتاة، لكن تم بناء مبنى واحد فقط يتكون من ثلاثة فصول وغرفة إدارة وملحق وغرفة سكن، على أساس أنه سيتم استكمال بقية المبنى حتى تكون مدرسة مكتملة، لكن للأسف لم يحدث ذلك”.

     اضطر المجلس المحلي في المديرية لفتحها كملحقية للمدرسة المختلطة المجاورة، وفي العام ٢٠١٨م تم إرسالي كمديرة للمدرسة بشكل رسمي، وفتحت المدرسة بخمسة صفوف من الأول إلى الخامس الأساسي، مستغلين ملحق الإدارة وغرفة السكن، ونتيجة لظروف التوظيف المتوقفة تم فتحها بكادر متطوع من بناتنا المتخرجات حديثا، لم نيأس قط، بدأنا بكل حماس والمعلمات يبذلن قصار جهدهن لجعل المدرسة متميزة”.

    توضع لبنى قائلة: ” لم نتوقف، بدأنا بطرق أبواب فاعلي الخير لتوفير مبالغ زهيدة للمعلمات، ولا زلنا نعاني إلى الآن. طرقنا أبواب المنظمات لدعمنا في بناء فصول دراسية لإكمال المدرسة، حيث إن المدرسة تضم فتيات من جميع القرى المجاورة، حتى أنه لم يعد هناك في المدرسة المختلطة المجاورة لنا صفوف فتيات من أول إلى خامس، ويصل عدد التلميذات كل عام إلى 250 تلميذة. ويمكن أن يصل عدد التلميذات حتى المرحلة الثانوية أكثر من 500 فتاة”.

     تضيف: “المدرسة لا يوجد بها أي دورات مياه ولا مجاري، رغم أنها مدرسة بجانب الطريق العام، ومباني سكنية تمتلك المدرسة خزانًا أرضيًا، لكن لا تمتلك أي مضخة لرفع المياه أو شبكة أو خزانات صالحة للاستخدام، كما تفتقر المدرسة لكثير من الاحتياجات على مستوى التلميذ والمعلم والمبنى بشكل عام. تحتاج المدرسة للدعم حتى يتسنى لفتياتنا مواصلة تعليمهن بشكل أفضل”.

    تعمل لبنى عبد الرقيب في مدرسة حكومية منذ أكثر من عشرين عاما في ريف الصلو بمحافظة تعز، وبفعل نشاطها المجتمعي في المنطقة تم تعينها مديرة مدرسة أسماء للبنات، اعتبرها ناشطون ومسؤولون حكوميون في المنطقة بأنها المرأة القيادية التي تسعى إلى خدمة العملية التعليمية من خلال استغلال عطلة الصيف، في استفادة الطالبات وإقامة ورش للمعلمات وأنشطة يشارك فيها أولياء الأمور. فيما يراها مثقفون من المنطقة بأنها شكلت نموذجًا مشرفًا للمرأة الريفية في نشاطها ومحاولتها في تحسين تعليم الفتيات.

     بذلت جهودًا كبيرة وهي تبحث عن داعمين من المنظمات وأهل الخير لتقديم الدعم للمدرسة، سواء في بناء فصول أو دورات مياه أو دفع مرتبات للمعلمات المتطوعات دون جدوى، ورغم محاولة إغلاق المدرسة وتوزيع الفتيات في مدارس الذكور بسبب قلة الفصول، تحاول لبنى التمسك بالهدف والبحث عن دعم من خلاله تستمر المدرسة في تقديم خدماتها لفتيات المنطقة.

    نفذت تجربة منهج النتائج السريعة في المدرسة بمشاركة مؤسسة تنموية تعمل في المنطقة (مؤسسة الريادة)، التجربة حملت عنوان ” تحدي مائة يوم” تمحورت حول تعليم فتيات الصفوف الأولى في المدرسة لمساعدتهن في القراءة والكتابة الصحيحة، ومعالجة الضعف القرائي والإملائي لديهن، إلى جانب أنشطة أخرى استهدفت فيها الطالبات وأولياء أمورهن والمعلمات.

     لبنى ليست المعلمة الوحيدة في اليمن التي تكافح من أجل استمرار العملية التعليمية بالمستوى المطلوب بين أنقاض الصراع الدائر منذ سنوات، والذي أدى إلى تراجع العملية التعليمية في اليمن إلى الأسوأ، فهناك العديد من التحديات التي تواجه المعلمين في البلاد، ليست فقط في البنية التحتية وإنما في العديد من النواحي، تعرفنا على الكثير منها من خلال المقابلات التي أجرتها صحيفة صوت الأمل مع عدة معلمين ومعلمات في مختلف المناطق.

ما يواجهه المعلمون

    أبرز المشاكل التي تواجه المعلمين هي تدني الرواتب مع ارتفاع الأسعار بشكل جنوني، فالمعلم لا يستطيع توفير الأساسيات لأسرته، ويضطر للبحث عن عمل آخر إلى جانب التدريس، لكي يوفر متطلباته الأساسية، حسب تهاني حميد محمد (وكيلة مدرسة).

    وتضيف: “أما بالنسبة للرواتب فهي ضئيلة جدا، نجد أن بعض المعلمين رواتبهم ٤٤ألفًا”. وتواصل متسائلة: “برأيك ماذا سيفعل بها؟!” وتؤكد: “طبعا لا حوافز ولا علاوات من ٢٠١١، وما نستلمه الآن ما يسمى العلاوة السنوية فهي صدقة، وممكن تتوقف بأي لحظة”.

     يوافقها في الرأي المعلم عمر بالعيد (مدرس لغة إنجليزية) والذي يرى أن من أهم المشاكل التي تواجه المعلمين في اليمن تدني مستوى الرواتب بالتزامن مع الظروف المعيشية التي تمر بها البلاد، فهي لا تغطي حتى ربع دخل الفرد. ويضيف: “من المشاكل أيضا أنه لكي يدخل وسط الحقل التعليمي لابد أن يكون لديك وساطة”.

     ولا يختلف رأي المعلمة ياسمين الصلوي كثيرا، والتي تقول: “إن من التحديات التي تواجه المعلمين في البلاد ازدحام الفصول الدراسية، والتي تؤدي إلى عدم تركيز المعلم أثناء شرح الدروس، وضعف استيعاب الشرح من قبل التلاميذ، والذين يصل عددهم أربعة طلاب على الطاولة الواحدة”.

    وترى الصلوي أن قلة الفصول الدراسية في بعض المناطق تؤدي إلى ازدحام الطلاب، ويؤدي إلى ضعف التحصيل لدى الطالب ما يؤدي إلى رسوبه، ثم إلى عزوفه على مواصلة الدراسة، وتضيف: “إلى جانب انقطاع الرواتب وعدم حصول المعلم على حقوقه يواجه وجعًا آخر وهو يرى ظروف كثير من طلابه لا تسر. عندما أتابع بعض قصص طلابي الموجعة أشعر أنني بحاجة إلى أن أترك المهنة حتى لا تصلني مأساتهم ومأساة أسرهم”.

دور الجهات الحكومية

     يقول محمد علي لملس (وكيل قطاع التعليم): “إن الوزارة عملت بدعم من أصدقاء اليمن من الدول المانحة والمنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني والمحلي والمؤسسات المهتمة بقضايا العلم والتعليم والسلطات المحلية بالمحافظات والصندوق الاجتماعي للتنمية بالتنسيق مع وزارة التخطيط والتعاون الدولي إلى الإسهام في إعادة وترميم البنية التحتية، والعمل على حل ومعوقات العملية التربوية والتعليمية في المدارس المتضررة من الصراع، وأهمها إنشاء ديوان عام للوزارة بالعاصمة المؤقتة عدن، وتوفير المستلزمات والاحتياجات لإدارة العملية التعليمية في محافظات عدة وترميم عدد من المدارس التي تضررت بشكل جزئي”.

    ويتابع: ” إلى جانب توفير فصول متكاملة بديلة في المدارس المتضررة كليا وجزئيا ودعم المدارس بالأثاث المدرسي للطلاب والإدارات المدرسية. وتزويد بعض المدارس ذات الكثافة الطلابية بالطاقة الشمسية لمواجهة انقطاع التيار الكهربائي وتوفير وظائف تعاقدية لتغطية العجز من المعلمين في المدارس حسب الاحتياج والمؤهل والتخصص، بالإضافة إلى طباعة الكتاب المدرسي في السنوات الأربع الماضية للصفوف من ١-٤ أساسي. وتنفيذ دورات لإدارة التعليم بالطوارئ والأمن والسلامة المدرسية والدعم النفسي”.

   وأكد لملس أنه تم دعم عدد (٧٠٠٠) مدرسة بمنحة مالية مدرسية بسيطة، ضمن برنامج التطوير المدرسي تقدر ب(١٥٠٠) دولار تصرف على مرحلتين ممولة من اليونيسيف. ودعم وتجهيز المؤسسة العامة لمطابع الكتاب المدرسي لطباعة الكتب المدرسية حسب خطة أولوية الاحتياج. وصرف رواتب المعلمين النازحين وترتيب أوضاعهم. إلى جانب توفير الميزانية العامة للاختبارات الوزارية في كل محافظات الجمهورية. بالإضافة إلى دعم وتبني برنامج التطوير المدرسي الممول من(GIZ)في بعض المحافظات.

    وأشار لملس في حديثه إلى الدور المهم في دعم القناة التعليمية لإنتاج حلقات من الوحدات الدراسية لتلاميذ الصف التاسع وطلاب الصف الثالث ثانوي بقسميه (العلمي والأدبي). وإنشاء منصة تعليمية للتعليم عن بعد (منصة يمن). وإعداد مناهج دراسية لتلاميذ وطلاب التعليم التعويضي.

    يضيف لملس في حديثه “لصوت الأمل: ” شرعت الوزارة على تسهيل إجراءات منح التراخيص لمدارس التعليم الأهلي في الخارج بالتنسيق مع وزارة الخارجية وسفراء أربع دول (مصر- تركيا- ماليزيا- الصين) لاستقطاب أبناء الجالية اليمنية في هذه الدول لمواصلة التعليم في كل المراحل الدراسية (رياض أطفال- أساسي- ثانوي). وإجراء الاختبارات الوزارية للصف الثالث الثانوي في كل المدارس الأهلية في الخارج والإشراف على تنفيذها إشرافًا مباشرًا”.

    يتابع: “اعتماد كشوفات النتائج النهائية لكل مرحلة دراسية نهاية كل عام دراسي لجميع المدارس الأهلية في الداخل والخارج. وإصدار شهادات الثانوية العامة للطلاب الناجحين في الصف الثالث الثانوي لمدارس التعليم العام والأهلي في الداخل والخارج. وإشراك تلاميذ وطلاب المدارس الأهلية في الداخل في جميع المسابقات والأنشطة والمعارض الفنية والعلمية. والنزول الميداني من قبل لجنة وزارية لمتابعة العملية التربوية والتعليمية في مدارس التعليم الأهلي في م/ عدن كمرحلة أولى. وهنالك العديد من الجهود التي بذلتها وتبذلها الوزارة للنهوض بالعملية التربوية والتعليمية والمضي قدما نحو تعليم فاعل”.

     من جهته يقول محمد عبد الرحمن باحشوان (مدير إدارة التربية والتعليم بمديرية القطن): “إن الجهات الحكومية لم تقدم أي حلول جذرية لإصلاح الوضع التربوي” موضحا: ” فلا زالت المناهج هي نفسها منذ سنوات و لم تواكب متطلبات العصر ولم يأخذ بعين الاعتبار بالفترة الزمنية للتقويم المدرسي الذي قلص كثيرا مع بقاء نفس المناهج. كذلك جودة الكتب المدرسية نفسها المتردية بشكل جنوني، إضافة إلى البنية التحتية للمدارس فجميع هذه المشاكل لم تر أي توجه لإصلاحها”.

    ويتابع: “إضافة إلى ضياع حقوق المعلم ومتطلباته، صار الوضع الاقتصادي للمعلم منهارًا جدا دون أي لفتة لإصلاحه، مما عكس بظلاله على العملية التربوية والتعليمية نفسها”. وتساءل: ” فكيف سنطلب أداء متميزًا من معلم منهار اقتصاديا واجتماعيا؟!”.

    ويؤكد أن قضية المشاكل التي تمنع الجهات التعليمية العليا من استيفاء حقوق المعلمين هي عدم وجود الرغبة الحقيقة لإصلاح الوضع وصار وضع البلد العام هو الشماعة لفشل تلك القيادات، معللين بوجود الصراع في الوقت الذي ممكن أن تقدم أي تطمينات للمعلم من قبلهم في ظل وجود المنظمات المانحة في المجال التعليمي.

الحلول

      أما الحلول والمعالجات فهي من جهة باحشوان تتمثل في إيجاد الرغبة الحقيقية للإصلاح، وإعادة النظر في المناهج التعليمية من حيث نوعيتها ومواكبتها للعصر وفترة التقويم المدرسي إضافة إلى توفير الكتاب المدرسي وتحسين البيئة المدرسية، من حيث المباني والأثاث إلى جانب التدريب والتأهيل المستمر لجميع الكوادر التربوية والتعليمية وتفعيل دور الأنشطة الصفية واللاصفية والتحفيز المستمر للطلاب والطالبات بل وللمعلمين والمعلمات.

      تواجه العملية التعليمية في اليمن العديد من العراقيل، لاسيما بعد الصراع الدائر منذ سنوات في البلاد فيحاول المعلمون بذل جهود كبيرة من أجل استمرارها فيحرص الكثير منهم الصمود في مدارسهم أمام كل التحديات والعوائق الكبيرة من أجل جيل يريد أن يرى النور.

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

98% يعتقدون أن الظروف السيئة التي يعيشها المعلمون الآن ستؤثر بشكل سلبي على السلوكيات العامة للمجتمع

صوت الأمل – يُمنى أحمد التعليم هو الطريق الأمثل لقيام مجتمع سوي يتمتع أفراده بالحرية والمس…