ضياع التعليم بين المساهمة المجتمعية في المدارس الحكومية وارتفاع رسوم المدارس الأهلية
صوت الأمل – هبة محمد
شهد التعليم في اليمن في السنوات الأخيرة تغيرات كثيرة سواء في مؤسساته الأهلية أو الحكومية نتيجة الصراع القائم منذ ثماني سنوات، والذي تسبب في فجوة كبيرة في المنظومة التعليمية في المدارس الحكومية والأهلية.
وتتسع تلك الفجوة باستمرار توقف أجور المعلمين الشهرية في المدارس الحكومية، وعزوف بعض المعلمين عن المدارس الحكومية التي تعتمد على إتاوات مادية تفرضها على المجتمع تحت مسمى ” المساهمة المجتمعية” لدفع جزء يسير من مرتبات معلميها، وذهابهم للعمل في المؤسسات التعليمية الأهلية حيث تتوفر المرتبات بشكل شهري ومنتظم.
في هذا الاستطلاع حاولنا تسليط الضوء حول الاختلالات في سير العملية التعليمية في المدارس الحكومية، وجدوى المساهمة المجتمعية.
أطلال التعليم الحكومي
أصبحت المدارس الحكومية مباني ومنشآت بلا تعليم، حيث يخوض الأستاذ محمد علي (معلم في مدرسة صلاح الدين، في إحدى ضواحي مدينة إب، وهو أب لسبعة أولاد) يخوض هذا المعلم كل يوم معركته مع الحياة والكفاح لأجل لقمة العيش واستمرار الحياة بأقل مستوى ممكن.
يقول المعلم محمد علي: “وجدت نفسي أمام صدمة حقيقية عند انقطاع الراتب لسنوات، فاضطررت أن أقوم بالتدريس صباحًا في المدرسة الحكومية وفي العصر في مدرسة أهلية أحصل من خلالها على راتب بسيط قدرة 50ألف، وإن كان لا يكفي لتوفير مستلزمات المعيشة إلا أنه أفضل من لا شيء”.
وعن رأي محمد حول التعليم في المدارس الحكومية قال: “مما زاد وجعي أني لا أستطيع حتى تعليم أبنائي في المدارس الحكومية لأن التعليم فيها لم يعد مجانا، فقد فرضت رسوم 2000 ريال لكل طالب تقدم بداية كل شهر إلى المدرسة، الأمر الذي أدى لتدهور التعليم فيها نتيجة لنقص في المعلمين، وندرة الكتب الدراسية، وانعدام الأنشطة والبرامج داخلها”.
ويشاطره في الحديث الوالد حسن عبدالله (ولي أمر عدد من الطلاب)، حيث يقول: ” نتيجة لتدهور التعليم في أغلب المدارس الحكومية نقلت أبنائي إلى مدرسة أهلية بحثًا عن تعليم مميز لأولادي والحفاظ عليهم من الضياع الذي يحصل في بعض المدارس الحكومية، لكن المدارس الأهلية رسومها باهظة الثمن وليست بالمستوى المطلوب من حيث المساحة الكافية، والفصول الموائمة والخدمات التعليمية المفترضة، لكنها أفضل بقليل من المدارس الحكومية”.
ويرى حسن أنه بين خيارين إما ترك أبنائه يضيعون بين زحام الطلاب في المدارس الحكومية لعدم استيعابهم أو يتحمل التكاليف الباهظة للمدارس الأهلية.
تعليم أفضل لكنه تجاري
تتحدث هند الذيب (معلمة في مدارس الهمة الأهلية) حول جودة التعليم في المدارس الحكومية والأهلية قائلة: ” سابقا كان أولياء الأمور ينظرون للتعليم الحكومي أنه أقوى من التعليم الخاص، لكن تغيرت تلك النظرة حاليا فأصبح أولياء الأمور يفضلون تعليم أبنائهم في مدارس أهلية، لأسباب كثيرة منها التزام المعلمين في أداء حصصهم بعكس التعليم العام حيث يحصل تلاعب في التزام المعلمين بالحضور او تأدية حصصهم الدراسية كاملة “.
وتضيف: “المعلم في المدرسة الأهلية يرى فرصة أن يبدع في أسلوبه التعليمي بسبب العدد المحدود من الطلاب داخل الفصل، كما يدرس الطالب في الحاسوب والإنجليزية من الصفوف الابتدائية عكس الحكومي”.
ويوافق ذلك الرأي الإعلامي عمر الباشا بالقول: ” بالنسبة لسير عملية التعليم في المدارس الأهلية أصبحت الآن أحسن بكثير من المدارس الحكومية لأنها تعمل على الاهتمام بالطالب ليس بشكل كلي وإنما بشكل أفضل بكثير من المدارس الحكومية، أيضا تعمل المدارس الأهلية على التنوع بالعملية التعليمية واستخدام الوسائل التكنولوجية بشكل أفضل والتي بدورها تعمل على تسهيل عملية الفهم والإدراك عند الطلاب”.
فيما تؤكد السيدة نورية أحمد سعيد (ولية أمر) أن التعليم الأهلي ربما يكون أفضل، لكنه تجاري وأصبحت المادة هي التي تسيطر عليه، وتشير إلى أن الرسوم باهظة جدا.
من جهته يؤكد التربوي صلاح مهدي (مدير مدرسة أهلية) أن التعليم في المدارس الأهلية أفضل بكثير من المدراس الحكومية ولكن هذا الشيء لا يعمم على كل المدارس الأهلية، فليست كل المدارس الأهلية نموذجية في التعليم، وبالعكس هناك مدارس حكومية تقدم تعليمًا قويًا أيضًا.
ويوضح مهدي أن منشآت التعليم الحكومي أفضل من حيث البيئة التعليمية، فمساحة الفصول الدراسية مناسبة، ووجود ممرات، وفناء واسع ومساحات صحية واسعة، بعكس المدارس الأهلية التي تنشأ في منازل كانت بالأصل مخصصة للسكن والعيش الأسري، لكن المدارس الأهلية، تفعل الأنشطة والوسائل التعليمية المختلفة، بالإضافة لوجود المعامل التطبيقية والفنون الرياضية الأخرى.
رأي مختلف
رئيس قسم التعليم الأهلي بمديرية ريف إب، (علي مسعود) يرى أن أهم الاختلاف بين سير العملية التعليمية في الأهلي والحكومي هو مدى توفر مقومات التدريس، ويتمثل ذلك في توفير الكتب الدراسية، وتنوع الأنشطة والأساليب الحديثة في التعليم، أما الآلية التعليمية في المنشآت الأهلية أو الأهلية والحكومية فتتمثل في اللوائح والقوانين المتبعة والصادرة عن وزارة التربية والتعليم.
ويلفت التربوي علي صالح الانتباه إلى أنه بالرغم من الرواتب الزهيدة التي تعطى للمعلمين في المدارس الأهلية إلا أن هناك جودة في مستوى التعليم، ويعزو ذلك لوجود الإشراف المستمر والمراقبة لأداء المعلمين، الأمر الذي يجعل المعلم يخلص بعمله ويحافظ على بقائه في المدرسة الأهلية لمواجهة الظروف المعيشية الصعبة.
ويرى محمد الذيب (موجه لغة عربية) أن التعليم الأهلي في الوقت الحالي أفضل من التعليم الحكومي ويعزو ذلك إلى ضبط سير العملية التعليمية، والإعداد والتخطيط الفني والعملي المسبق للدرس وكذلك الخطط بنوعيها الفصلية والمنهجية، أما من حيث مستوى كفاءة المعلمين والمعلمات والمنشآت فالمدارس الحكومية هي الأفضل وإن كانت أحيانا عبارة عن منشآت مجردة من المضمون.
ويواصل الذيب حديثه: “وكذلك متابعة أداء المعلمين على مستوى كل الشعب والأهم من كل هذا توفير الكتاب المدرسي للطالب، ومتابعة مستوى الطلاب بشكل شهري، أي أن التعليم الأهلي يمتاز في ظل الأوضاع الراهنة بالجوانب الفنية المصاحبة لعملية التعليم”.
مدارس البنات تقلص الفوارق
ويستطرد الذيب: “ولكن هذا لا يجعل الهوة واسعة في الفوارق من الإمكانيات والأداء، والنتائج، ومستوى التعليم بين التعليم الأهلي و الحكومي حيث تتقلص هذه الفوارق بمجرد عقد مقارنة بسيطة بين مدارس التعليم الأهلي ومدارس التعليم الحكومي، وأقصد بذلك مدارس الإناث والإدارات المدرسية التي تقودها النساء، وأستطيع الجزم بأن المدارس الحكومية للبنات تكاد تكون الأفضل فقط لو تجاوزت إشكالية الكتاب المدرسي.
آلية اختيار الكادر التعليمي
يشير التربوي علي مسعود أن آلية اختيار الكادر التعليمي في المنشآت الأهلية كانت في السابق حسب الاحتياج والمؤهلات والخبرة، لكن في الوقت الحالي كسرت المدراس الأهلية هذه المعايير فاستوعبت مؤهلات الثانوية وكذا أشخاصًا غير تربويين تناسب قدرتها والمبالغ التي تدفع لهم، فيما المدارس الحكومية واجهت أزمة انقطاع رواتب المعلمين وهجرانهم للتدريس، وما نجم عنه من نقص الكادر التعليمي فيها وبنفس الطريقة استوعبت مؤهلات الثانوية وما دونها لتغطية الاحتياج.
ولفت التربوي محمد الذيب الانتباه إلى أنه في السابق كان التعليم الحكومي يعتمد في اختيار المعلمين على أساس الإحصائيات الميدانية التي تحدد نسبة الاحتياج من المعلمين في مختلف التخصصات وعلى هذا الأساس يتم التوظيف وإعادة التوزيع بين المدارس، أما في التعليم الأهلي فالمعايير متفاوتة من مدرسة لأخرى نظرا لطبيعة الاحتياج ومستوى رواتب المعلمين.
استغلال المعلم في المدارس الأهلية
ثمة إجماع حول أن التعليم في القطاع الأهلي يستغل حاجة المعلم بسبب الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة فتبخسه في الراتب فيحصل الكثير من المعلمين على رواتب زهيدة مقابل العائد الكبير الذي يعود على المدارس الأهلية من الرسوم التي يدفعها الطلاب.
“أعمل في التدريس الأهلي منذ أكثر منذ ثلاث سنوات وراتبي كما هو أربعون ألف ريال فقط، فوق هذا مكانة المعلم وهيبته قلت بشكل ملحوظ في المدارس الأهلية بسبب أنها اهتمت بالجانب المادي وأهملت احترام المعلم بعكس التعليم في المدارس الحكومية” تقول هند الذيب (تربوية).
ويوافق ذلك القول التربوي والإعلامي عادل فرحان حيث يقول: “إن أهم المعوقات التي تواجه المعلم في المدارس الأهلية هي أن المدرسة لا تعطي أي احترام لمكانة المعلم فتتحكم فيه بما يتوافق مع مصلحتها فقط، بالإضافة إلى أنها تعطي المعلم رواتب زهيدة ما بين (30- 50 ألف ريال أي 50-100 دولار)
ويضيف التربوي علي مسعود أن المدارس الأهلية حددت رواتب المعلمين بسقف معين لا يمكن أن تتجاوز ذلك بسبب عدم وجود قوانين تحفظ حقوق المعلم، وأهم المعوقات التي تواجه المعلم في الحكومي أنه يعمل بدون أجر يكفي لمستلزمات المعيشة ويعتمد على القليل مما يدفعه الطلاب من الرسوم الشهرية.
فيما يفيد التربوي محمد الذيب أن المعلم في المدارس الأهلية معرض للاستغناء عنه بأي وقت وبدون أسباب جوهرية وبدون حقوق، وكذلك بعض المدارس الأهلية تنتهج مبدأ تدليل الطالب ولو كان ذلك على حساب التقليل من هيبة ومكانة المعلمين.
مقترحات للحد من المشاكل
يقترح التربوي علي مسعود أن المعنيين ينبغي أن يبحثوا عن حل جذري لأجور المعلمين والمعلمات، وعمل الدورات التدريبية لهم، خصوصًا معلمو المدارس الأهلية بسبب غياب الخبرة وضعف المؤهلات، وكذلك إعادة تأهيلهم وتمكينهم من التدريس، وأيضا على الجهات المختصة في وزارة التربية والتعليم أن تحفظ حقوق المعلم في المدارس الأهلية وتضمن لهم الحصول على رواتب مرضية.
ويشير التربوي علي صالح أنه منذ بدء الصراع في البلاد لا يوجد أي برامج أو أنشطة تقوم بها الجهات المختصة من أجل تحسين العملية التعليمية في المدارس الأهلية أو الحكومية، ومن الضروري أن تصدر قوانين ترفع من شأن المعلم في المدارس الأهلية وتحفظ حقوقه، وكذا المدارس الحكومية يجب أن يتقاضى المعلمون فيها رواتبهم لتحسين أوضاعهم وبالتالي سيعود التعليم فيها إلى أوج قوته مثلما كان في السابق.
يبقى المعلم اليمني في مهب الضياع جراء دخوله عنوة متاهات الصراع، وها هو يكابد الأمرين كي يستمر بأبسط مقوماته، سواء كان في التعليم الأهلي أو الحكومي، فكلاهما في معركة مستمرة من أجل البقاء، وللوصول إلى مستوى التعليم الحديث نحتاج إلى إرادة قوية ونوايا صادقة من قبل الجهات المختصة لإصدار تشريع قانوني يضمن حقوق المعلمين، وتفعيل القوانين الأهلية بالمنظومة التعليمية وتفعيلها على أرض الواقع.
تراث الطهي اليمني يغزو العالم بمذاقه الفريد
صوت الأمل – هبة محمد يُعدُّ المطبخ اليمني واحدًا من المطابخ العربية الرائعة والشهيرة…