الصراع يُفاقم ظاهرة عمالة الأطفال في اليمن
صوت الأمل – علياء محمد
مع دخول النزاع في اليمن عامه الثامن، لا يزال الملايين من اليمنيين يواجهون أكبر أزمة إنسانية في العالم، ووفقًا لتقارير صادرة عن منظمة اليونيسف في العام 2021م، فإنَّ ثلثا السكان أي ما مجموعه 20.7 مليون شخص يحتاجون إلى مساعدة إنسانية عاجلة.
مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي، وأزمة اقتصادية تسببت بانهيار العملة، قابلها ارتفاع حاد في أسعار المواد الغذائية والسلع الأخرى، وانخفاض القدرة الشرائية للأسَر؛ كل هذا دفع الكثير من الأطفال للخروج إلى سوق العمل.
عمالة الأطفال جروح لا تلتئم
تُعرَف الحدائق عادة بأنَّها متنفس للترفية والترويح عن النفس، ولكنَّ حدائق اليمن تحمل عددًا كبيرًا من قصص الأطفال الذين لا يأتون إلى الحدائق للعب بل للعمل، لا وقت لدى (سامي عبد الله -8 سنوات) لممارسة اللعب في حديقة الألعاب، فهو يكتفي بالنظر إليهم عند المرور عليهم لبيع بعض الحلويات والسكاكر.
يعمل سامي بمعدّل خمس ساعات يوميَّاً في أيام الدراسة، وعشر ساعات في الإجازة الصيفية يتحدث لـ «صوت الأمل» قائلًا: “كل ما أجمعه من بيع الحلويات والسكاكر يذهب مصروفاً لأسرتي، فمنذ انقطاع والدي عن العمل وأنا أعمل”.
يتحمل سامي أشعة الشمس، وتعب الوقوف؛ ليحصل على ثلاثة آلاف ريال يمني أي ما يقارب (5 دولار) في اليوم، والتي لا تكفي لسد احتياجات أسرته .
تتسع ظاهرة “عمالة الأطفال” في اليمن، وتتفاقم كل يوم، حتى أصبحت مشاهد الأطفال وهم يعملون في الحدائق العامة، وفي أرصفة الشوارع مألوفة، وجزءاً لا يتجزأ من حياة اليمنيين؛ جراء الصراع القائم.
النزوح وعمالة الأطفال
لم تقتصر ظاهرة عمالة الأطفال على الذكور –فقط- فقد طالت الإناث أيضًا، (غالية حسن -13عامًا) نازحة من الحديدة، تفترش العشب الأخضر هي وأقماع الحناء، وصور لنقشات ورسومات، حيث تعمل على رسم الحناء للنساء القادمات إليها واحدة تلو الأخرى.
تقول غالية: “أنا أعشق الرسم، ولدي موهبة، فقلت لما لا أستغلها في مساعدة عائلتي وبدأت بالعمل”، تحاول غالية التنسيق ما بين دراستها، وعملها في (رسم الحناء)، فهي تذهب في الصباح الباكر إلى المدرسة، وتعود إلى البيت؛ لتغير ملابسها، وتنطلق بعد ذلك إلى الحدائق العامة لتبدأ رحلتها في عرض رسوماتها على النساء المتواجدات هناك .
تؤكد حسن في حديثها لـ «صوت الأمل» أنَّه قد يمر يومها كله بدون نقود، بالإضافة إلى أنَّها تتعرض في بعض الأحيان للنصب والاحتيال والتعنيف، قائلة: “أكثر ما يزعجني هو اتفاقي أنا والزبونة على رسمة معينة وبسعر محدد، فيتحايل علي البعض منهن، وأخريات يرفضن السداد، بالإضافة إلى أنَّ هناك عدداً من النساء يقمن بتعنيفي».
تقرير صادر عن منظمة اليونيسف في العام 2021م، يشير إلى أنَّ 1.71 مليون طفل نازح في اليمن بسبب الصراع، ويرى عمرت الحبيشي(نازح في محافظة تعز) أنَّ الصراع خلف الكثير من المعاناة للأطفال، وأنَّهم مروا بتجارب قاسية أبرزها النزوح الذي فُرض على كثير من الأسر، فقاموا بدفع أبناءهم إلى العمل في ببيع المياه، والمناديل الورقية، وأشياء أخرى في مطبّات الشوارع والجولات وفي المطاعم والمقاصف.
مؤكدًا أنَّ هناك عدداً من الأسر النازحة وصل بهم الحال إلى صراع الموت بين أربعة جدران من ضيق العيش والجوع، وهناك عدد من أرباب الأسر اختاروا الموت نهاية لهم ولأسرتهم (الانتحار).
انقطاع الرواتب
يعيش مئات الآلاف من موظفي الدولة في المحافظات الشمالية وضعاً إنسانياً متردياً؛ بسبب توقف صرف رواتبهم منذ سبتمبر 2016م، ولم تتحمل كثيرٌ من الأسر تبعات انقطاع الرواتب، فمقابل العجز والعوز والحاجة؛ خرج العديد من الأطفال إلى سوق العمل للإيفاء بمتطلبات الأسرة ومسؤولياتها.
“يساعدني أطفالي الثلاثة في بيع العطور التي أقوم بتحضيرها”، هذا ما أكدته أم عبد الله بألم وحسرة، وهي إحدى النساء اللاتي قررن مساعدة أزواجهن المنقطعة رواتبهم، بقيامها بصناعة العطور والبخور، وبيعها في الحدائق.
موكدة أنَّها غير راضية عن عمل أطفالها، ولكنَّ العوز والحاجة وتوقف راتب زوجها وغيرها من الظروف؛ أجبرتها على القبول بخروج أبنائها لبيع ما تقوم بصناعته.
بدوره أفاد نجيب العدوفي (محلل اقتصادي)، أنَّ التضخم لم يكن بمفرده سببًا في زيادة عمالة الأطفال في اليمن، بل إنَّه واحد من العوامل التي أبرزها الصراع الذي دخل عامه الثامن.
مضيفًا أنَّ النزاعات تسببت في توقف رواتب أغلب موظفي الدولة، وأيضاً تسببت في شلل الحركة الاقتصادية التي انعدمت معها فرص العمل، والتقت كل تلك العوامل مع انهيار العملة المحلية أمام العملات الأجنبية في بلد يستورد أكثر مما يصدِّر؛ الأمر الذي أسهم في زيادة الأسعار وما يقابلها من ضعف القوة الشرائية، هذا وقد تنامت عمالة الأطفال خلال سنوات الصراع أكثر مما كانت عليه سابقاً.
مؤكدًا أنَّ الكثير من الأسر اضطرت للدفع بأطفالها إلى الشوارع والعمل في مهن أغلبها شاقة وخطرة، كالعمل في البناء والزراعة والتجارة وغيرها من الأعمال المحفوفة بالمخاطر، مقابل أجور متدنية، هذه التحديات تهدد مستقبل البلد؛ كونها تلامس أجيال المستقبل.
ارتفاع الأسعار
أشارت أحدث البيانات في تقرير صادر عن اليونيسف -في العام 2021م- إلى أنَّ حوالي نصف السكان كانوا في عام 2014م يعيشون تحت خط الفقر، وفي الوقت الراهن تشير التقديرات إلى أنَّ معدلات الفقر على الصعيد الوطني ارتفعت إلى حوالي 80%، ومن بين كل 10 أطفال، يعيش أكثر من 8 أطفال لدى أسر ليس لديها دخل كافٍ لتلبية الاحتياجات الأساسية.
وفي ظل ارتفاع الأسعار الجنونية، يرافق عدد من الأطفال آبائهم في الجولات والمتاجر وبسطات البيع؛ من أجل الحصول على مصدر دخل إضافي يكفيهم لتوفير احتياجات الأسرة، يقول يوسف المعمري(الناشط الحقوقي): «ألقى الصراع القائم في البلاد ظلاله على كل مناحي الحياة الإنسانية؛ ليجد الأطفال أنفسهم أمام واقع مرير يدفعهم للتخلي عن مرحلة الطفولة» .
مؤكدًا أنَّ أطفال اليمن يواجهون أسوأ الظروف؛ نتيجة تدني مستوى دخل الفرد وانعدام فرص العمل وارتفاع الأسعار، وانهيار العملة المحلية؛ بالإضافة إلى الآثار النفسية والجسدية التي يخلفها العمل .
وحول أهم طرق الوقاية من انتشار ظاهرة عمالة الأطفال وتناميها، أشار المعمري إلى أنَّ اليمن بحاجة ماسة إلى خلق مجتمعات واعية، تستجيب لمشاكل الأطفال وهمومهم بفاعلية أكثر عن طريق نشر الوعي بحقوق الأطفال، بالإضافة إلى وضع سياسات مؤسسية تحتوي الأطفال الذين أجبرهم الصراع على الانخراط بسوق العمل، وإجراء مبادرات تساعد في حماية ورعاية الأطفال الفقراء والأكثر حرمانًا بإنشاء جمعيات معنية بشؤون الأسرة والأطفال تهتم بتأمين لقمة العيش، وتوفير ما تحتاجه الأسرة من متطلبات الحياة الضرورية .
ويظل السؤال الذي يُثير استفهام الكثيرين مع كل عامٍ يأتي، إلى أين يتجه أطفال اليمن؟ أيظل أغلبهم بائعين يتجولون في الشوارع أم سينضمون لمقاعد الدراسة؟
29% يرون أن الحل لظاهرة عمالة الأطفال هي فرض عقوبات على أهاليهم ومستأجريهم للعمل
صوت الأمل – يُمنى أحمد أجرت صحيفة “صوت الأمل”، في النصف الأول من شهر أغسطس للع…