الأطفال بين سندان النازعات ومطرقة الآثار المترتبة عليها
صوت الأمل – بثينة أحمد القرشي
صوت الأمل – بثينة أحمد القرشي
مستشارة عدد تأثير الصراع على الأطفال
في جميع أنحاء العالم تتواصل الهجمات على الأطفال في البلدان التي تشهد صراعات عنيفة، وقد أدت هذه الصراعات إلى نزوح ملايين الأطفال الذين يتعرضون للاستعباد والاتجار وسوء المعاملة والاستغلال. وبحسب اليونيسف يعيش الكثير منهم حرمانًا من الخدمات والرعاية الصحية والتعليم؛ إذ أصبح الأطفال أهدافًا على الخطوط الأمامية في الصراعات.
إن الزجَّ بالأطفال في النزاعات والصراعات المسلحة التي تعمل على حرمانهم من الحياة الكريمة وتتعارض مع مصلحة الطفل الفضلى هي ظاهرة خطيرة ووحشية.
ومن الانتهاكات التي حددها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وأدانها بشدة عدة انتهاكات خطيرة تُرتكب ضدهم في وقت النزاعات المسلحة، وهي: قتل الأطفال، تشويههم، تجنيدهم، استخدامهم في القوات المسلحة، إضافة إلى الهجمات على المدارس والمستشفيات، وكل أشكال العنف الجنسي، والاختطافات، ومنع وصول الخدمات الإنسانية.
كل هذه الانتهاكات تولد لدى الأطفال مشاكل عديدة منها القلق النفسي الشديد، وخاصة الخوف من الموت أو الفقدان، ومشاكل النوم والأحلام المزعجة المترتبة على الذكريات المؤلمة التي خزنها العقل الباطن، والدخول في حالة حزن شديد، وقد يدخلون في حالة اكتئاب.
وهنا يجب على البيئة المحيطة أن تجد حلولًا وطرقًا خاصة للتعامل مع الأطفال أثناء النزاعات المسلحة، ومنها الحفاظ على الصحة النفسية لهم من خلال شرح الأحداث بأسلوب مبسط يناسب أعمارهم مع مراعاة عدم الكذب عليهم، كما يجب احتواؤهم والعمل على طمأنتهم بشكل مستمر وقدر المستطاع، وإخبارهم بمدى حب الجميع لهم.
ولا بد من طرح السؤال المهم: كيف نساعد هؤلاء الأطفال ونحميهم أثناء الصراعات المسلحة؟
الجميع يتفق أن تعزيز احترام القواعد التي تحمي الأطفال، وعدم إشراكهم في النزاعات المسلحة، والحق في الحفاظ على وحدة الأسرة واستعادة هذه الوحدة. كما يجب علينا ألا نتغافل عن حق ضحايا النزاع المسلح من الأطفال في تلقي المساعدة الطبية والنفسية والجسدية، وجعلهم يشعرون بالأمان من خلال استخدام الإيماءات المكونة من الابتسامة والتشجيع وإعادة الثقة بالنفس والمحافظة على الهدوء، وتعزيز السلوك الجيد وتقديم الحلول المناسبة بدلاً عن العقاب، والاهتمام والإصغاء لهم وإزالة الخوف من أنفسهم.
ومن الخطوات الأساسية لمعالجة هذه الآثار العمل على إعادة تأهيل الأطفال وإعادتهم إلى المدرسة، المكان المناسب لهم. ولكن في حالة كاليمن يتعذر على الكثير من الأطفال ارتياد المدارس لعدة أسباب منها تضرر المباني المدرسية التي تعرضت للتدمير نتيجة القصف المتبادل أو استخدامها كثكنات عسكرية.
إضافة إلى فرار المدرسين نتيجة تهديد القوات العسكرية، وبسبب انعدام الأمن أو تعذر الوصول إلى المدارس؛ نظرًا لخطورة الطرق والجو العام ونقص الدعم الحكومي للمدارس، وهو ما يعني أن المرافق والخدمات في المدارس لم تعد مناسبة.
علاوة على ذلك، يحرم الأطفال الذين تم تجديدها في القوات المسلحة عادة من التعليم، فيما قد لا يتاح للأطفال النازحين الذين يعيشون في المجتمعات القابعة تحت النزاعات المسلحة الالتحاق بالمدارس، وقد يطلب من الأطفال تقديم الوثائق والشهادات الرسمية التي تخولهم للالتحاق، غير أن هذه الأوراق والوثائق غالبًا ما تكون ضائعة أثناء النزوح.
إن الوصول الآمن إلى التعليم أمر بالغ الأهمية، ليس للتعليم فقط، وإنما لأنهم يحتاجون إلى الحماية التي توفرها المدارس الآمنة التي تمثل سياجًا منيعًا وحاميًا لهم من تجنيدهم في الجهات المسلحة لهم أو استخدامهم، وحمايتهم من العنف الجنسي، كما تسهم في جمع الأسر والمجتمعات. ويمكن أن يساعد الذهاب إلى المدارس الأطفالَ على تحمل التوتر اليومي الناجم عن التعرض للعنف المسلح.
كما يتعرض الأطفال اليمنيون لمشكلات عديدة نتيجة إلحاق الضرر بالبنية التحتية لمرافق الخدمات العامة. فإلى جانب تدمير المدارس هناك أيضًا تدمير المستشفيات التي تعد محمية بموجب القانون الدولي الإنساني، وقد أفادت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) في عام 2019 أن احتمال تعرض الأطفال الذين يعيشون في بلدان تشهد نزاعات مسلحة يطول أمرها للأمراض التي تنقلها المياه بخمسة أضعاف احتمال وفاتهم من جراء الأضرار المباشرة الناجمة عن الرصاص أو القنابل.
أدت الصراعات المسلحة في اليمن إلى إصابة العديد من الأطفال بالإعاقة وعدم القدرة على الحصول على الرعاية التي يحتاجون إليها. وغالبًا ما تتدنى إمكانية الوصول إلى الخدمات الصحية والأدوية بسبب الفقر، أو فرار الأطباء والممرضات من العنف والفوضى، أو بسبب انهيار أنظمة الرعاية الصحية التي تؤدي إلى عواقب وخيمة، منها تفشي أمراض الحصبة والتهاب السحايا الذي يؤدي إلى ارتفاع نسبة الوفيات، وبالذات للمواليد الجدد والنساء الحوامل.
ومن الأخطار الكبيرة التي تتهدد مستقبل الأطفال اليمنيين مخاطر الألغام الأرضية وغيرها من مخلفات النزاع القابلة للانفجار التي لا تميز بين ضحاياها، سواء كانوا كبارًا أو صغارًا. كما أن الأطفال الناجين من انفجار لغم أرضي يواجهون احتمال الإعاقة مدى الحياة، وقد يكون الأطفال ضحايا غير مباشرين للألغام الأرضية من حيث الفقدان المفاجئ للعائل بسبب الإعاقة أو الوفاة.
حلول مقترحات
يتسبب تجنيد الأطفال واحتجازهم ومشاركتهم في الأعمال العدائية أثناء النزاعات المسلحة، أو استخدامهم في مجموعة متنوعة من الأدوار كجنود أو طهاة أو حمَّالين أو جواسيس أو رقيق أو عُمَّال قسريين، وحتى قنابل بشرية في قتل طفولتهم. وقد يُجند الأطفال قسرًا أو عن طريق الاختطاف، وأحيانًا ينضمون طوعًا إلى الجهات المسلحة؛ نتيجة أسباب عدة منها: الفوارق الاجتماعية، والانفصال عن البالغين الذين يرعونهم، وتعذُّر الاستفادة من التعليم، والنزوح. وقد يغتر الأطفال بالسلطة والمكانة اللتين يعتقدون أن حاملي السلاح يتمتعون بها وبالقوة والسلطة، وهم لا يدركون خطورة ذلك. ومع ذلك يجب ألا نغفل أنهم أولًا وقبل كل شيء ضحايا، رغم احتمال كونهم جناة.
وهنا لا بد من تقديم الحلول لهم ومن هذه الحلول إعادة تأهيلهم نفسيًا، ودمجهم في المجتمع؛ لأنها ضرورة ملحة لإعادة بناء المجتمعات التي مزقتها النزاعات المسلحة.
ومن هذه الحلول في قائمة الأولويات لَمُّ شمل الأطفال مع أسرهم وذويهم في مجتمعاتهم الأصلية، ومراعاة احتمال مواجهتهم لصعوبات نفسية عند إعادة الإدماج في المجتمع، وينبغي إعادة إدخالهم في النظام التعليمي ومساعدتهم على العثور على عمل من خلال التدريب المهني أو المشاريع المدرة للدخل وهذا أمر مهم للغاية لمنع تهميشهم وتعرضهم للخطر المحدق بهم من التجنيد مرة أخرى.
كما يجب تقديم الدعم النفسي الاجتماعي المتخصص وإقامة المساحات الصديقة، سواء للأطفال المجندين أو العاديين الذين يقطنون مع أسرهم وعاشوا تفاصيل ويوميات النزاع المسلح على مدى السنوات الماضية.
96.2% من المشاركين في الاستطلاع يعتقدون أن الصراع تسبب في حرمان أطفال اليمن من حقوقهم الأساسية
صوت الأمل – يُمنى أحمد خلق الصراع المستمر في اليمن أزمة إنسانية كبرى قد تعد واحدة من أسوأ …