الصراع يلقي بويلاته على الفتيات القاصرات

صوت الأمل – ياسمين عبدالحفيظ

“الوضع المادي الذي تعيشه كثير من الأسر في اليمن دفع بالعديد من أولياء الأمور إلى تزويج بناتهم في سن مبكرة، من أجل التخفيف من الأعباء التي تقع على كاهلهم. وهو السبب ذاته الذي جعلني أقبل بتزويج ابنتي وهي ما تزال في الثانية عشر من عمرها”. بهذه العبارات بدأت أم نبيل حديثها عن أسباب زواج القاصرات في اليمن خلال الصراع الذي شهدته البلاد من سنوات ليست بقليلة.

تعيش أم نبيل في مديرية الجراحي التي تتبع إداريًا محافظة الحديدة، تُوفي زوجها وتركها تعيل ثلاث فتيات وولدين. الظروف المادية القاسية التي تعيشها الأسرة جعلت الأم تفكر بالخلاص من فتياتها بتزويجهن قبل بلوغهن السن القانوني.

تحكي أم نبيل بنبرة عجز وتلعثم: “لم يكن سهلًا علي تزويج بنتي وهي ما تزال طفلة، لكن ماذا علي أن أفعل وأنا أرى أطفالي يجوعون ولا يوجد طعام أسد به جوعهم؟! يمرضون فلا أملك المال كي أذهب بهم إلى الطبيب، يأتي العيد ولا أستطيع توفير ملابس جديدة لهم مثل بقية الأطفال في الحي”.

وتتابع: “تقدم شاب لابنتي ولم يكن أمامي أي خيار آخر غير القبول؛ فالحالة المادية الصعبة هي سبب انتشار الزواج المبكر في البلاد، خاصة في السنوات الأخيرة التي زاد فيها الجوع والفقر والتشرد في أوساط اليمنيين”.

 السبب ذاته دفع جميلة مهيوب (اسم مستعار) إلى تزويج بناتها الست في سن مبكرة، بعدما تعرض والدهن لمرض جعله طريح الفراش. تقول جميلة: “عملت في تنظيف المنازل، ومع هذا وجدت صعوبة في توفير حياة كريمة لأسرتي المكونة من ثماني فتيات وولدين”.

وتضيف: “الراتب الذي كنت أتقاضاه من عملي لا يفي بدفع إيجار المنزل الذي نسكن فيه، ولا حتى أدوية زوجي الذي يتكبد أوجاع مرضه. كان عليّ أن أقبل بتزويج بناتي وهن صغار، على الأقل ليجدن من يعولهن ويحفظهن من التشرد والضياع”.

ترى جميلة أن الظروف المادية التي يمر به الكثير من الأفراد، من فقر وجوع، أجبرت الكثير من الآباء، خاصة الذين فقدوا مصادر دخلهم أو رواتبهم، إلى تزويج الفتيات وهن قاصرات. مؤكدة على أنهم مروا بتجربة قاسية مع الجوع، وكان عليهم تقبل فكرة تزويجهن وهن في سن لا تساعدهن حتى أن يصبحن أمهات.

ومضيفة: “ستجبرهن الحياة الصعبة على التسول أو الجوع، وهناك احتمال كبير أن يمُتن مرضًا في ظل عجزنا الشديد وأوضاعنا الصعبة هذه. تزويجهن هو الحل الأخير لنجاتهن، خاصة عندما يكون عدد أفراد الأسرة كبير ويعجز الآباء توفير متطلباتهم”.

تروي جميلة أيضًا أن هناك امرأة من جيرانها أنجبت عشر فتيات وزوجها مجرد عامل بالأجر اليومي وراتبه لا يكفي لتوفير وجبات اليوم الأساسية، فاضطر إلى تزويج بناته جميعهن وهن في سن العاشرة من العمر، بعضهن تعرضن لمخاطر عديدة أثناء ولادتهن؛ نظرًا لصغر سنهن. وأوضحت أن عدم قدرته على إعالتهن هو ما دفعه إلى تزويجهن في هذا السن.

دوليًا

يعد الزواج المبكر من الظواهر الخطيرة المنتشرة بشكل كبير في المجتمع اليمني منذ زمن بعيد، وزاد الصراع من حدتها في السنوات الأخيرة التي شهدت البلاد فيها تفاقم في العديد من المشكلات التي لها علاقة كبيرة بتزويج الصغيرات في اليمن، منها اتساع رقعة الفقر والبطالة وقلة فرصة العمل والنزوح.

أكد تقرير أممي بعنوان “معلمات المدارس الريفية في اليمن يُشجّعن الفتيات الصغيرات على تلقي التعليم”، نشر في العام 2021، أن أكثر من ثلثي فتيات اليمن يُجبرن على الزواج قبل بلوغ السن القانوني. وذكر التقرير أن ذلك أثر على عدم مواصلة الفتيات التعليم، لا سيما في المناطق النائية التي تبعد فيها المدارس عن القرى مسافات كبيرة. وعدَّ التقرير أن زواج الصغيرات في اليمن هو من الأسباب الرئيسية وراء عدم مواصلة الفتيات التعليمَ.

آراء مختصين

يقول صبري تيسير -رئيس مبادرة طفولة السلام للتنمية-: “أسهم الصراع في تنامي ظاهرة زواج القاصرات في اليمن. وهناك عدة أسباب، منها فقدان بعض الأسر للأب أو الأم، والخوف على الفتيات من الصراع في ظل الوضع الذي تعيشه البلاد يدفع البنت الى الزواج وهي في سن مبكر”.

ويضيف: “يعد الفقر الذي زاد حدته في السنوات الأخيرة من الدوافع الرئيسية لزواج القاصرات الذي أدى إلى انتشاره بشكل كبير، خاصة في أوساط الفئات المهمشة وفي المجتمعات ذات التعصب القبلي في بعض المناطق الشمالية”.

ويرى تيسير أن فقدان الموظفين لرواتبهم أو تأخرها ساعد في تدهور الوضع المادي لدى الكثير من الأسر اليمنية؛ وهذا أجبرها على تزويج بناتها في سن صغيرة من أجل الحصول على المال الذي قد يساعدهم في تحسين معيشتهم”.

في الشأن نفسه، تقول نادية عبد الله -رئيسة مؤسسة “حياة جديدة”- إن زواج القاصرات يوجد حيث ينتشر الفقر، ويعد من المشاكل المجتمعية والظواهر الخطيرة التي تهدد حياة المجتمعات وتقدمها، وتعوِّق عملية التنمية في البلاد.

وتؤكد نادية في حديثها أن زواج القاصرات يبدأ عند تخلي الآباء عن بناتهم هربًا من المسؤولية، فيتم الزج بهن ليتحملن مسؤوليات وأعباء، والتزامات لا تطيقها الفتاة في عمر مبكر، صحيًا ونفسيًا وجسديًا، وتتحمل وحدها عواقبها في المستقبل.

وتطرقت نادية إلى سبب آخر وراء انتشار زواج القاصرات في اليمن مشيرة إلى العنف الأسري الذي تعيشه كثير من الأسر في البلاد، وهو ما أجبر العديد من الفتيات على الهرب إلى الزواج المبكر. مستشهدة بقصة تعرفها لطفلة في سن الثالثة عشر من العمر، تزوجت بسبب الضرب المستمر لها ولشقيقاتها من قبل والدهن، وبسبب صغر سنها عانت كثيرًا وقت ولادتها، وتم إخراج جنينها ميتًا قبل أن يكتمل.

وتشير في حديثها إلى أن كثيرًا ممن يتزوجون الفتيات الصغيرات السن يظنون أنهن قابلات للتطويع والتأقلم، حسب ما يملونه عليهن، ويجعلون منهن زوجات طائعات، بعكس الفتيات الكبيرات عمرًا فلا يمكن أن يشكلوهن حسب رغباتهم. لم يدركوا أنهم بذلك لا ينجحون في الارتباط بزوجة صحيحة متزنة تحفظ أولاده وبيته، وتفي بما عليها من التزامات.

ومن جهته يقول عبد الخالق -أخصائي نفسي-: “هناك عدة عوامل نفسية يمر بها الكثير من أولياء الأمور، منها عامل القلق والخوف لدى الكثير من الآباء إزاء الوضع الاقتصادي، فيضطر إلى تزويج بناته دون أن يكترث لأي مخاوف أخرى قد تؤثر على حياتهن بعد الزواج”.

ويكمل حديثه: “تزويج الصغيرات من المشكلات التي تلعب دورًا كبيرًا جدًا في الحياة الزوجية، وتؤثر سلبًا على حياة الزوجين. وبشكل عام، هناك عدة عوامل اقتصادية واجتماعية وثقافية”، موضحًا أن هناك انعدامًا في وعي بعض الأسر بالأضرار التي قد تلحق بالطفلة لعدم اكتمال نموها النفسي والجسدي، وعدم قدرتها على تحمل مشكلات الزواج.

ومن جانبه يقول عبد اللطيف العتواني -أخصائي نفسي-: “الظروف الاقتصادية للعديد من الأسر أجبرتها على تزويج فتياتها قاصرات؛ كون رب الأسرة غير قادر على توفير الاحتياجات الأساسية للأبناء مثل التعليم الصحة والطعام الكافي لهم والخوف من ضياع الفتاة”.

مؤكدًا: “إن شعور رب الأسرة أنه غير قادر على حماية أفراد الأسرة بسبب الوضع الذي تمر به البلاد جراء الصراع، وكذا انتشار البطالة بين الذكور المعيلين، وانقطاع مرتباتهم هي دوافع أخرى لزواج القاصرات”.

ظاهرة زواج القاصرات ليست جديدة على المجتمع اليمني، فقد تنوعت أسبابها بين الماضي والحاضر، فقد كانت العادات والتقاليد والأعراف القبلية هي الأسباب الرئيسية وراء زواج الصغيرات قبل بلوغهن السن المحدد للزواج، وتطورت إلى أن أصبح الصراع وويلاته على الأسر في اليمن سببًا أساسيًا في تنامي الظاهرة.